إيران شأن داخلي عربي
عندما تشترك إيران مع العراق وست دول خليجية، وتتسع علاقتها بسوريا وتتصل بفصائل مسلحة بلبنان واليمن وفلسطين، وترتبط بها تجمعات شيعية في العراق والسعودية والبحرين ولبنان واليمن والكويت وسوريا، فإن ما يحدث في إيران من أحداث سيؤثر كثيرا على الدول العربية.
Table of Contents (Show / Hide)
عندما تشترك إيران مع العراق بحدود برية طولها 1599 كيلومترا، وتشترك بجوار بحري مع ست دول خليجية، وتتسع علاقتها بسوريا وتتصل بفصائل مسلحة بلبنان واليمن وفلسطين، ولها تجارة سلعية كبيرة مع الإمارات والعراق والكويت وسلطنة عمان، وترتبط بها تجمعات شيعية في العراق والسعودية والبحرين ولبنان واليمن والكويت وسوريا، فإن ما يحدث في إيران من أحداث سيؤثر كثيرا على دول الخليج وغيرها من الدول العربية.
وها هي أحداث العدوان الإسرائيلي المدعوم غربيا على غزة، ومعاونة إيران لفصائل المقاومة سواء في غزة أو في لبنان والعراق واليمن، والهجوم الإيراني على إسرائيل بصرف النظر عن حجمه.. تشير إلى مدى التأثير الذي تقوم به إيران بالعالم العربي، بل وبجزء كبير من العالم الإسلامي، بالنظر إلى موقعها الجغرافي والجوار الحدودي البري لها مع كل من أفغانستان وتركيا وباكستان وأذربيجان وتركمانستان، وجوارها البحري مع كازاخستان عبر بحر قزوين.
وهذا التأثير الإيراني أمر تاريخي من خلال دولة الفرس وما تلاها هناك، وحديثا بعهد الشاه محمد رضا بهلوي الذي لعب دور الشرطي في منطقة الخليج نيابة عن الولايات المتحدة، وفيما بعد الثورة الإسلامية عام 1979 والتي انفتحت على القضية الفلسطينية، حيث كان الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات أول مسؤل يزور إيران بعد الثورة، وتحويل السفارة الإسرائيلية إلى سفارة لفلسطين بعد علاقات طويلة مع إسرائيل في فترة حكم الشاه؛ أمدها خلالها بالسلاح والنفط.
ومع احتلال طلاب إيرانيون للسفارة الأمريكية بعد الثورة واحتجاز مسؤوليها وطول فترة ذلك الاحتجاز، حرضت الولايات المتحدة العراق على حرب إيران بدعاوى منها خشية تصدير الثورة، وهي الحرب التي طالت لثماني سنوات قامت خلالها الدول الغربية بدعم كلا الطرفين بالسلاح، بشكل غير مباشر، كلما تراجعت قوتها، سعيا نحو إضعاف الطرفين، ومع معاونة غالبية الدول العربية للعراق خلال تلك الحرب فقد أثر ذلك على موقف الإيرانيين الشعبي من العرب.
استخدام إيران كفزاعة لدول الخليج
ومنذ بداية الثورة الإيرانية استخدمتها الولايات المتحدة كفزاعة لدول الخليج ولغيرها من الدول العربية، كي تشعر بحاجتها للحماية الأمريكية وإنشاء القواعد الأمريكية في المنطقة وشراء السلاح الأمريكي بكميات كبيرة، وعلى الجانب الآخر لعب الإعلام الغربي دورا كبيرا في تشويه صورة النظام الإيراني، وإحداث الفتنة بينه وبين شعوب المنطقة العربية والإسلامية، وتصويره على أنه نظام استبدادي دموي يسعى لنشر الثورة في الدول المجاورة بالقوة، مع اللعب على الوتر الطائفي باعتبار أن هؤلاء شيعة يسعون لقيادة العالم الإسلامي ذي الأغلبية السنية.
وأذكر أننا كنا طلابا في الجامعة عندما قامت الثورة الإيرانية، وكان هناك إعجاب شعبي في كثير من الدول الإسلامية بتلك الثورة التي تحدت الولايات المتحدة بينما تخنع قيادات هذه الدول لها، وللحد من تلك المشاعر الإيجابية تجاه إيران ظهرت حملة مكثفة للتشهير بالمذهب الشيعي وبالقيادة الإيرانية. أذكر من ذلك ما ورد بوسائل الإعلام من أنهم يؤلهّون الإمام الخميني وجاؤوا بنشيد إيراني يقول: الله أكبر خميني أكبر، وشاء القدر أن أستمع لهذا المقطع المتكرر من النشيد من إحدى الإذاعات الإيرانية، وبالتدقيق في السماع وجدنا النشيد يقول: الله أكبر خميني رهبر، وبالسؤال عن معنى كلمة رهبر فإذا هي تعني القائد.
كذلك توسعوا بنشر الكتيبات التي تذكر وقائع شاذة من قبل فصائل الشيعة، وعندما تفحصنا بالأمر علمنا أن المذهب الرسمي لنظام الحكم هو الاثنا عشرية التي عرفنا أنها أقرب المذاهب الشيعية لأهل السنة. واقترن ذلك ببعض الأنباء عن ضبط شبكات تجسس لها صلة بإيران، حتى أصبح من الصعب أن يجاهر أى شخص بكلمة طيبة أو حتى محايدة تجاه الثورة الإيرانية، واستمر الأمر لسنوات.
وحتى عندما تمكن حزب الله من الصمود أمام العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 وعلا نجم حسن نصر الله شعبيا في عدد من البلدان العربية، أذكر أن الإعلام المصري كان يقلل من شأن نصر الله وينال منه، وكانت نسخ جريدة الأخبار التي تخصصت في ذلك يتم شحنها إلى بيروت بالطائرة، لتوزع مجانا في الشوارع للمساهمة في النيل من صورة نصر الله هناك.
تجارة محدودة بين مصر وإيران
وهكذا حدثت جفوة ما بين الشعوب العربية والشعب الإيراني، فالإيرانيون يلومون على المصريين استقبالهم للشاه الذي كانوا يريدون محاكمته، ودعم العرب لصدام حسين خلال حربه معهم، والحملات الإعلامية التي كانت تصورهم أحيانا بالمجوس رغم رفعهم شعار الجمهورية الإسلامية.
والعرب قد تأثروا بالحملات الإعلامية التي مزجت ما بين البعد الأمني والبعد الديني، والتي ارتكزت على أن النظام الإيراني يمثل حكم الملالي، أي رجال الدين، والتوسع في بعض الأمور مثل زواج المتعة، وأنه يتعاون مع إسرائيل رغم إنكاره لذلك، وأنه يضطهد العرب الأحواز في إيران ويمنعهم من التحدث بالعربية.
والنتيجة قطيعة ما بين مصر وإيران كأحد النماذج منذ الثورة وحتى الآن، حتى بلغت قيمة التجارة السلعية بين البلدين حسب البيانات المصرية في العام الماضي خمسة ملايين دولار فقط؛ موزعة ما بين صادرات مصرية لإيران بلغت أقل من مليوني دولار وواردات منها بلغت 3.3 مليون دولار، رغم فصل إيران بين التجارة والسياسة بدليل كبر تجارتها مع الإمارات رغم الخلاف حول احتلالها للجزر الإماراتية الثلاثة، ورغم سعي إيران لرفع مستوى التبادل الدبلوماسي في السنوات الماضية وعقد عدد من الندوات بين مراكز بحثية مصرية وإيرانية، بل وإقامة معرض للمنتجات الإيرانية بالقاهرة من خلال إحدى الشركات الخاصة، إلا أن العلاقات سواء التجارية أو حتى الثقافية ظلت محدودة، حيث أن من يقترب من مقر بعثة رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة،، وهو ما يتم تصويره، يمكن أن يُحال لقضية تجسس أو تخابر أو نحو ذلك من التهم.
من كل ما سبق يتطلب الأمر إعادة النظر في موقفنا كشعوب عربية من النظام الإيراني، وعدم انتظار تغير المواقف الرسمية العربية المرتبطة بالموقف الأمريكي بل والإسرائيلي من إيران، والتي لن تسمح من خلال وسائل إعلامها لإيران أن تحصد إعجاب الشعوب العربية بسبب موقفها وتوابعها تجاه العدوان على غزة، بل اتهامها بأنها ساعدت على تدمير غزة وخرابها ومقتل الآلاف من سكانها.
انتظام الانتخابات الرئاسية والبرلمانية
وعندما نقترح إعادة النظر في الموقف من إيران فإن هذا يعني تناول المراكز البحثية المستقلة والجامعات ووسائل الإعلام المستقلة، القضايا المتعلقة بتلك العلاقات ومنها: اتهام إيران بأنها دولة دينية دكتاتورية، وأنها ساعدت النظام السوري على البطش بشعبه، وأنها تضطهد العرب المقيمين فيها، وأن لها علاقات مستترة بإسرائيل، ونحو ذلك من القضايا دون إغفال أي منها حتى لا نترك مجالا للصيد في الماء العكر من قبل أتباع نظم الحكم الخليجية في وسائل الإعلام، أو من قبل أشخاص مثل قيادات حزب النور المصري الذي نشأ على يد الجهات الأمنية والمتخصص بتشويه المذهب الشيعي.
فبعض تلك القضايا ليست بتلك الدرجة السيئة التي أصبحت سائدة، فعندما يُقال إن إيران دولة دكتاتورية، فهو أمر يحتاج مراجعة في ظل انتظامها بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية منذ عام 1980 وحتى الآن، صحيح أن مجلس صيانة الدستور يفحص أوراق المرشحين للرئاسة والبرلمان ويحجب بعضهم عن الترشح، لكن الصورة العملية هناك تعد أفضل من نظم الحكم الوراثية في ثماني دول عربية.
وعندما نحاسب إيران على مساعدتها للنظام السوري الذي حقق لها التواجد على شاطئ البحر المتوسط في البطش بشعبه، فهل نسينا أن الدول العربية قد سمحت للرئيس السورى بالعودة للجامعة العربية وحضور القمم العربية، كما أن روسيا قد قامت بدور أكبر في دعم النظام السوري؟ فلماذا لم تتخذ الدول العربية موقفا من النظام الروسي أيضا؟
لتكن المراجعة واقعية وعملية، فإيران دولة إقليمية تسعى لتعضيد مكانتها الإقليمية والدولية وتتخذ ما تراه مناسبا لتحقيق ذلك، وهناك جوانب اتفاق مع إيران أكثر من جوانب الاختلاف، وكما نتعامل مع الصين رغم تنكيلها بالمسلمين هناك، بل وكما تتوسع الدول العربية بالتطبيع مع إسرائيل رغم إبادتها الجماعية للفلسطينيين، فلم تحدث من إيران تجاه العرب مثل تلك الجرائم.
وسيكون مفيدا للموقف العربي أن يكون مدعوما بالموقف الإيراني؛ مثله في ذلك مثل الموقف التركي وغيرها من المواقف الدولية التي نرحب بها رغم وجود جوانب اختلاف عديدة معها، مثل الموقف الإسباني والنرويجي والبلجيكي وغيره مؤخرا، ومراعاة أن لكل دولة مصالحها القومية الخاصة.
المصدر: عربي 21