التحالف مع إسرائيل بالنسبة لمحمد بن زايد خيار استراتيجي
دراسة دولية قالت إن الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان ينظر إلى ملف التطبيع والتحالف مع إسرائيل على أنه خيار استراتيجي ووسيلة تمكنه من تعزيز سلطاته وحكمه الاستبدادي.
Table of Contents (Show / Hide)
وقال معهد أبحاث السياسة الخارجية في واشنطن في دراسة ترجمتها “إمارات ليكس”، إن أبوظبي تنخرط بقوة في تعميق للعلاقة الرسمية مع إسرائيل رغم ما خلقته سياسات الحكومة اليمينية الجديدة في إسرائيل، بقيادة بنيامين نتنياهو، وما تمثله من تحديات لجميع الدول العربية التي تحسنت علاقاتها مع إسرائيل في السنوات الأخيرة.
وذكرت الدراسة أن الامارات تريد الاحتفاظ بعلاقة طويلة الأمد مع إسرائيل، لكنها تتجنب أيضًا أن يُنظر إليها على أنها عامل تمكين للحكومة الإسرائيلية الحالية.
وتشير مصادر خليجية مطلعة إلى أن الحكومة الإماراتية ترى في اتفاقيات إبراهيم “اتجاهاً استراتيجياً” وأن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي “عثرة طريق” أمامه بحسب الدراسة.
ولذا تتواصل الصفقات الاقتصادية مع إسرائيل، بما في ذلك مشروعات الطاقة المشتركة واتفاقيات التجارة، إذ وقعت الحكومتان، في 26 مارس/آذار، اتفاقية للتجارة الحرة.
وتستمر الاستثمارات الإماراتية في قطاع الطاقة الإسرائيلي، التي يُنظر إليها في أبو ظبي على أنها مصلحة طويلة المدى، كما يتضح من العرض الأخير من قبل شركة أدنوك لشراء نصف شركة الغاز الإسرائيلية الجديدة “ميد”، التي تمتلك 45% من حقل ليفياثان للغاز. ويملك صندوق الثروة السيادي الإماراتي “مبادلة” بالفعل 11% من حقل “تمار” الأصغر.
وفيما يلي النص الكامل للدراسة التي تتناول مجمل سياسة الامارات الخارجية تحت قيادة محمد بن زايد:
انتهجت دولة الإمارات بشكل مكثف في العامين الماضيين سياسة خارجية متنوعة وينبع هذا جزئيًا من خيبة الأمل من ردود الفعل الأمريكية على هجمات الحوثيين بطائرات بدون طيار على أبو ظبي في فبراير 2022، وما يرون أنه كارثة انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان.
تطور خفض التصعيد على مستوى أوسع، ليصبح أولوية في السياسة الخارجية لأبو ظبي، بعد عقد من السياسة الناشطة والتدخلية في اليمن وليبيا وسوريا.
ترغب القيادة الإماراتية في اتخاذ موقف غير منحاز، يعتمد في الغالب على التجارة والطاقة والتكنولوجيا كما أنها ترى نفسها في وضع جيد يؤهلها للعمل كوسيط دولي، مع وجود اتصالات مع الجميع وعدم تجنب أي شخص، ويمنحون الآن الدبلوماسية والمشاركة وعدم التضارب دورًا أكثر أهمية في سياسة الحكومة.
في حديث مؤخرًا، أشار لي خبير مقيم في أبو ظبي إلى أن فترة الثمانية عشر شهرًا التي قضتها الامارات في مجلس الأمن الدولي “علمتهم كيف تتصرف القوى العالمية”.
سياستهم، كما أخبرني نارايانابا جاناردان من أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية في أبو ظبي، تتمحور حول “العناصر الخمسة التي تبدأ باللغة الانجليزية بحرف الـ C: رأس المال، والتجارة، والتعاون، والتواصل، والمناخ”.
تنخرط الإمارات، على غرار قطر (التي تشبهها وتمثل خصمًا لدودًا)، في الجهود المبذولة للاحتفاظ بمكانة رائدة في الاقتصاد العالمي في حقبة ما بعد الوقود الأحفوري، بما في ذلك من خلال مبادرات السياسة الهامة والاستثمار في البيئة وقضايا الاستدامة والاستخدام الاستراتيجي لصناديق الثروة السيادية للاستثمار في جميع أنحاء العالم في البنوك والصناعات الرئيسية لتسبق بذلك السعودية.
إن أحد الجوانب المهمة التي تمكن من الفروق الدقيقة والرشاقة في السياسة هو الهيكل المدمج والوحدوي لصنع السياسة الخارجية، الذي وضعه ونفذه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
منذ مايو 2022، شغل الشيخ محمد بن زايد رسميًا منصب حاكم أبو ظبي ورئيسًا لدولة الإمارات (الأدوار التي شغلها بحكم الواقع لمدة ثماني سنوات قبل ذلك).
بالإضافة إلى ذلك، يعمل إخوته في الوزارات الرئيسية حيثُ يعمل عبد الله وزيرا للخارجية وطحنون مستشارا للأمن القومي وقد تم تعيين الأخير مؤخرًا نائبًا لحاكم أبو ظبي، فضلاً عن رئاسة صندوق الثروة السيادية الرئيسي في أبوظبي، وكان لفترة طويلة يسيطر على مؤسسات الاستثمار السيادية والخاصة الأخرى.
تهيمن أبو ظبي على السياسة الخارجية وصنع قرارات الأمن القومي لدولة الإمارات، على الرغم من وجود حوار مع قيادات الإمارات الأخرى.
على المستوى العالمي، كانت الإمارات، مثلها مثل السعودية، منزعجة ولكنها غير متأثرة، بمحاولات الولايات المتحدة لتجنيدها أو إجبارها على دعم سياسات واشنطن تجاه روسيا والصين.
إنهما يرفضان الروايات الغربية المتعلقة بهاتين القوتين وتبذلان في الوقت نفسه جهودًا لعزل هذه العلاقات مع موسكو وبكين عن تلك التي تربطهم بالأميركيين، وكما أخبرني دبلوماسي أجنبي في أبو ظبي، فإن الحكومة الإماراتية تشير على جميع المستويات إلى أن العلاقات مع روسيا “ستبقى طبيعية”.
لقد حققت الإمارات، ودبي على وجه الخصوص، مكاسب هائلة من الأزمة بين روسيا والغرب حيثُ تدفق المواطنون الروس (الذين لا يحتاجون إلى تأشيرة) والأموال الروسية على البلاد، وخاصة على دبي.
تشير التقديرات إلى وصول مئات الآلاف من الروس في العام الماضي الى الامارة، خاصة بعد فرض التجنيد الإجباري في روسيا، وتجاوز العدد خمسين ألفًا منذ بداية عام 2023، وفقًا لمصدر مطلع في دبي.
يملأ الروس المتاجر والفنادق والمطاعم، وأصبحوا المشترين الأجانب الرئيسيين للعقارات في دبي، حيث يأتي الآن عشرة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي من قطاع العقارات حيثُ وصلت الأسعار والإيجارات في دبي إلى مستويات تاريخية عالية.
زادت التجارة غير النفطية بين الإمارات وروسيا بنسبة 95 في المائة في عام 2022، كما ورد أن الإمارات أصبحت مركزًا رئيسيًا لتخزين وإعادة تصدير النفط الروسي، فضلاً عن كونها مركزًا لوجستيًا لصناعة الطاقة الروسية، مستفيدة من الأسعار المخفضة بشدة للنفط الروسي إلى أكثر من ثلاثة أضعاف وارداتها النفطية من روسيا إلى مستوى قياسي يبلغ 60 مليون برميل في عام 2022.
وبحسب ما ورد زارت وفود أمريكية رفيعة المستوى الإمارات لمناقشة استخدام ابوظبي في التحايل على عقوبات النفط الغربية على روسيا فضلا عن التجارة في السلع الخاضعة للعقوبات وذات الاستخدام المزدوج – بما في ذلك السلع ذات المنشأ الأمريكي.
أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في 12 أبريل/ نيسان فرض عقوبات على شركتين مقرهما الإمارات بزعم مساعدتهما في الغزو الروسي لأوكرانيا.
كما تعمل الإمارات باستمرار على تحسين العلاقات مع الهند، التي تحتفظ بنفس الموقف إلى حد كبير فيما يتعلق بروسيا.
الدافع الآخر لهذا الانفتاح على موسكو هو الإيمان الإماراتي، كما هو الحال مع الهند، في عالم يتمحور حول الاقتصاد بشكل متزايد بدلاً من التركيز على الأمن.
تتركز المصالح الأمنية لدول الخليج في الغرب – فالصين والهند لم تزاولا بعد تقديم الدعم والضمانات الأمنية – اما مصالحهما الاقتصادية فتكمن في الشرق.
تتركز التجارة العالمية، وكذلك الأسواق الطبيعية للطاقة الخليجية، بشكل متزايد في عالم المحيطين الهندي والهادئ، كما أن دول الخليج هي رابط طبيعي بين آسيا، وخاصة شبه القارة الهندية – التي تربطها بها روابط تاريخية وإنسانية كبيرة – واوروبا وأسواق البحر الأبيض المتوسط.
على المستوى الإقليمي، كانت التحولات في السياسة الخارجية الإماراتية هائلة في العامين الماضيين، فقد عملت على تطبيع العلاقات مع أربع دول متنافسة رئيسية في المنطقة – إيران وتركيا وإسرائيل وقطر.
كما أخبرني موران زاغا من جامعة حيفا والمعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية، “تشير كثافة ونطاق العملية، في مثل هذا الوقت القصير، إلى محاولة استراتيجية بعيدة المدى لطمس خطوط الصدع التقليدية وإعادة تشكيل “المحاور” في المنطقة”.
وقد دفعت التأكيدات الجديدة في السياسة الخارجية الإمارات إلى تسريع إعادة ارتباطها بإيران، والتي كانت قد بدأت بالفعل بعد خيبة أمل من رد الفعل الأمريكي على الهجمات المرتبطة بطهران على منشآت الشحن البحري الخليجية ومنشآت أرامكو في سبتمبر 2019.
في سياق ذلك، تم اعادة السفير الاماراتي الى طهران بعد استدعائه في 2016, في أغسطس 2022 (كما وافقت السعودية على إعادة سفيرها هذا الشهر).
البلدان شريكان تجاريان مهمان: كانت الإمارات الرابط الرئيسي لإيران بالاقتصاد العالمي تحت العقوبات، وفي عام 2020 كانت أكبر مصدر لإيران بعد الصين (يبدو أن الكثير من التجارة هو أعاد بيع البضائع الغربية).
يخطط البلدان لزيادة التجارة الثنائية من 15 مليار دولار في عام 2022 إلى 30 مليار دولار في عام 2025 بالإضافة الى ذلك هناك أكثر من 400 ألف مغترب إيراني يعيشون في الإمارات (باستثناء العديد من الإماراتيين، وخاصة في دبي، من أصل إيراني).
لطالما كانت دبي أكثر توجهاً نحو التعامل مع إيران ونحو نهج القوة الناعمة بشكل عام، نظرًا لأن اقتصادها الخدمي شديد العولمة أكثر تعرضًا للعوامل الخارجية السلبية الناجمة عن العقوبات المفروضة على إيران وروسيا وقطر.
وبحسب ما ورد لا يرى الإماراتيون أي تناقض بين علاقاتهم المحسنة مع إسرائيل ومع إيران، والتي يقودها إلى حد كبير منطق مماثل: الحد من التوتر مع فتح افاق الإمكانيات الاقتصادية.
يقدر الدبلوماسيون الغربيون الذين التقيت بهم في الإمارات أن أبو ظبي لا تريد عدم الاستقرار في إيران، لأن ذلك قد يؤثر سلبًا على الخليج.
كما أن العلاقات بين تركيا والإمارات تتقدم بسرعة: فقد اندهش العديد من المحاورين من السرعة التي تغيرت بها هذه العلاقة.
زار محمد بن زايد آل نهيان أنقرة في نوفمبر 2021، وقام أردوغان بزيارة ثانية في فبراير 2022 وأثناء زيارة محمد بن زايد، أعلن عن إنشاء صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار في قطاعات اقتصادية متعددة في تركيا، بما في ذلك الطاقة وتغير المناخ والتجارة.
من المفترض أن يساعد هذا الاقتصاد التركي، لكن حقيقة أن الأموال ستكون للاستثمارات وليس المساعدات، يجب أن توفر أيضًا لدولة الإمارات تأثيرًا كبيرًا في الاقتصاد التركي، مما يؤدي إلى نفوذ سياسي أيضًا.
في كانون الثاني (يناير) 2022، أعلن البلدان عن مقايضة عملات بقيمة 4.7 مليار دولار، مما عزز حيازات تركيا من العملات الأجنبية ودعم الليرة كما وقعا اتفاقية تجارة حرة في 3 مارس 2023، على أمل توسيع التجارة الثنائية من 8 إلى 25 مليار دولار في خمس سنوات.
وبحسب ما ورد لم تتوقف بعض جوانب التعاون الدفاعي، حتى خلال فترة التوتر بين البلدين، واليوم يبدو أن هذا التعاون آخذ في الازدهار.
تركيا قادرة على توفير الأسلحة بدون قيود أميركية وهو درس مهم تعلمته أبو ظبي من الصراع في اليمن؛ ويقال إن هناك حديثًا عن الإنتاج المشترك للأسلحة التركية في الإمارات.
بالإضافة إلى ذلك، يتفق البلدان بشأن الصراع الروسي الأوكراني والضغوط الأمريكية لاختيار الوقوف في أحد الطرفين.
العلاقات الأميركية مع تركيا لم تؤد إلى إضعاف الإمارات لعلاقاتها الوثيقة مع اليونان وقبرص، التي أقيمت خلال العقد السابق لمحاولة احتواء النفوذ التركي.
يبدو أن علاقات الإمارات مع قطر تتطور بسرعة ويأتي هذا على الرغم من البداية البطيئة في أعقاب التقارب الذي قادته السعودية في قمة العلا في يناير 2021، وعلى الرغم من العداء بين الرأي العام بعد ست سنوات من الرسائل السلبية المستمرة.
ويمكن ملاحظة ذلك في البروز الإعلامي الذي حظيت به زيارة محمد بن زايد إلى الدوحة للمشاركة في كأس العالم في ديسمبر 2022، ومشاركة الشيخ تميم آل ثاني في “القمة العربية المصغرة” في أبو ظبي في يناير 2023.
جرى الاجتماع مباشرة بعد إشعار قصير من محمد بن زايد، وضم رؤساء دول الإمارات وقطر وعمان والبحرين والأردن ومصر ولم تشارك السعودية والكويت، وورد ان ذلك يرجع إلى استياء ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء محمد بن سلمان من المبادرة الإماراتية.
قامت الإمارات مؤخراً بإلغاء حظر المواقع الإخبارية القطرية وسحبت الإمارات في مارس/ آذار، عرضها لاستضافة اجتماع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لعام 2026، وبدلاً من ذلك دعمت قطر كمضيف محتمل.
القيادة الاماراتية منخرطة وبقوة في العلاقة الرسمية الجديدة نسبيًا مع إسرائيل في الأشهر الأخيرة.
لقد خلق الخطاب والسياسات المقترحة للحكومة اليمينية الجديدة في إسرائيل، بقيادة بنيامين نتنياهو، تحديات لجميع الدول العربية المحافظة التي تحسنت علاقاتها مع إسرائيل في السنوات الأخيرة.
وقد تم تأجيل الخطوات الرمزية إلى أجل غير مسمى: لم يتم تحديد موعد لزيارة الدولة التي يرغب فيها نتنياهو بشدة إلى الإمارات؛ ولم يتم تحديد موعد القمة المقبلة لـ “منتدى النقب” المقرر عقدها في مارس في المغرب وقد أدانت الإمارات (والبحرين) السلوك الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس عدة مرات في الأسابيع الأخيرة.
ومع ذلك، فإن المنطق الاستراتيجي والاقتصادي والجيوسياسي المقنع الذي دفع الإمارات ودول اتفاقيات إبراهيم الأخرى إلى إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل لم يتغير.
تريد الحكومة الإماراتية الحفاظ على العلاقة طويلة الأمد ولكن أيضًا تتجنب أن يُنظر إليها على أنها عامل تمكين للحكومة الاسرائيلية الحالية.
تشير مصادر خليجية مطلعة إلى أن الحكومة الإماراتية تعتبر اتفاقيات إبراهيم “اتجاهاً استراتيجياً” وأن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي “عثرة على الطريق”.
يبدو أنه تم إعطاء إشارة في هذا السياق عندما التقى محمد بن زايد، في 27 مارس مع رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت بالرغم من انه لم يحدد بعد موعدًا لزيارة نتنياهو للامارات (على الرغم من تحدثهما عبر الهاتف في 4 أبريل).
تتواصل الصفقات مع إسرائيل، والتي يُنظر إليها على أنها تخدم هدف أبوظبي الاستراتيجي الجغرافي-الاقتصادي للارتباط بمنطقة شرق البحر المتوسط.
هذا ينطبق بشكل خاص على تلك المتعلقة بالتنقيب عن الغاز واستغلاله في مصر وإسرائيل، ومشاريع الطاقة المتجددة في جميع أنحاء المنطقة.
في 26 مارس، وقع البلدان اتفاقية التجارة الحرة بينهما، والتي تم التوصل إليها في مايو الماضي؛ كان مستوى التمثيل الاماراتي منخفضًا، ولم يسافر وزير التجارة الإماراتي إلى إسرائيل لتوقيع الصفقة.
تستمر الاستثمارات الإماراتية في قطاع الطاقة الإسرائيلي، التي يُنظر إليها في أبو ظبي على أنها مصلحة طويلة المدى، كما يتضح من العرض الأخير من قبل أدنوك (مع شركة بريتيش بتروليوم) لشراء نصف شركة الغاز الإسرائيلية الجديدة ميد، التي تمتلك 45 في المائة من حقل ليفياثان للغاز كما يملك صندوق الثروة السيادية مبادلة بالفعل 11 بالمئة من حقل تمار الأصغر.
العلاقة الثنائية الأخرى التي تطورت بشكل كبير في العامين الماضيين هي مع سوريا.
كانت الإمارات في طليعة المساعي لإعادة نظام الأسد إلى الصف العربي، بحجة ضرورة قبول حقيقة بقائه، وضرورة التواصل العربي مع دمشق لتقليص النفوذ الإيراني.
زار وزير الخارجية عبد الله بن زايد العاصمة السورية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021؛ وقام بشار الأسد بزيارة مفاجئة إلى دبي وأبو ظبي في فبراير 2022، ظاهريًا لزيارة الجناح السوري في معرض دبي إكسبو 2020 في اليوم الوطني لسوريا.
كان هذا أول استقبال له من قبل دولة عربية منذ بدء الحرب الأهلية السورية ووصل برفقة زوجته في زيارة رسمية ثانية في 19 مارس 2023.
مكّن الزلزال الأخير الذي ضرب تركيا وسوريا الدول المهتمة في المنطقة من التواصل مع الدولتين وتحسين العلاقات معهما، بدعوى الاسباب الانسانية ويرى موران زاغا الرغبة في تحقيق نفوذ كبير ومساحة للمناورة في سوريا كأحد المحركات الرئيسية الأخرى لسياسة الإمارات تجاه روسيا.
في هذه الأثناء تشهد منطقة الخليج، يتزايد التوتر بين الإمارات والسعودية.
أشار العديد من المحاورين إلى توتر العلاقة الشخصية الوثيقة بين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، التي كان يُنظر إليها في الماضي على أنه المرشد.
كانت هناك خلافات شديدة بين البلدين فيما يتعلق باليمن، حيث وجد السعوديون أنفسهم ان الاماراتيين يتخلون عنهم بسبب سحب القوات الإماراتية عام 2019 (لا يزال الإماراتيون منخرطين بشكل كبير في المصالح الجغرافية الاقتصادية المحمية في الجنوب، من خلال الوكلاء، وجزيرة سقطرى).
بالإضافة إلى ذلك، يحاول كلاهما وضع نفسه كوسطاء رئيسيين وكرائد أعمال اقتصادي في المنطقة، ويتبعان سياسات متطابقة تقريبًا للتنويع الاقتصادي بعيدًا عن النفط (وهي عملية سبقت الإمارات – مثل قطر – في تنفيذها المملكة العربية السعودية).
تدعي الحكومة الإماراتية أن 28 بالمائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي اليوم يعتمد على النفط والغاز.
تأمل السعودية في جذب العمالة الوافدة الماهرة بسرعة لتصبح مركزًا للخدمات والنقل، بالإضافة إلى أن تصبح وجهة سياحية؛ وسيكون هذا على حساب دولة الإمارات ولا سيما دبي.
يختلف البلدان أيضًا بشأن حدود إنتاج أوبك بلس، حيث تضغط الإمارات لضخ المزيد من النفط؛ وبحسب ما ورد تفكر الإمارات في مغادرة أوبك.
أحد المؤشرات الأخيرة على التوتر المتزايد هو مطالبة الرياض بأن تقوم الشركات متعددة الجنسيات التي ترغب في إبرام عقود مع الحكومة السعودية بنقل مقارها الإقليمية إلى المملكة بحلول عام 2024.
وهو مطلب يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه موجه ضد دبي والقرار الآخر الذي اتخذته المملكة مؤخرًا بإنشاء شركة طيران عالمية، طيران الرياض (التي كان رئيسها التنفيذي حتى أكتوبر/تشرين الأول رئيس الاتحاد، الناقل الوطني لأبو ظبي)، والتي ستنافس طيران الإمارات (دبي) والخطوط الجوية القطرية.
على المستوى السياسي، يشعر السعوديون أن الإماراتيين “اصبحوا اكثر ثقة بانفسهم من اللازم”، على حد تعبير الزميل الأول في FPRI براندون فريدمان، ويتبعون سياسة مستقلة للغاية (بما في ذلك فيما يتعلق بمجموعة من اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية)، دون التشاور التقليدي بين الممالك الخليجية.
الخلاصة: في الأسابيع الأخيرة، تركز قدر كبير من الاهتمام على تحول السياسة الخارجية للسعودية، نحو نهج أكثر تعددية، مع التأكيد على الاختلافات المستمرة مع الولايات المتحدة.
وشمل هذا زيارة شي جين بينغ إلى الرياض في ديسمبر 2022، والتنسيق الوثيق مع روسيا بشأن إنتاج النفط (بما في ذلك الخفض الأخير)، ومؤخراً، الاتفاق الذي توسطت فيه الصين مع إيران بشأن استعادة العلاقات الدبلوماسية.
ومع ذلك، كانت الامارات هي السباقة الى كل ذلك كما هو الحال في العديد من المجالات الأخرى.
تتمتع الإمارات بثقل عالمي وإقليمي يفوق بكثير ما قد يمليه حجمها وموقعها، فهي واحدة من خمسة أو ستة لاعبين استراتيجيين مهمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ومن أجل إنشاء هذه المكانة والحفاظ عليها، استخدمت ثقلها الاقتصادي، كمنتج مهم للنفط، كما أن هذه المكانة تأتي بفضل تحولها إلى الفاعل الإقليمي الأكثر تقدمًا (جنبًا إلى جنب مع قطر) في ترجمة ثرواتها في مجال الطاقة إلى اقتصاد معولم قوي ومتنوع، قائم على الخدمات والتمويل والتجارة والخدمات اللوجستية لخدمة الأهداف الجيوستراتيجية.
على سبيل المثال، تعد صناديق الثروة السيادية الاماراتية من بين أكبر المستثمرين العالميين اليوم، مع ما لا يقل عن 46 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية في عام 2022، وموانئ دبي العالمية هي واحدة من أكبر خمسة مشغلين لمحطات الحاويات في العالم (بحوالي 10 في المائة من السعة العالمية).
وقد استخدمت الإمارات هذه القوة المالية، إلى جانب أجهزتها المركزية الطابع والبراعة في صنع القرار والتنفيذ، مدفوعة باستراتيجية طويلة الأجل لاغتنام الفرص، لتصبح قائدًا للمعسكر المحافظ خلال الانتفاضات العربية وما بعدها.
بعد عقد من السياسات النشطة وحتى المغامرة في المنطقة، كانت التحولات في السياسة الخارجية الإماراتية في العامين الماضيين هائلة.
لقد قامت أبوظبي بتطبيع العلاقات مع أربع من الدول الكبرى والمتنافسة في المنطقة: إيران وإسرائيل وتركيا وقطر (علاقتها بنظام السيسي في دولة خامسة هي مصر، كانت جيدة منذ فترة طويلة)، وكذلك مع سوريا.
ومع ذلك، يمكن النظر إلى الاتجاهات الجديدة الحالية في السياسة الإماراتية على أنها دلالة على عدم النجاح في السياسة التي تبنتها في السابق والقائمة على التدخل النشط وأكسبها اسم “صبارتا الصغيرة”.
كما أن نهج الإمارات الحالي المتمثل في “عدم وجود مشاكل مع الجيران” لا يضمن النجاح الكامل.
المصدر: امارات 71