تطور مذهل للذكاء الاصطناعي.. هل يتسبب بأزمة اقتصادية وسياسية في الدول العربية
هل تتجه البشرية إلى التسبب في مأزق اقتصادي واجتماعي بما جنته من تطور؟ وما هو تأثير ذلك على العالم العربي؟ أصبح هذان السؤالان حديث الساعة خلال الأسابيع الماضية، في ظل التحديث فائق السرعة لتقنيات الذكاء الاصطناعي، التي بلغ بعضها حدا يقترب من الأداء البشري، كما هو الحال بتقنية "شات جي بي تي"، خاصة عند التعامل معها باللغة الإنجليزية.
Table of Contents (Show / Hide)
فتأثير التطور التكنولوجي على البشرية لم يعد مقتصرا على النواحي الإيجابية فقط، بل ثمة تأثير سلبي يزداد وضوحا مع تقدم التكنولوجيا، إلى الحد الذي يهدد استمرار ملايين الوظائف حول العالم، وهو ما حذر منه مفكرون غربيون، على رأسهم الكاتب البريطاني "صامويل بتلر"، إضافة إلى المليادير الأمريكي الشهير "إيلون ماسك".
وفي هذا الإطار، تعيش الدول العربية ظروفاً داخلية متباينة، تنعكس بوضوح على خططها في تبني الذكاء الاصطناعي في خطابها واستراتيجياتها ومؤسساتها، وبالتالي ينعكس ذلك على مستقبل فرص العمل فيها، وما إذا كانت ثورة التقنية ستمثل عامل سعادة أو شقاء لسكانها.
فبينما سارعت دول عربية، خصوصاً في الخليج، إلى تبني أحدث التقنيات والمؤسسات والمعايير والخطط لتوطين الذكاء الاصطناعي واستخدامه، ما انعكس إيجاباً على ترتيبها في المؤشرات العالمية، لا تزال دول عربية أخرى تتلمس طريقها، مع محاولات تدريس مواد الذكاء الاصطناعي في بعض المناهج بهدف وضع أسس لهذه الصناعة.
وبحسب المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي من Tortoise Intelligence فإن السعودية وقطر والإمارات والبحرين تحتل المراتب الأولى عربياً، فيما حلت مصر بالمرتبة 59 عالمياً، وهو ترتيب متأخر في قائمة تضم 62 بلداً فقط.
ويرتكز المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي على 143 مؤشراً فرعيا، موزعاً على 7 ركائز، هي: المواهب، والبنية التحتية، وبيئة التشغيل، والبحث، والتطوير، والاستراتيجية الحكومية، والاستراتيجية التجارية.
وتتصدر مجموعة من المؤسسات في قطر العمل بالذكاء الاصطناعي في مجالات عدة، من بينها معهد قطر لبحوث الحوسبة، ومعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، ومعهد قطر لبحوث الطب الحيوي، وجامعة حمد بن خليفة، وغيرها.
وفي السعودية والإمارات، بلغ اختراق تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي حدودا بلغت إمكانية الاستغناء عن العنصر البشري حتى في أكثر مناحي الحياة حساسية، مثل إصدار تطبيقات تغني عن الفتوى الدينية البشرية.
وفي عام 2019، أطلقت إمارة دبي بالفعل منصة إفتاء تعتمد على الذكاء الاصطناعي للإجابة عن الأسئلة الدينية من دون الحاجة إلى بشر.
وقال القائمون على الخدمة حينها، إن المستخدمين يحتاجون فقط إلى دخول موقع أو تطبيق والتوجه إلى خدمة الدردشة، ثم إرسال استفساراتهم ليتلقوا الرد تلقائياً.
وبعد 3 سنوات من هذه التجربة، اتجهت السعودية إلى إعداد وثيقة للفتوى في الحرمين تضمنت 20 بنداً، من بينها استثمار الذكاء الاصطناعي لبيان الإجابة للسائلين عن الأحكام الشرعية، وإعداد موسوعة للفتوى تستفيد من الذكاء الاصطناعي في التعرف إلى حال المستفتي، وإيصاله للسؤال وجوابه المناسب لحالته، وإعداد أدلة إلكترونية ترشد الحجاج وتوعيهم بأحكام الحج وشعائره، بحسب المكان والتوقيت وخصائصه الديموغرافية.
وفي مايو/أيار الماضي، دعت دراسة سعودية إلى رعاية مقترح إنشاء تطبيق يستخدم الذكاء الاصطناعي في الفتوى، وتبنيه من جانب الجامعات والمؤسسات المهتمة، بحسب صحيفة الجزيرة السعودية.
واقترحت الدراسة، التي حملت عنوان "الذكاء الاصطناعي وأثره في صناعة الفتوى" للباحث "عمر بن إبراهيم المحيميد"، تقديم هذا المقترح إلى الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، والتعاون معها لإنتاج هذه البرامج، بالتعاون مع الجهات والشركات ذات العلاقة.
وإذا كانت هذه الحالة قائمة ببلدان عربية، فإنها مضاعفة في بلدان العالم المتقدم، ما دفع منظّر الإعلام والإنترنت الهولندي "خيرت لوفينك" إلى التحذير من اقتراب عصر "نهاية الإنترنت"، بمعناه التقليدي.
وأوضح "لوفينك"، في حوار أجراه مع مجلة "لوبس" الفرنسية، أن "العالم اليوم يعيش نهاية حلم الإنترنت المفتوح والعالمي واللامركزي الذي يتم استبداله شيئا فشيئا بتطبيقات على الهواتف الذكية" محكومة بالذكاء الاصطناعي.
وينذر هذار الأمر بمزيد من "السلطة" للشركات الكبرى المالكة لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وللدول العظمى، وإلى تراجع متوقع لحرية التعبير بشكل متزايد.
وقارن "لوفينك" بين تطور الإنترنت مع ظهوره في تسعينيات القرن الماضي وبين الإنترت الحالي، ليؤكد أن تقنية الذكاء الاصطناعي تؤشر إلى مرحلة جديدة قد ينتهي فيها الإنترنت بمعناه التقليدي الحالي قريبا.
وستكون تطبيقات الذكاء الاصطناعي على الأرجح خاضعة لهيمنة عمالقة الربح الإلكتروني ولسيطرة متزايدة من الدول، وهو ما علق عليه "لوفينك" بقوله: "نحن جميعا عالقون، وكأننا سجناء طوعيون لهذا العالم، ومهما حاولنا مسح التطبيقات، فإن قوة الإغواء تعيد ربطنا بها، لنصبح مدمنين".
مزيدا من التسلط والهيمنة إذن، فماذا إن كانت الدول التي تطبق هذه التقنيات ذات سمعة استبدادية؟ هذا ما يحذر منه "لوفينك" من زاوية أخلاقية، فيما يحذر منه خبير صناعة تكنولوجيا المعلومات، "أشرف عطية"، من زاوية علمية.
ويوضح "عطية" أن خاصية "التعليم العميق"، التي تتسم تقنيات الآلات التكنولوجية، أصبحت من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تقدم الذكاء الاصطناعي على العقل البشري وتؤشر بتراجع قدراته، حسبما أوردت مجلة "عرب 48".
وإزاء ذلك، فإن العالم العربي ربما يكون مقبلا على مستقبل تسود فيه أوضاع اقتصادية واجتماعية بائسة للشعوب، مع ازدهار كبير في أدوات السيطرة والهيمنة الخاصة بالأنظمة الحاكمة.
تزداد هذه المخاوف مع تأكيد خبراء البرمجيات وجود خاصية تثبت تفوق الذكاء الاصطناعي على العقل البشري، تتعلق بالقدرات التعليمية للتقنيات الحديثة، حيث تقوم بتنفيذ أوامر العقل التي تطلب منه من خلال اللمس أو التحدث، كما أنها تستطيع تتبع أفكار الإنسان وقراءتها عبر اتصالها بالعقل لاسلكيًا، أو عبر الترددات الهوائية.
وإزاء ذلك، نشرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا توصيات لصناعة استراتيجيات ناجعة للذكاء الاصطناعي، ودعت إلى التركيز على "البعد الأخلاقي" له وللإرشادات التوجيهية للبرمجة المسؤولة، وإلى نشر الوعي بين السكان حول فوائد وتحديات الذكاء الاصطناعي. فهل تستجيب الدول العربية لتوصيات اللجنة؟
المصدر: الجزيرة