ما هي قصة تصاريح التعدين بالمياه الدولية، ولماذا القلق من الخطوة.. من أعالي البحار إلى أعماقها
تستعد الهيئة الدولية لقاع البحار -وهي الوكالة التابعة للأمم المتحدة التي تنظم قيعان المحيطات في العالم- لاستئناف المفاوضات التي يمكن أن تفتح قيعان البحار الدولية للتعدين، بما في ذلك المواد الحيوية للانتقال للطاقة النظيفة.
Table of Contents (Show / Hide)
وصلت المفاوضات التي استمرت لسنوات إلى نقطة حرجة، حيث ستحتاج الهيئة الدولية قريباً إلى البدء في قبول طلبات تصاريح التعدين؛ مما يزيد من المخاوف بشأن الآثار المحتملة على النظم البيئية البحرية وموائل أعماق البحار التي لم تُجرَ عليها أبحاث كافية.
وفيما يلي نظرة على ماهية التعدين في أعماق البحار، ولماذا تتقدم بعض الشركات والبلدان للحصول على تصاريح لتنفيذ هذه العمليات ولماذا يثير ذلك مخاوف نشطاء البيئة؟، بحسب تقرير لوكالة أنباء The Associated Press الأمريكية.
ما هو التعدين في أعماق البحار؟
ينطوي التعدين في أعماق البحار على إزالة الرواسب المعدنية والمعادن من قاع المحيط. وهناك ثلاثة أنواع من هذا التعدين: إزالة العُقيدات متعددة الفلزات الغنية بالرواسب من قاع المحيط، واستخراج رواسب الكبريتيد الضخمة في قاع البحر، وإزالة قشور الكوبالت من الصخور.
وتحتوي هذه العُقيدات والرواسب والقشور على مواد مثل النيكل والعناصر الترابية النادرة والكوبالت وغيرها، وهي لازمة لصناعة البطاريات والمواد الأخرى المستخدمة في استغلال الطاقة المتجددة وأيضاً للتكنولوجيا اليومية مثل الهواتف المحمولة وأجهزة الحاسوب.
ولا تزال الهندسة والتكنولوجيا المستخدمة في التعدين في أعماق البحار قيد التطوير. وتتطلع بعض الشركات إلى تفريغ المواد من قاع البحر باستخدام مضخات ضخمة. بينما تعمل شركات أخرى على تطوير تقنية قائمة على الذكاء الاصطناعي من شأنها تعليم روبوتات أعماق البحار كيفية انتزاع العُقيدات من القيعان. ويتطلع البعض إلى استخدام آلات متطورة يمكنها تعدين المواد بعيداً عن الجبال والبراكين الضخمة تحت الماء.
تنظر الشركات والحكومات إلى هذه المواد على أنها موارد مهمة استراتيجياً، التي ستكون مطلوبة في الوقت الذي تُستنفَد فيه الاحتياطيات البرية واستمرار الطلب في الارتفاع.
كيف تُنظَم عمليات التعدين في أعماق البحار حالياً؟
تدير البلدان أراضيها البحرية ومناطقها الاقتصادية الخالصة، بينما تخضع أعالي البحار وقيعان المحيطات الدولية لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. ويعتبر القانون سارياً على الدول بغض النظر عمّا إذا كانت قد وقعت أو صدقت على المعاهدة أم لا. وبموجب الاتفاقية، يعتبر قاع البحر وموارده المعدنية "تراثاً مشتركاً للبشرية" يجب إدارته بطريقة تحمي مصالح البشرية من خلال تقاسم المنافع الاقتصادية ودعم البحث العلمي البحري وحماية البيئات البحرية.
وتتعاون شركات التعدين المهتمة باستغلال أعماق البحار مع البلدان لمساعدتها في الحصول على تراخيص الاستكشاف.
وصدر حتى الآن أكثر من 30 ترخيص استكشاف، مع تركيز النشاط في الغالب في منطقة تسمى صدع كلاريون كليبرتون، التي تمتد على مساحة 1.7 مليون ميل مربع (4.5 مليون كيلومتر مربع) بين هاواي والمكسيك.
لماذا تتعرض الهيئة الدولية لقاع البحار لضغوط لتأسيس قواعد تنظيمية الآن؟
في عام 2021، تقدمت دولة ناورو الواقعة على جزر المحيط الهادئ – بالشراكة مع شركة التعدين Nauru Ocean Resources Inc، وهي شركة فرعية مملوكة بالكامل لشركة The Metals Company ومقرها كندا – بطلب إلى الهيئة الدولية لقاع البحار للحصول على تصريح باستغلال المعادن في منطقة محددة من أعماق البحار.
وأدى ذلك إلى تفعيل بند في معاهدة الأمم المتحدة يطالب الهيئة الدولية بإكمال اللوائح التي تحكم استغلال أعماق البحار بحلول يوليو/تموز 2023. وإذا لم تنتهِ الهيئة من اللوائح التنظيمية، يمكن لناورو تقديم طلب لإجراء التعدين دون أية لوائح حاكمة.
يمكن للدول الأخرى والشركات الخاصة البدء في التقدم بطلبات الحصول على تراخيص مؤقتة إذا فشلت هيئة الأمم المتحدة في الموافقة على مجموعة من القواعد واللوائح بحلول 9 يوليو/تموز. ويستبعد الخبراء نجاح الهيئة في تحقيق ذلك؛ لأنَّ العملية ستستغرق على الأرجح عدة سنوات.
ما هي المخاوف البيئية المرتبطة بالتعدين؟
لم يُستكشَف سوى جزء صغير من قيعان البحار العميقة، ويخشى أنصار الحفاظ على البيئة من أن تتضرر النظم البيئية بسبب التعدين، لا سيما في ظل غياب أية بروتوكولات بيئية.
ويمكن أن تشمل الأضرار الناجمة عن التعدين الضوضاء والاهتزازات والتلوث الضوئي، فضلاً عن التسربات المحتملة وانسكابات الوقود والمواد الكيميائية الأخرى المستخدمة في عملية التعدين.
وتُشكِّل أعمدة الرواسب الناتجة عن بعض عمليات التعدين مصدر قلق كبيراً. وبمجرد استخراج المواد القيمة، أحياناً ما تُضَخ أعمدة الرواسب الطينية مرة أخرى في البحر؛ مما قد يضر بأنواع الكائنات البحرية من نوع المُتغذيات بالترشيح؛ مثل الشعاب المرجانية والإسفنج، إذ يمكن أن تخنقها أو تعلّق على بعض المخلوقات.
إنَّ المدى الكامل لتأثيرات هذه العمليات على النظم البيئية في أعماق البحار غير واضح، لكن العلماء حذروا من أنَّ فقدان التنوع البيولوجي أمر حتمي وربما لا رجعة فيه.
قال كريستوفر كيلي، عالم الأحياء الذي يتمتع بخبرة بحثية في بيئة أعماق البحار: "نحن نبحث باستمرار عن أشياء جديدة ومن السابق لأوانه بعض الشيء أن نبدأ في التنقيب في أعماق البحار بينما لا نفهم حقاً البيولوجيا أو البيئات أو النظم البيئية أو أي شيء آخر عن هذه البيئة".
ما الخطوة التالية؟
ستجتمع اللجنة القانونية والتقنية التابعة للهيئة الدولية لأعماق البحار، التي تشرف على تطوير القواعد التنظيمية للتعدين في أعماق البحار، في أوائل شهر يوليو/تموز لمناقشة ما ستكون مسودة قانون التعدين.
وأقرب وقت يمكن أن يبدأ فيه التعدين بموجب لوائح الهيئة الدولية لقاع البحر هو عام 2026. ويجب أولاً النظر في طلبات التعدين وإجراء تقييمات الأثر البيئي.
في غضون ذلك، دعمت بعض الشركات -مثل غوغل وسامسونغ وبي إم دبليو وغيرها- دعوة منظمة World Wildlife Fund غير الحكومية للتعهد بتجنب استخدام المعادن التي استُخرِجَت من محيطات الكوكب. ودعت أكثر من 12 دولة – بما في ذلك فرنسا وألمانيا والعديد من دول جزر المحيط الهادئ – رسمياً إلى فرض حظر أو إيقاف مؤقت أو تعليق على التعدين في أعماق البحار على الأقل لحين تطبيق الضمانات البيئية، على الرغم من أنه من غير الواضح عدد الدول الأخرى التي تدعم مثل هذا التعدين. إذ تقترح دول أخرى؛ مثل النرويج، فتح مياهها للتعدين.
المصدر: الجزيرة