كما تحركوا لأجل شارلي إيبدو.. لماذا لم يتحرك الغرب لقتل الصحفيين في غزة
العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، غيّر كثيرا من القناعات والشعارات التي رسمها الغرب على مدار عقود طويلة، من أهمها الحريات الخاصة بالصحافة والإعلام.
Table of Contents (Show / Hide)
لم ينتهك العدوان تلك الحريات فقط، بل سحقها، عندما قتل أكثر من 100 صحفي خلال أقل من 3 شهور، فضلا عن استهداف مؤسسات إعلامية بالقصف المباشر.
وذلك وسط صمت الدول الغربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وبقية قيادات الاتحاد الأوروبي، الذين انحازوا إلى الاحتلال، في حرب الإبادة ضد المدنيين والصحفيين في غزة.
قتل وتهديد
عبر استشهاد المصور الصحفي الفلسطيني بقناة الجزيرة، سامر أبو دقة، في 15 ديسمبر/كانون الأول 2023، عن مأساة العمل الصحفي في ظل عدوان الاحتلال الذي يمعن في كسر القواعد الأخلاقية للحروب.
ظل أبو دقة ملقى على الأرض ينزف في محيط مدرسة لـ6 ساعات، دون أن تتمكن سيارة الإسعاف من الوصول إليه بسبب المنع الإسرائيلي.
وأصيب هذا الصحفي مع زميله مراسل قناة الجزيرة وائل الدحدوح، خلال تغطيتهما قصفا إسرائيليا على مدرسة فرحانة في خانيونس جنوبي قطاع غزة.
وكان الدحدوح وأبو دقة يصوران حالة الدمار الكبيرة التي خلفها القصف الإسرائيلي، وعقب انتهائهما من التصوير عادا سيرا على الأقدام، لوعورة المنطقة التي لا يمكن للسيارات أن تسلكها، ولكن باغتهما صاروخ إسرائيلي مفاجئ، ما أدى لإصابتهما بشظايا،
وبينما تمكن الدحدوح من السير مصابا لنهاية شارع بقي زميله سامر ينزف على الأرض، ولم تستطع سيارات الإسعاف الوصول إليه حتى وافته المنية.
ومع ما يزعمه الاحتلال بأنه لا يستهدف الصحفيين عن عمد مثلما حدث مع أبو دقة، تأتي حوادث أخرى فادحة، تؤكد أن آلة القتل الإسرائيلية تقصد صناع الخبر ومن ينقلون حقيقة ما يحدث في غزة.
هذا تحديدا مع حدث مع الصحفي في قناة الجزيرة "أنس الشريف" والذي كشف في 22 نوفمبر/تشرين الثاني، عن تلقيه تهديدات من ضباط إسرائيليين لوقف تغطيته للعدوان في شمال قطاع غزة.
لم ينصع الشريف لتهديدات العدوان واستمر في عمله، ولكن في 11 ديسمبر 2023، قصفت طائرات الاحتلال منزل عائلته ما أدى لاستشهاد والده.
وقال الصحفي الفلسطيني إن طيران الاحتلال استهدف المنزل الذي يقطن فيه والده جمال (65 عاما) ما أدى لاستشهاده فورا.
وأتبع أنه لم يتمكن من الوصول إلى المنزل بعد الضربة التي تعرض لها، نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل.
وبين أنه اضطر لدفن والده في ساحة مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) يقيم فيها النازحون.
ثم شدد أنه سيستمر في تغطية جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في غزة، وسيمضي على درب زملائه الذين استشهدوا وهم ينقلون الخبر.
قائمة طويلة
ومن أبرز الذين شملتهم قائمة شهداء الصحافة الفلسطينية أو أسرهم، الذين قضوا منذ بداية العدوان على غزة، يأتي المصور الصحفي بوكالة "الأناضول" التركية، علي جاد الله.
استهدف منزل جاد الله في غزة في 13 أكتوبر، ليفقد على إثره ما لا يقل عن 8 أفراد من أسرته بمن فيهم والده وإخوته.
وفي اليوم نفسه، فقد مصور وكالة "رويترز" البريطانية عصام عبد الله في لبنان حياته وأصيب 6 إعلاميين جراء استهدافهم من قبل قوات الاحتلال.
كما استشهد كذلك عدد من أفراد أسرة مراسل قناة "الجزيرة" وائل الدحدوح جراء هجوم إسرائيلي في 25 أكتوبر، وراح ضحيته زوجته وابنه وابنته وحفيده البالغ من العمر 18 شهرا.
وقتها قال جملته الشهيرة والتي صارت أيقونة من أيقونات الحرب "بينتقموا منا في الأولاد، معلش (لا بأس)".
وفي قصف استهدف مدينة خانيونس جنوبي القطاع في الأول من نوفمبر، استشهد مراسل تلفزيون فلسطين محمد أبو حطب و11 فردا من عائلته.
وفي قصف إسرائيلي آخر يوم الخامس من نوفمبر، فقد مصور الأناضول محمد العالول أبناءه الأربعة، وثلاثة من إخوته.
كما شنت إسرائيل غارة جوية على بلدة "طير حرفا" اللبنانية في 21 نوفمبر قتلت فيها مراسلة قناة "الميادين" فرح عمر، والمصور ربيع المعماري خلال متابعتهما التطورات على الحدود.
وفي نفس الشهر، استشهدت الصحفيتان الفلسطينيتان، آلاء طاهر الحسنات، وآيات خضورة جراء قصف إسرائيلي على غزة.
واستشهد مدير رابطة بيت الصحافة "بلال جاد الله" وهو من بين أكثر الصحفيين المعروفين في غزة، جراء قصف إسرائيلي بالدبابات في حي الزيتون خلال توجهه نحو جنوب القطاع.
وبعد انتهاء "الهدنة الإنسانية" واستئناف جيش الاحتلال عدوانه على قطاع غزة في الأول من ديسمبر، استشهد 3 صحفيين.
وكان من بينهم مصور وكالة "الأناضول" منتصر الصواف الذي فقد والدته ووالده والعديد من أقاربه في هجوم إسرائيلي سابق في 18 نوفمبر، وأصيب هو بجروح.
وإضافة إلى الصحفيين، دمر الاحتلال مكاتب وكالة الأنباء الفرنسية وصحيفة الأيام وإذاعة غزة ووكالتي شهاب ومعا للأنباء، وكذلك قناتي "برس تي في" و"العالم" الإيرانيتين كليا أو جزئيا.
ازدواجية معايير
وحتى صباح 28 ديسمبر، استشهد منذ بداية العدوان على قطاع غزة، 105 صحفيين كان آخرهم محمد وأحمد خير الدين.
وذكر بيان للجنة حماية الصحفيين ومقرها الولايات المتحدة، في 22 ديسمبر، أن عدد الصحفيين الذين قتلوا في غزة جراء القصف الإسرائيلي "غير مسبوق".
حينها قالت رئيسة اللجنة جودي جينسبيرغ، "إن عدد الصحفيين الذين قتلوا في العدوان الإسرائيلي على غزة لم يسبق له مثيل في تاريخ لجنة حماية الصحفيين".
وتنص المادة 79 من البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية جنيف 1949 لحماية المدنيين بالنزاعات العسكرية على أن الصحفيين المدنيين الذين يؤدون مهماتهم في مناطق النزاعات المسلحة يجب احترامهم وحمايتهم من كل شكل من أشكال الهجوم المتعمد.
وفي 21 ديسمبر 2023، نشرت "الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان" تقريرا عن حصيلة 74 يوما من العدوان الإسرائيلي على غزة، أوردت فيه أن عدد المقرات الصحفية المدمرة في القطاع بلغ 163.
وعلق الصحفي الفلسطيني نادر طه، على جرائم الاحتلال ضد الصحفيين ووسائل الإعلام، بالقول: "انكشفت حقيقة العالم، وسقطت أقنعة الحريات والحداثة والديمقراطية، وحقوق الإنسان التي أعلنت عقب الحرب العالمية الثانية، واستمرت شعاراتها الزائفة، حتى سقطت مع من سقطوا في غزة".
وأضاف لـ"الاستقلال": "فلننظر كيف تعامل العالم وقادته مع جريمة (شارلي إيبدو) في فرنسا.. كيف انتفضوا وتضامنوا وغضبوا؟".
ففي عام 2015، شارك أكثر من 40 زعيما حول العالم في مسيرة حاشدة في العاصمة باريس تضامنا مع فرنسا التي شهدت هجمات خلال 3 أيام راح ضحيتها 17 قتيلا أثناء هجوم على مقر مجلة شارلي إيبدو الساخرة.
وتابع طه: "لننظر كيف عموا وصموا عن ما يحدث لأهل غزة وأطفالها ونسائها وقطاع عريض من الصحفيين والإعلاميين والكوادر الإعلامية من مصورين وفنيين وغيرهم".
واستطرد طه: "وصل الأمر إلى استهداف أهالي وذوي الصحفيين لمنعهم من إظهار الحقيقة والعمل بما تمليه عليهم رسالتهم، فقتلوا آباء وأمهات وأطفال العاملين بالحقل الإعلامي الفلسطيني خلال العدوان، وهناك عائلات كاملة أبيدت".
المصدر: القدس العربي