أزمة السكن في السعودية: بين احتكار الأراضي والوعود الحكومية المتأخرة
تعيش السعودية أزمة سكنية متفاقمة أثارت استياءً شعبياً واسعاً، إذ يجد المواطنون أنفسهم عاجزين عن شراء منازل تتناسب مع إمكانياتهم المادية، رغم كل ما يُطلق من وعود حكومية متكررة لحل هذه الأزمة.
Table of Contents (Show / Hide)
ورغم المحاولات المستمرة التي تصفها السلطات بأنها حلول، إلا أن هذه الإجراءات لم تتجاوز كونها محاولات لامتصاص غضب الشارع وكسب الوقت.
جذور الأزمة:
تعود أزمة السكن في السعودية إلى مجموعة من العوامل التي تداخلت على مدار العقود الماضية، وأدت إلى تعقيد الوضع الراهن. أحد أبرز هذه العوامل هو ارتفاع أسعار الأراضي السكنية، وهي مشكلة تتفاقم بسبب سيطرة عدد من رجال الأعمال على مساحات شاسعة من الأراضي، فيما يعرف بالأراضي البيضاء. هذا الاحتكار أدى إلى نقص كبير في العرض المتاح من الأراضي السكنية، مما رفع الأسعار إلى مستويات لا تتناسب مع قدرة معظم المواطنين.
ولا يمكن تجاهل تأثير ارتفاع أسعار مواد البناء وتكاليف الإنشاء، ما زاد من صعوبة التملك حتى للأسر التي كانت تأمل في بناء مساكنها الخاصة، بالإضافة إلى ذلك، يعاني التوسع العمراني الكبير في المملكة من ضعف التخطيط المتكامل، حيث تفتقر المناطق الجديدة إلى البنية التحتية اللازمة لدعم النمو السكاني المتزايد.
دور الاحتكار:
يُعد تملك الأمراء السابقين لمعظم الأراضي في المناطق المأهولة بالسكان أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى هذه الأزمة. فقد احتكر هؤلاء الأراضي لعقود طويلة دون أن يستثمرونها أو يبيعوها، مما حرم المواطنين من فرص تحسين ظروف حياتهم. وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 65% من أراضي الأحساء والقطيف غير معمورة بسبب استيلاء الأمراء عليها، ما يضيق الخيارات أمام الراغبين في التملك ويدفع الأسعار إلى الارتفاع نتيجة زيادة الطلب على المساحات المتاحة.
عندما يعرض أحد الملاك جزءاً من أراضيه للبيع، يكون العرض غالباً أقل بكثير من الطلب، ما يتيح له احتكار الأسعار وتحديدها دون وجود منافسة فعلية، هذا الوضع أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار التملك والإيجار، ما جعل تلبية الاحتياجات السكنية أمراً مرهقاً للمواطنين.
الوعود الحكومية:
في مواجهة الغضب الشعبي المتزايد، سعت السلطات السعودية إلى تهدئة الأمور من خلال إطلاق سلسلة من الوعود بالإصلاح، ففي عام 2017، أطلق مجلس "الشؤون الاقتصادية والتنمية" برنامج الإسكان الذي حدد أهدافه بتقديم حلول سكنية للأسر السعودية، تُمكّنهم من تملك المنازل المناسبة أو الانتفاع بها وفق احتياجاتهم المادية، لكن على الرغم من مرور سنوات على إطلاق هذا البرنامج، لا يزال المواطنون يعانون من نقص حاد في الخيارات السكنية، ولم تخرج العديد من المشاريع إلى حيز التنفيذ، مما ترك العائلات تواجه الاكتظاظ والضغوط الاقتصادية دون أي حل ملموس.
التهجير القسري:
زاد الوضع تعقيداً بسبب سياسة التهجير التي اتبعتها السلطات السعودية، حيث أُجبر مئات الآلاف من السكان على مغادرة منازلهم في إطار برامج هدم الأحياء، مثلما حدث في جدة، هذه السياسات أدت إلى نزوح كبير للسكان، ما زاد من حدة أزمة السكن، خاصة مع ارتفاع أسعار الإيجارات في المناطق المتبقية.
ورغم أن الحكومة قدمت تعويضات لأصحاب الأراضي والمنازل المُهجرين، إلا أن هذه التعويضات غالباً ما كانت شكلية ولا تشكل بديلاً حقيقياً لما تم سلبه منهم، وأمام هذا الوضع، تبرز تساؤلات المواطنين حول الأولويات الحكومية، خاصة في ظل الإنفاق الهائل على مشاريع كبرى مثل منطقة نيوم في شمال غربي المملكة، التي تبلغ تكلفتها نحو 500 مليار دولار، بينما يعجز عدد كبير من السعوديين عن تأمين مساكن لهم.
خلاصة:
تعكس أزمة السكن في السعودية تراكماً لسنوات من السياسات التي لم تأخذ في الاعتبار الاحتياجات الحقيقية للمواطنين، وبين احتكار الأراضي وارتفاع الأسعار وضعف التخطيط، يجد المواطن السعودي نفسه محاصراً في أزمة يبدو أن حلها يتطلب تغييراً جذرياً في نهج الدولة تجاه الإسكان، بدلاً من الاكتفاء بإطلاق وعود متكررة لم تُحقق حتى الآن على أرض الواقع.
المصدر: مرآة الجزيرة