يقوم سوق "فيا مانزاناريس"، في الضاحية الشمالية لمنطقة بيلار، بمقاطعة بيونس آيريس الأرجنتينية، على حلقة من المتاجر التي تتسم بطرازها القديم، وتجتمع حول موقف سيارات ضعيف الحال، يخدم منطقة ريفية تنتشر فيها المجمعات السكنية المسوّرة ونوادي البولو، لا سيما أن الأرجنتين بلد يضم أفضل لاعبي البولو في العالم.
اضطربت الأمور في الأرجنتين خلال الأيام الماضية، ولكن السبب ليس مشجعي لعبة البولو، ولكن مشجعو كرة القدم، فقد اصطفت مجموعات من صغار الناس وكبارهم في طابور طويل، خارج متجر الحلويات بسوق "فيا مانزاناريس"، يتطلعون في صبر وتوق إلى شراء بطاقات وملصقات لاعبي كرة القدم.
الغاية من جمع هذه البطاقات هي ملء ألبوم "ملصقات بانيني لكأس العالم"، الذي يعد طقساً شبه ديني يحتشد له مشجعو كرة القدم في الأرجنتين كل أربع سنوات، عندما تدور بطولة كأس العالم لكرة القدم.
تأتي الملصقات في عبوات مختومة، ولا ضمانة أن يجد جامعو الملصقات صور اللاعبين التي تنقصهم لإكمال الألبوم، الذي تباع نسخه في جميع أنحاء العالم.
قالت العاملة في متجر الحلويات بسوق فيا مانزاناريس الأسبوع الماضي: "لم تعد لدي طاقة للتعامل مع هذا العدد الكبير من الناس الذين يريدون الملصقات"، وقد اضطرت إلى إبلاغ زبائنها المترددين على متجرها في هوس، بأن الملصقات نفدت يوم الخميس، 6 أكتوبر/تشرين الأول.
اجتاح هوس جمع الملصقات أرجاء الأرجنتين كأمواج التسونامي هذا العام، فكانت النتيجة ندرة الملصقات، وأزمة تحوَّلت إلى شأن من شؤون الدولة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
كانت متاجر الحلويات في الأرجنتين هي المنفذ التقليدي لبيع مجموعات الملصقات، لكن شركة بانيني "Panini" الإيطالية المنتجة للملصقات قررت توفيرها هذا العام في منافذ أخرى، مثل محلات السوبر ماركت ومحطات الوقود، فاحتجّ لذلك أصحاب متاجر الحلويات.
اضطر وزير التجارة، ماتياس تومبوليني، إلى الدعوة لاجتماع مع المديرين التنفيذيين لشركة "بانيني" في الأرجنتين، وممثلي متاجر الحلويات؛ سعياً لحل أزمة نقص الملصقات، لا سيما بعد أن تحدثت وسائل الإعلام عن تهديد بعض أولياء الأمور بمقاضاة شركة بانيني، بسبب افتقاد أطفالهم لوسيلة تسليتهم الموسمية، والألم الذي يعانونه بسبب عدم عثورهم على الملصقات لندرتها في السوق.
كما كتب وزير التجارة الأرجنتيني في تغريدة نشرها على موقع تويتر: "بدأ الاجتماع المنعقد لدراسة الحالة التي انتهى إليها سوق ملصقات كأس العالم. وقد عرضنا إتاحة فرق عملنا القانونية والتقنية، للتعاون في البحث عن حلول ممكنة".
لكن لما كانت الأرجنتين تعاني أزمة تضخم متفاقمة، وزيادةً حادة في أعداد الفقراء، فإن اجتماع الحكومة لأمر كهذا جاء بنتائج عكسية، وانتشرت انتقادات عنيفة للسلطات على وسائل التواصل الاجتماعي، تتهمها بإهدار موارد الدولة لحل أزمة نقص الملصقات، فسارعت الحكومة بإيقاف تدخلها.
من جهة أخرى، يقال إن أكثر الملصقات ندرةً وأصعبها في الحصول عليه هو ملصق اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي، الذي يقال إنه سيلعب آخر بطولة كأس العالم له في قطر.
يقول بعض المراقبين إن اللوم في ندرة الملصقات بالسوق لا يقع على شركة "بانيني" فحسب، فالموزعون شاركوا في الأمر، بتجاوزهم منافذ البيع التقليدية، وبيعهم الملصقات بالجملة للمشترين الأفراد مباشرة وعبر الإنترنت.
لجأ المشترون بالجملة بعد ذلك إلى ترويج الملصقات المتوفرة لديهم على موقع التسوق الإلكتروني Mercado Libre، بأسعار تصل إلى 10 أضعاف سعر البيع بالتجزئة، والتي تقل قليلاً عن دولار واحد للعلبة.
في المقابل، يقول مراقبون إن البلاد تعاني ارتفاعاً حاداً في التضخم، حتى تجاوز نسبة 100%، وبلغت الاضطرابات أن تعرضت نائبة الرئيس الأرجنتيني، كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، لمحاولة اغتيال، لذلك ربما كانت الأرجنتين في حاجة إلى نوع من الإلهاء، وجاءت أزمة الملصقات لتلبي هذه الحاجة.
المصدر: الجزيرة