لماذا اخترت ارتداء الحجاب؟
الحجاب في اللغة، أي: الساتر، أو كل ما يحجب ويغطّي.. حجابنا كمسلمات لا ينحصر معناه في أطر ضيقة مثلما نعتقد، بل يمتد إلى ما هو أعمق وأنقى، ولكننا لا نتدبر..
Table of Contents (Show / Hide)
سألت نفسي: ماذا يمثل الحجاب الشرعي لي؟ ولماذا أُصرّ على الحفاظ عليه مع محاولاتي لتهذيب نفسي كي تليق بارتدائه كما يحب الله ويرضى؟ وجدت أن الستر الجميل هو أكثر ما أحبه في كوني محجبة؛ إذ أشعر بأن حجابي يستر الله به سيئاتي عن العالمين، كما يزيدني حياءً وقوةً، وذلك ليس لخير منّي، بل لجود الله وكرمه على أمته. بداخلي رغبة شديدة منذ زمن في الكتابة عن تجارب تتعلق بالحجاب، سأسردها أمامكم حتى أذكّر نفسي قبلكم بجمال فريضة كرمنا بها الله، ولا أوجّه كلامي للفتيات والنساء فقط، بل أتحدث إلى الرجال أيضاً، فكم من رجل أعان ووافق على حرام بيّن!
اختارني الله -عز وجل- من وسط إمائه كي يختبر صبري ويزيدني جمالاً روحياً بهدايتي لارتداء الحجاب، رأيت في الحجاب مدخلاً لمفاهيم الدين، فأخذت أقرأ وأمعن في الحرام والحلال، فيما يرضي الله وما يغضبه، ولم أتوقف عند البحث في تعاليم الدين فقط، بل بدأت أنقّب داخلي عن هويتي: من أنا؟ وممَّ تألفت روحي؟ حينها صار الحجاب كمشكاة تدفعني لإنارة ظلام جهلي بإسلامي ونفسي، اكتشفت في بداية رحلتي أن لي جمالاً داخلياً لم ألحظه من قبل، وجدت بهذا القلب رقةً وليناً وعفةً، ومن ثَم أقدمت على تقدير نفسي واحترامها، وتلقائياً ازدادت ثقتي، وشرعت السعادة في إحاطة روحي شيئاً فشيئاً، ومع تطور مراحل نضجي، استشعرت جمال تحمّل مسؤولية ارتداء الحجاب واحترامه، أخذت أبحث عما أقصّر فيه سواء فيما يخص حجابي أو سائر الطاعات والسلوكيات، فاتسع دور الحجاب في تقويمي كإنسانة مسلمة حتى صار بمثابة القِبلة التي ترشدني إلى أول طريق الاستقامة، ومن ثَم شملني الحجاب أكثر، وصار يكمل ما بي من نقصان، وأصبح في عيني تاجاً يكلل أعمالي وما أسعى إليه من فلاح، أتدري ما رمى الله في قلبي؟ ألقى هبات راحة، وأمان، ورضا، صرت شجاعة أسير وسط الناس بارتياح كبير، أسأل الله أن يديمه ويبارك فيه.
أحب الألوان كثيراً، دائماً أسترشد ألوان ملابسي من الطبيعة كما أبدعها الله، كم أتمنى أن يعلم الناس أن في الحجاب رقياً وبهجة محمودة، فليس واجباً ارتداء لون واحد فقط، ما دمنا نختار ألواناً هادئة غير لافتة، فبإذن الله تعالى ليس علينا حرج والله أعلم.
دوماً أفرح عندما أشتري رداء أو شالاً جديداً كطفل ينتظر صلاة العيد حتى يرتدي ثوباً اشتراه أبوه خصيصاً لهذه المناسبة، وأفرح أكثر عندما أستطيع أن أصلّي في أي مكان بهيئتي كما هي دون حاجة إلى شيء يستر مكشوفاً، وما كنت أهتدي لهذا أبداً لولا أن هداني الله.
عندما أنظر إلى فتاة وجهها بشوش مغطى بطرحة بيضاء وما شابهه من ألوان هادئة، أتذكر صديقة لي أخبرتني مرة أنها تشعر بأن الحجاب يوهب ابتسامة ملائكية مغلفة بنور رباني، ومن أوتي رضا الله فقد أوتي الخير كله، وما أدرانا ما خير الله.
كلما فكرت بتدبّر أكبر في تفاصيل حجابي، ازدادت راحتي النفسية، وأدركت ما أغدقني الله به من نعمات، رغم أنني بنظرتي البشرية المحدودة لن أقدر على أن أحصي فضل الله عليّ -تبارك وتعالى-، علاوة على كل ما أراه يومياً من بركات، زوّدني الله بمكانة وقورة، وفردية، وتميز وسط الناس، دعوني أقُل لكم إن في الحجاب كياني وهويّتي، أرى فيه مبادئي التي لا أستطيع أن أخسرها أو أفرط فيها إن شاء الله -عز وجل-.
أن تجاهدوا أنفسكم فسوف يذيقكم الله من النعم أضعاف جهادكم، ادعوا لأنفسكم بالثبات، وشجّعوا بعضكم البعض على الحق واتباعه، لا تبيعوا رضا الله من أجل البشر، ولا تفرطوا في السعادة الأبدية مقابل لذة لحظية دنيوية، كونوا آيات كريمة ينحني لها غير المسلمين؛ فلعل وعسى يهتدي أحدهم تأثراً بالتزامكم، واعلموا أن الحر هو حر النفس والفكر، فلن تنالوا الحرية حتى تسيطروا على أهوائكم وشهواتكم، لن تبلغوا العزة دون تذللكم لرب العزة، استعينوا بالله فسيصرف عنكم شرور أنفسكم، ولا تنسوا مرافقة صحبة صالحة، تسعى معكم إلى فلاح وُعدنا به.
وفي الختام أود أن أعطي كل ذي حق حقَّه، إذ إن ما كتبته أعلاه لا يعود لي فقط، بل نسجت هذا المقال من اثنتي عشرة حكاية تعود إلى اثنتي عشرة فتاة مسلمة، تحدثت مع كل واحدة منهن على حدة، ووجّهت إليهن بعض الأسئلة، استلهمت من إجاباتهن البعض، وأضفت إليها البعض الآخر، ولكن إذا تأملتم الحكاية ككل فلن يستطيع أحد أن يفصل كلامنا عن بعضه، كل تلك المشاعر والتجارب والأفكار تبدو كشخص واحد، وهكذا يجب أن نكون نحن -المسلمين- كالبنيان المرصوص، يشد بعضنا بعضاً، أمتن لصديقاتي العزيزات، وأشكرهن على ثقتهن بي، ومشاركتي قصصهن، لا تنسونا من صالح دعائكم يا عباد الله المؤمنين، وتذكرونا بالخير الاثنتي عشرة فتاة وأنا.
المصدر: عربي بوست