لبنان: المحادثات حول الغاز وصلت لـ”نقطة حاسمة”
تشير أحاديث قادة لبنان إلى أن غيوم الخلاف حول ترسيم الحدود البحرية المتلبدة منذ سنوات بين بيروت و"تل أبيب" ستمطر بغزارة بما يروي مطامع "إسرائيل" على حساب لبنان، الذي سينال زخات هو في أمسّ الحاجة إليها.
Table of Contents (Show / Hide)
الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين الذي يتنقل بين لبنان و"إسرائيل" لمحاولة التوصل لاتفاق بين الجانبين حول ترسيم الحدود البحرية أوصل رسالة إلى بيروت، السبت 1 أكتوبر 2022، بحسب ما ذكرت الرئاسة اللبنانية.
مضمون الرسالة لم يعلن، لكن بعد ساعات من وصولها قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إن مسودة الاتفاق النهائي "إيجابية"، عاداً المسودة "تلبي مبدئياً المطالب اللبنانية"، التي ترفض أن يكون لاتفاق الحدود البحرية أي تأثير على الحدود البرية بين لبنان و"إسرائيل".
من جانب آخر قال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، في كلمة تلفزيونية، إن استلام لبنان عرضاً مكتوباً من الوسيط الأمريكي بشأن ترسيم الحدود خطوة مهمة جداً، مضيفاً أن الأيام القادمة ستكون حاسمة في هذا الشأن.
والأحدث والأوضح في هذا الشأن أعلنه رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، في مؤتمر صحفي، الخميس 5 أكتوبر 2022، حيث قال: إن "ترسيم الحدود البحرية على مشارف الإنجاز".
وأضاف: "أنا شخصياً مسرور لأمرين هما أننا نتفادى حرباً أكيدة في المنطقة، وثانياً، وهذا الأهم، أنه عندما نتوحد ويكون قرارنا واحداً نستطيع الوصول إلى ما نريده جميعاً".
وساطة أمريكية
تتوسط الولايات المتحدة منذ عامين بين "إسرائيل" ولبنان للتوصل إلى اتفاق يرسم الحدود البحرية بينهما، ليزيل العقبات من أمام عمليات التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما.
ويتنازع لبنان و"إسرائيل" على منطقة بحرية غنية بالنفط والغاز في البحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كم مربع.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، ومع تواتر تحركات الوسيط الأمريكي، تداولت وسائل إعلام عبرية معلومات تفيد بوجود عرض أمريكي يقضي بأن "إسرائيل" ستتنازل عن مساحة بحرية معينة في عمق البحر.
بالمقابل سيتنازل لبنان عن مساحة بحرية معينة قريبة من الشريط الساحلي، بيد أن مسؤولين لبنانيين لم يؤكدوا هذا العرض.
المحلل السياسي عماد الشدياق قال في حديث لـ"الخليج أونلاين" إن الاتفاق وصل إلى خواتيمه الأخيرة بحسب اعتراف الحكومة اللبنانية والجهات الإسرائيلية.
ويرى الشدياق أن هذه الخواتيم "سعيدة لكنها ليست سعيدة"، مبيناً أن الداخل اللبناني "متذمر من سرية الاتفاق ومن التخلي عن الخط 29، وهو الخط اللبناني الذي رفضته إسرائيل وأمريكا ووصلنا إلى خط وسط وهو 23، والذي يعطي حقل كاريش كله إلى إسرائيل ويضمن حقل قانا للبنان".
وأضاف أن "الجهات اللبنانية لا تعرف إن كان حقل قانا يحتوي على غاز محتمل، فمن الممكن أن عمليات التنقيب تكتشف عدم وجود غاز بكميات تجارية أو اقتصادية، وهنا المشكلة؛ لكون لبنان تنازل عن الخط 29 الذي أراه خطاً غير قابل للوصول إلى اتفاق من خلاله".
الخطأ الذي ارتكبته الحكومة اللبنانية، وفق الشدياق، هو تأخرها في ترسيم الحدود، حيث رسمت مع قبرص بشكل منفرد، والآن مع "إسرائيل" بشكل منفرد أيضاً، لافتاً إلى أنه كان من المفترض خوض مفاوضات ثلاثية بين لبنان وقبرص و"إسرائيل" لكي تستطيع أن تفرض هذا الخط.
أهمية حقل كاريش
وبات حقل كاريش للغاز، الذي يقول كل من بيروت و"تل أبيب" بأنه يقع ضمن مياهها الإقليمية، في قلب النزاع على موارد الطاقة في المنطقة البحرية بين لبنان و"إسرائيل".
تقدر مساحة حقل كاريش بنحو 150 كم، كما يُقدر حجم الاحتياطات من الغاز الطبيعي في الحقل بنحو 1.3 تريليون قدم مكعب، في حين تشير تقديرات أخرى إلى أن حجم الاحتياطات يتراوح بين 1.5 تريليون وتريليوني قدم مكعب.
وسبق أن لوّح حزب الله اللبناني بالتحرك عسكرياً في حال بدء استغلال الحقل قبل التوصل إلى اتفاق، وردّت "تل أبيب" بتهديد الحزب.
الخطورة التي قد تصدر من "حزب الله" يتضح أنها زالت، وفق ما يرى المحلل السياسي عماد الشدياق، الذي يقول إن تهديدات الحزب كانت غايتها "رفع السقف وإحراج السلطات الإسرائيلية".
وقال: "اليوم حزب الله اصطف خلف الحكومة وخلف السلطة اللبنانية بموضوع الترسيم وملتزم الصمت، علاوة على هذا فإن جمهور حزب الله على مواقع التواصل الاجتماعي يحتفل بالنصر؛ حيث يقول إن المقاومة تمكنت من أن تحصل على نصر للبنان، وهذا يضمن عدم حصول اعتداء".
الأهم من هذا -وفق الشدياق- أنه في حال حصل اتفاق سينقل لبنان إلى مرحلة مهمة جداً، أي إن موضوع التهديد بالحرب سيصبح بعيداً جداً في أي حرب مستقبلية لأي أسباب؛ لأنه أصبح هناك شركات أجنبية تعمل في الغاز، سواء كان في لبنان أو "إسرائيل"، وهذا موضوع يجذب الاهتمام الدولي على الشاطئ اللبناني الإسرائيلي.
تهديدات إسرائيلية
في 22 يونيو الماضي، شدد وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، على ضرورة الإسراع في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و"إسرائيل"، موضحاً عبر "تويتر" أن الإسرائيليين لا يريدون حرباً، ومستعدون للذهاب بعيداً في طريق السلام والتسوية حيال ما يتعلق بالحدود البحرية، لافتاً لضرورة اختتامها بشكل سريع.
كما اعتبر التوصل لتسوية في هذا الملف بمنزلة "نسمة هواء نقي" بالنسبة إلى الاقتصاد اللبناني "المحتضر"، وخطوة مهمة لتعزيز استقرار المنطقة، وفق تعبيره.
إلى جانب ذلك هدد وزير الدفاع الإسرائيلي "حزب الله" اللبناني واللبنانيين بالقول: "إذا طُلب منا القيام بعملية في لبنان فستكون قوية ودقيقة".
ويعيش لبنان الآن في ثالث سنة من الانهيار المالي، الذي جعل ثمانية من كل عشرة أشخاص فقراء، وفق البنك الدولي، الذي اتهم في تقرير له، مطلع أغسطس الماضي، السياسيين اللبنانيين بالقسوة والانتهازية، مشيراً إلى أن "إضعاف تقديم الخدمات العامة جاء بشكل مُتعمد لإفادة فئة محدودة على حساب الشعب اللبناني".
يعتقد عماد الشدياق أنه في حال تمت الاتفاقية فإن أثرها على الاقتصاد اللبناني سيكون له "أثر المخدر"؛ مبيناً: "سيعمل بشكل سريع على رفع سعر الصرف بشكل إيجابي، لكنه أثر يزول سريعاً؛ لأن الواقع الاقتصادي غير مشجع".
يضاف إلى ذلك أن لبنان "ما زال متأخراً في مجال التنقيب، على خلاف إسرائيل التي يمكنها أن تباشر في تصدير الغاز إلى أوروبا، ولبنان ما زال يتفاوض مع الشركات حول التنقيب".
من جانب آخر يرى الشدياق أن الاتفاق بين لبنان و"إسرائيل" حول ترسيم الحدود البحرية يأتي في "توقيت حرج جداً".
وأوضح: "أصبحت إسرائيل جاهزة لتصدير الغاز، خاصة أن القارة الأوروبية عطشى للغاز، بعد أن قطعته روسيا وصار لبنان وحزب الله وكل السلطة اللبنانية محشورين في الزاوية؛ ما يعني أنه إذا لم يوقع الاتفاق مع إسرائيل الآن فلن يكون هناك اتفاق مطلقاً، وهذا يمكن أن يؤسس لصدام ما بين حزب الله وإسرائيل، وحزب الله لا يريد هذا الصدام".
وعليه يقول الشدياق إن لبنان بات مضطراً للتوقيع مع "إسرائيل" بأقل أضرار ممكنة وبأكبر قدر ممكن من تحصيل المكاسب، لافتاً إلى التفاهم اللبناني الإسرائيلي يندرج ضمن مرحلة التفاهمات التي تعيشها المنطقة بشكل عام.
المصدر: الخليج اونلاين