أزمة اقتصادية متفاقمة بإسرائيل جراء حرب غزة.. هجرة للخبرات ونقص بالعمالة
الأستاذ بالكلية البحرية للدراسات العليا في كاليفورنيا، روبرت لوني سلط، الضوء على التداعيات الاقتصادية لحرب غزة على اقتصاد إسرائيل، مشيرا إلى أن حروب إسرائيل السابقة كان لها تداعيات اقتصادية محدودة، ويرجع ذلك إلى قصرها، بينما يبدو الوضع مختلفا في الحرب الحالية.
Table of Contents (Show / Hide)
وذكر لوني، في تحليل نشره بموقع "وورلد بوليتيكس ريفيو" وترجمه "الخليج الجديد"، أن طول أمد الحرب من شأنه أن يؤثر على شريحة أكبر من الإسرائيليين ويعطل سلاسل التوريد بدرجة أكبر، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن إسرائيل دخلت الحرب واقتصادها في حالة جيدة نسبياً من حيث مرونته وقوته.
وأضاف أن الاقتصاد الإسرائيلي سجل معدلات نمو سنوية مرتفعة، بمتوسط 3.9% منذ عام 2000، كما توقع صندوق النقد الدولي نموه عام 2023 بنسبة 3.1%، وبنسبة 3.6% بحلول عام 2026.
وإضافة لذلك، كانت المقاييس المالية لإسرائيل قوية قبل الحرب، مع وجود فائض في الميزانية والحساب الجاري، وانخفاض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022.
وقبل بدء الحرب، كان لدى بنك إسرائيل 200 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي، بما يعادل قيمة واردات سنة.
وفي تقرير صدر في يونيو/حزيران 2023، وصف صندوق النقد الدولي القطاع المصرفي الإسرائيلي بأنه "قوي على نطاق واسع"، ما عزاه إلى نجاح بيئة الحكم والأعمال في الدولة العبرية، ما يساعدها على تطوير اقتصاد متنوع.
وهنا يشير لوني إلى أن إسرائيل استثمرت بكثافة في التعليم، وتنفق من ناتجها المحلي الإجمالي على البحث والتطوير المدني أكثر من أي دولة أخرى، ولذا تمكنها القوة العاملة ذات المهارات العالية من جذب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى قطاعات النمو، مثل تكنولوجيا المعلومات والأدوية، ما جعل الدولة العبرية "مركز التكنولوجيا في الشرق الأوسط".
ومع ذلك، وحتى قبل الحرب في غزة، كان الإصلاح القضائي الذي اقترحته حكومة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قد تسبب بالفعل في بعض التكاليف الاقتصادية، إذ أعربت وكالات الائتمان الرائدة عن قلقها من أن تؤدي هذه الإصلاحات إلى مزيد من تقويض التصنيف المؤسسي الضعيف نسبيا لإسرائيل وتخلق انقسامات سياسية عميقة ودائمة، بسبب حركة الاحتجاج الضخمة والمطولة التي حفزتها.
كما شعر المستثمرون الأجانب بالقلق المتزايد بشأن آفاق الدولة العبرية، ما دفعهم إلى تأجيل استثماراتهم، ومع ذلك لم تعدل النظرة المستقبلية لإسرائيل من إيجابية إلى مستقرة سوى وكالة "موديز"، في أبريل/نيسان 2023.
وعلى النقيض من ذلك، من المتوقع أن يكون تأثير الحرب أطول أمدا، ففي أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تم إخلاء مناطق كبيرة في جنوب إسرائيل على الحدود مع غزة ولبنان بسبب إطلاق الصواريخ المستمر من حركة حماس وحزب الله.
نقص العمالة
كما أدى الهجوم الفلسطيني إلى إغلاق المدارس ومحلات البيع بالتجزئة غير الضرورية في جميع أنحاء البلاد إسرائيل، وتسبب دخول حزب الله على خط الاشتباكات العسكرية في التأثير سلبا على توافر العمالة، إذ أجبر القتال إسرائيل على حشد حوالي 360 ألف جندي احتياطي لفترة غير محددة، وهو ما يمثل حوالي 8% من قوتها العاملة.
ومنعت السلطات الإسرائيلية أيضًا حوالي 110 ألف فلسطيني من الضفة الغربية و18,500 من سكان غزة، الذين يحملون تصاريح عمل، من عبور الحدود لأسباب أمنية.
وأثر نقص العمالة بسبب الحرب على جميع القطاعات المهمة في الاقتصاد الإسرائيلي تقريبًا، وتعرضت الزراعة، وخاصة في الجنوب، لخسائر فادحة في المحاصيل نتيجة لخسارة ما يصل إلى 40 ألف عامل فلسطيني وأجنبي.
كما أثرت التعبئة الحربية على صناعات التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل، والتي قادت نمو الاقتصاد لعدة عقود وتمثل الآن 14% من الوظائف وما يقرب من خمس الناتج المحلي الإجمالي. ويجذب هذا القطاع أيضًا استثمارات أجنبية كبيرة ويشكل مصدرًا رئيسيًا للصادرات.
ومع ذلك، عانت صناعات التكنولوجيا الفائقة أكثر من غيرها، مع استدعاء نسبة كبيرة من القوى العاملة فيها، إلى الخدمة الاحتياطية بالجيش.
وهنا يلفت لوني إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي تعافى بسرعة من الحروب القصيرة السابقة، لكن الحرب الجارية في غزة تجاوزت كل مدد الحروب السابقة، وأسفرت عن نقص غير مسبوق في الموظفين، وتعطل لسلسلة التوريد.
شركات التكنولوجيا
ويشير لوني إلى أن الدلائل كانت تشير، حتى قبل الحرب، إلى أن العديد من شركات التكنولوجيا الفائقة وموظفيها المتعلمين كانوا ينتقلون بعيدًا عن إسرائيل، مرجحا تنامي هذا الاتجاه بسبب ارتباط الحرب بالانخفاض في المبيعات المحلية وزيادة عدم اليقين بشأن التوقعات المستقبلية.
ويعني ذلك أن اقتصاد إسرائيل سيعاني تآكلًا حادًا في الخبرة الإسرائيلية، ما يجعل الصناعات التكنولوجية في البلاد أقل جاذبية للمستثمرين.
وبما أن قطاع التكنولوجيا الفائقة هو الصناعة الأكثر إنتاجية في إسرائيل إلى حد بعيد، فإن تباطؤه سيؤثر بشكل كبير على النمو الاقتصادي العام للدولة العبرية.
ورغم تراجع انشغال إسرائيل التاريخي بأمن الطاقة، الناشئ عن الافتقار إلى الموارد المحلية والترابط عبر الحدود، منذ اكتشاف احتياطيات الغاز الطبيعي البحرية في الفترة 2009-2010، إلا أن حرب غزة فرضت إغلاقا احترازيًا لمدة 5 أسابيع في حقل غاز تمار، المصدر الرئيسي لتوليد الطاقة محليا في إسرائيل، ومصدر الصادرات إلى مصر، والذي يقع بالقرب من ساحل غزة.
وعادت صادرات الغاز إلى مستوياتها الطبيعية بعد إعادة فتح تمار في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني. ومع ذلك، فإن المستثمرين الأجانب الطامحين إلى مزيد من تطوير الغاز قد يلتزمون بدفع أموال كبيرة فقط بمجرد ظهور عملية للسلام في الأفٌق.
ولم يتعاف قطاع السياحة في إسرائيل، الذي يمثل حوالي 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي وحوالي 3.5% من إجمالي العمالة، بشكل كامل من انخفاض الأعمال في فترة جائحة كورونا، ومن المتوقع أن لا يتحسن هذا الوضع مع استمرار الحرب.
فجميع شركات الطيران الدولية تقريبا أوقفت رحلاتها إلى إسرائيل بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، على الرغم من أن بعضها بدأ يعود تدريجيا إلى عملياته الطبيعية.
ومن المفارقات المريرة في هذا الصدد، بحسب توصيف لوني، أن صناعة الضيافة كانت الأقل تأثرا بالحرب في غزة، بعدما قامت الحكومة الإسرائيلية بإيواء كثير من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من الحدود مع غزة في الفنادق.
ومع ذلك، يرجح لوني أن تثبط الحرب من عزيمة أولئك الذين خططوا لزيارات سياحية في إسرائيل خلال عطلة عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة، وأن يتعرض موسم الصيف للخطر أيضا، نظرًا لأن المخاوف الأمنية السياحية عادة ما تستمر لبعض الوقت بعد انتهاء الحروب.
سوق الإسكان
وأشار إلى أن سوق الإسكان الإسرائيلي واجه، قبل الحرب، ارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض الأسعار، وتراجع المبيعات، وجاءت الحرب لتفاقم هذه الاتجاهات.
وترك بنك إسرائيل المركزي سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند 4.75% بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، ويرجع ذلك جزئيا إلى استقرار سعر الصرف، لكن أسعار الفائدة المرتفعة وحالة عدم اليقين الناجمة عن الحرب أدت إلى انخفاض حاد في القروض العقارية الجديدة ومبيعات المساكن.
ويمثل الفلسطينيون من الضفة الغربية وغزة والعمال الأجانب حوالي ثلث القوة العاملة في صناعة بناء المنازل في إسرائيل، ولا يمكنهم حاليا الدخول إلى الدولة العبرية.
وعلى المدى القصير، سمحت أساسيات الاقتصاد الكلي القوية في إسرائيل والوضع المالي الذي يمكن التحكم فيه للحكومة بزيادة الإنفاق لتحقيق استقرار الاقتصاد، ومع ذلك فمن المتوقع حدوث انكماش حاد بنحو 11% في الربع الأخير من عام 2023، حيث خفضت وكالات التصنيف الائتماني الثلاث الكبرى النظرة المستقبلية لإسرائيل إلى سلبية في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وينوه لوني إلى أن التكلفة المباشرة للحرب على اقتصاد إسرائيل تبلغ حوالي 246 مليون دولار يومياً، مضيفا: "إذا افترضنا أن القتال يقتصر على غزة ويستمر لمدة عام واحد، وأن 150 ألفاً من جنود الاحتياط سيتم تسريحهم في وقت قريب نسبياً، فإن تكاليف الحرب ستصل إلى 51 مليار دولار".
الإنفاق العسكري
ويرجح لوني أن يظل الإنفاق العسكري في إسرائيل مرتفعًا على المدى المتوسط إلى الطويل، مع ما يترتب على ذلك من آثار على الاقتصاد وقدرة الحكومة على تخصيص الموارد للإنفاق الاجتماعي.
ورغم أن أهداف إسرائيل المعلنة من الحرب تتلخص في إلحاق الهزيمة العسكرية بحركة حماس وتحرير كل الأسرى في قطاع غزة، إلا أن هناك شكوك جدية حول إمكانية تحقيق الهدف الأول، حتى بعد فترة طويلة من الحرب.
وحتى إذا نجحت إسرائيل في تحقيق أهدافها، فقد ينتهي بها الأمر إلى تحمل مسؤولية توفير الخدمات والأمن في غزة، الأمر الذي سيشكل عبئًا إضافيًا على اقتصادها، بحسب لوني.
وإزاء ذلك، فإن العامل الحاسم في تحديد الأثر الاقتصادي طويل المدى للحرب، بحسب لوني، هو ما إذا كانت ستؤدي إلى اتفاق سلام، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فسيستمر الاقتصاد الإسرائيلي في المعاناة من انخفاض الاستثمار وتباطؤ النمو الاقتصادي والإنتاجي بسبب هجرة الأدمغة وخسارة شركات التكنولوجيا الفائقة لصالح بلدان أخرى، فضلا عن النقص الحاد في العمالة بقطاعات مثل البناء والزراعة.
ويخلص لوني إلى أن إسرائيل تحتاج إلى الفوائد الاقتصادية الكبيرة التي يقدمها حل الدولتين في شكل زيادة القدرة على الوصول إلى العمالة التي ستكون بالغة الأهمية لتحقيق انتعاشها الاقتصادي، مشيرا إلى أن "البديل هو حرب أبدية لا تستطيع إسرائيل تحمل تكاليف خوضها".