جيوبوليتيكال فيوتشرز: الفساد والمحسوبية يقوضان تطوير اقتصاد السعودية
أفاد تحقيق دولي إن الفساد والمحسوبية يقوضان أي جهود للإصلاح الاقتصادي في السعودية ويدفعان بشدة إلى استمرار تعثر رؤية 2030 بشأن تنويع مصادر الاقتصاد.
Table of Contents (Show / Hide)
وأشار التحقيق الذي نشره موقع “جيوبوليتيكال فيوتشرز” وترجمه سعودي ليكس، إلى أن الهدف المعلن لرؤية 2030 هو التخلص من الاعتماد على النفط، وإطلاق العنان لمواهب المجتمع، والقضاء على الفساد.
ولكن بدلا من محاربة الفساد، تم إعطاؤه فرصا جديدة، وبدلاً من تعزيز القيم المجتمعية الجديدة، استبعدت رؤية 2020 الأفكار التي من شأنها أن تفضي إلى الحداثة.
وبحسب التحقيق ظهر جليا أن رؤية 2030، بما في ذلك مدينة نيوم على البحر الأحمر التي لم يتم بناؤها بعد، “تعيش فقط في مخيلة ولي العهد محمد بن سلمان”.
ونبه إلى أن البيروقراطية في السعودية تضخمت بسبب المحسوبية، وتوسعت بشكل غير عقلاني. ولم تكن الآثار ملموسة على الفور اقتصاديًا أو اجتماعيًا لأن البيروقراطية لا تزال قادرة على استيعاب المزيد من المواطنين، ويمكن أن تغطي الثروة النفطية النفقات المهدرة التي ليس لها ضرورة اقتصادية أو إدارية.
وكان هذا التوسع البيروقراطي أحد أكثر “الرشوات الاجتماعية” انتشارًا في القرن العشرين.
خلال هذه الفترة، نفذت الدولة مشاريع تنموية ذات دوافع سياسية كالمدارس والمستشفيات والطرق والجسور، وكثير منها كان عشوائيًا ومهدرا للموارد.
وإن البيروقراطية تضخمت وشكلت مراكز قوة حول المسؤولين الحكوميين من المستوى المتوسط الذين دخلوا سوق العمل الخاص من خلال إنشاء الشركات، مستفيدين من علاقاتهم مع الأمراء البارزين للفوز بالعقود والمناقصات.
وفي عام 2017، عندما أدرك بن سلمان أن عددًا أكبر من أقاربه عارضوا تنصيبه ملكًا أكثر مما كان يعتقد، تحرك ضد العديدين منهم بحجة الفساد المالي وسرقة أموال الدولة.
وكانت فكرة اعتقال الأمراء المترددين في دعمه هي تحذيرهم من عواقب معارضتهم، فيما لم تكن حملة مكافحة الفساد أكثر من أداة لتصفية الحسابات وذلك لأنها شهدت تسترا على فساد بعض الأمراء المخلصين واستهدافا لآخرين بشكل انتقائي.
ولا يزال الفساد يمثل مشكلة خطيرة، بحسب المقال، لأنه متأصل في هيكلية للبيروقراطية السعودية الجامدة، وبالتالي بات يتخذ شكلا مؤسسيا.
وهنا فإن المخاطرة بحرب الفساد تعني استعداء فئات المستفيدين التي نمت عبر عقود، وإذا اختار ولي العهد عدم إصلاح القطاع العام للحفاظ على سلطته، فسيصبح من المستحيل عليه تنفيذ أهدافه الاقتصادية “المثيرة للجدل”.
ويعاني المجتمع السعودي من انقسامات قبلية وطائفية ومناطقية حادة، عززتها الدولة من خلال حظر كل المساحات التي توحد الناس، كالنقابات والأحزاب والتظاهرات. وبدلاً من التعامل مع المواطنين، تتعامل الدولة مع رؤساء القبائل أو وجهاء المنطقة.
وعلى الرغم من الانقسامات الإقليمية العميقة لم تستثمر الحكومة في بناء الدولة ولم تحدد هوية وطنية. على العكس من ذلك، فقد رسخت الانقسامات من خلال الاعتماد على العائلات السنية البارزة في نجد والحجاز مع استبعاد المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية.
ويقول التحقيق إن سياسات الحكومة لم تروج لقيمة العمل الجاد بين السعوديين وبالرغم من دعمها السطحي للتدريب التقني والمهني، كانت الحكومة بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لتوجيه الشباب نحو مهن منتجة.
وقد تسبب النفور من العمل اليدوي في ترسيخ الاعتماد الدائم على العمالة الوافدة وإدامة الاحتقار الاجتماعي التقليدي للعمالة الماهرة وشبه الماهرة.
وعززت سياسات الرفاهية الحكومية السلوك الاستهلاكي المفرط وتغاضت عن النزعة الشوفينية تجاه العمال المغتربين.
وبحسب التحقيق فإنه لا يمكن أن تحدث التنمية على حساب المعتقدات الدينية الراسخة في الضمير الشعبي أو في السياسات الرسمية لأن السعودية تتحمل مسؤولية دائمة تجاه المسجد الحرام في مكة المكرمة.
وأدى الاقتصاد الذي ظهر خلال الطفرة النفطية لخلق قطاع خاص ديناميكي فطم نفسه عن الاعتماد على العقود الحكومية، وأنتج القطاع الخاص، بدوره، برجوازية محلية، وليست وطنية، لأنه وقف ضد كل محاولات توظيف القوى العاملة السعودية، واختار بدلاً من ذلك العمالة الأجنبية.
وتقوم طبقة رجال الأعمال بتقليد نموذج السياسات الاجتماعية للدولة في إنتاج أجيال من الشباب بدون مهارات، وتعميق المشكلة الديموغرافية، وإدامة القيم التي زرعتها الدولة خلال فترة الازدهار.
ويشير التحقيق إلى أنه بالرغم من أن العديد من الشباب السعودي يدعمون سياسات ولي العهد محمد بن سلمان، فإن الحماس له سيهدأ ما لم يلعب هؤلاء الشباب دورًا في تحديد مستقبل المملكة.
ولكن بدلاً من أن يكونوا محفزات للتغيير، يتم تحييد هؤلاء العمال الجدد من خلال غياب منظمات المجتمع المدني الطوعية، التي تُجبر على العمل من خلال نظام المحسوبية الحالي.
ويعتقد محمد بن سلمان أن تبني الديمقراطية كنظام حكم سيؤدي إلى انهيار المملكة، وأنها تصطدم بالمجتمع القبلي السعودي وثقافته التقليدية وتوجهه الإسلامي، الذي يعتبر، وفقًا للعقيدة الوهابية التي تتبناها المملكة العربية السعودية، الديمقراطية “هرطقة”.
ويرى التحقيق أن كل هذا يعني أنه بالرغم من الدعاية، فإن محمد بن سلمان من المحتمل ألا يتمكن من تحقيق ما يريد، رغم خطاباته المتفائلة.
ويذكّر أن مكونات رؤية 2030 تداولها كبار المسؤولين السعوديين قبل 4 عقود، وهي التركيز على حقبة ما بعد النفط، وتنويع مصادر الدخل، وتشجيع الاستثمارات، وضرورة التقشف، وإنهاء حالة الرفاهية العشوائية، ومعالجة البطالة، وخلق قوة عاملة محلية ماهرة.
وسيكون تنفيذ خطة تطوير محمد بن سلمان التي تعتمد على نمو القطاع الخاص النشط وإيجاد مصادر جديدة لإيرادات الدولة من خلال الضرائب والرسوم، أمرًا صعبًا حيث يحتاج مشروعه التنموي الاقتصادي إلى معالجة موضوع المشاركة السياسية في إطار عقد اجتماعي جديد.
وقد يكون مشروع نيوم تحديدا الدليل الأوضح على حجم التحديات المقبلة، ويتفق العديد من المراقبين على أنه رهان بقيمة 500 مليار دولار لبناء مدينة في الصحراء. ويعتقد البعض الآخر أنها ليست أكثر من مجرد محاولة لتلميع صورة ولي العهد وصرف الانتباه عن انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد.
وخلص التحقيق إلى أن ضخامة الأهداف الإنمائية لمحمد بن سلمان بحلول عام 2030، بما في ذلك التحرر المؤلم من النفط، تمثل تحديًا لمصداقيته، خاصة بالنظر إلى أسلوب حياته المرفه والبذخ، ومقتنياته باهظة الثمن، فهو يمتلك العديد من الشركات والكثير من العقارات في الخارج، بما في ذلك قصر لويس الخامس عشر (300 مليون دولار)، ويخت فاخر ضخم (320 مليون دولار) ولوحة منقذ العالم لليوناردو دافنشي (450 مليون دولار).