معالجات بطيئة وقادم أسوأ.. الديون الحكومية في البحرين وعُمان
المقارنة بين عمان والبحرين تظهر تشابه تطور حجم ديونهما الحكومية. لكن خصوصياتهما تكمن في تباين عبء المديونية وكيفية المعالجة. خلال الفترة ما بين عام 1990م و2023م ارتفعت ديون عمان والبحرين بصورة متقاربة من حيث حجمها. كان ضئيلاً في بدايتها وأصبح حالياً سمة أساسية من سمات مالية الدولة وأزمة خطيرة تؤثر بشدة على جميع المؤشرات الاقتصادية، وبالتالي على معيشة المواطنين في البلدين.
Table of Contents (Show / Hide)
بين 1990 و2021 ارتفعت الديون الحكومية في البلدين سنويا لكنها شهدت تراجعاً في عمان في 2022 مقارنة بالعام السابق، قبالة ذلك، لم تتوقف عن الارتفاع في البحرين كما يُتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في العام الجاري 2023.
يخضع ثقل الديون لمعايير محددة تحديداً دقيقاً ترتبط بالمؤشرات الاقتصادية الكبرى وبمالية الدولة. ويمكن تقسيمها إلى مجموعتين:
المجموعة الأولى: علاقة الديون بالناتج المحلي الإجمالي. ويستخدم هذا المعيار بصورة واسعة في البلدان الصناعية والنامية نظراً لأهميته القصوى، ونحصل على نتيجة هذا المعيار وفق المعادلة التالية: (حجم الديون×100) مقسموماً على قيمة الناتج المحلي الإجمالي.
في عمان انتقل المعيار وفق هذه المعادلة من 17.7% في عام 1990 إلى 62.9% في 2021، في حين بلغ في البحرين 7.5% و129.0% على التوالي. ونلاحظ أن النسبة في البحرين لعام 2021 مضاعفة قياساً بعمان رغم أن الديون العمانية تتجاوز الديون البحرينية، وهو ناجم بطبيعة الحال عن اختلاف حجم الناتج المحلي الإجمالي في البلدين. وعلى هذا الأساس فأن الثقل الاقتصادي للمديونة البحرينية أكبر بكثير من ثقل المديونة العمانية.
في عام 2022 تم تسجيل تحسن ملحوظ في مالية جميع بلدان الخليج نتيجة تراجع تداعيات كورونا، وكذلك وبصورة خاصة، ارتفاع أسعار النفط والغاز بسبب الحرب الروسية ضد أوكرانيا. حققت بلدان الخليج فائضاً مالياً للمرة الأولى منذ عدة سنوات بعد أن كانت ميزانياتها تعاني من عجز مرتفع. ونتيجة انتعاش الإيرادات العامة، استطاعت عمان أن تسدد قسطاً كبيراً من التزاماتها المالية في عام 2022 فانخفض حجم ديونها، عندئذ، هبطت نسبة المعيار من 62.9% إلى 43.7% من الناتج المحلي الإجمالي.
أما في البحرين فرغم الفوائض المالية المتحققة لعام 2022 لم يتراجع حجم الديون بل حدث العكس. رغم ذلك شهدت نسبة المعيار انخفاضاً من 129.0% إلى 116.0%. ويتوقع أن يستمر انخفاض نسبة المعيار في عمان في عام 2023 ليصل إلى 42.5% مقابل ارتفاعه في البحرين إلى نسبة 118.0%.
وتصاعد الديون على النحو الوارد أعلاه يؤدي إلى ارتفاع مديونية الفرد. ففي عام 1990 كان متوسط ديون الفرد في البلدين يعادل تقريبا ألف دولار. أما في 2022 فقد أصبح يبلغ نحو 10.5 آلاف دولار في عمان و35.0 ألف دولار في البحرين. أما علاقة حجم مديونية الفرد بدخله فهي تساوي بالضرورة علاقة حجم الديون الحكومية بالناتج المحلي الإجمالي.
المجموعة الثانية: وهي المعايير المتعلقة بفوائد الديون. تعتبر هذه الديون نفقة عامة. وبالتالي، فهي تسهم في زيادة العجز المالي أو في تقليص الفائض. في عمان ارتفعت الفوائد من 1723 مليون دولار في 2019 إلى 3364 مليون دولار في 2022. تضاعفت الفوائد. أي ازدادت بنسبة تفوق بكثير نسبة ارتفاع حجم الدين. أما في البحرين فقد انتقلت الفوائد من 1702 مليون دولار في 2019 إلى 2013 مليون دولار في 2022. أي ازدادت بنسبة تقل بكثير عن نسبة ارتفاع حجم الديون.
من زاوية أخرى، في عمان كانت الفوائد تمثل 5.1% من مصروفات الدولة لعام 2019. ثم ارتفعت إلى 9.8% منها في عام 2022. وبالمقابل كانت الفوائد في البحرين تعادل 17.8% من مصروفات الدولة في 2019 فأصبحت 21.2% منها في 2022.
الأمر الذي يشير إلى مدى خطورة الديون البحرينية. كما يتبين عبء الفوائد عند مقارنة حجمها بالصادرات النفطية للبلدين، ووفق الأسعار السائدة حاليا يتعين أن يخصص العمانيون 40.5 مليون برميل لسداد فوائد ديونهم السنوية أي ما يعادل إنتاجهم النفطي لمدة أربعين يوما. أما البحرين فعليها رصد 24.2 مليون برميل سنوياً لدفع فاتورة الفوائد أي ما يعادل إنتاجها النفطي لمدة 122 يوما.
تتعلق المعايير أعلاه بالديون الحكومية وهي الالتزامات المالية للسلطة المركزية. وهذه الديون تختلف عن الديون العامة التي تشمل ديون الحكومة إضافة إلى ديون المؤسسات المملوكة للدولة. في عمان وصلت ديون هذه المؤسسات إلى 35906 مليون دولار في عام 2021. وبالتالي فان حجم الديون العامة يبلغ 89937 مليون دولار أي 104.1% من الناتج المحلي الإجمالي.
ومن المعلوم أن العبء الاقتصادي للديون يتوقف على كيفية استخدام الأموال المقترضة. في البلدين تستخدم هذه الأموال لأغراض غير إنتاجية تتمثل في تمويل عجز الميزانية الناجم عن ارتفاع المصروفات الجارية. لذلك فأن الديون ثقيلة في البلدين في جميع الحالات.
معالجة مختلفة
تراكمت الديون الحكومية في كل من عمان والبحرين نتيجة العجز المالي المزمن والمرتفع الناجم عن سببين أساسيين يتعلقان بالإنفاق العام. أولهما تضخم الجهاز الإداري غير المنتج وما يترتب عليه من تخصيص مبالغ طائلة لمرتبات الموظفين. وثانيهما ارتفاع النفقات العسكرية التي تحتل الصدارة في المصاريف الحكومية. أضف إلى ذلك عدم كفاية الإيرادات العامة لتغطية هذا الإنفاق.
لذلك اتخذ البحرينيون والعمانيون إجراءات لتقليص العجز ومن ثم الوصول إلى التوازن. عندئذ، يُفترض أن تنتفي الحاجة للاقتراض الجديد فتنخفض المديونية.
في 2018 قررت المنامة تطبيق “برنامج التوازن المالي” الذي يهدف إلى إنهاء حالة العجز بحلول عام 2022. كما استهدف البرنامج تقليص الديون إلى 82% من الناتج المحلي الإجمالي. لكن وباء كورونا أدى إلى تعديل هذه النسبة فأصبحت 104% أي أكثر من ضعف المعدل المقبول على الصعيد الخليجي.
يعتمد البرنامج البحريني على عدة إجراءات لتحقيق أهدافه كتقليص المصروفات الحكومية المتكررة، وتبني نظام التقاعد الاختياري، وتخفيض الدعم الموجه للكهرباء والماء، كما قامت الدولة بتحسين إيراداتها الضريبية خاصة زيادة سعر ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 10% ورفع الرسوم المفروضة على العمال الأجانب.
أسهمت هذه الإجراءات في تحسن الوضع المالي لكنها لم تقد إطلاقاً إلى التوازن لغاية نهاية 2021. أما ميزانية 2022 فقد سجلت نتائج إيجابية. حقق النصف الأول من ذلك العام وفق وزارة المالية فائضاً قدره 88 مليون دولار.
بيد أن هذه النتيجة لم تنجم عن البرنامج الحكومي بل عن سبب أساسي لا علاقة له بالسياسة المالية المتبعة وهو الحرب الروسية ضد أوكرانيا التي أدت إلى ارتفاع الإيرادات النفطية والغازية لجميع البلدان الخليجية.
ورغم هذا التحسن، لم يهبط ثقل الديون الحكومية في البحرين، إذ تمثل هذه الديون نحو 116% من الناتج المحلي الإجمالي في 2022 أي أعلى من المعدل المستهدف حتى بعد تعديله. لذلك، لا تجد المنامة مفراً من استمرار اعتمادها على المساعدات المالية الخليجية، بدون هذه المساعدات سوف تتراجع المقدرة على مواجهة الأعباء المالية خاصة في ميدان الإنفاق العسكري.
أما في عمان فقد وضعت "خطة التوازن المالي متوسطة المدى" ثلاثة أهداف لعام 2022. الهدف الأول زيادة الإيرادات غير النفطية لتصل إلى 36% من الإيرادات الكلية، الهدف الثاني كان خفض الديون العامة (الديون الحكومية وديون المؤسسات المملوكة للدولة) إلى 86% من الناتج المحلي الإجمالي، أما الهدف الثالث فكان تقليص العجز المالي إلى 8.8% من الناتج المحلي الإجمالي.
عند فحص مالية الدولة في السلطنة نستنج بأن مسقط استطاعت الاقتراب من الهدف الأول. كما سجل الدين الحكومي هبوطاً كما ذكرنا من حيث حجمه ومن حيث علاقته بالناتج المحلي الإجمالي. أما الهدف الثالث فقد تمكنت السلطة العامة من تجاوزه في عام 2022 حيث حصلت على فوائض مالية مهمة أسهمت في الوفاء بالديون.
لكن العمانيين كالبحرينيين لم يحصلوا على هذه النتيجة بفعل خطتهم بل بسبب عامل خارجي وهو حرب أوكرانيا. كما ازدادت الفوائض نتيجة تقليص النفقات الاستثمارية. في حين كان من اللازم استغلال تلك الفوائض لزيادة هذه النفقات ومعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة وفي مقدمتها البطالة المتفاقمة.
خلال العام الجاري 2023، من المتوقع أن تسجل الميزانية العامة في البلدين عجزاً بفعل تراجع أسعار النفط مقارنة بالعام المنصرم. عندئذٍ، سترتفع الديون الحكومية من جديد وستضطر كل من البحرين وعمان مجدداً إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات التي قد تؤثر سلبياً على مستوى معيشة المواطنين كرفع الضرائب وتقليص الدعم.
*د. صباح نعوش كاتب وباحث اقتصادي
المصدر: البيت الخليجي