لماذا تجاهل "أوبك+" الضغوط الأمريكية؟
تحالف "أوبك+" قرر خفض إنتاجه من النفط بمقدار مليوني برميل في اليوم، بدءاً من نوفمبر المقبل؛ بغية كبح جماح تراجع الطلب، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة "قراراً خاطئاً"، وقالت إنها ستتخذ خطوات لضمان حماية السوق وخفض الأسعار.
Table of Contents (Show / Hide)
وقال التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية جنباً إلى جنب مع روسيا والإمارات العربية المتحدة، في مؤتمر صحفي، الأربعاء 5 أكتوبر 2022، إن القرار يهدف لحماية السوق وإعادة التوازن له.
وهذا الخفض هو الأكبر منذ تقليص الإنتاج عام 2020، تماشياً مع تداعيات الجائحة، وهو يهدف لمواجهة تراجع الطلب وتداعيات التضخم العالمي وزيادة أسعار الفائدة الأمريكية والصعود المتواصل للدولار.
وهوت الأسباب السابقة بأسعار النفط إلى 90 دولاراً (الأربعاء 5 أكتوبر) مقارنة بـ120 دولاراً، في يوليو الماضي، وقرابة 140 دولاراً في مارس.
وصدر القرار رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها واشنطن للحيلولة دون صدوره، وقال التحالف إنه يسعى من خلاله لمنع التقلبات وليس لاستهداف سعر معين للبرميل.
وقال وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي للصحفيين قبل الاجتماع: إن "القرار (المرتقب) فني وليس سياسياً". وأضاف: "لن نستخدم التحالف كمنظمة سياسية".
وبعد صدور القرار قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظرائه في دول التحالف: إن الخفض الفعلي للإنتاج "سيكون ما بين مليون إلى 1.1 مليون برميل يومياً"؛ في إشارة إلى أن بعض دول التحالف لا تنتج فعلياً ما يوازي حصتها المتفق عليها.
خيبة أمل أمريكية
قبل يوم من اجتماع "أوبك+"، بذل كبار مسؤولي البيت الأبيض جهوداً لثني السعودية والإمارات والكويت ودول أخرى عن المضي قدماً في هذا الاتجاه؛ حتى لا تدفع أسعار الوقود في الولايات المتحدة نحو مزيد من التحليق.
ونقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤول أمريكي، يوم الثلاثاء، أن كبار مسؤولي البيت الأبيض ضغطوا بقوة لمنع قرار الخفض، حتى إنهم كلفوا وزيرة الخزانة جانيت يلين بإبلاغ الدول المعنية بأنه "سيُنظر إليه كعمل عدائي ضد الولايات المتحدة".
لكن البيت الأبيض نفى أن تكون "يلين" أبلغت الرسالة على هذا النحو الغاضب، وقال إن ما نشرته "سي إن إن" كان مجرد مسودّة لم يتم إبلاغها للدول المعنية.
الرئيس جو بايدن أعرب عن خيبة أمله من القرار الذي وصفه مستشاره للأمن القومي جيك سوليفان وكبير المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض بريان ديس، في بيان مشترك، بأنه "قصير النظر".
ونقل البيان عن سوليفان أن بايدن سيوجه بإطلاق النفط من الاحتياطي الاستراتيجي حسب الحاجة، وأن الإدارة ستتشاور مع الكونغرس بشأن أدوات وآليات إضافية لتقليص تحكم "أوبك+" في أسعار الطاقة.
يحمل هذا الحديث تلويحاً جديداً بقانون "لا لتكتلات إنتاج وتصدير النفط" (نوبك)، الذي حرّكة مجلس الشيوخ الأمريكي، في مايو الماضي؛ بهدف إخضاع دول "أوبك+" للمساءلة وربما للعقوبات، بموجب قوانين مكافحة الاحتكار.
خطوات مضادة
بعد القرار نقلت وكالة "رويترز" عن محللي "سيتي بنك" أنه ربما يثير غضب إدارة بايدن قبل انتخابات التجديد النصفي الأمريكية، وربما يستدعي "ردة فعل سياسية"، في إشارة إلى "نوبك".
لكن منسق الاتصالات في مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي قال في تصريحات لقناة "فوكس نيوز" إن القرار لا يعني أن زيارة بايدن للسعودية كانت مضيعة للوقت؛ لأن التحالف لا يقر تخفيضات كبيرة منذ الزيارة، منتصف يوليو 2022.
كما أن زيارة بايدن "تضمنت أيضاً محادثات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في أمور لا تتعلق بالنفط"، بحسب كيربي، الذي أكد أنها تناولت أيضاً "أهدافاً وطنية استراتيجية".
بيد أن كيربي قال أيضاً إن على بلاده تقليل اعتمادها على النفط الأجنبي من "أوبك+" أو من غيره.
وفي تأكيد لحديث كيربي نقلت "رويترز" عن مصادر في "أوبك" أن التخفيضات ستكون أقل عمقاً مما تبدو عليه؛ لأنها ستُبنى على أرقام خط الأساس الحالية، ما يعني أنها ستكون بمقدار 2% من الاستهلاك العالمي.
الأمر نفسه رجّحه محللون من "جيفريز جروب" للاستشارات، حيث قدّروا التخفيضات الحقيقية بنحو 900 ألف برميل يومياً.
وردّاً على الموقف الأمريكي من السعودية بعد القرار قال وزير الخارجية أنتوني بليكن، خلال مؤتمر صحفي في تشيلي (الأربعاء 5 أكتوبر)، إن واشنطن لديها مصالح متعددة مع الرياض.
غير أن تصريحات بلينكن وكيربي لم تمنع المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيار، من القول إن القرار "كان خاطئاً"، وإنه "يصب في مصلحة روسيا الخاصة، ويعني أن دول التحالف تصطف إلى جانب موسكو".
وأضافت بيار، في تصريحات خلال سفر بايدن إلى ولاية فلوريدا، أن الرئيس "أمر بالنظر في كل ما من شأنه الحفاظ على استقرار أسعار النفط".
قرار يحاكي السوق
الخبير الكويتي في أسواق الطاقة المهندس فراس السالم قال إن قرار "أوبك +" يحاول مواجهة تحديات السوق، وإن الولايات المتحدة وأوروبا تتحملان جزءاً كبيراً من الأزمة وليس منتجي النفط أو الغاز.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين" قال السالم: إن "مشكلة أمريكا وأوروبا أنهما بعيدتان عن العقلية التجارية لدول الشرق الأوسط، ولم تحاولا توثيق الشراكة مع دول الخليج خلال السنوات الماضية".
وأضاف السالم أن دول الخليج تحديداً لا يمكنها التخلي في وقت الشدة عن عملاء آسيويين موثوقين تحولوا إلى شركاء أساسيين خلال السنوات الماضية.
وقال إن منتجي النفط الخليجيين تحديداً لا يمكنهم تحويل كميات النفط الآسيوية المتفق عليها إلى الغرب لأسباب سياسية أو بسبب عقوبات فرضتها دول على دول أخرى، ولم يكن الخليج طرفاً فيها.
ويرى السالم أن الولايات المتحدة تدرك هذه التعقيدات جيداً، وتدرك أيضاً أن بقية دول العالم ليست لديها التعقيدات الفنية واللوجستية التي تعمق أزمة الطاقة في أوروبا، مشيراً إلى أن واشنطن تحاول الاستفادة من هذه الأزمة لبيع مزيد من الغاز لأوروبا.
كما أن الوضع الراهن في أوروبا هو وضع استثنائي، ومن ثم لا يمكن لدول الخليج أو الدول المصدرة للنفط والغاز دفع ثمن هذا الوضع عبر الإخلال بتعاقدات طويلة الأم
الحل في أوروبا
مع ذلك تستطيع دول أوروبا التحرك لخلق مشروعات طاقة مع الدول العربية والخليجية الغنية بالنفط والغاز، وضخ مزيد من الاستثمارات في هذا القطاع لضمان استمرار تدفق الإمدادات وتجاوز الأزمة، وفق السالم.
وبإمكان أوروبا أيضاً أن تعيد التعاقد لتشغيل المصافي العربية التي أوقفتها ورفضت تجديد تراخيصها قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية؛ مثل مصفاتي النفط الكويتيتين في روتردام الهولندية ونابولي الإيطالية، بل ويمكنها التعاقد على فتح مصافٍ جديدة، وهو ما لم يحدث، كما يقول الخبير الكويتي.
ويضيف السالم أن تأميم المصافي الروسية في ألمانيا يعطي انطباعاً سيئاً كذلك عمّا يمكن أن تحدثه القرارات السياسية من تدمير للمصالح الوطنية بالخارج.
ولفت الخبير الكويتي أيضاً إلى أن الولايات المتحدة سبق لها أن رعت إنتاج النفط الصخري لكبح قوة "أوبك"، وهو قرار "يوازي ما تسميه الخارجية الأمريكية عملاً عدائياً إن لم يفوقه".
وأضاف أن أي تصعيد أمريكي في هذا التوقيت سيكون مدمراً للولايات المتحدة على المدى البعيد؛ لأن دول "أوبك" لن تقبل إملاءات لتحديد سياستها الإنتاجية حسب مصالح واشنطن ومكتسباتها السياسية والعسكرية.
ولفت إلى واشنطن ستمضي قدماً في إقرار "نوبك" عاجلاً أو آجلاً؛ "لأنه يخدم مصالحها"، لكنه قال أيضاً إن حلفاء واشنطن الغربيين لن يتحملوا تطبيقه الآن في ظل حالة الاختناق التي يعانيها الاقتصادي العالمي.
المصدر: الخليج اونلاين