محرروها تعرضوا للتحقيق والإقالة.. تقرير عن ارتفاع أسعار البنزين بالإمارات يتسبب في إغلاق صحيفة
تسبَّب تقرير نُشر في صحيفة محلية في الإمارات، عن ارتفاع أسعار الوقود في البلاد، في إقالة العشرات من الموظفين بعد التحقيق معهم، في خطوة انتهت بإعلان إغلاق الصحيفة.
Table of Contents (Show / Hide)
بحسب وكالة Bloomberg الأمريكية، فقد اتفق محررو الصحيفة على أنه من الآمن نشر تقرير عن ارتفاع أسعار الوقود في البلاد، لكن التقرير أثار عاصفةً داخل مقر صحيفة الرؤية في دبي.
من جانبها، قالت الشركة العالمية للاستثمارات الإعلامية، الجهة الناشرة للصحيفة ومقرها في أبوظبي، إن صحيفة الرؤية لم تغلق، ولكنها تحولت لتصبح المنفذ الإعلامي الجديد المهتم بالأعمال والناطق بالعربية لشبكة CNN الأمريكية.
لكن ثمانية أشخاص مطلعين على حملة الإقالات الجماعية في الصحيفة أفادوا لوكالة Associated Press الأمريكية بأن تسريح الموظفين جاء فورياً في أعقاب مقالٍ نُشِرَ عن أسعار البنزين داخل الإمارات.
أدلى الأشخاص المطلعون بشهاداتهم، شرط عدم الكشف عن هويتهم، لخوفهم من الانتقام.
تكشف شهاداتهم عن القيود المفروضة على حرية التعبير داخل الدولة التي تتحكم في وسائل إعلامها المحلية بشكلٍ صارم. وتُعتبر "الرقابة الذاتية" فكرةً منتشرة وسط الصحفيين في المنافذ الإعلامية الإماراتية، الذين يُنتظر منهم توفير سيل من الأخبار الجيدة داخل الإمارات، حيث تُروِّج الدولة لنفسها باعتبارها وجهةً عالمية لجذب السياح، والمستثمرين، والشركات الإعلامية الغربية.
إذ قالت كاثرين غروثي، محللة أبحاث الشرق الأوسط في منظمة Freedom House: "تروج الإمارات لنفسها باعتبارها ليبراليةً ومنفتحةً على الشركات، بينما تواصل قمعها في الوقت ذاته، حيث تنتشر الرقابة على الإنترنت وفي أرض الواقع… ما يُقيّد مساحة العمل المتاحة أمام الصحفيين".
يُذكر أن الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، الملياردير وشقيق رئيس الإمارات، هو مالك الشركة العالمية للاستثمارات الإعلامية. كما يمتلك الشيخ منصور نادي مانشستر سيتي الإنجليزي لكرة القدم أيضاً.
وتمتلك الشركة العالمية كذلك مجموعةً من المنافذ الإعلامية الكبيرة مثل صحيفة The National الإماراتية، الناطقة بالإنجليزية، وقناة سكاي نيوز عربية، ولديها حصة أقلية في شبكة "Euronews"، بحسب موقع الشركة.
التقرير الذي أحدث البلبة
ونُشِرَ الخبر الذي يقول موظفو الصحيفة إنه كان السبب في اندلاع الأزمة مطلع الصيف، عندما كان ارتفاع الأسعار هو الشغل الشاغل للبلاد؛ إذ ألغت الإمارات المنتجة للنفط دعم الوقود تدريجياً، بعكس جيرانها، وشعر المواطنون بلسعة الهجوم الروسي على أوكرانيا التي أدت لارتفاع أسعار النفط، بعد أن كانوا معتادين على البنزين الرخيص وحياة الرفاهية.
حينها أجرت صحيفة الرؤية عدة مقابلات مع إماراتيين بدأوا في اتباع مجموعة من التدابير لتوفير التكلفة. وقال بعض المواطنين القاطنين قرب الحدود مع عمان إن السائقين أصبحوا يدفعون تكلفةً أغلى بمقدار النصف مقابل الوقود داخل الإمارات، بعد رفع الدعم الحكومي.
أفادوا لصحيفة الرؤية بأنهم يعبرون الحدود إلى سلطنة عمان من أجل تعبئة سياراتهم بالوقود، كما أشار التقرير إلى أن بعضهم قام بتركيب خزانات وقود إضافية على مركبته.
انتشر التقرير كالنار في الهشيم على الشبكات الاجتماعية، في الثاني من يونيو/حزيران 2022، وخاصةً واقعة عبور الحدود للتزود بالوقود، لكن التقرير حُذِفَ من موقع الصحيفة في غضون ساعات، ولم يصل إلى مرحلة الطباعة على صفحات الجريدة مطلقاً.
جرى بعدها استدعاء عدد من الموظفين المشاركين في التقرير إلى المكتب بعد عدة أيام، وتم إيقافهم عن العمل، وتعرضوا لاستجواب مكثف على يد ممثلي الشركة العالمية وصحيفة الرؤية، وأحد المحامين حول كل خطوة وكل شخص شارك في إنشاء وتحرير ونشر هذا التقرير، بحسب الأشخاص المطلعين على الأحداث.
حصل الموظفون بعد أسبوع على فرصة الاختيار بين الاستقالة والحصول على مزايا إضافية، وبين الفصل ومواجهة التداعيات المحتملة. وتعهد من وقعوا على أوراق استقالتهم بعدم الكشف عن أسباب فصلهم أو انتقاد جهة النشر، وذلك وفقاً لنسخة من هذه الرسائل اطَّلعت عليها وكالة Associated Press.
ضمَّت قائمة الثمانية الذين أُجبِروا على الاستقالة مجموعةً من كبار المحررين، فانهارت المعنويات داخل الصحيفة.
بعد أكثر من أسبوع وصل الرئيس التنفيذي للشركة العالمية نارت بوران إلى مقر غرفة الأخبار في الصحيفة لإجراء اجتماع شامل.
أعلن بوران خلال الاجتماع عن حل صحيفة الرؤية وإطلاق المنفذ الإعلامي المهتم بالأعمال بالتعاون مع CNN. وخسر 35 موظفاً على الأقل وظائفهم في يوم واحد وفقاً للمطلعين، لكن البعض تحدثوا عن تسريح العشرات أيضاً بمكافأة نهاية الخدمة.
تُشير الحسابات الشخصية على موقع LinkedIn للتوظيف إلى أن عدد العاملين في صحيفة الرؤية كان يبلغ نحو 90 شخصاً، فيما قالت كاثرين: "تبدو قضية صحيفة الرؤية جزءاً لا يتجزأ من بيئة القمع العامة، ولا شك أن تأثيرها مرعب".
ربما يتمتع بعض الصحفيين الأجانب بأمان العودة إلى أوطانهم التي تدعم حرية التعبير، لكن الصحفيين العرب الذين يشكلون عماد الإعلام المحلي في البلاد يعيشون في قلق يهدد إقامتهم المرتبطة بوظائفهم.
من جانبه، قال محمد الحمادي، رئيس جمعية الصحفيين الإماراتيين المدعومة من الدولة، إن الجمعية "وفرت الدعم اللازم" للصحفيين المفصولين وتدعم تبرير الشركة العالمية لأسباب الإقالة.
يمكن القول إن هذه الاضطرابات أعادت للذاكرة حلقات درامية أخرى هزت الصحافة المحلية الإماراتية في السنوات الأخيرة، حيث حظرت الحكومة نشر مجلة Arabian Business بشكل مؤقت عام 2017، بعد إعدادها لتقرير عن تصفية محاكم دبي للعشرات من المشروعات العقارية الفاشلة نتيجة الأزمة المالية العالمية عام 2009.
إذ أدى الانكماش الاقتصادي آنذاك لانتشار الكثير من عناوين الأخبار السلبية عن أزمة الدين في دبي، ما دفع بالإمارات لتشديد قوانين الإعلام. ثم بلغ قمع البلاد للمعارضة عبر الإنترنت ذروته في أعقاب ثورات الربيع العربي عام 2011، التي أشعلها الاستياء الاقتصادي في المقام الأول.
المصدر: عربي بوست