لماذا أصبحت مخيمات اللاجئين هدفًا للاحتلال في غزة؟
صعَّد جيش الاحتلال في الأيام الأخيرة قصفه الجوي على قطاع غزة، ولم تسلم مخيمات اللاجئين المكتظة بالسكان من الهجمات الإسرائيلية الممنهجة، كما شُيدت مخيمات إضافية بسبب نزوح نحو 1.8 مليون من أهالي غزة الذين كُتب عليهم الترحال والتهجير منذ نكبة 1948.
Table of Contents (Show / Hide)
هذه المخيمات لو اشتعلت النيران في أحد منازلها لاشتعل المخيم من أوله لآخره، نظرًا لتلاصق المنازل وضيق المساحة، ومع ذلك جعلها الاحتلال أهدافًا مشروعة أكثر من مرة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وعرضها لمداهمات مختلفة عن سابقاتها في عدة جوانب، فلماذا تفتح “إسرائيل” النار على المخيمات الفلسطينية؟ ولماذا ترغب باقتطاع شمال غزة وفصله عن الجنوب؟.
مخيمات شاهدة على النكبة
أنشئت مخيمات اللاجئين في البداية لإيواء مئات الآلاف من الفلسطينيين – مؤقتًا – الذين طردوا من أراضيهم وفقدوا سبل عيشهم بسبب صراعين متتاليين: حرب عام 1948، عندما أُجبر أكثر من 750 ألف فلسطيني على ترك منازلهم لقيام دولة الاحتلال، وحرب عام 1967، عندما حاربت “إسرائيل” تحالفًا من الجيوش العربية واستولت على الأراضي التي كانت تسيطر عليها مصر وسوريا والأردن، بما في ذلك قطاع غزة.
بُنيت هذه المخيمات، التي كان من المفترض أن تكون مؤقتة، على مدى عقود، ووصفتها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) – التي تأسست في العام التالي للنكبة، لتتولى شؤون قرابة 5.6 مليون فلسطيني ممن أُجبروا على مغادرة بلادهم وديارهم – بأنها “كتل شديدة الازدحام من المباني متعددة الطوابق ذات الأزقة الضيقة”، وتقول إنها من بين البيئات الحضرية الأكثر كثافة في العالم.
هناك 8 مخيمات رئيسية للاجئين الفلسطينيين يسكنها ثلثا سكان غزة البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة، لذلك تُصنَّف بأنها من المناطق الأعلى كثافة سكانية في العالم
وبحسب تعريف الأونروا، وهي الهيئة التي تقدم الخدمات الإنسانية للاجئين في المخيمات، بما في ذلك الصحة والتعليم، فإن اللاجئ الفلسطيني هو “كل شخص كان يقيم في فلسطين خلال الفترة بين يونيو/حزيران 1946 ومايو/أيار 1948، وفقد بيته ومورد رزقه وأرضه نتيجة حرب عام 1948”.
أما المخيم بحسب تعريف الوكالة، فهو “قطعة من الأرض تم وضعها تحت تصرف الوكالة من الحكومة المضيفة بهدف إسكان اللاجئين الفلسطينيين وبناء المنشآت للاعتناء بحاجاتهم”.
ووفقًا لهذا التعريف، يوجد 58 مخيمًا معترفًا به للاجئين الفلسطينيين تتوزع بين الضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى الدول العربية المجاورة، وتحديدًا لبنان وسوريا والأردن، ويعيش فيها ثلث اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا، أي نحو مليون ونصف لاجئ.
وتشير الأونروا إلى أن العدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين المسجلين ارتفع من 750 ألفًا عندما بدأت عملياتها في عام 1950، إلى 5.9 مليون لاجئ فلسطيني مؤهلين للحصول على خدمات الأونروا، ويشمل هذا العدد الفلسطينيين المؤهلين خارج غزة.
ووفقًا لوكالة الأونروا، فإن هؤلاء لا يعيشون جميعهم في مخيمات، وتقول إن “ثلثي لاجئي فلسطين المسجلين يعيشون في وحول المدن والبلدات” في البلدان المضيفة مثل الأردن ولبنان، وكذلك في الضفة الغربية وقطاع غزة، وغالبًا ما يكونون بالقرب من مخيمات اللاجئين الرسمية في قطاع غزة، ويعتمدون على المساعدات الإنسانية من أجل تدبير أمورهم والبقاء على قيد الحياة.
وحتى قبل العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة المحاصر في 7 أكتوبر/تشرين الأول، كانت المخيمات من أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان في العالم، وكانت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المخيمات تتسم عمومًا بالفقر وظروف الحياة المكبلة والبنية التحتية غير الملائمة.
وتكدس العديد ممن فروا من منازلهم بشمال غزة في مدينتي خان يونس ورفح الجنوبيتين، حيث تدير الأمم المتحدة أيضًا مخيمات للاجئين، وحتى الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كان أكثر من 530 ألف شخص يقيمون في منشآت الأونروا وسط غزة وخان يونس ورفح.
ويعيش اللاجئون في ظروف معيشية بائسة: الغذاء نادر، وانقطاع التيار الكهربائي أمر روتيني يضر بسبل عيش الناس وإمكانية حصولهم على الخدمات الأساسية، ونحو 95% من سكان المخيمات لا يحصلون على المياه النظيفة بشكل مستمر، وما يقرب من نصف السكان عاطلون عن العمل، ولا يحصل من تبقى من اللاجئين على فرص العمل المناسبة.
الحديث عن معاناة هؤلاء اللاجئين داخل المخيمات يطول، لكن مسيرة أكثر من 7 عقود في تاريخ الفلسطينيين لا يرى تفاصيلها سوى من عاشوا بداخل مخيمات صُنعت من قماش، وتحولت إلى بيوتًا مبنية في أزقة لا ترى فيها الشمس، لكن شعور الضياع بفقدان الوطن وطعم الغربة المر ومشقة العيش بقيت نفسها قديمًا وحديثًا وبعيدًا عن الوطن الأم.
مخيمات غزة الثماني
أدى الحصار المفروض على القطاع منذ سنوات إلى اعتماد 80% من السكان على المساعدات الدولية، ما أدَّى إلى إفقار وتراجع تنمية مجتمع يتمتع بمهارات عالية وتعليم جيد، ويبلغ متوسط معدل البطالة في القطاع أكثر من 41%، وهو واحد من أعلى المعدلات في العالم وفقًا للبنك الدولي.
في تلك المساحة الضيقة ذات الكثافة السكانية العالية جدًا، هناك 8 مخيمات رئيسية للاجئين الفلسطينيين تشكل المشهد الاجتماعي والإنساني، وأُنشئت جميع تلك المخيمات قبل عقود من الزمن لإيواء اللاجئين الفلسطينيين الفارين من الحروب، ويسكنها ثلثا سكان غزة البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة، لذلك تُصنَّف بأنها من المناطق الأعلى كثافة سكانية في العالم.
لم يسلم المخيم من انتهاكات قوات الاحتلال التي ارتكبت مجازر عدة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واستهدفت المخيم أكثر من مرة بغارات جوية وقصف المدفعية.
وبعد مرور أكثر من 75 عامًا على النكبة، أصبحت هذه المخيمات موطنًا لنحو 1.7 مليون لاجئ وفقًا للأمم المتحدة، ومع استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع، أصبحت المخيمات الثماني الآن أكثر اكتظاظًا بآلاف الأشخاص الذين تركوا منازلهم في شمال غزة هربًا من القصف الإسرائيلي.
وفي حين أن مصطلح “مخيم اللاجئين” يستحضر في الأذهان صور الأشخاص الذين يعيشون في الخيام، فقد حلَّت المباني الأسمنتية متعددة الطوابق محل الخيام في غزة منذ فترة طويلة، لكن الظروف في المخيمات المنتشرة حول القطاع كانت بالفعل من بين الأسوأ في المنطقة، حتى قبل أن تبدأ “إسرائيل” قصفها المتواصل على القطاع في أعقاب عملية “طوفان الأقصى”.
ووفقًا لأرقام ما قبل الحرب، كان يعيش أكثر من 620 ألف شخص في أقل من 6.5 كيلومتر مربع من الأرض، وتدهورت الظروف الاجتماعية والاقتصادية في القطاع المحاصر خلال العقد ونصف الماضيين، وكان هذا التدهور حادًا بشكل خاص في المخيمات، التي تعد موطنًا لبعض الأسر الأكثر فقرًا، ويكمن جزء من المشكلة في أنها لم تُبنى لتدوم أو تدعم عدد الأشخاص المحتاجين اليوم.
ويمكن القول إن غزة ككل تحولت إلى مخيم كبير للاجئين، ويؤكد المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي أنه قبل عام 1948، لم تكن غزة تُعرف باسم “القطاع” ولكنها كانت مدينة عالمية ذات ثقافة غنية ومتنوعة، وأن مصطلح “قطاع غزة” ظهر بعد عام 1948، في أعقاب الغزو الإسرائيلي، وأعاد تشكيل هوية غزة وجغرافيتها.
مخيم جباليا
يقع مخيم جباليا في الطرف الشمالي من القطاع المحاصر، واستقر فيه اللاجئون الذين فروا من قرى جنوب فلسطين بعد حرب عام 1948، ويغطي اليوم مساحة قدرها 1.4 كيلو متر مربع فقط، يعيش في هذه المساحة الصغيرة أكثر من 116 ألف لاجئ فلسطيني وفق إحصائيات وكالة الأونروا، ما يجعله أحد أكثر المخيمات اكتظاظًا بالسكان في غزة.
ويعد جباليا أكبر مخيمات اللاجئين في قطاع غزة أو كما يحبّ سكانه تسميته بـ”مخيم الصمود”، حيث بدأت فيه الانتفاضة الأولى (انتفاضة الحجارة) ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في عام 1987، ويقع بالقرب من معبر إيرز الحدودي بين قطاع غزة و”إسرائيل”، ويعبر من خلاله يوميًا عشرات الآلاف للعمل في المستوطنات الإسرائيلية.
وكان المخيم نقطة محورية إستراتيجية في الحروب على مر السنين بسبب جغرافيته وقيمته، وقد احتل المخيم عناوين الأخبار عندما تعرض للقصف مرارًا وتكرارًا منذ بدء الهجوم، فلم تمر أيام على قصف مستشفى المعمداني الوحشي في ساعات الليل الأولى من يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الذي قُتل على إثره نحو 500 شخص معظمهم من الأطفال والنساء، حتى جاء ما هو أصعب على الناس تصديقه، حين قصف جيش الاحتلال مخيم جباليا الممتلئ عن آخره بالبشر، فيما بات يُعرف بـ”مجزرة جباليا”.
بعد اللحظات الأولى للقصف الذي دمر حيًا سكنيًا يضم عدة مربعات سكنية، سجل المستشفى الإندونيسي في غزة القريب من المخيم أكثر من 400 ضحية بين شهيد وجريح، ولا يُعرف العدد الصحيح حتى اللحظة، وبناءً على الجروح والحروق التي تعرض لها الضحايا، هناك احتمال، بحسب المستشفى الإندونيسي، أن “إسرائيل” استخدمت في قصفها أسلحة محرمة دوليًا.
ورغم زعم قوات الاحتلال السيطرة العملياتية على جباليا ومخيمها، فإن الاشتباكات وتصدي المقاومين للتقدم متواصلة على محاور المخيم، في وقت ارتكبت فيه قوات الاحتلال عدة مجازر في المخيم، وأبادت أحياء بأكملها منها الفالوجا والقصاصيب والبلوك رقم 2 وسط المخيم، مع تدمير كامل لمراكز ومدارس وكالة الأونروا، وأوقعت الآلاف بين شهيد وجريح.
مخيم الشاطئ
يعيش في مخيم الشاطئ الواقع على مشارف مدينة غزة قرابة مائة ألف لاجئ فلسطيني، وتعود أصول معظم سكانه إلى قرى وبلدات هجَّر أهاليها عام 1948، ويعتبر من أكبر المخيمات في قطاع غزة، وواحدًا من أكثر المخيمات ازدحامًا، تم بناؤه على مساحة نصف كيلو متر مربع، وغالبًا ما تكون الشوارع والأزقة فيه ضيقة جدًا، والمساكن متلاصقة ومتراصة فوق بعضها البعض، ويصنف بكونه من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية.
ويفتقد المخيم – الواقع غرب مدينة غزة على ساحل البحر المتوسط – كغيره من المخيمات الفلسطينية للمرافق الترفيهية والاجتماعية العامة، وبسبب منع الاحتلال الصيد في قطاع غزة، تأثرت حياة الآلاف داخل المخيم الذين فقدوا عملهم في الصيد، ويُضاف هذا إلى المشكلات التي يعاني منها أهالي المخيم، مثل انقطاع الكهرباء وارتفاع معدلات البطالة وعدم توفر مياه نظيفة.
كان المخيم هدفًا متكررًا لقوات الاحتلال، حيث قُصف ودُمر على مدار 7 أشهر من الحرب المتواصلة على قطاع غزة، وورد أن “إسرائيل” قصفت المخيم بقنابل فوسفورية، ودمرت مربعات سكنية بالكامل، وقصفت عشرات المباني فوق رؤوس ساكنيها، وشهد المخيم تظاهرات رافضة للنزوح وداعمة للمقاومة، واشتباكات عنيفة بين قوات الاحتلال ومقاتلي المقاومة على مشارفه.
وبعد استهداف مخيم جباليا بساعات، استهدف جيش الاحتلال تجمعًا للسكان بمخيم الشاطئ في أثناء الحصول على المياه، ما أدى إلى وقوع عشرات الضحايا والجرحى، كما استهدف 3 من أبناء رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، و3 من أحفاده في استهداف مركبة خاصة بهم بالمخيم.
وفي نوفمبر/تشرين الأول الماضي، أجبر الاحتلال أهالي المخيم على النزوح قسرًا إلى جنوب القطاع، بعد إصداره أوامر بالإخلاء الفوري إلى جنوب القطاع عبر شارع صلاح الدين، ثم استهدفت قوات الاحتلال بالمدفعية والقصف الجوي النازحين في أثناء عبورهم الشارع.
مخيم دير البلح
اكتسب اسمه من بلدة تحمل نفس الاسم، ويعيش فيه نحو 26 ألف لاجئ فلسطيني مسجلين لدى الأونروا، وتأثر كغيره من المخيمات بالقيود التي تفرضها “إسرائيل” على صيد الأسماك، ويعاني أيضًا من انعدام مياه الشرب وانقطاعات متكررة في التيار الكهربائي.
تعرض المخيم لقصف إسرائيلي عنيف بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من بينها غارة إسرائيلية على مخيم داخل مستشفى شهداء الأقصى أودت بحياة العشرات، وذلك على فترات زمنية متقطعة شهدت أيضًا وجودًا للمقاومة التي استهدفت جرافة عسكرية إسرائيلية من نوع “D9” بقذيفة “الياسين 105” خلال معارك دير البلح.
مخيم البريج
يقع المخيم في وسط قطاع غزة، بجانب مخيمي المغازي والنصيرات، وبُني في خمسينيات القرن الماضي، وجاء معظم اللاجئين الذين استقروا فيه من المدن الفلسطينية الواقعة شرق غزة، ويعيش فيه أكثر من 46 ألف لاجئ فلسطيني مسجلين لدى الأونروا، اعتبارًا من يوليو/تموز 2023.
أكثر ما يميز المخيم عن غيره هو موقعه القريب من وادي غزة، وهو عبارة عن بركة صرف صحي مفتوحة تتدفق منها مياه الصرف الصحي إلى البحر، ما أدى إلى تفاقم المخاطر الصحية والبيئية وانتشار الأمراض بين اللاجئين، وتعتبر 90% من مياه المخيم غير صالحة للاستهلاك البشري.
ولم يسلم المخيم من انتهاكات قوات الاحتلال التي ارتكبت مجازر عدة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واستهدفت المخيم أكثر من مرة بغارات جوية وقصف المدفعية ما أدى إلى تدمير المنازل وسقوطها فوق رؤوس ساكنيها، واستشهاد عشرات المدنيين، كما شهد اشتباكات بين مقاتلي المقاومة وقوات وآليات الاحتلال المتوغلة شرق مخيم البريج وسط قطاع غزة.
مخيم رفح
يقع مخيم رفح بالقرب من الحدود المصرية، ويعيش سكانه الذين وصل عددهم إلى 130 ألف لاجئ في أماكن مزدحمة على طول شوارع المخيم، وأُضيف إليهم في الأشهر الأخيرة أكثر من مليون نازح نتيجة القصف المتواصل على مختلف مناطق غزة، ونشط فيه قبل سنوات اقتصاد الأنفاق لتهريب البضائع، قبل أن تهدم مصر هذه الأنفاق.
وشهدت رفح مؤخرًا مجزرة مروعة وُصفت بـ”محرقة رفح”، وأُضيفت إلى سلسلة مجازر الاحتلال الدموية، واستهدف خلالها مخيمًا مكتظًا بالنازحين قرب مخازن الأونروا، وهي منطقة لجأ إليها النازحون بناءً على منشورات إخلاء من الاحتلال دعاهم للتوجه إليها باعتبارها منطقة أكثر أمانًا من تلك التي نزحوا منها، قبل أن ينفذ فيها هجماته المميتة التي راح ضحيتها عشرات الشهداء والمصابين.
مخيم خان يونس
يقع المخيم شمال مدينة رفح، وجاء معظم اللاجئين الذين يعيشون فيه بعد النكبة من منطقة المجدل، ويبلغ عددهم نحو 88 ألف لاجئ فلسطيني، ويعاني المخيم – كما هو الحال في أغلب مخيمات اللجوء بقطاع غزة – من تدهور كبير في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، والاكتظاظ السكاني والغياب المتكرر للكهرباء ونقص إمدادات المياه الصالحة للشرب ونقص في المساكن، بالإضافة إلى ارتفاع معدل البطالة.
أبرز ما يميز المخيم هو وقوعه بالقرب من شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وقلة المساحة المخصصة للعيش، وارتباطه برئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس في غزة يحيى السنوار، حيث شهد مسقط رأسه ونشأته بعد تهجير عائلته من مدينة مجدل في عسقلان، ما جعله معقلًا للمقاومة وهدفًا للاحتلال.
ومنذ بدء العدوان على غزة، عمد جيش الاحتلال إلى استهداف المخيم، ودمر فيه مباني سكنية عدة بعد إعلان الحرب على قطاع غزة، واجتاح المدينة ومخيمها بزعم أنها مركز عمليات حماس العسكرية، لكن ذلك لم يكن سهلًا على قوات الاحتلال، ففي كثير من الأحيان ردت المقاومة باستهداف آليات الاحتلال وجنوده عبر كمائن كان أبرزها “كمين الزنة“.
مخيم المغازي
يقع المخيم في وسط قطاع غزة، وهو من أصغر مخيمات القطاع، ويعيش فيه نحو 33 ألف لاجئ فلسطيني على مساحة أكثر من نصف كيلومتر مربع بقليل، ما اضطر الأهالي لبناء المساكن متلاصقة أو بناء طوابق إضافية تتسم بالعشوائية في ظروف معيشية صعبة وغير مناسبة.
ولم يكن هذا المخيم استثناءً من القصف الإسرائيلي المتواصل على غزة، فقد استهدف جيش الاحتلال بالطيران عددًا من المباني وقضى على جهود إعادة الإعمار، وارتكب عددًا من المجازر التي أسفرت عن استشهاد وإصابة المئات ونزوح الآلاف.
وفيما عُرفت بـ”مجزرة مخيم المغازي”، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، استشهد أكثر من 45 فلسطينيًا في غارة جوية إسرائيلية على المخيم ألحقت أضرارًا جسيمة بالمنازل والبنية التحتية، ومن بين الشهداء 4 أطفال و4 أشقاء للمصور الصحفي الفلسطيني محمد العالول.
مخيم النصيرات
كما هو الحال بالنسبة لمخيمي البريج والمغازي، يقع مخيم النصيرات في وسط قطاع غزة، وتأسس عام 1948، وتبلغ مساحته نحو 10 كيلومترات مربعة، وسُمّي نسبة إلى قبيلة عرب النصيرات، وكان معتقلًا عسكريًا تابعًا للانتداب البريطاني أُطلق عليه اسم “الكلبوش”.
النصيرات من أكثر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ازدحامًا، وثالث أكبر المخيمات في القطاع، بلغ عدد سكانه 16 ألف لاجئ فلسطيني هجرتهم إليه العصابات الصهيونية منها “البالماخ” عام 1948، ومع الاكتظاظ السكاني والعمراني، تجاوز عدد سكان المخيم 85 ألف لاجئ، ويضم حاليًّا أكثر من 250 ألف فلسطيني، أكثر من نصفهم من المهجَّرين بحسب تقديرات أممية.
شارك أهالي المخيم في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وتعرضوا للتنكيل من سلطات الاحتلال، واستمر سلوك الاحتلال منذ الأيام الأولى للحرب على غزة، حيث استهدف الاحتلال المخيم بالقصف المكثف، ودمر مربعات سكنية كاملة، وفرض حصارًا على سكانه، وأجبرهم على النزوح القسري نحو جنوب قطاع غزة.
ومع محاولة “إسرائيل” توسيع المنطقة العازلة التي تريد إقامتها داخل القطاع، جرت اشتباكات عنيفة بين مقاومين وقوات الاحتلال المتوغلة شمال المخيم، وقالت سرايا القدس إن مقاتليها نفذوا عملية استخباراتية، وسيطروا على طائرات إسرائيلية.
مخيمات الضفة الغربية
منذ الإعلان عن تأسيس دولة الاحتلال في مايو/أيار 1948، فر نحو 180 ألف شخص إلى غزة، بينما توزع الباقون على عدة مخيمات في الضفة الغربية المحتلة التي يقطنها اليوم أكثر من 828 ألف لاجئ فلسطيني مسجل لدى الأونروا، موزعين على 19 مخيمًا أُنشئ معظمها في الخمسينيات من القرن الماضي، بالإضافة إلى 5 مخيمات أخرى لا تعترف بها الأونروا.
يعيش ربع لاجئي الضفة في المخيمات، بينما يعيش الآخرون في المدن والقرى، يقع 11 مخيمًا في المنطقة (أ) الواقعة كليًا تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وتقع 6 مخيمات في المنطقة (ب) ذات الحكم المشترك بين السلطة والاحتلال، الذي يسيطر على مخيم شعفاط في القدس ومخيم قلنديا في المنطقة (ج).
تعاني مخيمات الضفة من المساحة الضيقة والاكتظاظ الشديد، ويعيش نحو 26% من اللاجئين تحت خط الفقر الشديد، ويعاني نصف سكان المخيمات من البطالة.
أبرز مخيمات الضفة هو مخيم جنين الذي يقع في الجانب الغربي من مدينة جنين شمال الضفة الغربية، وهو ثاني أكبر مخيمات الضفة، وتأسس عام 1953 بعد نزوح فلسطينيين من قرى عدة، وخصوصًا في حيفا ومحيطها، ويقطنه نحو 14 ألف لاجئ وعشرات المقاتلين الفلسطينيين المنتمين إلى حركتي الجهاد الإسلامي وفتح، يعيشون على مساحة تقل عن نصف كيلومتر مربع، ويتلقى أغلبهم مساعدات من الأونروا.
أصبح المخيم خاضغًا للسلطة الفلسطينية في منتصف التسعينيات، لكنه ظل على الدوام في عين قوات الاحتلال التي شنت عليه هجومًا واسع النطاق بدعم من سلاح الجو أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 12 فلسطينيًا، وبات عرضة للاجتياح الإسرائيلي عدة مرات، الأمر الذي أدى إلى تدمير الكثير من المباني وتعطيل حركة الإعمار.
وشهد المخيم الذي فرض لنفسه صورة المنطقة العصية على الاحتلال، وتحول إلى ساحة قتال لا تهدأ، الكثير من الاضطرابات على مدى عقود، وظل الجزء الأكثر حيوية في المدينة، على الرغم من تدميره في الهجوم الإسرائيلي خلال انتفاضة عام 2002، وكان دائمًا مركزًا لجماعات المقاومة الفلسطينية، على الرغم من المحاولات الإسرائيلية المستمرة للقضاء عليها، وأصبح المكان الثاني بعد غزة الذي لم تتمكن “إسرائيل” من احتلاله بالكامل، لهذا السبب يحاول الإسرائيليون إسقاط شعب جنين.
وبالانتقال إلى جنوب غرب أريحا، حيث يقع مخيم عقبة جبر، الذي يقطنه نحو 10 آلف لاجئ وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، اعتاد المخيم الاعتداءات الإسرائيلية التي كان آخرها إصابة 3 فلسطينيين، واعتقال اثنين آخرين، خلال اقتحام قوات الاحتلال للمخيم.
وفي داخل محافظة طولكرم، أُنشئ مخيم نور شمس الذي لا يقل عدد سكانه عن 7 آلاف، واقتحمته قوات الاحتلال أكثر من مرة، واندلعت إثر ذلك مواجهات عنيفة أسفرت عن استشهاد شاب فلسطيني.
ورابع أبرز المخيمات وأكبرها حجمًا في الضفة الغربية هو مخيم بلاطة، ويقع شرقي مدينة نابلس على مساحة نصف كيلومتر مربع، ويسكنه قرابة 16 ألف لاجئ، واقتحمته قوات الاحتلال أكثر من مرة، وألحقت أضرارًا بعشرات المنازل والمحلات التجارية.
وفي شمال شرقي نابلس، أُقيم مخيم عسكر على مساحة تبلغ اليوم عُشر كيلومتر مربع، ويتكدس فيه الآن نحو 18 ألف لاجئ، ويتعرض عادة للاقتحامات المتكررة كحال المخيمات الأخرى.
لماذا المخيمات؟
خلال الشهر الأول من العدوان الإسرائيلي على غزة، أبلغت الأمم المتحدة أن 5 من أصل 8 مخيمات تعرضت للقصف الإسرائيلي، ولم يمر الكثير حتى باتت جميع المخيمات في عين الهجمات الإسرائيلية، بل وتعرض بعضها للاستهداف أكثر من مرة، ولم يعد بعضها الآخر قادرًا على استيعاب أعداد النازحين قسرًا من مدن القطاع المختلفة.
وفي هذه الحرب، تدعي “إسرائيل” أن حماس “تستخدم سكان غزة كدروع بشرية”، وتبرر قصفها للعديد من مخيمات اللاجئين بأن “مقاتلي حماس يتحصنون في المناطق السكنية إما للاختباء وإما لشن هجمات على السكان المدنيين، وأن حماس تستخدم السكان كغطاء لعملياتها المسلحة”.
هذه الرواية المضللة رددتها “إسرائيل” مرارًا وتكرارًا في أعقاب الضربات التي ألحقت أضرارًا بالعديد من المدارس التي تديرها الأمم المتحدة وتستضيف النازحين، وادَّعت أنها استهدفت أعضاء حماس والأنفاق المحفورة تحت المخيم، وبررت فعلتها بأن “جباليا هي معقل خاص، حيث تختبئ العمليات المسلحة خلف السكان المدنيين”.
لكن على عكس ما يروج له الاحتلال من مبررات واهية، أدان قادة المنظمات الإنسانية، بما في ذلك العاملين في الأمم المتحدة، الهجمات على المخيمات باعتبارها “جرائم حرب محتملة”، مشيرين إلى أن الناس داخلها يعيشون بالفعل منذ أجيال في ظروف يرثى لها دون أي وسيلة للهروب من الصراع.
وفي حين يدعي ممثل لجيش الاحتلال أن “حربه هي مع حماس، وليس مع العائلات الفلسطينية”، تكشف الغارات التي يشنها جيش الاحتلال مخيمات غزة، القصف المتعمد الذي يحصد أرواح المدنيين الفلسطينيين، وفي مقدمتهم النساء والأطفال، والذى أدى إلى استشهاد مئات الأشخاص وإصابة مئات آخرين.
ونتيجة للفشل العسكري والسياسي الإسرائيلي، يسعى الاحتلال للانتقام من المدنيين من النساء والأطفال، ويتنكر لقرار محكمة العدل الدولية الذي يأمر بوقف هجومه العسكري الوحشي في رفح، وبدلًا من الامتثال للقرار، يقصف مساكن في مناطق ادعى أنها “آمنة”، معتقدًا أن سياسة الأرض المحروقة هي الإنجاز الوحيد المحتمل تحقيقه في تلك المعركة.
ومع شعور رئيس الحكومة ومجلس الحرب وأعضاء اليمين المتطرف بخيبة الأمل، وارتفاع صوت الإدانات الدولية لجرائمهم الجديدة في رفح، إلا أنهم يرفضون حصر الخيارات في وقف الحرب، ويصرون على استكمال التوغل في رفح أيًا كانت النتائج المحتملة، ووصل الجنون الناتج عن الفشل المستمر على مدار قرابة 8 أشهر إلى حد اتهام وكالة الغوث الدولية بأنها منظمة “إرهابية”.
ومع ما تشهده دولة الاحتلال من موجة مظاهرات غاضبة وانقسامات سياسية ومطالبات بإقالة الحكومة وإتمام صفقة تبادل مع المقاومة، يبحث الاحتلال عن انتصار مزعوم بعد تعثره في تحرير أسراه، وتعرض قواته لكمائن محكمة تنفذها المقاومة في عمق المخيمات، ووقوعها في فخاخ لم يعهدوها، كان آخرها أسر جنود بعد استدراجهم إلى أحد الأنفاق بمخيم جباليا، رغم ادعاء الاحتلال القضاء على معظم قوات المقاومة.
وربما تعتقد “إسرائيل” أنها بذلك تدفع المقاومة إلى الخلف وتمنعها من التصدي لقواتها وتوسيعها المنطقة العازلة ومحور نتساريم الذي أنشأته لشطر القطاع إلى نصفين، والواقع أنها ترغب في تهجير سكان المخيمات من الشمال إلى الجنوب عن طريق خلق بيئة غير صالحة للعيش، وزيادة معاناة السكان من خلال منع دخول المساعدات الإنسانية إلى السكان، ونشر الذعر بينهم بإلقاء المنشورات التي تطالب السكان بالإخلاء، وتتوعد باستهداف المنطقة في وقت معين، وفي كثير من الأحيان يحدث ذلك دون سابق إنذار.
يعيد ذلك إلى الأذهان ما حدث خلال نكبة عام 1948، عندما هجَّرت “إسرائيل” مئات الآلاف من منازلهم قسرًا ثم رفضت منذ ذلك الحين باستمرار “حق العودة” الذي أيدته الأمم المتحدة في قرار عام 1948، لكنه كان نقطة شائكة في الجولات السابقة من محادثات السلام.
ولم يتمكن سكان الشمال حتى الآن من العودة إلى منازلهم في المخيمات حتى تأذن “إسرائيل” بذلك، وقد لا يأتي موعد هذا الإذن أبدًا، فكل من حاول الاتجاه شمالًا للعودة إلى منزله كان مصيره الموت، ومع عدم وجود أفق للحرب، فإن هؤلاء يعاقبون بشكل مضاعف.
ومع قيام “إسرائيل” بتهجير السكان إلى الجنوب، قد يكون ذلك بمثابة الخطوة الأولى نحو نقلهم إلى سيناء، وتلك مخططات قديمة قدم الصراع العربي الإسرائيلي، وازداد الحديث عنها بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ويبدو أنها لم تفارق خيال المسؤولين الإسرائيليين في أثناء هجماتهم المتواصلة على المخيمات.
إلى جانب غزة، أصبحت بعض المخيمات في الآونة الأخيرة رمزًا رئيسيًا للمقاومة الفلسطينية، مثل مخيم جنين الذي يشهد في الآونة الأخيرة هجمات مكثفة من قوات الاحتلال الإسرائيلي، خاصة منذ عام 2021، ويخشى الإسرائيليون أن تصل روح المقاومة إلى أجزاء أخرى من فلسطين، ولهذا السبب يواصلون ملاحقتهم.
ولعل أكثر ما يقلق “إسرائيل” هو أن الفلسطينيين، في جنين ومخيمات أخرى، يحملون السلاح على نحو متزايد، ولا يرون أي طريق آخر للخروج من ضغوط الاحتلال، ويشعرون بخيبة الأمل إزاء تراجع فعالية السلطة الفلسطينية، حيث تضم بعض مخيمات اللاجئين مقاتلين مسلحين من عدة فصائل، ما يعني أن الإسرائيليين يعتبرونها مركزًا لما يسمونه النشاط “الإرهابي” وليس للمقاومة، ويشرِّعون لأنفسهم اجتياحها، لكن الاعتقالات والمداهمات والعقوبات المتكررة تجعل سكان المخيمات أقوى وأكثر اتحادًا وإصرارًا على الاستمرار.
ومع مرور الوقت، تتغير خريطة قواعد الاشتباك بمناطق في غزة والضفة الغربية زعم الاحتلال الإسرائيلي أنه سيطر عليها، وسط شكوك عن جدوى استمرار المعارك، ففي الوقت الذي تعلن “إسرائيل” ملاحقتها كتائب المقاومة جنوبًا، تعود المقاومة بعمليات نوعية، ويعود زخم المعارك إلى ساحات مخيمات الشمال بعمليات لم تكن في الحسبان.
المصدر: نون بوست