بلومبيرغ: مشاريع "نيوم" مصدرها أفلام الخيال وتواجه التعثر
وصف تحقيق مطول نشرته وكالة "بلومبيرغ" كيف أنَّ أغلب الأفكار التي تقوم عليها مدينة "نيوم" مستمدة في أصلها من أفلام خيالية تم إنتاجها في "هوليود" أو استديوهات سينمائية عالمية، كما كشف كيف أن عدداً كبيراً من الذين عملوا في المشروع انتهوا الى نتيجة مفادها أنه أقرب الى الخيال وفضلوا الاستقالة من مناصبهم والعودة الى بلادهم.
Table of Contents (Show / Hide)
ونقلت الوكالة الأمريكية عن أحد المدراء في نيوم قوله: "دهشت بعض الشيء لما سمعت بأن الأمير مهتم جداً بالخرافات العلمية، ولكن كثيراً من الناس يهتمون بها أيضاً، ومن مختلف القناعات السياسية".
وتقول "بلومبيرغ" إن التعويض الذي تحصل عليه العائلة الواحدة من أبناء قبيلة الحويطات بعد أن يتم تجريدهم من أرضهم ومنزلهم يكاد لا يعادل راتب شهر واحد مما يتقاضاه بعض الموظفين الأجانب الذين يعملون في نيوم.
وتقول "بلومبيرغ": "يعيش مدراء نيوم ويعملون داخل معسكرهم، ولذلك فهم لا يكادون يتواصلون مع سكان البلاد الأصليين في تبوك. لطالما كان الخط الساحلي لهذه المنطقة من أكثر الأماكن إهمالاً في المملكة العربية السعودية، لدرجة أن بعض البلدات لم يتم وصلها بشبكة الكهرباء إلا في منتصف ثمانينيات القرن الماضي. ينتسب كثير من السكان إلى الحويطات، وهي قبيلة بدوية تاريخياً مستقرة في المنطقة التي تلتقي فيها حدود السعودية والأردن ومصر. ومن اللحظة الأولى لم يكن لهم موقع في مخططات نيوم، وقيل للآلاف منهم في وقت مبكر من عام 2020 إن الدولة سوف تحتاج إلى أراضيهم".
وتلفت الوكالة في المقابل الى أن بعض المشاريع في "نيوم" تواجه تحديات كبرى بسبب أنها لا تعدو كونها مجرد أفكار طُرحت في أفلام خيالية، وتضرب مثالاً على ذلك بمشروع يُطلق عليه اسم "الخط"، ويتبين من وثائق داخلية أنه يقوم على بناء طبقة تحت الأرض من المفروض أن تحتوي على وسائل ومرافق النقل، إلا أنه تبين بأن تكلفته ستكون خيالية وقد تصل إلى تريليون دولار.
وفي ما يلي النص الكامل للحلقة الثانية من تحقيق وكالة "بلومبيرغ" عن مشروع "نيوم" السعودي:
حلم محمد بن سلمان الذي يكلف 500 مليار دولار يغدو أكثر غرابة يوماً بعد يوم
تقرير: فيفيان نيريم
بلومبيرغ بيزنيس ويك
14 يوليو / تموز 2022
الجزء الثاني
تم تكليف ويرث، وهو مدير أمريكي في قطاع الضيافة، بالعمل في مشروع تكاليفه باهظة بالذات، ألا وهو منتجع نيوم للتزلج. والفكرة أقل سخافة بقليل مما تبدو للسامع. وذلك أن درجات الحرارة تهبط إلى ما دون التجمد على قمم الجبال المرتفعة في المنطقة. وإذا ما توفر ما يكفي من معدات صناعة الثلج، فمن الممكن الترتيب لموسم تزلج شتوي. إلا أن ويرث سرعان ما أذعرته التداعيات البيئية لذلك، إذ تتطلب مخططات المنتجع إقامة بحيرة اصطناعية، الأمر الذي يستدعي تفجير أجزاء ضخمة من المشهد الطبيعي. ومن المقرر أن يحتل "ذا فولت"، وهو عبارة عن فندق ومنطقة سكنية في الجوار، أخدوداً اصطناعياً، يقول عنه ويرث إنه سيكون بمثابة "فوهة منجم ضخم مفتوح". وهو مشهد ربما يكون منقولاً عن "فاونديشن"، المسلسل الذي أنتجه تلفزيون أبل ويتحدث عن عالم في المستقبل بعد آلاف السنين من الوقت الحاضر، كان محمد بن سلمان يستمتع بمتابعته. (والمسلسل مقتبس نوعاً ما من روايات من تأليف إسحق آسيموف، ويحكي قصة جهود أحد علماء الرياضيات لحماية المعرفة الإنسانية من انهيار امبراطورية مجرِّية تتعرض للفناء، يعيش ملوكها الثلاثة المتشابهون وراثياً في قصر مترامي الأطراف بينما يسخر رعاياهم في العمل تحت الأرض). يقول ويرث: "لم نتمكن حتى من تقدير تكاليف البناء. كنا نعلق المباني على سفوح الجبال، ولم تكن لدينا أدنى معرفة بالجغرافيا"، فقرر أسرع من غيره بأن جردله الثاني قد فاض. استقال ويرث في آب/ أغسطس من عام 2020 بعد قضاء خمسة شهور في وظيفته.
يقع معسكر إقامة العاملين في نيوم، والذين يقدر عددهم بألفي شخص، وسط التلال الصخرية على بعد ميلين اثنين من الساحل. وحتى أتمكن من دخوله، كان لابد من أن أمر عبر نقطتي تفتيش يديرها حراس أمن من القطاع الخاص. كما تم مسح وجهي بمعدات تحمل شعار شركة شيجانغ داهوا للتكنولوجيا، وهي شركة متهمة من قبل النشطاء بأنها تساعد الحكومة الصينية في مراقبة الإيغور في شينجانغ.
"أن ترى الاختلالات العضوية الناجمة عن تخيلاتك تتجلى في عالم الواقع ليس أفضل ما يمكن أن تتمناه".
التسويق لنيوم في كل مكان. يحتوى واحد من الملصقات المثبتة داخل إحدى المباني المخصصة للمكاتب على توجيه الموظفين بأن يجسدوا "عقلية البطل"، ويتم التأكيد على ذلك من خلال اقتباس أقوال ملهمة لمحمد بن سلمان ولنيلسون مانديلا. (يساوي الملصق بين الرجلين قيمة وقدراً). وهذا يعني الحفاظ على "إيمان لا يتزعزع بنفسك وبنيوم، وتحدي الوضع القائم، وإثبات الروح الإبداعية التي تُمكن كل شخص من السعي لأن يكون محفزاً على التغيير".
يبدو أن كثيراً من الموظفين انطلى عليهم الأمر. تقول جان باتيرسون، وهي كندية بريطانية تترأس التخطيط لقطاع الرياضة في نيوم، إنها تريد لأحفادها أن ينموا في المدينة، التي ترجو أن تكون أنشط المراكز الحضرية رياضياً في العالم. فها هي بعد مضي ثلاث سنين قد غدت واحدة من أقدم الموظفين هنا. تقول باتيرسون: "لقد انضممت لأنني في تجربتي المهنية لم يحصل أن قال لي أحد هل ترغبين في التأسيس لوضع شبه مستقل مستخدمة حماستك كأداة لإحداث تغيير اجتماعي إيجابي؟". وتضيف: "هذا هو الأمر بكل بساطة". تبرق عيناها وهي تصف كيف يمر اليوم في نيوم المستقبل. تخيل طالباً في الإعدادي، عندما يصحو من نومه يقدم له المنزل الذي يقطنه مسحاً لعملية الأيض (التحول الغذائي) لديه. ونظراً لأنه تناول كثيراً من السكر في الليلة الماضية فسوف تقترح عليه الثلاجة تناول العصيدة بدلاً من إصبع الغرانولا الذي كان يرغب في تناوله. وخارج المنزل سيجد خط سباحة بدلاً من موقف الحافلة. سوف يحمل على ظهره حقيبة مقاومة للمياه لأنه سوف يسبح من منزله إلى مدرسته. وبالفعل، باتيرسون تعني تماماً ما تقول، وذلك أن نيوم تقول إنها تنظر في فكرة إنشاء قنوات مملوءة بالمياه الصالحة للسباحة، وبذلك توفر خياراً إبداعياً للتنقل المائي. وتقول إنه إذا ما سارت الأمور على خير ما يرام فيمكن للمقيمين أن يتوقعوا عشرة أعوام إضافية من العمر.
حينما ذهب المسؤولون بعد ذلك يتنقلون من منزل إلى آخر، يمسحون البيوت التي سوف يتم إخلاؤها، قابلهم رجل اسمه عبد الرحيم الحنيطي بغضب، وبدأ بتسجيل سلسلة من الفيديوهات باستخدام هاتفه النقال، ما لبثت تلك المقاطع أن انتشرت كالنار في الهشيم. بلحيته الكثة التي خطها الشيب، واجه الحنيطي الكاميرا، فكان يتحدث مباشرة بصوت منتظم، متهماً الحكومة بتخويف السكان لإجبارهم على التنازل عن بيوتهم، ولم يترك محرماً من محرمات الخطاب السياسي السعودي إلا انتهكها. وقال إن عهد محمد بن سلمان هو "حكم الولدان" ووصف علماء الدين الذين يعملون لصالح الحكومة بأنهم "جبناء صامتون". وأعلن الحويطي أنه كان يتوقع أن تقوم السلطات باعتقاله أو قتله. وقال إن الحياة لا تقاس بالزمن الذي يمضيه المرء على الأرض، بل "إن موقفاً في يوم واحد يعادل تسعين سنة". وفي منتصف إبريل / نيسان من عام 2020، وصلت الشرطة المدججة بالسلاح إلى منزله فنشبت معركة بالأسلحة النارية، أسفرت عن قتل الحنيطي وإصابة ضابطي شرطة بجراح. قالت الحكومة إن الحنيطي كانت لديه أسلحة في منزله وأنه فتح النار متجاهلاً مطالبات له بالاستسلام.
في بلدة شارما، حيث كان من المقرر إقامة شاطئ الفضة، تمت تسوية الأرض بشكل كامل، كما تكرر نفس الشيء في المنطقة التي كان الحويطي يعيش فيها. وخلال زيارة أخيرة، وجدتُ على واحد من الجدران القليلة التي ظلت قائمة عبارة كتبت بالدهان، مقتبسة من أغنية غرامية عربية، تقول "ظالم، ولكن". قال أحد الأشخاص من عشيرة الحويطات، طلب عدم الكشف عن اسمه خشية أن يتعرض للعقاب، إنه في البداية قاوم الترحيل وإعادة التوطين، ولكن بعد قتل الحويطي وقيام السلطات بقطع تيار الكهرباء وإغلاق المدارس، أدرك أنه لا يملك خياراً آخر. وبينما جلس ينتظر الحصول على مبلغ التعويض المقرر له سأل قائلاً: "ماذا عسانا نفعل؟ نريد أن نعيش".
وفي يناير 2021، ظهر محمد بن سلمان على شاشة التلفزيون السعودي ليقدم للناس العنصر الأبعد منالاً في نيوم: "ثورة حضارية" تسمى الخط. يفترض في "المدينة الخطية" التي تمتد لمسافة تصل إلى مائة ميل، أن تولد صفراً من الانبعاثات الكربونية. ومن المقرر أن يقطنها مليون نسمة، يعيشون في طبقة سطحية خالية تماماً من السيارات، لا يبعد الساكن الواحد منهم عن الخدمات الأساسية أكثر من مسافة خمس دقائق مشياً على الأقدام، بينما ستكون الممرات الخدمية والقطارات السريعة مخفية تحت الأرض هي والمرافق اللازمة لنقل البضائع.
قد تكون هذه الرؤية صدى لفكرة تعود إلى ستينيات القرن الماضي وردت في سوبرستوديو، وهو عبارة عن مجمع معماري إيطالي، لكيان هائل يلتف حول الكوكب بأسره. لم يكن هذا "الصرح المستمر" يوماً مقترحاً حقيقياً للبناء، وإنما قصد منه انتقاد المبالغة في العمران والمشاريع الحداثية الضخمة التي كانت تشهد رواجاً في ذلك الوقت. وعندما وجهت صحيفة نيويورك تايمز سؤالاً عن "الخط" لواحد من أواخر من بقوا على قيد الحياة ممن شاركوا في سوبرستوديو، قال بشكل جاف: أن ترى الاختلالات في تصوراتك يتم صنعها في أرض الواقع، ليس أفضل شيء يمكن أن تتمناه".
مازال الموظفون في نيوم يعملون بدون توقف من أجل إنجاز "الخط" والمضي قدماً بالمشاريع الأخرى. ولقد بدأت أعمال الإنشاء المبكرة في المنتجع الجبلي، وهو المشروع الذي أثار ذعر ويرث، لأنه يتطلب إزالة ما يزيد عن عشرين مليون طن من الصخر – ثلاثة أضعاف وزن سد هوفر. وفي أوكساغون، وهي منطقة صناعية مترامية الأطراف ستقام جزئياً فوق ما يشبه هياكل الطوافات العائمة في البحر الأحمر، يقوم العمال بحفر أساسات مصنع الهيدروجين، بينما تتحرك الرافعات جيئة وذهاباً فوق مركز البيانات الذي يوشك أن يتم الانتهاء من إنشائه. وبحسب ما يقوله النصر فإن الإطار القانوني والسياسي لنيوم يكاد يكون مكتملاً، حيث سيحكم المنطقة كيان يسمى "سلطة نيوم"، يقوم بتعيين رئيس هذه السلطة العاهل السعودي نفسه – ومن المؤكد أن يكون ذلك هو محمد بن سلمان بعد أن يخلف والده، الملك سلمان، الذي يبلغ من العمر ستة وثمانين عاماً. وقد تكون مفصولة عن بقية البلد من خلال "حد رقمي"، بحيث يُسمح بالدخول إليها فقط لمن يحمل تصريحاً بذلك. وسوف يتم تمثيل السكان من قبل كيان استشاري، وليس واضحاً بعد ما إذا كان أعضاء هذا الكيان سيكونون منتخبين أم لا.
بالنسبة لداعمي نيوم، يعتبر مثل هذا التخطيط التفصيلي جزءاً من سلسلة الجهود التي تبذل لإقامة مدينة عصرية جداً – ويرون في ذلك مبادرة جريئة ولكنها ليست سخيفة. يقول علي الشهابي، وهو معلق مقرب من الحكومة ويحتل مقعداً داخل مجلس نيوم الاستشاري، إنه يقسم مكوناتها إلى صنفين، ينضوي ضمن أحدها تلك المكونات التي ستحدث فرقاً حقيقياً ومباشراً في المملكة العربية السعودية، مثل تحسين تكنولوجيا تحلية المياه، وينضوي ضمن الصنف الآخر تلك المكونات التي يقر بأنها "طموحة". ويقول إن لدى نيوم مما تستند عليه "كم هائل من الأبحاث، والفكر والاستراتيجية والجوهر".
في نفس الوقت، يستمر مدراء نيوم ومن يعملون معهم من مستشارين في مختلف المجالات في توليد المزيد من الأفكار، بعضها متأثر بشكل مباشر بما تنتجه هوليوود من أفلام. وخلال السنوات الماضية، كلفت نيوم كلا من أوليفير برون، المصمم الذي ساعد في ابتداع هيئة أفلام "حراس المجرة"، ونيثان كراولي، الذي يعرف بأعماله في ثلاثية "الفارس الأسود" بتنفيذ بعض الأعمال. كما استأجرت جيف جوليان، المتخصص في المستقبليات والذي شارك في إنتاج أفلام مثل "الحرب العالمية زيد" و "أنا أسطورة" وكلاهما يتحدثان عن أحداث جسام مثل مشاهد آخر الزمان وتداعيات جائحة أهلكت معظم سكان المعمورة.
كما استؤجر غراي، مؤلف سانتا كروز، للمساعدة في رسم معالم منطقة سياحية راقية تسمى "خليج العقبة"، والتي تشير وثائق داخلية إلى أنها ستشتمل على بيوت فارهة وموانئ صغيرة وأندية ليلية ومدرسة داخلية يقصدها الطلاب من الخارج. وكان محمد بن سلمان قد أخبر القائمين على تصميمها بأنه معجب بجماليات "سايبربنك"، الفيلم الخرافي الذي يتحدث عن مستقبل داكن مفعم بالتقنيات الحديثة. يقول غراي: "دهشت بعض الشيء لما سمعت بأن الأمير مهتم جداً بالخرافات العلمية، ولكن كثيراً من الناس يهتمون بها أيضاً، ومن مختلف القناعات السياسية". لم يطل به المقام حتى غدا هو وغيره من المستشارين يعملون لساعات طويلة في البحث عن جماليات وثقافة سايبربنك، والتي تغذي تصنيف مناخ الخرافات العلمية التي يعمل موظفو نيوم على تطويرها.
تحتوي وثيقة داخلية ذات علاقة بهذا الأمر على 37 خياراً مرتبة أبجدياً من "غزو الكائنات الفضائية" إلى "الطوباوية". وبعد تجميع ما أدلت به هيئة من الخبراء من آراء، تم نقل 13 منها إلى المرحلة التالية من النظر – وكلها تقريباً ذات علاقة بطريقة ما بمفهوم السايبربنك. ثم تم تقسيم هذه إلى صنفين: مجموعة النظر إلى الماضي ومجموعة التطلع إلى المستقبل. ثم وزعت على طيف يبدأ بالاختلال وينتهي بالكمال. وكل منها وضعت رهن التحليل العميق والبحث عما تشتمل عليه من قيم. (السؤال الكبير الذي يطرحه بيوبنك هو متى لا يعود الإنسان إنساناً). وبعد ذلك رتبوا المفاهيم ضمن مصفوفة من العوامل، بما في ذلك ما إذا كان لها "مكون معماري قوي" ومدى انسجامها مع غايات نيوم. تصدرت القائمة فلسفتان موجهتان لمشروع "خليج العقبة": سولاربنك، التي تصف مستقبلاً يتم فيه حل جميع التحديات البيئية، وما بعد سايبربنك. تقول الوثيقة إن هذه الأخيرة تحمل نظرة أكثر تفاؤلاً للعالم في المستقبل، حيث الحواف نظيفة، وناطحات السحاب نحيفة وحيث العربات الطائرة الأنيقة. وحددت أن أفضل مثال لهذا النمط هو بلاك بانثر لمخرجه رايان كوغلر – وبالمناسبة كان ذلك أول فيلم يعرض بعد أن سمح محمد بن سلمان لدور السينما بإعادة فتح أبوابها بعد حظر استمر لعقود.
بالطبع، من المبكر لأوانه معرفة ما إذا كانت أفكار مثل "خليج العقبة" ستنجو من تأثيرات الواقع المالي والمادي. فمباشرة بعد الإعلان عن "الخط"، اكتشف مدراء نيوم حجم التحديات التي تواجه المشروع. فقد كان من المشاكل الكبرى، كما يشرح تقرير داخلي عن مدى ما تحقق من تقدم، بناء طبقة تحت الأرض من المفروض أن تحتوي على وسائل ومرافق النقل. وجاء في التقرير إن تكاليف ذلك ستكون خيالية. وبحسب ما يقوله عدد من الموظفين السابقين، ما لبثت فكرة وجود سلسلة من التجمعات السكانية المترابطة في مبان منخفضة أن تطورت إلى فكرة إنشاء كيانين ضخمين متوازيين، يصل ارتفاعهما إلى ما يشبه مبنى إمباير ستيت، ويمتدان أفقياً لعشرات الأميال. وبحسبة سريعة، وجد أحد المخططين السابقين في نيوم أن تكلفة إنشاء ذلك قد تصل إلى تريليون دولار. لا تناقش نيوم أياً من ذلك على الملأ، حتى حينما تبدأ الفرق بالعمل في الموقع ويعكف المصممون على إعادة النظر في المخططات. أما النصر فيقول: "ما سنقدمه عندما نكون جاهزين سيكون ثورياً".
ومؤخراً في الرياض، في معرض فني ينظم كل عامين، علقت على الجدار صورة لصرح سوبرستوديو المستمر، يظهر فيها الكيان الخطي وقد أحاط بالعالم أجمع. كتبت تحت الصورة عبارة تدعو الزوار إلى "تصور مستقبل قريب تكون فيه جميع المنشآت نتاج عمل واحد". ظلت هذه الفكرة جاثمة في عقلي لزمن منذ مغادرتي نيوم على متن طائرة عمودية حلقت بنا فوق البقعة التي من المفروض أن يبدأ فيها تنفيذ مشروع "الخط". ومن فوق، ومن مسافة بعيدة، بدت آليات الإنشاء على الأرض مثل ألعاب الأطفال. وهناك ظهر شق باهت ولكن لا تخطئه العيون – إنها إرادة شخص واحد منحوتة في الصحراء، تمتد من البحر إلى داخل الأرض وحتى الجبال، ثم تتلاشى في السديم.
المصدر: عربي 21