انطلاق حقبة جديدة من التضخم المرتفع عالميا
نشرت صحيفة بريطانية، تقريرا تحدثت فيه عن الأسباب الرئيسية التي تعتقد البنوك المركزية أنها ستكون سببا لمرحلة جديدة من التضخم المرتفع.
Table of Contents (Show / Hide)
وقالت صحيفة "الإيكونوميست"، إن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول، قد أشار في شهر آب/ أغسطس 2020 إلى تحول في سياسة البنك المركزي؛ حيث قال إن "الاقتصاد في حالة تطور مستمر، وإن بياننا المعدّل يعكس تقديراتنا... حيث إن سوق العمل الفعّال يمكن أن يستمر دون التسبب في ارتفاع غير مرغوب في نسبة التضخم".
وكان هذا الاتجاه مستمدّا من فترة طويلة ارتفعت فيها الأسعار بنسبة أقل من التي يفضلها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
وأضافت الصحيفة أنه بعد مرور سنتين؛ يواجه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ظروفا مختلفة للغاية تتمثل في معدلات بطالة منخفضة للغاية، ونمو قوي للأجور ومعدلات تضخم تجاوزت بكثير هدف البنك المركزي.
وفي الـ26 من شهر آب/ أغسطس، وخلال المخيم السنوي لمحافظي البنوك المركزية في جاكسون هول بولاية وايومنغ، تبنى باول رأيًا مختلفًا عندما أعلن أنه "بدون استقرار الأسعار، فإن الاقتصاد لا يعمل لصالح أي شخص".
وأوضح أن بنك الاحتياطي الفيدرالي كان مستعدا لفرض ألم اقتصادي لإعادة التضخم إلى المستوى المقبول، لكن الاقتصاديين وصانعي السياسات الذين اجتمعوا في جبال تيتون أعربوا مرارا وتكرارا عن قلقهم الشديد من أن القوى العالمية التي ساعدت، في العقود الأخيرة، على إبقاء التضخم منخفضا ومستقرا قد تضعف، أو تأتي بنتائج عكسية.
وقالت الصحيفة إن التضخم غالبا ما يكون ظاهرة نقدية في الغالب؛ حيث تمتلك البنوك المركزية العديد من الأدوات لتقييد الإنفاق في الاقتصاد، بالتالي منع الطلب من تجاوز العرض، لكنهم يقومون بعملهم هذا بالاعتماد على اقتصاد متطور، ما يجعل التحكم بضغوط الأسعار أسهل.
لكن منذ فترة الثمانينيات فصاعدا، انخفض التضخم في العالم الغني بشكل عام، وأصبح أقل تقلبا، وتُعزى هذه الظاهرة بشكل عام إلى سياسة نقدية أفضل، وإلى الظروف العالمية السليمة التي واجهتها البنوك المركزية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، عندما تعرضت الاقتصادات لانخفاض في نمو الإنتاجية، وصدمات الطاقة والإنفاق الحكومي.
وربما يكون العالم الآن "على أعتاب تغيير تاريخي" كما أكّد أوجستين كارستينز من بنك التسويات الدولية، وهو ناد للبنوك المركزية في جاكسون هول.
وأوضحت الصحيفة أنه من بين الأسباب التي ترفع التضخم، تغير أنماط الإنفاق والاقتراض الحكومية في الاقتصادات الغنية والناشئة؛ حيث ارتفعت أعباء الدين العام على مدى العقدين الماضيين، ما يثير مخاوف الأسواق من تدخل البنوك المركزية للمساعدة في تمويل الالتزامات الحكومية، من خلال إنشاء أموال جديدة لشراء السندات مثلا، ما يؤدي إلى تقويض مصداقية البنك المركزي، ورفع توقعات التضخم.
وأكّدت الصحيفة أن القوة المالية خلال الوباء يمكن أن تدفع الحكومات لاستخدام الحوافز لمكافحة الركود، ما قد يتسبب في مزيد من الإنفاق والتضخم المستقبلي.
وقد أكد ذلك ما قدمه فرانشيسكو بيانكي من جامعة جونز هوبكنز وليوناردو ميلوسي من بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، بأن التضخم الأمريكي كان أعلى بنحو أربع نقاط مئوية من المتوقع، وذلك نتيجة "التضخم المالي" المرتبط بحزمة التحفيز البالغة 1.9 تريليون دولار التي أُقرت في سنة 2021.
وقالت الصحيفة إنه يوجد طلب في القوى العاملة نتيجة تباطؤ النمو السكاني في الدول الغنية بسبب التغيير الديموغرافي، وانخفاض الهجرة، كما حدث في أمريكا أثناء وباء كورونا، وقد توسع العرض العالمي للقوى العاملة بشكل كبير من فترة التسعينيات إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وأصبحت الاقتصادات المكتظة بالسكان مثل الصين والهند مندمجة بشكل أفضل في الاقتصاد العالمي، لكن هذه التجربة لا يمكن أن تتكرر ثانية، وقد بدأت الشيخوخة في التأثير على العمالة في أجزاء من الدول النامية أيضا، بالتالي زيادة أكبر في الأجور، وصعوبة أكبر في مهمة البنوك المركزية التي تكافح التضخم.
وأشارت الصحيفة إلى التغييرات البطيئة في هيكل الاقتصاد العالمي؛ حيث انخرطت الاقتصادات الناشئة والمتقدمة في موجة من الإصلاح التحرري من منتصف الثمانينيات إلى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وقد أدى خفض الرسوم الجمركية إلى زيادة مرونة الأسواق، وكذلك ساهمت الإصلاحات في طفرة في التجارة العالمية وتحولات واسعة في الإنتاج العالمي وانخفاض التكاليف.
وبينت الصحيفة أنه ربما يكون الإصلاح قد عزز نمو الإنتاج الذي تطور في الاقتصادات المتقدمة في مطلع الألفية، وفي الاقتصادات الناشئة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكن وتيرة الإصلاح والإنتاج تراجعا بعد الأزمة المالية العالمية التي حدثت بين سنتي 2007 و2009 نتيجة الضغوط المستمرة من الحروب التجارية والوباء والتوترات الجيوسياسية.
وبحسب الصحيفة؛ فقد أشارت إيزابيل شنابل، من البنك المركزي الأوروبي، إلى أن العولمة كانت بمثابة "ممتص هائل للصدمات" من بداية الثمانينيات إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث تمت تلبية التحولات في الطلب أو العرض بسهولة من خلال التعديلات في الإنتاج بدلاً من التقلبات الجامحة في الأسعار.
لا مكان للهروب
وأكدت الصحيفة أن هذه المعلومات كانت مفيدة لمحافظي البنوك المركزية الحاضرين، لكن لا يجب أن تكون نهاية العالم؛ حيث يمكن لبعض الاتجاهات أن تجعل عصر الاقتصاد الكلي الجديد أسهل بعض الشيء لتحمله، وقد يقطع التغيير الديموغرافي كلا الاتجاهين، كما أشارت جيتا جوبيناث من صندوق النقد الدولي.
وأوضحت الصحيفة أنه رغم احتمالية ندرة العاملين في الاقتصادات المسنة، فإنهم سيوفرون المزيد مما يساعد في تخفيف الضغوط التضخمية. وكما أكد المشاركون في الندوة؛ فإن التغييرات التي أحدثها الوباء قد تؤدي إلى عائد إنتاجي.
واختتمت الصحيفة بالقول، إن الارتباك الفكري اليوم أقل مما كان عليه في السبعينيات؛ حيث كان يجب على محافظي البنوك المركزية الاقتناع بأنهم قادرون ويجب عليهم تحمل المسؤولية عن مستوى التضخم؛ وهو الوضع الذي سمح بالتضخم المرتفع لأكثر من عقد من الزمن.
أما اليوم فإن "مسؤولية بنك الاحتياطي الفيدرالي عن تحقيق استقرار الأسعار غير مشروطة"، وقد بدأ محافظو البنوك المركزية بالاعتراف بأن مهمتهم قد تكون أصعب لسنوات قادمة، ويمكن لهذا الوعي، بحد ذاته، أن يمنع حقبة جديدة من الصدمات والتقلبات من أن تكون كارثية حقًا.
المصدر: عربي 21