الأقساط والفوائد تلتهم إيرادات المملكة.. ارتفاع صادم لديون السعودية
نتيجة العجز المالي المزمن الذي تعاني منه مالية السعودية ارتفع حجم الدين العام ارتفاعاً كبيراً خلال فترة قصيرة، وأصبحت الأقساط والفوائد السنوية تلتهم قسطاً مهماً من إيرادات الدولة.
Table of Contents (Show / Hide)
وأبرز مركز “البيت الخليجي للدراسات والنشر” أنه بدلاً من التصدي لهذا الوضع تسعى السياسة المالية للمملكة إلى المزيد من التوسع في الاقتراض.
وبحسب المركز فإن ديون 2023 على السعودية = ديون 2022 + قروض 2023 – خدمة الدين 2023.
وعلى هذا الأساس فإن ديون عام 2023 البالغة 1050.6 مليار ريال تساوي ديون عام 2022 ، وهي 990.1 مليار ريال بإضافة القروض الجديدة 189.2 مليار ريال وطرح خدمة الدين البالغة 128.7 مليار ريال. ويمكن تطبيق المعادلة على السنوات الأخرى.
وتكشف الأرقام الرسمية أنه خلال من 2015 إلى 2023 ارتفع حجم الديون على السعودية بمعدل سنوي قدره 80%، في وقت يزداد حجم الدين لأن خدمة الدين اقل من القروض الجديدة.
وقد شهد عام 2023 ارتفاعاً هائلاً لخدمة الديون، ولكن لم ينخفض حجم الدين بسبب ارتفاع آخر للقروض الجديدة.
كما ارتفع حجم الدين لعام 2022 بمبلغ 52.1 مليار ريال قياسًا بالعام السابق. وارتفع حجم الدين لعام 2023 بمبلغ 60.5 مليار ريال مقارنة بالعام السابق.
أما في 2024 فتشير التوقعات الرسمية إلى أن حجم الدين سيصل إلى 1115 مليار ريال أي بزيادة قدرها 64.4 مليار ريال، بمعنى أن مبلغ الزيادة يتصاعد سنويا. ولا يمكن التصدي لهذه الحالة إلا إذا كانت خدمة الدين أعلى من القروض الجديدة، وهذا يتطلب خطة مختلفة تماماً عن الخطة المعتمدة حاليًا.
ولغاية 2015 كانت جميع ديون السعودية محلية ناجمة عن قروض عقدتها الحكومة مع مؤسسات مالية داخلية.
وفي 2016 ظهرت رؤية السعودية 2030 فتبنت الرياض استراتيجية أخرى تتمثل في التوسع في الاقتراض وتنويعه لمواجهة الأعباء المالية المتزايدة المدنية والعسكرية.
عندئذ، فتحت الطريق أمام الاقتراض الخارجي، وهكذا وصلت الديون الخارجية إلى 405.9 مليار ريال في نهاية 2023 أي 38.6% من مجموع الديون.
وقد ظهر تطور آخر في الديون المحلية. ففي 2015 كان القسط الأكبر منها (68.8%) ناجم عن قروض أبرمت مع مؤسسات حكومية مستقلة. في حين أصبح الجزء الأكبر من الديون المحلية الحالية (60.2%) ناجم عن قروض عقدت مع مصارف تجارية.
تمخض عن هذه النقاط تزايد عبء المديونية الذي يؤثر سلبياً على اقتصاد البلاد.
وقد ارتفعت العلاقة بين حجم الديون والناتج المحلي الإجمالي ارتفاعاً كبيرًا. فقد انتقلت من 5.8% في 2015 إلى 25.4% في 2023.
وفق معايير التقارب المالي والنقدي الخليجية المقتبسة حرفياً من اتفاقية ماستريخت الأوربية (منطقة اليورو) يتعين ألا تتجاوز الديون 60% من الناتج المحلي الإجمالي.
وبالتالي لا تعتبر ديون السعودية مفرطة ولا تشكل أزمة مالية خطيرة. لكن البلد لم يعد مصنفاً في قائمة البلدان الأقل مديونية في العالم.
تكمن المشكلة الأساسية في سرعة تطور هذه العلاقة التي ارتفعت خلال فترة قصيرة بمعدل سنوي متصاعد.
أما معدل مديونية الفرد السعودي (حاصل قسمة الدين الكلي على عدد السكان) فقد كان 4.5 آلاف ريال في بداية الفترة. وارتفع تدريجياً ليصل إلى 31.8 آلاف ريال في نهايتها. أصبح الدين يمثل ربع الدخل الفردي السعودي ويتجه المؤشر نحو التصاعد سنويًا.
وشهدت كذلك خدمة الدين ارتفاعاً كبيراً، أصبحت تعادل 10% من النفقات الكلية للدولة أي ثلثي الاعتمادات المخصصة للتعليم. كما تفاقم ثقل المديونية بسبب أسعار الفائدة من زاويتين: الزاوية الأولى أن هذه الأسعار تتجه نحو التصاعد في السوق العالمية.
والزاوية الثانية أن أسعار الفائدة في الديون السعودية لم تعد ثابتة فقط كما كان الحال في 2015 بل أصبحت 17% من هذه الديون لعام 2023 بأسعار فائدة متغيرة حسب السوق.
وتتضح خصوصيات مديونية السعودية عند مقارنتها مع مديونية كل من الكويت وعمان والبحرين.
إذ تختلف السياسة المالية السعودية عن السياسة المالية الكويتية خاصة من حيث الاقتراض.
تسعى السعودية إلى أسواق الدين لتمويل نفقاتها، وللحكومة صلاحيات واسعة في اللجوء سنوياً إلى القروض الداخلية والخارجية، كما تفضل الرياض الاقتراض بدلاً من السحب من الاحتياطي النقدي في عمليات التمويل. أضف إلى ذلك، يستطيع صندوق الاستثمارات العامة المساهمة في هذا التمويل.
أما الحال في الكويت فعلى العكس تماما، توقف كلياً لجوء الحكومة إلى الاقتراض منذ 2017 بسبب عدم موافقة البرلمان على تجديد صلاحية قانون الدين العام، ويجري تمويل عجز الميزانية عن طريق السحب من الاحتياطي النقدي فقط.
لذلك، تصنف الكويت في مقدمة البلدان العشرة الأقل مديونية في العالم.
القروض إيراد لصالح الجيل الحالي تنقلب لاحقاً إلى ديون تدفعها الأجيال القادمة. لذلك، فأن توسع السعودية في الاقتراض يخلق مشكلة تتعلق بالأعباء الثقيلة التي ستتحملها الأجيال القادمة.
وبالعكس تكاد تفرض الكويت غرامة على الجيل الحالي لصالح الأجيال القادمة بسبب سياستها في منع الاقتراض ومنع السحب من صندوقها السيادي. علماً بأن حاجة الكويت الحالية للاقتراض أكبر من حاجة السعودية.
في جميع دول مجلس التعاون تحسنت مالية الدولة بصورة كبيرة في 2022 على إثر زيادة الإيرادات النفطية. يفترض أن يقود هذا التحسن إلى تراجع الديون العامة.
ففي السعودية هبط الدين من 30.0% من الناتج المحلي الإجمالي في 2021 إلى 23.8% منه في 2022. بيد أن حجم الدين ارتفع من 938.0 مليار ريال إلى 990.1 مليار ريال. لا يتأتى إذاً التحسن النسبي من انخفاض مبلغ الدين بل من ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي.
أما عمان فقد خصصت في 2022 قسطاً مهماً من إيراداتها النفطية لسداد الديون. فأصبحت خدمة الديون تفوق القروض الجديدة. وهكذا هبط حجم الدين من جهة وانخفضت كذلك نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي.
حدد السعوديون سقف الدين بنسبة 50% من الناتج المحلي الإجمالي. على الصعيد العملي لا يتجاوز حجم الدين 26% منه، أي اقل بكثير من الحد الأعلى للسقف.
أما في البحرين فقد حدد المرسوم بقانون رقم 13 لسنة 2023 سقف الدين بمبلغ 16 مليار دينار. وعلى الصعيد العملي وصلت ديون المنامة إلى 20.2 مليار دينار. أي أعلى بكثير من الحد المسموح به وفق القانون.
ويلاحظ أن ديون السعودية تعادل من حيث مبلغها خمسة أضعاف ديون البحرين. وبسبب اختلاف حجم الاقتصاد في البلدين فأن ثقل الديون البحرينية يعادل أربعة أضعاف ثقل الديون السعودية.
وفي 2019 تم تحديث برنامج “تحقيق التوازن المالي” وهو من أهم برامج رؤية السعودية 2030. إذ يعتمد عليه تنفيذ البرامج الأخرى.
تنص الفقرة الأخيرة من هذا البرنامج على ثلاثة مستلزمات: إعداد خطة سنوية للاقتراض لتأمين حاجة البلد ومراعاة كلفة الدين العام وتنويع إصدارات الدين المحلية والخارجية.
لا توجد في هذا البرنامج أية فقرة ترتبط بضرورة معالجة الارتفاع المستمر للدين العام، فقد أصبحت خدمته تقتطع قسطاً كبيراً من الأموال العامة التي تذهب للدائنين وليس لجميع المواطنين.
أضف إلى ذلك أخفق هذا البرنامج في تحقيق التوازن المالي، وبدلاً من بذل المزيد من الجهود لبلوغ الهدف تم تغيير اسم البرنامج فأصبح يسمى الاستدامة المالية.
في 2024 صدر عن المركز الوطني لإدارة الدين التقرير السنوي الرابع المتعلق بخطة الاقتراض. لا تهتم هذه الخطة بوسائل معالجة الديون بل بطرق الحصول على القروض بكلفة مقبولة.
وهكذا أصبحت السعودية حالياً ثاني أكبر مدين في المنطقة العربية مباشرة بعد مصر. يليهما المغرب في المرتبة الثالثة.
كان من الأجدى أن تتناول تقارير المركز مدى مساهمة القروض في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتفحص تأثير الديون على ميزانية الدولة وميزان المدفوعات والاستثمارات.
الديون السعودية ليست خطيرة كما هو الحال في مصر والسودان ولبنان والبحرين. لكنها ترتفع باستمرار. لذلك لابد من التوفيق بين اعتبارات التمويل المرتبطة بميزانية الدولة وترشيد المالية العامة المرتبط بالاقتصاد برمته. من الخطأ تفضيل تلك الاعتبارات على هذا الترشيد.
المصدر: الخليج اونلاين