عبر تشويه انتفاضة الأردن.. هكذا يسعى إعلام عربي لإخفاء تواطؤه مع الاحتلال
منذ بدء المظاهرات الأردنية الرافضة لعمليات الإبادة الجماعية في غزة، انبرت وسائل إعلام عربية للتحذير من خطر حركة المقاومة الإسلامية “حماس” عبر استدعاء فزاعة جماعة “الإخوان المسلمين”.
Table of Contents (Show / Hide)
وتصاعدت المظاهرات في الأردن وأصبحت يومية خلال الأسبوع الأخير من مارس/آذار 2024 رفضا لاستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويدعو المتظاهرون قرب سفارة إسرائيل في عمان، إلى إنهاء التطبيع وإلغاء الاتفاقيات المشتركة، وينددون بـ “جسر العار” البري الذي يربط الخليج بإسرائيل عبر الأردن وتمر من خلاله شاحنات بضائع الخضراوات والفواكه القادمة من موانئ دبي نحو تل أبيب.
تسويق الخطر
ولم تترك وسائل إعلام أردنية وعربية أبرزها من السعودية والإمارات فرصة إلا وحذرت فيها من خطر المظاهرات في الأردن، محاوِلةً تشويهها تارة عبر ربطها بإيران وأخرى عبر استدعاء خطر "الإخوان المسلمين".
ونشرت صحيفة الراي الأردنية مقابلة مع محمد الحوراني القيادي في حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، تحت عنوان: “كيف استغل الإخوان الحالة العاطفية للشارع الأردني مع فلسطين؟”.
وقال الحوراني في المقابلة: “تنظيم الإخوان المسلمين في الأردن يحاول أن يستغل الشحنة العاطفية الكبيرة في ظل العدوان على غزة لإعلان وجوده وتنشيط قواعده في الشارع، وحتى لو زايد على الدولة الأردنية”.
وتابع: “يمكن الخروج بمظاهرات ضد العدوان ولكن بدون الاقتراب من خلخلة الاستقرار في الأردن، لا يجب الخلط واستغلال المشهد، وهناك قوى ومنها الإخوان يعرفون كيف يخططون لفعل شيء لكنهم لا يعرفون بناء شيء”.
وقالت صحيفة الغد الأردنية إن “ما يحدث هو دعم واضح لإسرائيل وورقة من ذهب تقدم للمشروع الصهيوني وإن التصعيد في الأردن والمحاولات اليائسة لزعزعة أمنه واستقراره تصب في صالح” تل أبيب.
وتساءلت: “ترى هل يدرك قادة حماس ذلك ومن المستفيد مما يجري على الساحة الأردنية؟ القضية الفلسطينية أم إسرائيل؟”
أما صحيفة إيلاف السعودية المعروفة بإجرائها مقابلات مع الناطقين باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، فقد كتبت تقريرا تحت عنوان: “هل أعلنت حماس الحرب ضد الأردن؟!”.
وزعمت الصحيفة أن دعوات التحريض من حركة حماس تتوالى في الداخل الأردني في ظل تقارير أميركية تتحدث عن دور تنظيم الإخوان المسلمين في ذلك.
وادعت أن تصريحات قادة حماس الداعية لخروج الأردنيين في مظاهرات “تثير تساؤلات بشأن الشارع الأردني في حسابات حماس"، وأن ذلك ”دعوة صريحة أخرى من الحركة إلى توسيع نطاق الفوضى في المنطقة".
كما نشرت قناتا العربية السعودية وسكاي نيوز عربية الإماراتية عدة تقارير ومقالات تهاجم حركة حماس وتحذر من خطر الإخوان في الأردن وتصف المظاهرات الداعمة لغزة بالفوضى.
وفي تقرير على موقعها، قالت سكاي نيوز عربية: “رغم مآسي غزة تريد حماس فوضى أكبر في الجوار، حيث تتجلى السياقات بعد أن بدا تصعيد حماس من رسائل التحشيد والتحريض لتوسيع نطاق الفوضى، فكل خطاب يحتوي على رسائل مدروسة”.
وأردفت في 29 مارس: “يظهر جليا أن ميزان القوى العسكرية ليس لصالح حماس، كونها كانت تعلم علم اليقين، أن مغامرة السابع من أكتوبر ستقود إلى مواجهة مع جيش نظامي يصنف من بين أقوى جيوش المنطقة والعالم، وفقا لمحللين”.
أما موقع قناة العربية، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، قائلا إن “حماس وحلفاءها يبدو أنهم انتقلوا إلى الخطة ب لتدمير المنطقة، إثر فشل الخطة أ وهزيمتها المدوية التي منيت بها بعد السابع من أكتوبر”، وفق زعمها.
وأوضحت القناة في مقال للكاتب محمد الساعد: “كانت خطة حماس مبنية على القيام بعملية عسكرية ضخمة تشعل المنطقة وتربكها سياسياً وأمنياً، ولكنها فشلت وتريد إشعال الأردن وتهديد استقراره، وهذا ليس عملاً عفوياً”، وفق زعمه.
بداية الأمر
انطلقت المظاهرات بعد دعوات للغضب على إثر أنباء عن اغتصاب جيش الاحتلال الإسرائيلي فلسطينيات من مدينة غزة أثناء اجتياحه البري.
وتزامن ذلك مع كلمة وجهها رئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل عبر تقنية الفيديو، خلال فعالية نسائية في العاصمة الأردنية عمان، دعا فيها إلى نزول الملايين للشارع “بشكل مستدام”.
وقال مشعل في 27 مارس إن "الأردن بلد عزيز وهو الأقرب إلى فلسطين وهو الذي يرتجى منه أكثر من غيره في أدوار رجاله ونسائه نحو أرض الحشد والرباط.".
وتابع: "نزول الملايين من أجل فلسطين إلى الشوارع نريده أن يكون مستداما وهذا يحتاج إلى تنظيم وتحفيز وإدارة ومأسسة".
وفي نهاية حديثه وجه رسالة للأردنيين قال فيها: "يا أهلنا في الأردن حذارِ أن نتراجع، حذارِ أن نفتر ولا نقول طال الصراع لأنه صراع مفروض علينا، هذه الأرض أرضنا وهؤلاء أهلنا وشعبنا وهذه مقدساتنا".
وبالتوازي مع كلمة مشعل، انطلقت مسيرات ليلية بأعداد كبيرة في منطقة الرابية في عمان، ما عده الجانب الأردني تحريضا من الحركة.
وذلك رغم أن المظاهرات بدأت قبل ذلك بعد شهادة روتها فلسطينية عبر قناة الجزيرة القطرية عن تعرض فلسطينيات في مدينة غزة للاغتصاب على أيدي قوات الاحتلال.
وتبع ذلك إعادة كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، نهاية مارس بث مقطع صوتي لقائدها محمد الضيف، يدعو فيه الشعوب المسلمة إلى الزحف نحو فلسطين، قائلا: "ولا تجعلوا حدودا ولا أنظمة ولا قيودا تحرمكم شرف الجهاد والمشاركة في تحرير المسجد الأقصى".
وتشهد المظاهرات في الأيام الأخيرة محاولات متكررة من قبل المتظاهرين للتجمع في الشوارع الفرعية المحيطة بالسفارة الإسرائيلية التي تشهد حضورا أمنيا كبيرا.
وبدورها تعتدي الأجهزة الأمنية على المتظاهرين وتعمل على تفريقهم وإطلاق الغاز المسيل للدموع واعتقال البعض منهم.
هذا التصعيد دفع الأردن الرسمي للخروج بتصريحات ضد حماس عبر الناطق باسم الحكومة الأردنية مهند مبيضين.
وقال مبيضين في تصريحات لقناة سكاي نيوز عربية نهاية مارس إن أي محاولات للتحريض على الدولة الأردنية هي محاولات يائسة تريد أن تشتت البوصلة وتشتت تركيزنا.
وتابع: "نتمنى على قادة حماس أن يوفروا نصائحهم ودعواتهم لضرورة حفظ السلم ودعوة الصمود لأهلنا في قطاع غزة".
وأضاف أن "الأردن بلد له سيادة وله مرجعياته الدستورية وقيادته تسمو على هذه المرجعيات وعندما يكون الملك عبدالله الثاني في مقدمة الموقف العربي لا ننظر إلى بعض المراهقات السياسية، ولا إلى من يريد أن يحصد الشعبية على أنقاض الدمار الذي حل في غزة نتيجة لهذه الحرب الكارثية".
وأوضح أن "هناك أيديولوجيات بائسة وشعبويات تريد تأليب الرأي العام باستغلال المشاعر والعواطف".
وأضاف: "هناك إفلاس من القوى التي تريد أن تطعن في الموقف الأردني أو تريد إجبار الأردن على اتخاذ خيارات أخرى".
وذكر الناطق باسم الحكومة الأردنية أن "السلام هو خيارنا الإستراتيجي ومعاهدة السلام هي التي تمكننا من ممارسة دورنا في تخفيف الضغوط على الأهل في الضفة الغربية".
الأسباب والأهداف
عما يجرى من شيطنة إعلامية وتصعيد ميداني ضد المتظاهرين، يقول الصحفي الأردني خير الدين الجابري إن “شعبية حماس بعد 7 أكتوبر جارفة وتتسع بشكل كبير لدرجة أن الدولة تلاحق الناس” على أمور بسيطة.
وفي حديث لـ"الاستقلال"، يتابع أن الأمن يلاحق على سبيل المثال، من يلصقون صور الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة على مركباتهم ويفرضون عليهم غرامات ويعملون على حجز رخصهم.
وبين أن السلطات الأردنية منزعجة ومتخوفة بسبب تصاعد نشوء حالة بطولة معينة ووجود رمزية كبيرة للمقاومة وقياداتها داخل الأردن.
وأرجع ذلك إلى أن “نهوض الشارع الأردني وصحوته في قضية غزة سيفتح الباب نحو حراكات إصلاحية داخلية”.
ويتابع في نفس السياق: “إذا تجرأ الشارع واتسعت رقعة المظاهرات بشكل كبير، ممكن أن تتحول الاحتجاجات إلى أهداف ومطالب أخرى تخشاها السلطات”.
وقلل الصحفي الأردني من أهمية تخوفات السلطات “لأن المتظاهرين واضحون في أهدافهم، وهي إنهاء التطبيع ووقف الجسر البري (..) عدونا وهدفنا الاحتلال فقط".
وعن الهجمة الإعلامية المتصاعدة ضد حماس خاصة لدى وسائل إعلام إماراتية وسعودية، قال الجابري: “دول الخليج ليست معنية فقط بمهاجمة المقاومة ولكن وأدها بالكامل”.
واستشهد بتصريحات وتقارير عديدة أكد أن “دولا عربية وخليجية طالبت إسرائيل بالإسراع في القضاء على حماس”.
ويعتقد أن دول الخليج “ترى أن الأردن فرصة سانحة لشيطنة حماس والمقاومة ومع الأسف الأبواق الرسمية (الأردنية) تتساوق معهم لتدمير أي حاضنة شعبية لهم، وخصوصا في الأردن التي لها حدود مع الأرض المحتلة وتعد منطقة ساخنة جدا يخشى تحركها ولها حساباتها بالنسبة لأميركا".
وبدوره، تساءل الكاتب علي سعادة في مقال نشره موقع السبيل الأردني 30 مارس: “ما الذي حرك حكومة الدكتور بشر خصاونة هكذا وبشكل مفاجئ ومكثف ضد بعض الهتافات الغاضبة مما يجري في قطاع غزة وفي فلسطين؟”.
وتابع: “المظاهرات والمسيرات والاعتصامات موجودة في الشارع منذ 176 يوما، والهتافات هي ذاتها لم تتغير ولم تتبدل، ولم يطرأ عليها جديد، والأجهزة الأمنية تراقب كل ذلك وتتابعه وهي أجهزة ذكية ومتعلمة وراشدة تفهم لغة العصر، وبأن ما يقال في لحظة قهر يمكن التجاوز عنه طالما كان بحسن نية”.
وتساءل مستنكرا: إذن ما الذي أثار غضب الحكومة وجعلها تفيق فجأة وتكتشف أن هناك "اعتداء على سيادة الدولة" وهتافات لأشخاص ولجهات ليست أردنية، ولماذا غضبت الآن من دعوات قادة حماس وكتائب القسام للشعب الأردني لنصرة غزة، وهي دعوات تتكرر على لسانهم؟
وتابع: لماذا اكتشفت أنها تحريض على الأردن؟ ولماذا لا تعدها نوعا من العشم وطلب الحماية من أخوة في الدين والدم والجوار والمصير المشترك؟! هل كانت الحكومة في غفوة وفي غفلة، أم كانت في إجازة أمومة وطفولة، ثم تنبهت لهذا الواقع؟!
وواصل التساؤل: “ثم كيف صادف أن جميع أذرعها ومؤسساتها الإعلامية الرسمية، والنشطاء المحسوبين عليها على منصات التواصل، وعدد من المتبرعين والمتطوعين والطامحين، وأحزاب جديدة ناشئة وطامحة وطامعة بالمكتسبات، كلهم تحدثوا بنفس النبرة الاتهامية لمواطنين أردنيين في غالبيتهم لا علاقة لهم بالأحزاب أو بحماس أو بالمقاومة؟!”.
ثم كيف تفسر الحكومة تصاعد هذه المظاهرات واتساع رقعتها الجغرافية، وعدم توقفها رغم جميع محاولات الشيطنة ورجمها بالحجارة، ألا تعده ردا شعبيا على إعلامها وتصريحاتها، وبالتالي انتكاسة داخلية لها؟! يتساءل سعادة.
وأردف: نعرف بعض هؤلاء المتظاهرين الذين لا يحبون "حماس" ولا يطيقون "الإخوان المسلمين" ولا حتى سماع سيرتهم، لكن غضبهم وغيرتهم على إخوانهم وأخواتهم الذين يذبحون كل دقيقة في قطاع غزة حركت فيهم النخوة والشهامة فخرجوا إلى الشارع يهتفون للمقاومة.
ويواصل الكاتب استنكاره قائلا: وحين أرادت الحكومة شرح وجهة نظرها من الهتافات ودعوات قادة حماس للأردنيين لنصرتها، لجأ الناطق باسمها إلى قناة "سكاي نيوز عربية" التي يصنفها الأردنيون، وقناة "العربية"، إلى جانب الإعلام الإسرائيلي في موقفها من المقاومة.
وختم بالقول: لم يكن مكان الرد مناسبا أبدا فقد حشرت الحكومة نفسها وإعلامها مع "سكاي نيوز" وهذه انتكاسة مبكرة لها أفقدتها الزخم والاهتمام.
المصدر: الاستقلال