عمال هنود يتعرضون للخداع في إسرائيل التي جلبتهم كبديل للفلسطينيين
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي سعى إسرائيل إلى استبدال آلاف العمال الفلسطينيين الذين يعملون في قطاعات مثل الزراعة والبناء وغيرها، بآخرين أجانب معظمهم من الهند وملاوي وسريلانكا ودول آسيوية أخرى.
Table of Contents (Show / Hide)
لكن يبدو أن هؤلاء لا تسير ظروف عملهم على ما يرام في إسرائيل، حيث يقولون لمجلة foreign policy الأمريكية إنهم تعرضوا للخداع عند وصولهم لدولة الاحتلال، وإن سوء المعاملة أمر شائع هناك.
عمل بلا أجور.. كيف تعرّض العمال الهنود في إسرائيل للخداع؟
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقع الهندي ماهيش أوديدارا عقداً للعيش والعمل لمدة 5 سنوات في "إسرائيل" التي تبعد آلاف الأميال عن وطنه وغارقة في حالة حرب. كان أوديدارا، وهو مزارع يبلغ من العمر 30 عاماً من مدينة بوربندر في غرب الهند، على دراية بمخاطر العمل في مزرعة إسرائيلية. لكن عقد أوديدارا وعده بيوم عمل ثابت مدته 8 ساعات، وحقوق عمال "قوية"، وراتب شهري قدره 5571 شيكل (1500 دولار).
في البداية، كانت توقعات أوديدارا عالية كما يقول لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية. وبفضل راتبه الجديد، سيكون قادراً على إرسال مئات الدولارات إلى عائلته كل شهر؛ ويمكن أيضاً استخدام الأموال لشراء معدات لمزرعة الأسرة، وكان يأمل أن يتمكن ذات يوم من شراء منزل لنفسه في ولاية بوربندر الهندية.
لكن بعد وقت قصير من وصوله إلى إسرائيل، أدرك أوديدارا أن أصحاب العمل ليست لديهم نية لاحترام عقده، وأنه تعرض لخداع كبير. في أحيتوف، وهو مجتمع زراعي شمال إسرائيل، عمل أوديدارا في نوبات عمل شاقة تتراوح ما بين 11 إلى 12 ساعة يومياً، كما أُجبر على العمل في عطلات نهاية الأسبوع، وقيل له إنه سيحصل على أجر أقل بكثير من الحد الأدنى القانوني للأجور في الساعة. ثم، في نهاية الشهر، لم يتقاضَ راتبه على الإطلاق، وأبلغه صاحب العمل الإسرائيلي، أن راتبه قد تم إرساله، لسبب غير مفهوم، إلى وكالة التوظيف الخاصة به بدلاً من إعطائه إياه.
عند التواصل مع صاحب العمل السابق للتعليق، نفى أن يكون أوديدارا قد عمل لديه على الإطلاق؛ ومع ذلك، أكد عامل مهاجر آخر بشكل مستقل أنه يعمل لدى نفس صاحب العمل ادعاءات أوديدارا بشأن ظروف العمل والأجور المفقودة. ولم تستجب وكالة التوظيف لطلب التعليق.
كما أن مسكن أوديدارا، الذي توفره المزارع لعمالها، يقع على حدود منطقة غير صالحة للسكن. وفي تجمع استيطاني زراعي آخر، يسمى "خاتساف"، حيث عمل أوديدارا لمدة ثمانية أيام، كان ينام في غرفة مؤقتة مبنية من ألواح خشبية وألواح من الصفائح المعدنية؛ كان حمامه عبارة عن مرحاض في كوخ خارجي بأرضية ترابية، ولم يكن هناك ماء ساخن في الحمام. وفي الأشهر القليلة الأولى، خسر أوديدارا ما يقرب من 12 كيلوغراماً من وزنه بسبب سوء التغذية والعمل الشاق.
"أنا نادم حقاً على قدومي إلى إسرائيل"
وقال أوديدارا الآن للمجلة الأمريكية: "أنا نادم حقاً على قدومي إلى إسرائيل"، على الرغم من أنه كان يعتبر واحداً من "المحظوظين": حيث إن شقيق أوديدارا، بهارات، عمل بالفعل في إسرائيل كمقدم رعاية لمدة 4 سنوات، وتمكن في النهاية من العثور له على وظيفة في مزرعة ذات ظروف عمل أفضل بكثير في وقت سابق.
ومع ذلك فإن تجربة أوديدارا في أهيتوف وخاتساف ليست فريدة من نوعها على الإطلاق. وبحسب بهارات، فإن سوء المعاملة وممارسات العمل غير القانونية منتشرة على نطاق واسع في إسرائيل. يقول للمجلة الأمريكية: "كنت أقابل جميع الأشخاص الجدد الذين يأتون للعمل هنا، كنت أتحدث معهم، والجميع لديهم نفس المشكلة. عليهم أن يقاتلوا من أجل الحصول على رواتبهم وبعض حقوقهم ومتطلباتهم الأساسية.. لا أحد يساعدهم، إنهم عاجزون".
تعتبر الزراعة عنصراً أساسياً لدى المجتمع الإسرائيلي، إلا أن القطاع الزراعي في البلاد يعتمد على العمالة غير الإسرائيلية منذ عقود. في عام 1967، بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة، قررت الحكومة دمج الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال في الاقتصاد الإسرائيلي. وقالت أدريانا كيمب، عالمة الاجتماع في جامعة تل أبيب والتي تدرس العمل الإسرائيلي، إنه منذ ذلك الحين، "أصبح الفلسطينيون جزءاً لا يتجزأ من القوى العاملة الإسرائيلية، لا يمكنك الحديث عن قطاعات كاملة مثل الزراعة أو البناء دون الحديث عن آلاف العمال الفلسطينيين".
وقالت كيمب إنه بحلول التسعينيات، بعد الانتفاضة الأولى، "بدأت إسرائيل تتحدث عن إمكانية فتح البوابة أمام العمال من الخارج. وعندها بدأوا فعلياً في جلب العمال من بلدان فقيرة مختلفة، لكن رغم ذلك، بقي الفلسطينيون بأعداد كبيرة؛ وفي عام 2021، شكل عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين ربع إجمالي القوى العاملة الزراعية في إسرائيل.
القطاع الزراعي الإسرائيلي يفقد أكثر من ثلث قوته العاملة بعد السابع من أكتوبر
ثم جاء يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، حيث زعمت الحكومة الإسرائيلية أن العمال الزراعيين من غزة قدموا معلومات استخباراتية لحركة حماس، ومنعت نحو 20 ألف عامل زراعي فلسطيني من دخول إسرائيل مرة أخرى. وفي الوقت نفسه تقريباً، فر حوالي 8000 عامل تايلاندي من إسرائيل، وهم في السابق أكبر عدد من العمال الأجانب في إسرائيل بسبب الاتفاقية الثنائية الإسرائيلية التايلاندية لعام 2012، بعد مقتل واعتقال 39 منهم في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وبين عشية وضحاها تقريباً، فقد القطاع الزراعي أكثر من ثلث قوته العاملة الأجنبية بالكامل. في الأسابيع الأولى من الحرب، وعلى الرغم من تدخل المتطوعين الإسرائيليين لمساعدة المزارعين المتعثرين، إلا أن المزارع نزفت أرباحها. وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني، ومن أجل تجديد القوى العاملة، أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها ستسمح لما يصل إلى 5000 عامل في الخارج بدخول إسرائيل من خلال خطة هجرة جديدة.
عندما سمعت أوريت رونين عن المخطط، كان تفكيرها المباشر هو أنه سيؤدي إلى "فوضى كبيرة". كانت رونين، التي يعمل في منظمة كاف لاوفيد، وهي منظمة غير ربحية تعمل في مجال حقوق العمال ومقرها تل أبيب، مدركة تماماً مدى ضعف الوافدين الجدد، في ظل الاستغلال الحالي من قبل أرباب العمل الإسرائيليين. كانت رونين تعلم أيضاً أن العديد من المزارع تفتقر إلى البنية التحتية الكافية لإيواء العمال، نظراً لأن العمال الفلسطينيين السابقين في المزارع كانوا يتنقلون ببساطة من الضفة الغربية أو غزة.
منذ أوائل ديسمبر/كانون الأول، عندما بدأ وصول آلاف العمال الجدد إلى إسرائيل، تلقت منظمة "كاف لاوفيد" أكثر من 300 طلب للحصول على معلومات ومساعدة من العمال الذين أبلغوا عن سلسلة من الانتهاكات. حيث إن الظروف التي عاشها أوديدارا وآخرون تعتبر غير قانونية بشكل صارخ بموجب قانون العمل الإسرائيلي كما تقول مجلة "فورين بوليسي". ولكن منذ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، أصبح تطبيق قانون العمل "أقل من ذي قبل"، كما قالت رونين: "وحتى قبل ذلك، كانت القوانين منخفضة ويتم تجاهلها".
ولم تستجب هيئة السكان والهجرة، وهي الهيئة الحكومية الإسرائيلية المكلفة بإنفاذ قانون العمل، لطلبات إجراء المقابلة. وكتبت سابين حداد، المتحدثة باسم الهيئة في رسالة بالبريد الإلكتروني للمجلة الأمريكية: "لدينا مركز اتصال للعمال الأجانب، إذا كانت لديهم مشاكل يمكنهم شرحها لنا وسيتم فحصها".
التهديد بالترحيل ومخاطر الحرب
ويتردد العمال المهاجرون في كثير من الأحيان في الاتصال بمركز الاتصال التابع لهيئة الهجرة خوفاً من الانتقام من أرباب العمل. قال بهارات إن أصحاب العمل "يقولون للعمال إننا سنعيدكم إلى الهند دون أموالهم إذا لم تعملوا كما نقول لكم".
إن التهديد بالترحيل قوي بشكل خاص لأن معظم العمال تقطعت بهم السبل في إسرائيل طوال مدة عقودهم البالغة خمس سنوات، وذلك بفضل الرسوم الضخمة التي دفعوها قبل المغادرة إلى إسرائيل. وفي حالة أوديدارا، طلب منه وكيل أعمال في الهند مبلغ 6300 دولار في دفعة سرية، دفعها من مدخرات عائلته.
تقول رونين: إن العمال الذين يأتون لإسرائيل، وخاصة من الهند، دفعوا آلاف الدولارات للسماسرة. بالنسبة لهم، هذا أمر كبير للغاية، وهذا يجعلهم عرضة للخطر للغاية، ويخشون أن يتم ترحيلهم وضياع أموالهم.
ثم هناك الحرب. تم تكليف ميلبين بول، البالغ من العمر 29 عاماً من ولاية كيرالا بجنوب الهند، بالعمل في مزرعة دواجن قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية، والتي تطلق جماعة حزب الله اللبنانية الصواريخ عليها يومياً تقريباً منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
في صباح يوم 4 مارس/آذار، نظر بول إلى أعلى بعد تقليم شجرة لوز ورأى صاروخاً يتجه مباشرة نحوه ونحو زملائه العاملين. وقال: "لم يكن هناك وقت للهرب". وقد أحدث الصاروخ، وهو صاروخ مضاد للدبابات تابع لحزب الله، تأثيره في غمضة عين. حيث قُتل صديق بول، بات نيبين ماكسويل، البالغ من العمر 31 عاماً، وهو مواطن من ولاية كيرالا الهندية على الفور. وأصيب بول، الذي كان يقف على بعد ياردات قليلة من ماكسويل، بجروح شظية أصابت الجانب الأيمن من جسده.
وقال ميشال تاجر، المحامي الذي يدير عيادة حقوق العمال في جامعة تل أبيب: "حتى قبل الحرب، كان من الشائع جداً أن يتعرض العمال الزراعيون الذين يعملون بالقرب من قطاع غزة للإصابة أو القتل". ماكسويل هو واحد من ستة عمال زراعيين على الأقل قتلوا بنيران الصواريخ خلال السنوات الأخيرة.
في أعقاب الضربات الإيرانية على إسرائيل في 13 أبريل/نيسان، حثت وزارة الخارجية الهندية مواطنيها في إسرائيل على تسجيل أنفسهم في السفارة الهندية و"تقييد تحركاتهم إلى الحد الأدنى". ويتناقض هذا التحذير مع حقيقة أن العمال الجدد لديهم فهم أقل بكثير للوضع الأمني مقارنة بالعمال الفلسطينيين أو المهاجرين التايلانديين الذين يقيمون في إسرائيل منذ عقود.
ولم تخبر إسرائيل بول وأصدقاءه مطلقاً بأن مزرعتهم تقع في منطقة عسكرية مغلقة أخلاها سكان مارجاليوت في منتصف أكتوبر/تشرين الأول. قال بول: "هذه هي المرة الأولى لي في إسرائيل، لم أكن أعرف أين كان إطلاق النار والحرب".
استغلال العمّال يتفاقم مع استمرار الحرب
ومع ذلك، فإن حجم استغلال العمال في إسرائيل قد يتفاقم قريباً. وقد وصل أقل من 3000 عامل زراعي جديد منذ نوفمبر/تشرين الثاني؛ هناك حاجة إلى ما بين 8000 إلى 12000 عامل إضافي لإعادة المزارع إلى طاقتها العاملة الكاملة، وفقاً لرونين. وقد تم بالفعل إبرام اتفاق منفصل لجلب 10,000 عامل سريلانكي إلى إسرائيل خلال الأشهر المقبلة، ومن المرجح أن يتبعهم المزيد.
وستكون هناك أيضاً عواقب أمنية عميقة للابتعاد عن العمالة الفلسطينية. قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، كان دخل العمال الفلسطينيين في إسرائيل يشكل حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي للسلطة الفلسطينية. منذ أشهر، دعا جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي إلى السماح للعمال الفلسطينيين من الضفة الغربية بالعودة إلى إسرائيل، محذراً من أن الظروف الاقتصادية السيئة بشكل متزايد في الضفة الغربية ستؤدي إلى المزيد من زعزعة الاستقرار والعنف. لكن الوزراء اليمينيين في الحكومة الإسرائيلية رفضوا رفع الحظر، مشيرين إلى ضرورة الابتعاد عن العمالة الفلسطينية بأي ثمن.
وتقول إسرائيل إنه ستبقى موجة من الوافدين الجدد في إسرائيل حتى عام 2029، ما يعني أنه، على مدى السنوات الخمس المقبلة على الأقل، لن يكون لدى العديد من عمال المزارع الفلسطينيين وظيفة يعودون إليها حتى لو تم رفع الحظر المفروض على العمالة الفلسطينية، كما تقول "فورين بوليسي".
المصدر: العربي الجديد