هذه ثماره للبلدين والمنطقة.. التطبيع الإيراني السعودي يلوح في الأفق
بالرغم من تعدد أبعاد الصراع بين إيران والسعودية وتجذره على مدار عقود منذ بداية الثورة الإسلامية في طهران عام 1979، إلا أن الزمن يتغير، ويبدو أن كلا القوتين الشيعية والسنية تسعيان مؤخرا للتغلب على كافة خلافاتهما، بينما يلوح تطبيع غير مسبوق بالأفق.
Table of Contents (Show / Hide)
جاء ذلك وفق تحليل أورده موقع أوراسيا ريفيو، للكاتبة الكرواتية ماتيا جيريتش، وترجمه الخليج الجديد، والذي استعرضت فيه العديد من الملاحظات على اقتراب المصالحة الإيرانية السعودية وثمارها لكل من طهران والرياض اللتان لا تجمعها علاقات دبلوماسية رسمية منذ أوائل يناير/كانون ثان 2016.
وأوضحت الكاتبة أن التوترات الحالية بين الولايات المتحدة والسعودية يمنح الأخيرة الفرصة للبحث عن شركاء في مكان آخر بما في ذلك في طهران.
وذكرت أنه حتى وقت قريب، كان السؤال المطروح هو متى ستسير السعودية على درب الإمارات والبحرين وتوقع اتفاقية تطبيع مع إسرائيل؟ ومع ذلك، يبدو أن التطبيع السعودي الإسرائيلي لم يعد محتملا لا سيما مع وصول حكومة من اليمين المتطرف في تل أبيب برئاسة بنيامين نتنياهو، بل في المقابل يعد ذلك دافعا إضافيا للرياض لتسحين علاقاتها مع طهران.
وأشارت الكاتبة إلى أنه مع انحسار الحروب في سوريا واليمن وليبيا، يمكن القول إن حقبة جديدة بدأت بين الرياض وطهران، إذ أجرت البلدين بوساطة عراقية 5 جولات متتالية من المفاوضات منذ أبريل/ نيسان 2021.
في أبريل/نيسان الماضي، عقدت الجولة الخامسة من المفاوضات، وأعقب ذلك إعلان وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، في 23 يوليو/ تموز 2022، رغبة بلاده في استضافة اجتماع عام بين وزيري خارجية المملكة العربية السعودية وإيران.
وفي غضون ذلك، رفضت السعودية حتى الآن اتخاذ موقف رسمي من الاحتجاجات المناهضة للحكومة في إيران. واستغرق الأمر من المسؤولين أكثر من شهر للتعليق على الاحتجاجات في 19 أكتوبر/ تشرين أول الماضي عبر وزير خارجيتها فيصل بن فرحان الذي قال إن المملكة لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، معقبا: "نتمنى لإيران وشعبها كل التوفيق".
في 21 ديسمبر/كانون أول الماضي، كشف وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أن نظيره السعودي، أبلغه بـ "استعداد المملكة لمواصلة الحوار مع إيران".
وفي يناير/كانون ثان كشف مساعد وزير الخارجية الإيراني علي رضا عنياتي عن توقيع بلاده اتفاقيات أمنية مع بعض دول الجوار، بينها السعودية، مشيرًا إلى أن يد طهران المصالحة تمتد إلى الرياض.
في 23 يناير/كانون ثان، رحبت وزارة الخارجية الإيرانية بالموقف السعودي "الإيجابي" تجاه إعادة العلاقات مع طهران.
ومؤخرا، صرح وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، بأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، دعا كبار المسؤولين العراقيين لترتيب لقاء مباشرا بين وزيري خارجية إيران والسعودية في إطار الجهود الدبلوماسية لحل العلاقات المجمدة.
وبحسب حسين، فإن العراقيين سيعلنون نتائج المحادثات الخاصة، كما سيعقد اجتماع علني لوزيري الخارجية السعودي والإيراني.
وبناءً على ذلك، يمكن ملاحظة أنه بسبب الجولة السادسة التي ستعقد في المستقبل القريب، هناك أمل في استعادة العلاقات وإعادة فتح السفارات بين السعودية وإيران.
ووفق الكاتبة، فإن الأوقات الصعبة التي تمر بها إيران في الوقت الحالي تتزامن مع لهجة تصالحية من قبل السعوديون، الذين يركزون بشكل أساسي على تنمية بلادهم وتحقيق رؤية 2030 ولا يريدون الدخول في علاقات حربية مع جيرانهم.
وعقبت الكاتبة أن هذه فرصة يجب أن تنتهزها إيران. حيث يمكن تحسين العلاقات بنفس الطريقة التي حسّنت بها إيران علاقاتها مع تركيا، على الرغم من كونهما على طرفي نقيض في كل صراع إقليمي، سواء في العراق أو سوريا.
فوائد التطبيع لإيران
ورأت الكاتبة أن التطبيع مع السعودية يوفر فرصا عظيمة لإيران، حيث سيؤدى إلى تغيير سياستها تجاه اليمن ولبنان؛ ما سيعمل على تحسين علاقتها مع جيرانها وإضافة إلى ذلك تحسين مكانتها على المسرح العالمي وهو أمر تحتاجه الدولة الفارسية بشكل ماس لتحسين وضعها الاقتصادي الصعب.
ووفقا لذلك، يجب على الإيرانيين العمل مع السعوديين لحمل الحوثيين على العودة إلى مطالبهم الأولية وقبول نظام فيدرالي يضمن وحدة اليمن، مع ضمان حصولهم على التمثيل المناسب في مؤسسات الدولة.
وفي لبنان، يمكن لإيران العمل مع السعودية لتشكيل حكومة تكنوقراط يمكنها تنفيذ الإصلاحات اللازمة وتجنب القضايا السياسية الخلافية مثل قضية حزب الله.
ووفق الكاتبة، فإن الاحتجاجات في إيران والنبرة التصالحية للسعوديين تمثل فرصة لإيران لإجراء تحول في السياسة الخارجية من شأنه أن يعزز موقف النظام الداخلي دون تغيير سياسي كبير.
وذكرت أن الإيرانيين يحتاجون في الأساس إلى إصلاح سياستهم الخارجية من أجل الحفاظ على نظام الجمهورية الإسلامية.
مع بداية عام 2023، لدى إيران فرصة للانفتاح على جيرانها، سواء كانوا دولًا سنية أو إسرائيل أو قوى غربية. كخطوة أولى في تغيير سياستها، يجب أن تبدأ طهران في التعاون مع الرياض.
ورأت الكاتبة أن الوقت مثالي بالنسبة لإيران لتظهر للمجتمع الدولي وجيرانها أنها تستطيع العمل من أجل الاستقرار الإقليمي بينما تعمل أيضًا على الإصلاحات الاقتصادية لتلبية الاحتياجات اليومية لشعبها.
كما أن إعادة فتح المكاتب القنصلية ستسمح للمواطنين الإيرانيين الراغبين في أداء فريضة الحج إلى مكة والمدينة للقيام بذلك.
مزايا التطبيع للسعودية
ورأت الكاتبة أن ثمة مزايا كبيرة لإبرام تطبيع مع إيران بالنسبة للسعودية، حيث ستؤدي الخطوة إلى تحسين مكانة المملكة الدولية من خلال إبرام اتفاق السلام اليمني مع الإيرانيين.
كما تريد الرياض أن تلعب دورًا في العراق، البلد الذي تتمتع فيه إيران بنفوذ كبير بسبب عدد سكانها الشيعة الكبير. وهذا هو السبب في أن الحكومة العراقية أخذت زمام المبادرة في المصالحة بين إيران والسعودية.
وإذا تصالحت الرياض وطهران، فسيؤدي ذلك إلى تهدئة العلاقات السنية الشيعية إلى حد كبير في العراق وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط.
في الآونة الأخيرة، تريد السلطات السعودية أن تنأى بنفسها، أو بمعني أخر تتحرر من تأثير الولايات المتحدة، وهو أمر واضح في ضوء العلاقات الودية الجيدة مع روسيا. ومن شان تحسين العلاقات مع إيران أن يمنح السعوديين مساحة أكبر للمناورة في الدبلوماسية والاقتصاد.
وخلصت الكاتبة أن اتفاقا مستداما على تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية، بدرجة عالية من الوضوح والالتزام، من شأنه أن يحل العديد من المشاكل الأمنية والسياسية القائمة في منطقة الشرق الأوسط (غرب آسيا) ويحد من التنافس بين الدولتين. وبدلاً من الحروب بالوكالة، يجب أن يتنافس الإيرانيون والسعوديون في مجالات أخرى مثل التنمية المستدامة والاقتصاد.
ماتيا جيريتش / أوراسيا ريفيو