السعودية غير المرغوب فيها في عالم التكنولوجيا
لا تجري الرياح دوما كما تشتهي سفن أطماع ابن سلمان التي لا تنضب في عالم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، العالم الذي يستثمر فيه إرضاءً لهوسه الخاص به، من جهة، ولما تحمله من مردود مادي ضخم ومضمون في زمن الطفرة الالكترونية، من جهة ثانية.
Table of Contents (Show / Hide)
قامت مؤخراً شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة “أنثروبتيك”، التي تستثمر فيها أمازون 4 مليارات دولار، بعرض حصة فيها للشراء أمام المستثمرين وصناديق الثروة السيادية، بقيمة مليار دولار، فتقدم صندوق الاستثمارات العامة السعودي وعرض نفسه كمستثمر محتمل، قبل أن تستبعده شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة من المنافسة.
ووفقاً للمصرفيين الذين سرّبوا الخبر، فإن صندوق الاستثمارات العامة السعودي هي الجهة الوحيدة التي تم استبعادها وذلك لأسباب “الأمن القومي” وتخوفا من سجل “السعودية” السيء في مجال حقوق الإنسان.
يمكن أن تكون مخاوف الأمن القومي الخاصة بالشركة تتعلق بإشكالية التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، وهي البرامج أو التكنولوجيا التي يمكن استخدامها للتطبيقات المدنية والعسكرية في آن. وهذا مجال تركيز ملحوظ للجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (CFIUS)، التي يمكنها منع الاستثمارات الأجنبية – وهي السعودية في هذا الإطار- من مصادر معينة في مناطق معينة، وهو ما ينطبق على حالة “السعودية” في تقاربها المزمع مع الصين.
في السياق، كانت قد كشفت “فايننشال تايمز” في وقت سابق من العام، نقلا عن أحد رواد الأعمال في مجال الذكاء الاصطناعي إن الشركات الأمريكية قد تكون حذرة من العمل مع السعودية، خوفًا من التوبيخ من واشنطن، أو الإذعان للمطالب السياسية بفرض الرقابة على نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية لإزالة أي محتوى ينتقد محمد بن سلمان.
هذا وبعد خطوات التعاون المتشعبة بين “السعودية” والصين، فإن مخاطر إضافية تتعرض لها فرص الأولى بتوسيع “طموحاتها”، فغن هذا التعاون بحد ذاته يضع نقطة سوداء لها في السجلّ الغربي. وفقا لكريس فاسالو، الباحث في مركز التحليل الصيني التابع لمعهد سياسات المجتمع الآسيوي، إن “هناك قلق من أن التعاون مع الباحثين الصينيين قد يؤدي إلى بعض القيود الأمريكية على تصدير الرقائق المتقدمة لدعم المشاريع هناك”.
وأهم ما تكسبه “ألسعودية” في تعاونها مع الصين في مجال الذكاء الاصطناعي، يكمن في الهامش الكبير الذي تؤمنه الصين لشركائها من نقل التجارب والتدريب واستعدادها لتسليم ملكية فكرية قيمة، وهو عكس حال أميركا والدول الأوروبية التي تمنع منعا باتا من نقل الملكية الفكرية إلى دول خارجية. فالسعودية تسمح للصين بالوصول إلى أسواقها مقابل حصولها من الأخيرة على الخبرات الفنية.
وقال كريس فاسالو، الباحث في مركز التحليل الصيني التابع لمعهد سياسات المجتمع الآسيوي، للفايننشال تايمز “هناك دافع خفي لزيادة العلاقة الاستثمارية بين الصين والمملكة العربية السعودية، ربما تكون المملكة تجلس على كومة كبيرة من العملة الصينية التي جنتها من بيع النفط إلى الصين، وإحدى طرق صرف هذا المال هي الإنفاق على السلع والخدمات الصينية”.
40 مليار دولار على الطاولة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي!
إلى جانب ذلك، كشفت “نيويورك تايمز” قبل أيام عن تخطيط “الحكومة السعودية” لإنشاء صندوق بقيمة حوالي 40 مليار دولار للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، وفقًا لثلاثة أشخاص مطلعين على الخطط، وهي أحدث علامة على اندفاع البلاد إلى زيادة استثمارها في هذا المجال وفقا لتقدير الصحيفة.
كما نقلت أنه وفي الأسابيع الأخيرة، ناقش ممثلو صندوق الاستثمار العام السعودي شراكة محتملة مع شركة أندريسن هورويتز، إحدى أكبر شركات رأس المال الاستثماري في وادي السيليكون، وممولين آخرين، حسبما قال الأشخاص، الذين لم يُسمح لهم بالتحدث علنًا، وحذروا من أن الخطط لا تزال قابلة للتغيير. واضعة هذه المساعي ضمن غاية أوسع نطاقا تتمثل في ترسيخ نفسها كلاعب أكثر تأثيرًا في الجغرافيا السياسية، التي تحاول تحقيقها من خلال صندوق ثروتها السيادية، الذي يمتلك أصولًا تزيد عن 900 مليار دولار.
وتلفت نيويورك تايمز إلى أن هدف الأربعين مليار دولار من شأنه أن يتضاءل أمام المبالغ النموذجية التي تجمعها شركات رأس المال الاستثماري الأمريكية ولن يتفوق عليها سوى مجموعة سوفت بنك اليابانية التي كانت منذ فترة طويلة أكبر مستثمر في العالم في الشركات الناشئة. مشيرة إلى أن صندوق التكنولوجيا السعودي، الذي يتم إنشاؤه بمساعدة بنوك وول ستريت، سيكون أحدث الوافدين المحتملين إلى مجال مليء بالفعل بالأموال.
كما ذكر ممثلون سعوديون للشركاء المحتملين أن البلاد تتطلع إلى دعم مجموعة من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك صانعي الرقائق ومراكز البيانات الباهظة الثمن والواسعة التي تعتبر ضرورية بشكل متزايد لتشغيل الجيل القادم من الحوسبة، حتى أنها فكرت في إنشاء نظام ذكاء اصطناعي خاص بها، وفقًا لما ذكرته صحيفة “ديلي ميل” البريطانية نقلا عن أربعة أشخاص على علم بتلك الجهود، ولم يُسمح لهم بالتحدث علنًا. وهو الأمر الذي فشل معها في شركة “أنثروباتيك” التي استبعدتها من المنافسة.
وقال اثنان من الأشخاص المطلعين على الأمر، إن الدفعة الاستثمارية السعودية الجديدة من المرجح أن تنطلق في النصف الثاني من عام 2024. ويمكن لصندوق بقيمة 40 مليار دولار أن يجعل كلاً من “حكومة” السعودية وأندريسن هورويتز لاعبين رئيسيين في السباقات لمحاصرة مختلف الشركات ذات الصلة بهذا المجال.
وقال أحد الأشخاص المطلعين على المحادثات إن هورويتز وياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات العامة، ناقشا إمكانية قيام شركة وادي السيليكون بإنشاء مكتب في الرياض.
وفي سردها لخطوات السعودية الفاشلة في هذا الحقل، تقول الصحيفة أن البلاد ضخت 3.5 مليار دولار في أوبر في عام 2016، قد كافحت إلى حد كبير مع الاستثمار في التكنولوجيا. وسلمت 45 مليار دولار إلى SoftBank لصالح صندوق Vision التابع للشركة اليابانية بقيمة 100 مليار دولار، والذي تم توجيهه إلى عشرات الشركات بما في ذلك شركة WeWork العقارية المفلسة الآن وغيرها من الشركات الناشئة الفاشلة، مثل شركة Zume الآلية لصناعة البيتزا.
في عام 2018، بينما أصبحت السعودية “وجهة رئيسية” لشركات الاستثمار ورجال الأعمال الذين يسعون للحصول على دعم مالي، نفذ “النظام” السعودي جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية البلاد في إسطنبول، الأمر ألحق الضرر بسمعة البلاد بين الممولين الدوليين الذين تراجعوا عن اندفاعهم في الاستثمار.
في عام 2022، استثمرت “الحكومة” السعودية المليارات في شركة يديرها صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، جاريد كوشنر، من بين آخرين، وهو ما اعتبره الكثيرون خطوة سياسية. إلى جانب ذلك، فقد أثارت إحدى صفقاتها الأخيرة لدمج شركة LIV Golf الناشئة مع جولة PGA غضب لاعبي الغولف، لكن الاتفاقية مثيرة للجدل أيضًا جزئيًا بسبب سجل السعودية في مجال حقوق الإنسان.
ولا يمكن فصل “صعود المملكة” في ميدان التكنلوجيا عن سواها من المجالات من الرياضة، إلى الفن والسجاد الأحمر، مرورا بالمشاريع العمرانية “التنموية” بما فيها من خيال وتهجير أصحاب الأرض وسرقة المال العام وإفقار الشعب، يأتي الاستثمار في الترويج والغسيل التكنولوجي بابا مستحدثا في سُلّم المشاريع والمتابعات السعودية لاعتلاء “العرش”، وسحب البساط من تحت عتبة “دبي”، لما تمثله من مركز استثماري وتجاري في الشرق الأوسط.
وأتى ما يُعرق بمؤتمر “ليب” قبل أسابيع، في وقت تصعّد فيه مملكة الموت من سياسة التتبع والملاحقة بحق أصحاب الرأي والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وبما أننا أمام التجمع لتكنولوجي الرقمي الأكبر لخبراء العالم في البيانات والذكاء الاصطناعي في “السعودية”، ما يعني أننا أمام خطر ارتفاع مخاطر استخدام الرياض لبرامج الأمن السيبراني لغايات التجسس والتضييق على المواطنين.
هذا فضلا عن ما مثله المؤتمر من مساحة لتعزيز التعاون الأمني، القائم أصلاً، مع الشركات التقنية الإسرائيلية. ففي حزيران/يونيو 2021، كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية أنّ شركة “كوا دريم” تُقدم خدمات سايبر هجومية للنظام السعودي، وهي واحدة من شركات السايبر الهجومية الإسرائيلية التي تعاقد معها النظام السعودي. ونقلت الصحيفة عن مصدر قوله، إنه “بين زبائن كوا دريم أجهزة إنفاذ القانون وحكومات في عدة دول شرعية في الغرب، ولكنْ، هناك آخرون”.
وتابعت الصحيفة، أن “كوا ريم” زوّدت خدماتها للحكومة السعودية منذ العام 2019، “وتكنولوجيتها معروفة لجهات أمنية تعتبر موالية لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان” وفي تموز/يوليو 2021، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أنّ وزارة الأمن الإسرائيلية، أصدرت تصاريح تصدير رسمية لأربع شركات تعمل في مجال البرمجة والهايتك الإسرائيلية، من بينها شركة “كوا دريم” لبيع برمجياتها الخاصة بالتجسس والقرصنة، للسلطات في السعودية. وذكرت أنه “منذ العام 2017 دخل إلى السعودية العشرات من الإسرائيليين الضالعين في الشأن الاستخباراتي، ومعظمهم من وحدات سيبرانية”.
المصدر: مرآة الجزيرة