إعادة تنظيم استراتيجي لإيران والسعودية.. إطار أمني جديد للشرق الأوسط
"سيطلق الاتفاق مناقشات حول بناء إطار أمني إقليمي جديد تحت إشراف الصين".. هكذا وصف هلال خشان، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت تأثير تغير ديناميات القوة والنفوذ بالشرق الأوسط بعد إعلان الاتفاق بين السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية برعاية صينية.
Table of Contents (Show / Hide)
وذكر خشان، في مقال نشره موقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز" وترجمه "الخليج الجديد"، أن السعودية، التي تعمل على تنويع اقتصادها بعيدًا عن الوقود الأحفوري، مستعدة للاستثمار في إيران إذا سارت الأمور على ما يرام، ما يوفر منفذاً اقتصادياً لطهران التي تعاني من العقوبات، والتي ضغطت طويلاً على الرياض لعقد صفقة تضمن مصالحها وتحرر السعوديين من الضغط الأمريكي.
وأضاف أن الدافع الرئيسي للسعوديين نحو صنع السلام مع إيران هو التخلص من كلفة مستنقع اليمن، للتركيز على مشاريع التنمية المحلية، التي تتطلب السلام والاستقرار في شبه الجزيرة العربية.
لكن لتحقيق هذا الاستقرار، لا خيار أمام السعوديين سوى الاستجابة لمطالب الحوثيين الذين يسيطرون على شمال اليمن، بحسب خشان، مشيرا إلى أن هذه المطالب تشمل رفع الحصار الذي تفرضه السعودية، والحصول على حصة من ثروة اليمن النفطية، واعتماد نظام فيدرالي.
فالانفراج بين الرياض وطهران هو جزء من تحول أوسع في السياسات الداخلية والخارجية للسعوديين والذي كان مستمرًا منذ سنوات، إذ غيّر الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، النظام السياسي السعودي بشكل كبير، لتركيز السلطة في أيديهما وتقويض الدور التقليدي للمؤسسة الدينية.
كما وضعت المملكة معايير جديدة لإدارة شؤونها الخارجية، وتتطلع إلى أن تصبح زعيمة منطقة الخليج وإعادة رسم علاقاتها مع القوى الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة.
مراجعة استراتيجية سعودية
وهنا يشير خشان إلى أن السعودية بدأت في التعبير عن استيائها من سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط قبل عقدين من الزمن، على الرغم من أن مخاوفها لم تُعلن إلا عندما دخل الرئيس جو بايدن، البيت الأبيض.
فقد أصيبت السعودية بخيبة أمل من الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وتفكيك نظام صدام حسين، ما أدى إلى هيمنة إيران على العراق، كما شعرت بالإحباط من عدم دعم واشنطن للمصالح السعودية في سوريا واليمن، وإحجامها عن الدفاع عن المملكة عندما استهدفت إيران منشآتها النفطية في عام 2019، كما اعترضت على الاتفاق النووي الإيراني في عام 2015.
ولذا تحركت الرياض لتقليص علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة بداية من عام 2012، أثناء حكم الملك عبدالله، وقال رئيس المخابرات السعودية في ذلك الوقت، الأمير بندر بن سلطان لدبلوماسيين أوروبيين إن الرياض تدرس تغييرًا جذريًا في علاقاتها مع الولايات المتحدة احتجاجًا على تخليها عن الشرق الأوسط والتحول إلى آسيا.
الملك السعودي وولي عهده لا يثقان أيضًا بالإدارة الأمريكية الحالية، وشددا على أن لديهما أوراقا قوية للعبها دوليًا واقتصاديًا.
دور الصين الإقليمي
وإزاء ذلك، أصبح الشرق الأوسط ضروريًا للصين بسبب مستوى تجارة بكين مع دول المنطقة ورغبتها في إيجاد طريق تجاري بديل لمضيق ملقا، الذي تسيطر عليه البحرية الأمريكية.
ويعد التحرك نحو الصين جزءًا من رؤية "السعودية 2030"، وهو استراتيجية تنموية ضخمة تتطلب إقامة تعاون استراتيجي وصناعي مع دول متعددة.
وفي الشهر الماضي، وافق مجلس الوزراء السعودي على مذكرة تعترف بالمملكة "كشريك حوار" في منظمة شنغهاي للتعاون، وهي مجموعة أمنية من 8 دول، على رأسها الصين.
وتأمل الرياض أن يؤدي انضمامها للمجموعة إلى تمكينها من الوصول إلى أسواق جديدة في الشرق من خلال استثماراتها. وتؤكد هذه الخطوة عمق تركيز الاقتصاد السعودي على آسيا منذ زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينج، للمملكة العام الماضي.
ويرى خشان أن انضمام السعودية إلى منظمة شنغهاي، فضلاً عن تقاربها مع إيران، يزيد من تقويض علاقة الرياض بواشنطن، مشيرا إلى أن الهم الأساسي لولي العهد السعودي هو يظل بناء اقتصاد المملكة قويا، بغض النظر عن التداعيات طويلة المدى لتعاونه مع إيران أو الصين.
وفي المقابل، يرى الإيرانيون علاقتهم مع الصين من منظور مختلف، إذ تتلاقى وجهة نظر المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، مع منظور الرئيس الصيني، شي جين بينج، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لأنهم جميعًا ينظرون إلى أنفسهم كمشاركين في حرب مع الحضارة الغربية.
ويطمح خامنئي إلى إقامة مجتمع إسلامي بقيادة إيران، بينما يرغب بوتين في كتلة سلافية تسيطر عليها روسيا، فيما يسعى شي لتحقيق نهضة كونفوشيوسية شيوعية تهيمن عليها الصين.
التوقعات مقابل الواقع
ويرى خشان أن التداعيات الكاملة للاتفاق السعودي الإيراني غير قابلة للتنبؤ، على الرغم من وصف البعض لها بأنها حدث تاريخي.
فمثل كل اتفاقية بين دولتين هناك احتمال للفشل، خاصة في ظل عدم وجود علاقة بين نخب البلدين، كما أن الاتفاق لن يؤدي إلى نهاية فورية للتوترات، رغم أنه يمكن أن يساعد في نزع فتيل العداء الطويل.
ورغم التأكيدات الصينية بأنها ستضمن الامتثال لشروط الاتفاق، إلا أن السعوديين يدركون تمامًا أنهم لا يستطيعون الاعتماد فقط على التزام النظام الإيراني بشروط الصفقة.
فإيران تواجه ضغوطا داخلية وخارجية هائلة، وموافقتها على وقف تسليح ميليشياتها الإقليمية ليس أكثر من تراجع تكتيكي، حسبما يرى خشان، مشيرا إلى عقيدة إيران السياسية والدينية "القائمة على مفهوم الصبر الاستراتيجي" حسب تعبيره، مشيرا إلى أن مقدمة الدستور الإيراني عن تصدير الثورة الإسلامية تدعو للتدخل في الشؤون الداخلية لجيران إيران.
وأعربت الولايات المتحدة عن انزعاجها من وساطة الصين في التقارب السعودي الإيراني، الذي يتجاوز، في رأيها، تطبيع العلاقات أو تعزيز الأمن في الشرق الأوسط. تنظر إدارة بايدن إلى الصفقة على أنها نواة لنظام عالمي جديد يعمل لصالح موسكو وبكين وطهران.
وإزاء ذلك، تأمل إيران في جني فوائد دبلوماسية وأمنية واقتصادية من الاتفاقية، وستعمل على تحسين علاقاتها مع الدول العربية الأخرى، مثل مصر والبحرين والإمارات، رغم أن انعكاسات ذلك على العراق وسوريا ولبنان لا تزال غير مرئية.