مركز الغاز.. مفتاح التعاون لإطلاق إمكانات ثروة شرق المتوسط
سلط بيتر ستيفنسون، الباحث بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن، الضوء على ثروة الغاز الهائلة في شرقي البحر المتوسط، مشيرا إلى أن هذه الثروة تكفي لاحتياجات كل المنطقة، لكن هذا لا يكفي لتحفيز التنمية بها.
Table of Contents (Show / Hide)
وذكر ستيفنسون، في تحليل نشره موقع المعهد وترجمه "الخليج الجديد"، أن هناك حاجة إلى خطة متماسكة لتطوير ثروة الغاز وإسالتها ونقلها إلى الاتحاد الأوروبي، وإلى الأسواق الآسيوية خارج الصين، التي ستواجه ضغوطًا متزايدة بطلب الغاز في السنوات المقبلة.
ومع تنافس دول شرق البحر الأبيض المتوسط في كثير من الأحيان للحصول على لقب "مركز الغاز"، فإن استغلال الاحتياطيات الضخمة في المنطقة يتواكب مع تحديات، إما في تزويد مراكز الطلب الإقليمية الأخرى أو تصدير الغاز إلى أوروبا أو آسيا، مجموعة من القضايا الخاصة بها.
ويمكن أن يساعد اتباع نهج أكثر تعاونًا في إطلاق إمكانات المنطقة الشاسعة وغير المستغلة إلى حد كبير، حسبما يرى ستيفنسون، مشيرا إلى أن ضرورة أن يشمل هذا النهج الحكومات والمشغلين الرئيسيين والشركات التي توفر سوقًا للغاز، والمستثمرين الذين سيساعدون في تنمية موارد المنطقة.
ويعد منتدى غاز شرق المتوسط، الذي تم تشكيله في عام 2019، أحد أطر هذا التعاون، ويضم في عضويته كلا من: مصر وقبرص وفرنسا واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية، إضافة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي بصفة مراقب.
لكن شركات الطاقة الكبيرة العاملة في المنطقة وصفت المنتدى بأنه "متجر نقاش" ومجرد إطار تلتقي فيه الحكومات لالتقاط الصور والدعوة علنًا للتعاون دون مواجهة تحديات تمويل وتطوير مشاريع الغاز.
كما تجاهل المنتدى عضوية تركيا ولبنان وسوريا، وهي دول تتطلع إلى شق طرقها الخاصة كلاعب مهم في سوق الغاز بالمنطقة.
وقالت مصر وإسرائيل وقبرص إن المنتدى مفتوح أمام أي دولة تلتزم بميثاقها، لكن لا يوجد حل "لمشكلة قبرص" التي طال أمدها ولا اتفاق سلام إسرائيلي لبناني شامل في الأفق؛ لتمهيد الطريق أمام انضمام تركيا ولبنان.
وأدى ذلك إلى افتراض أن المنتدى يعتبر وسيلة قيمة ويجب تعزيزه، إلا أنه لا يمكنه المضي قدمًا في دفع الاستثمارات الكبيرة والمخاطرة اللازمة لإنجاح تطوير الغاز في المنطقة، بحسب ستيفنسون.
ولم يفعل المنتدى سوى القليل لسد الفجوات بين دوله، أو توفير خطوات ملموسة نحو تنمية الموارد، أو تجنب الانقسام حو الاستفادة من بروز ثروة الطاقة المتزايد في المنطقة.
ويشير ستيفنسون، في هذا الصدد، إلى وجود "معارضة" داخل المنتدى نفسه، وهو أمر غير معتاد في التجمعات التي يجب أن تتواءم فيها القضايا الاستراتيجية، حسب قوله، مشيرا إلى أن أعضاء المنتدى لم يضعوا رؤية مشتركة وخطة عمل لتطوير وتصدير احتياطيات الغاز التي يملكونها أو يأملون في العثور عليها مستقبلا.
وضع مصر
ويرى ستيفنسون أن مصر في وضع جيد لتمثل عباءة مركز الطاقة الإقليمي المقترح، فلديها محطتان عاملتان لتصدير الغاز الطبيعي المسال، في إدكو ودمياط على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وولديها شبكة غاز محلية واسعة تتصل أيضًا بخط الغاز العربي، مع وجود مشغلين أجانب رئيسيين وشركات نفط عالمية، وقناة السويس، التي تربط بين شرق البحر الأبيض المتوسط والخليج وآسيا.
لكن رغم دورها الريادي في منتدى غاز شرق المتوسط، وسنوات الخبرة، واكتشاف الاحتياطيات الرئيسية في حقل ظهر للغاز في عام 2015، تواجه مصر أزمة غاز وشيكة، مع انخفاض الإنتاج وزيادة الاستهلاك،
ورغم جهود ترشيد الغاز في مصر، التي تم الإعلان عنها في أغسطس/آب 2022، انخفضت صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى الصفر في يونيو/حزيران 2023، في إشارة مقلقة قبل ذروة الطلب الصيفي على الغاز في يوليو/تموز وأغسطس/آب.
غير أن خسارة بلد ما هي مكسب لبلد آخر، إذ تمكنت إسرائيل من ملء الفراغ، ومع تعطش مصر للغاز وتراجع إنتاجه، أعلنت تل أبيب عن إمكانية مضاعفة الصادرات إلى جارتها العربية بحلول عام 2027 إلى 20 مليار متر مكعب سنويًا من خلال إنشاء وتوسيع خطوط الأنابيب.
وإضافة لذلك، يبحث الشريكان في مشروع "ليفياثان" الإسرائيلي، "شيفرون" و"نيوميد"، عن طرق لتوسيع قدرة الحقل من 1.2 مليار قدم مكعب في اليوم إلى 2.1 مليار قدم مكعب في اليوم.
وأعلنت "شيفرون" أنها تخطط لتحديد خيارها المفضل لكيفية توسيع السعة بحلول نهاية العام، وأوضحت الخيار الذي تفضله، وهو منشأة غاز طبيعي مسال عائمة ترسو في المياه الإسرائيلية.
وأطلقت الشركة، في فبراير/شباط الماضي، دراسة التصميم الهندسي، لمنشأة قياسية تبلغ 4.6 مليون طن سنويًا.
ومع ذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية قلقة للغاية بشأن المخاطر الأمنية المحتملة لرسو سفينة بهذا الحجم في مياهها.
ويرى ستيفنسون أن دفع "نيو ميد" لمشروع منشأة الغاز المسال العائمة محاولة من قبل شركاء "ليفياثان" للاستفادة من موقفهم للحصول على شروط محسنة للخيارات الأخرى، والتي تشمل روابط خطوط الأنابيب إلى مصر أو قبرص أو تركيا.
ولطالما نوقش خط أنابيب من ليفياثان إلى إدكو مع القاهرة، لكن عدم قدرة شركاء ليفياثان على تأمين ضمانات لتصدير الغاز وعدم إعادة توجيهه إلى السوق المحلي المصري أدى إلى انهيار المحادثات في عام 2021.
ويشير ستيفنسون إلى إمكانية إحياء هذا الخيار إذا أصبحت مصر أكثر استجابة لشروط شركاء "ليفياثان".
أنابيب تركيا
ومع تحسن العلاقات بين إسرائيل وتركيا في الأشهر الأخيرة، عاد الحديث عن خط أنابيب بين البلدين، وهو الخط الذي يصفه ستيفنسون بأنه "قد يمنح إسرائيل صداعًا جيوسياسيًا، لأنه سيعتمد إلى حد كبير على الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي قد تكون علاقته المتوترة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حجر عثرة".
وقد تتسبب التوترات التركية مع قبرص أيضًا في حدوث صعوبات، بحسب ستيفنسون، مشيرا إلى أن أي خط أنابيب من إسرائيل إلى تركيا سيحتاج إلى عبور المياه القبرصية.
وإزاء ذلك، يمكن لقبرص نفسها أن تتطلع إلى الاستفادة من الحاجة المحتملة لإيجاد منفذ لغاز ليفياثان. وهنا، قد تتطلع نيقوسيا أيضًا إلى كميات الغاز الإسرائيلية الإضافية لمحطة الغاز الطبيعي المسال البرية في قبرص.
ومع تغير مشهد الطاقة في أوروبا في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، تحول دور قبرص في المنطقة باعتبارها الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تمتلك احتياطيات غاز غير مستغلة إلى بؤرة الاهتمام.
وقد تسعى نيقوسيا للحصول على تمويل من الاتحاد الأوروبي لتوفير سيناريو مربح للجانبين للمنطقة والاتحاد الأوروبي.
وهناك أيضًا فرصة سانحة أمام قبرص للاستفادة من الاهتمام المتزايد من المستثمرين الخليجيين والإسرائيليين، حسبما يرى ستيفنسون، مشيرا إلى أن الشراء المقترح لشركة بريتيش بتروليوم وشركة بترول أبوظبي الوطنية لنسبة 50% من "نيوميد" ربما يكون عاملاً أساسياً في التأثير العربي الإسرائيلي والتعاون الإقليمي المحتمل بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج وإسرائيل، حيث تمتلك الشركة الإسرائيلية أيضًا حصة 30% في حقل أفروديت القبرصي.
ويمكن أن توفر محطة للغاز الطبيعي المسال في قبرص أيضًا منفذًا لاكتشافات الغاز الأخيرة، والتي لا تزال عالقة في الوقت الحالي.
وتتطلع شركة إيني الإيطالية، التي اكتشفت حقل ظهر، إلى ربط خط أنابيب بمصر لاكتشافين للغاز في بلوك 6 قبالة قبرص، وهما بئرا كرونوس -1 وزيوس -1، وهو خيار تقدمه شركة شيفرون وشركاؤها في مشروع خزان أفروديت.
وبالنظر إلى اكتشافات الغاز لديها بالفعل، يجب أن تكون قبرص قادرة تقنيًا على إطلاق مبادرتها الخاصة في المنطقة، لكنها تتطلب إرادة استراتيجية ومالية وسياسية كبيرة للتوصل إلى حل قابل للتطبيق.
ورغم أن مهمة نيقوسيا ليست مستحيلة، إلا أن قلة خبرتها النسبية في الصناعة مقارنة باللاعبين الآخرين قد تكون حجر عثرة رئيسيًا.
تحالفات استراتيجية
وفي حين أن العديد من القضايا تعيق إمكانات الغاز في المنطقة، إلا أن الحلول موجودة، بحسب ستيفنسون، الذي أشار إلى أن مفتاح هذه الموارد هو التحالفات الإستراتيجية الموجودة بالفعل، وكذلك تلك التي من المحتمل أن تتطور مع لاعبين جدد قاموا مؤخرًا بتحركات لدخول المنطقة.
ويمكن أن يوفر عرض الاستحواذ المقترح من قبل شركتي "بريتش بتروليوم" و"أدنوك" على 50% من "نيوميد" منظورًا وموارد جديدة، إذ تمثلان وزنًا كبيرًا من الناحية الفنية والمالية، بحسب ستيفنسون، مشيرا إلى أن مشاركتهما المقترحة في مشاريع "ليفياثان" و"أفروديت" الرئيسية يمكن أن تؤثر على مستقبل المنطقة.
ومع ذلك، فإن شركات النفط الكبرى عادة ما تكون رهينة للمساهمين ويمكن أن تكون بطيئة في التصرف، ما يعني أن الاعتماد على هذه الشركات لقيادة تنمية إقليمية يمكن أن يؤدي إلى المزيد من خيبة الأمل.
ولذا يرى ستيفنسون أن المنطقة تتطلب منظورًا مختلفًا ونهجًا غير تقليدي، يساعد في التغلب على التحديات الفريدة التي تواجهها.
ويخلص الباحث بمعهد دول الخليج العربية إلى أن احتياطيات الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط تمثل تحديًا فريدًا ذي مخاطر عالية، ولكن مع المزيج الصحيح من الفطنة التجارية والإرادة السياسية والشراكات الاستراتيجية، يمكن أن يتحول هذا التحدي إلى فرصة حيوية للمنطقة وشعوبها.