العُلا: وجهٌ من أوجه تناقض الحال السعودي
تروي صحفيّة بلومبيرغ تجربة زيارتها السياحية إلى “السعودية”، تحديدا إلى مدينة “العُلا”، الواقعة في شمال غرب شبه الجزيرة العربية وهي تضمّ مدائن صالح التي حوّلها آل سعود من مدينة مُحرّم الدخول إليها إلى مدينة الترويج والجذب السياحي. وتُزامن الصُحفيّة نقل تجربتها في منتجعات العُلا الفاخرة مع إظهار بعض التناقضات بينها وبين الواقع السعودي المحيط فتصوّرها وكأنها واحة معزولة عن محيطها، مبيّنة بعضا من العوائق التي تعترض طريق السياحة السعودية.
Table of Contents (Show / Hide)
بدءاً من تناقض أن يشهد بلد لم يسمح للنساء بقيادة السيارة إلا منذ ست سنوات خلت هذا “الانفتاح” المفاجئ، تفتتح هانا إليوت مقالها الوصفي لتجربتها، التي وفق تقديرها حصلت عليها بصعوبة حيث “لا تزال عملية الحصول على تأشيرة دخول إلى سعودية معقّدة”، إلى جانب التكاليف الباهظة للعملية حيث “تكاد تكون الخدمات اللوجستية وتكاليف زيارة هذه البرية باهظة الثمن – وذلك بعد أن تتخذ القرار الصعب أحيانًا بالذهاب من أصله”.
واستطراداً في الفكرة الأخيرة، تسرد إليوت بعضا من النقاط التي تجعل الزائر يتريث قبل اتخاذ قرار التوجه نحو شبه الجزيرة العربية للترفيه عن نفسه، “وتشمل الاعتبارات اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018” إلى جانب سجل البلاد السيء، ووفقا لتوصيف الصحفيةفإن “الأمر يتعلق بالمخاوف من زيارة بلد له تاريخ من انتهاكات حقوق الإنسان”. ملخّصة تجربتها بالقول “كشخص أجنبي، من الصعب التوفيق بين الفظائع التي ترتكبها البلاد وسحرها الوافر”.
تحاول الصحفية توصيل “الإنفصال” عن المحيط الذي يحكم منتجعات العُلا، حيث ” يكمن العالم الحقيقي المغبر خارج حدود المنتجع، وليس بعض التجارب الفاخرة.. فسوف ستجد في المدينة منازل بدائية، بدلاً من المتاجر الأنيقة أو المطاعم الحديثة “. كما أن سكن العلا نفسه وفق تقديرها؛ يفتقر إلى وسائل الراحة المتوفرة في العديد من المنتجعات، مثل أجهزة التلفزيون وخدمة الغرف والصحف اليومية.
“إنه الشعور بالانفصال الذي يمنح هذا المكان جوًا إضافيًا من الغموض”، وفق توصيف إليوت.
80% من روّاد العلا من السعوديين
توضح إليوت في مقالها في بلومبيرغ، من خلال تجربتها حجم السياح الأجانب الضئيل، فتقول “أما بالنسبة لنزلاء الفندق، فعندما زرته في الأيام التي سبقت شهر رمضان، كان من بينهم زوجان ألمانيان شابان وزوجان من الشقراوات في الخمسينات من العمر”. وتنقل عن مدير من لبنان أن الزوار العرب والصينيين والأوروبيين يكثرون، ولكن نادرا ما يتواجد الأمريكيون. وقال إن ما يقرب من 80% من الضيوف هم سعوديون.
حول تكاليف الرحلة، فتكلف الفيلات الخاصة المبطنة بالخشب في منتجع “هابيتاس” ما بين 800 دولار إلى 1200 دولار في الليلة؛ تبدأ تكلفة قوافل مقطورة Airstream، التي تقع على بعد مسافة قصيرة بالسيارة، من 410 دولارات.
“هابيتاس” هي أول علامة تجارية دولية بمكانتها يتم افتتاحها في السعودية والفندق قد افتتحه شخص “اسرائيلي” حسب صحيفة “ذي ايكونوميست”. وفقا لمتحدث باسم الشركة فإن 29% فقط من موظفي هابيتاس هم موظفون محليون، الأمر الذي ينفي جزئية أن هذه المشاريع تدعم السكان المحليين، وخاصة النساء في إيجاد فرص عمل. حيث أن العديد من الموظفين الذين قابلتهم جاءوا من أفريقيا أو آسيا أو دول عربية أخرى.
وفي هذا السايق قالت وكالة بلومبيرغ أن “المملكة تتطلع إلى تقاسم العبء المالي لخططها لتصبح واحدة من الوجهات الأكثر زيارة في العالم”. وأضافت أنه خلال عام 2023، سجلت السعودية أكثر من 100 مليون سائح، ولكن في الحقيقة كان معظمهم من المواطنين والمقيمين، أما الزوار من خارج البلاد فقد سجّلوا ربع السياح فقط (27 مليون)، وكان أغلبهم مرتبط بالسياحة الدينية او بعمل تجاري، ويُعتقد أن الرحلات الترفيهية لم تشكل سوى نسبة ضئيلة من هذا الرقم.
وفي وجه كل التحديات التي تواجه الأحلام السعودية، فإن حجم التنازلات التي تقدمها للتغطية على سمعتها باتت تمسّ في المحرمات، من البدء في فسح المجال في تقديم المشربات الكحولية إلى استضافة الشواذ على أرضها. فقد ذكرت إليوت انه في ظل استمرار “الجهود المبذولة لجلب الناس إلى العلا حتى مع اعتقال القادة الرئيسيين هناك بتهمة غسل الأموال، والحرب في البحر الأحمر تفعل الكثير لردع السائح العادي.. وعلى الرغم من أن المثلية الجنسية (الشذوذ) محظورة، إلا أنها نشطة إذا كانت هناك مجتمعات مثلية تحت الرادار في الرياض وجدة، وقد التقيت بمسافرين من مجتمع المثليين في العلا الذين أخبروني أنهم يشعرون بالأمان”.
حيث سبق وأفاد أحد المستشارين السعوديين المقربين من الديوان الملكي، لشبكة CNBC الأمريكية أن “وجود متجر للخمور في الحي الدبلوماسي؛ يعد خطوة صغيرة نحو السماح بتناول الكحول خارج السفارات الأجنبية، وهذا جزء من حملة الحكومة الأوسع لتحرير المجتمع، وجذب المزيد من السياح والمغتربين”.
وأكّد أنها “خطوة صغيرة لفتح مبيعات الكحول لغير المسلمين في المملكة، وفي نهاية المطاف سيسمح ببيعها في الفنادق وأماكن أخرى”.
وفي حين أشارت الوثيقة التي تناقلتها وسائل إعلام عالمية، إلى أن المتجر سيكون “مقتصرا بشكل صارم” على غير المسلمين، إلا أنه لم يكن من الواضح ما إذا كان المغتربون غير المسلمين سيتمكنون من الوصول إلى المتجر. حيث يعيش ملايين المغتربين في “السعودية”، من المهددين بالتهجير في حال تمت إدانتهم بتعاطي الكحول بحسب ما تنص عليه القوانين.
وكانت توقعت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية اقتراب النظام السعودي من إلغاء الحظر القانوني المفروض على الكحول؛ لجذب النجوم والمواهب ورجال الأعمال لمواصلة، ما أسمته، “الازدهار الاقتصادي”.
وفي سياق تشريع الانحلال ذكر أن موقع “مونيتور” الأميركي، في وقت سابق على سماح النظام السعودي للسياح من الشاذين ( المثليين) زيارة بلاد الحرمين الشريفين.
وأشار الموقع الأمريكي إلى أن موقع هيئة السياحة السعودية يحتوي على قسم محدث أسفل صفحة الأسئلة الشائعة الخاصة به: “هل ترحبون بزوار مجتمع الميم لزيارة المملكة العربية السعودية؟”، وجاءت إجابة السؤال كالتالي: “نحن لا نطلب من أي شخص الكشف عن التفاصيل الشخصية وليس لدينا. نرحب بالجميع لزيارة بلدنا”. وأشار إلى ما نشره موقع السياحة السعودية: “نرحب بالجميع لزيارة “المملكة العربية السعودية”، ويمكن للأزواج غير المتزوجين مشاركة الإقامة… من المهم احترام العادات المحلية والتصرف بطريقة حساسة ثقافيًا عندما تكون في الأماكن العامة”.
إلى جانب ما كشفته صحيفة التلغراف البريطانية نقلا عن ممثلة رياضة الغولف أنه “سيتم السماح للأزواج المثليين بمشاركة الغرف عندما تنتقل نهائيات اتحاد لاعبات التنس المحترفات إلى المملكة العربية السعودية في نهاية هذا الموسم”، وهو الجرم الذي يُعاقب في البلاد مذنبوه عليه بالإعدام، ولكن كل شيء قابل للنقاش عندما يتعلق الأمر بالخارج وبمشاريع ابن سلمان.
إلى ذلك تكثر التشكيكات في مدى جدوى هذا الجهد الذي تبذله البلاد تحت غطاء “تنويع الاقتصاد”، فوفق خبراء الأعمال في جامعة نورث إيسترن فإن انخراط “السعودية” في حقول الذكاء الاصطناعي والرياضة والسياحة؛ لهي مقامرة كبيرة.
على اعتبار أنه نهج محفوف بالمخاطر للغاية، وينبّه الخبراء أنه يجب أن يُنظر إلى هذه الاستثمارات في الرياضة ورؤية 2030 من وجهات نظر مختلفة، فهناك عدد من المخاطر هنا التي تمس مسائل الجغرافيا السياسية والمنافسة الإقليمية والسياسة الداخلية والعلاقات العامة.
وعن أكذوبة تشغيل اليد العاملة المحلية ينوّه المحللون إلى أنن عدد السكان السعوديين آخذ في النمو، ولكن معظم العمل المنجز في المملكة العربية السعودية يقوم به عمال أجانب، والذين يشكلون 40% من سكان البلاد. وفي مقال تحليلي لموقع (northeastern global news)، أشارت فيه إلى أن “الواقع أن المملكة العربية السعودية تخطط لإنفاق ما يقرب من 3 تريليون دولار على مدى فترة 15 عاما كجزء من هذه الجهود الرامية إلى تنويع الاقتصاد، وهو استثمار يعادل حوالي ثلاثة أضعاف ناتجها المحلي الإجمالي السنوي. حيث تم تخصيص جزء كبير من الأموال (500 مليار دولار) لبناء “مدينة ضخمة” مكونة من 16 منطقة تسمى (نيوم)”.
يلفت المراقبون إلى أن هذه الاستثمارات “تمثل إلى حد ما وسيلة لبناء القوة الناعمة والتعويض عن صورتها السلبية إلى حد ما كدولة”، يضيف “لكنه أيضًا جزء من جهد تحديث أوسع نطاقًا يبذله ولي العهد، ويدفع باتجاه بعض الإصلاحات مثل السماح للنساء بقيادة السيارة”.
مؤكدين أن “تحويل هذه الرؤية إلى واقع سيكون أمرًا صعبًا، لأنه إذا كان كل ما تفعله هو شراء أشياء من الخارج، بما في ذلك شراء الفرق الرياضية وشراء الأسماء التجارية، فلن يكفي ذلك للحفاظ على مستوى معيشتك.. يصبح السؤال: كيف يمكنك تحويل القوى العاملة لديك؟ وأعتقد أن هذا سيكون تحديًا كبيرًا للمضي قدمًا.”
المصدر: مرآة الجزيرة