91 % من كهرباء إسرائيل في مرمى صواريخ حزب الله
بقدر الذعر الذي يسود أوساط صانعي القرار الإسرائيلي بخصوص التهديدات الأخيرة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بضرب بنك أهداف حيوي ليست شبكة كهرباء إسرائيل.
Table of Contents (Show / Hide)
إلا عنصراً من عناصره الأكثر أهمية، يبدو أن اللبنانيين القابعين في ظلام دامس منذ أكثر من أربع سنوات بسبب الفساد وسوء الإدارة والأزمة المالية والمعيشية الحادة، هم أقل اكتراثاً بتهديدات المسؤولين الإسرائيليين بالرد على تهديدات نصرالله بضرب شبكة كهرباء لبنان المهترئة أصلاً والغائبة عن التغذية إلا لساعات محدودة لا تُسمن ولا تغني عن المولدات الخاصة التي تديرها مافيات خليط السلطة والأحزاب وبلطجية الأحياء.
ويبرز التناقض الكبير بين تصريحات المسؤولين الإسرائيليين حول مدى قدرة شبكة كهرباء إسرائيل على الصمود أمام هجمة واسعة قد ينفذها حزب الله في سيناريو الحرب الشاملة المفتوحة؛ ومن ذلك ما صرّح به السبت الماضي، مدير شركة كهرباء إسرائيل الحكومية الإسرائيلية "نوغا" شاؤول غولدشتين بأن نصرالله يستطيع بسهولة إسقاط شبكة كهرباء إسرائيل، مضيفاً، إلى ما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت": "لسنا في وضع جيد، ولسنا مستعدين لحرب حقيقية مع حزب الله، وبعد 72 ساعة بدون كهرباء سيكون من المستحيل العيش في إسرائيل".
وفي المقابل، جاء تصريح وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين، الخميس الفائت، بأن "وزارة الطاقة والبنية التحتية وشركة الكهرباء وسلطة الكهرباء وشركة NGA، تعمل بالتعاون مع قوات الأمن وجيش الدفاع الإسرائيلي، على ضمان الحماية الكاملة لمنشآت الطاقة الاستراتيجية".
كما صرح كوهين بأن إسرائيل "تتمتع بالقدرة على توليد الكهرباء من مجموعة كبيرة ومتنوعة من المصادر. لدينا منصات غاز، ولدينا احتياطيات من وقود الديزل، ولدينا احتياطيات ضخمة من الفحم، ونولد أيضا الكهرباء من الطاقة المتجددة"، مردفاً أن "من المهم التأكيد أن احتياطياتنا من مصادر الطاقة منتشرة في أماكن سرية ومحمية". وخلص إلى القول: "إن احتمال حدوث سيناريو انقطاع التيار الكهربائي لعدة أيام منخفض جداً".
لكن هذا التضارب في التصريحات لم ينعكس إلا إرباكاً في صفوف الإسرائيليين، عائلات وشركات، فلجؤوا إلى تجربة اللبنانيين بالمبادرة إلى شراء منتجات توليد الكهرباء، حيث أشار موقع "القناة 12" العبري إلى قفزة بمعدل خمسة أضعاف في عمليات البحث عن المولدات في الموقع التجاري للشبكة، وتم تسجيل قفزة بنسبة 24% في مبيعات المنتجات مقارنة بالمتوسط اليومي خلال هذه الفترة.
ومع إغلاق متاجر إحدى السلاسل التجارية يوم الجمعة الفائت، حدثت قفزة بنسبة 108% في مبيعات هذه المنتجات مقارنة بأيام الجمعة العادية. على أن المبيعات لم تتركز في الشمال فقط حيث تم تسجيل الجزء الأكبر من الطلب في فرع حيفا، يليه تل أبيب، كريات وريشون لتسيون وأشدود.
هل تبلغ صواريخ حزب الله أهدافها في شبكة كهرباء إسرائيل واقعاً؟
لكن ثمة ما ينقض إلى حد كبير تصريحات كوهين. فحول تركّز منشآت كهرباء إسرائيل وطبيعة التهديد التي قد تتعرض لها، نشر "مركز الحبتور للأبحاث" الإماراتي يوم الثلاثاء الماضي، دراسة أشار فيها إلى أن إجمالي قدرة التوليد لشبكة كهرباء إسرائيل يناهز 18.7 جيغاواط، مصدرها 144 محطة، منها 12.7 جيغاواط من مصادر النفط والغاز، إلى جانب 4.3 جيغاواط من الفحم. ويُبرّر هذا التخصيص في المقام الأول احتياطيات إسرائيل الكبيرة من الغاز، والتي تقدر بنحو سبعة تريليونات قدم مكعبة، وهي كمية كبيرة مقارنة بالاستهلاك المحلي وحجم السكان. ونتيجة لذلك، تم تطوير محطات الطاقة لاستغلال موارد الغاز الطبيعي.
ومع ذلك، خلصت الدراسة إلى أن معظم الغاز الإسرائيلي يأتي من منصات الغاز البحرية في البحر الأبيض المتوسط، والتي تقع ضمن مدى صواريخ حزب الله. وتمثل هذه المنصات أهدافاً كبيرة وثابتة وعالية القيمة معرضة للهجوم، نظراً إلى قدرات حزب الله الصاروخية المتقدمة، والتي مكنت الحزب من التقاط صور مفصلة خاضعة للتحليل.
كما تم إنشاء العديد من محطات الفحم قبل اكتشاف احتياطيات كبيرة من الغاز في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ووفقاً لآخر الإحصائيات، تم استيراد جزء كبير من الفحم المستخدم لتوليد الكهرباء في إسرائيل من كولومبيا، وهو ما يمثل نحو 50% من إجمالي واردات الاحتلال، والتي تقدر قيمتها بنحو 320 مليون دولار في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023. إلا أن كولومبيا أعلنت تعليق صادراتها من الفحم ريثما توقف إسرائيل عدوانها على قطاع غزة. وإضافة إلى الفحم، يتم استيراد معظم النفط المستخدم في توليد الكهرباء، إلى جانب الغاز، عبر البحر عبر ميناء حيفا. وقد ركزت الصور التي نشرها حزب الله على عرض هذه البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك الميناء ورصيفه البحري ومرافق التخزين الخاصة به.
وبالتالي، تشير المعطيات المتوافرة إلى قدرة حزب الله الكبيرة على تعطيل وصول المواد الأساسية لتوليد 91% من القدرة الكهربائية لكيان الاحتلال. كما يمكن أن يحدث هذا التعطيل من خلال استهداف المنصات التي تتلقى هذه المواد أو مهاجمة مرافق التخزين داخل الموانئ الإسرائيلية. ومع ذلك، لدى إسرائيل خيارات للتخفيف من هذه التهديدات. ومن ذلك إعادة توجيه طرق إمدادات النفط جنوباً إلى ميناء إيلات، وهو أبعد عن الأراضي اللبنانية، وبالتالي يكون استهدافه أكثر صعوبة، حيث يستفيد هذا الميناء من خط أنابيب النفط إيلات-عسقلان، المعروف أيضاً باسم خط أنابيب أوروبا-آسيا، والذي يسهل تبادل النفط والمنتجات النفطية بين شمال دولة الاحتلال وجنوبها.
في المحصلة، يمتلك حزب الله القدرة على إلحاق الضرر بشبكة الكهرباء الإسرائيلية ومصادر إمداداتها، لكنه غير قادر على إيقاف تشغيل الشبكة تماماً أو التسبب في أضرار اقتصادية مستدامة. وفي حين أن قوة حزب الله الصاروخية قادرة على فرض حصار مؤقت يعطل قدرة إسرائيل على استيراد الطاقة الأحفورية على المدى القصير، فإن مرونة الشبكة وقدرتها على اتخاذ تدابير التخفيف الاستراتيجية تحد من التأثير الطويل الأجل على الاقتصاد الإسرائيلي.
المصدر: العربي الجديد