تعديلات القضاء تمزق إسرائيل.. أخطر أزمة منذ حرب 73
الاحتجاجات الشعبية الحاشدة والاستقطاب السياسي الحاد في إسرائيل بلغت ذروة جديدة خلال الساعات الأخيرة إثر قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إقالة وزير الدفاع يوآف جالانت بعد دعوته إلى وقف تمرير خطة "إصلاح القضاء" المثيرة للجدل.
Table of Contents (Show / Hide)
وتتشبث الحكومة، التي تتولى السلطة منذ 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بتمرير مشاريع قوانين لـ"إصلاح القضاء" تقول المعارضة إنها تمثل "بداية النهاية للديمقراطية"، فيما يردّد نتنياهو أنها تهدف إلى "إعادة التوازن بين السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية) الذي انتُهك خلال العقدين الأخيرين".
وتلك الخطة، التي يناقشها الكنيست (البرلمان) منذ فترة، تتضمن تعديلات تحدّ من سلطات المحكمة العليا (أعلى سلطة قضائية)، وتمنح الحكومة سيطرة على تعيين القضاة، ولذلك تعتبرها المعارضة "انقلابا قضائيا".
وتجاهلت حكومة نتنياهو التي توصف بأنها "الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل"، مبادرة طرحها رئيس البلاد إسحاق هرتسوج، وهو منصب شرفي، أوائل مارس/آذار الجاري بدعوته قادة الائتلاف الحاكم والمعارضة إلى حوار للتوصل إلى حلول، وسط تحذيرات من هروب استثمارات من إسرائيل.
ويسعى نتنياهو إلى تمرير مشاريع قوانين "إصلاح القضاء" بالقراءات الثلاث في الكنيست قبل انتهاء الدورة البرلمانية الشتوية في 2 أبريل/نيسان المقبل، ويجب أن تحظى بدعم أغلبية 61 عضوا من أصل 120 في البرلمان؛ لأنها تخص تغيير "قوانين أساس" (بمثابة دستور).
وبالفعل يمتلك الائتلاف الحاكم 67 مقعدا، وبجانب "الليكود" (32 مقعدا) يضم الائتلاف أحزاب: "شاس" (11) و"يهدوت هتوراه" (7) الدينيان، و"الصهيونية الدينية" (7)، و"قوة يهودية" (6)، و"نوعم" (مقعد واحد).
إقالة جالانت
ومساء الأحد، تفجرت الساحة السياسية والشوراع بإعلان نتنياهو، عقب اجتماع لقائدة الائتلاف الحاكم، إقالة وزير الدفاع، غداة دعوته إلى وقف خطة القضاء، باعتبارها "تسببت بانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي".
ومحذرا من "خطر مباشر وملموس على أمن الدولة"، قال جالانت إن "الاحتجاجات التي خرجت على مستوى إسرائيل ضد التعديلات، وانضم إليها عدد متزايد من جنود الاحتياط، تؤثر على عمل القوات النظامية وتهدد الأمن القومي".
ونفى مكتب وزير الدفاع المُقال صحة ما تداولته وسائل إعلام إسرائيلية عن اعتزام جالانت الاستئناف على قرار إقالته.
فيما قطع مدير عام وزارة الدفاع إيال زامير زيارته للولايات المتحدة وقرر العودة إلى تل أبيب، لمتابعة الموقف الأمني في البلاد بعد الاحتجاجات على إقالة جالانت، وفقا لإذاعة الجيش الإسرائيلي.
وعلى خلفية الإقالة، يعقد رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يولي أدلشتاين اجتماعا الإثنين.
خط أحمر
وعبر بيان مشترك، قال قادة المعارضة إن "نتنياهو "تجاوز خطا أحمر بإقالته وزير الدفاع، ولا يمكن أن يكون أمننا ورقة في اللعبة السياسية"، ودعوا نواب حزب "الليكود" إلى عدم قبول منصب وزير الدفاع.
واعتبر زعيم المعارضة يائير لابيد أن إقالة جالانت "لمجرد تحذيره من تهديد يمس أمن إسرائيل، هو تدنٍ جديد لحكومة معادية للصهيونية تمس بالأمن القومي وتتجاهل تحذير جميع المسؤولين الأمنيين".
ومعتبرا أن "رئيس وزراء إسرائيل خطر على أمن الدولة"، أردف لابيد: "نتنياهو يمكنه إقالة جالانت، لكنه لا يستطيع إخفاء الواقع، كما لا يمكنه طرد شعب إسرائيل الذي يقف في وجه جنون الائتلاف الحكومي".
فيما اعتبر رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت أن "إسرائيل في أخطر نقطة على وجودها منذ حرب عام 73 (انتصرت فيها دول عربية بينها مصر وسوريا على إسرائيل) هذا المساء"، داعيا نتنياهو إلى وقف التشريعات فورا.
كما حذرت زعيمة حزب العمل ميراف ميخائيلي من أن "نتنياهو يشكل خطرا على إسرائيل الآن أكثر من أي وقت مضى".
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بيني جانتس: "ندعم جالانت، ونتنياهو يضع نفسه فوق الأمن".
كما نقلت القناة "12" الإسرائيلية عن أعضاء في الائتلاف الحكومي قولهم: "إننا في صدمة ورئيس الوزراء أخطأ"، في حين قال مسؤول كبير في "الليكود" إن "نتنياهو فقد السيطرة".
فيما أعلن قنصل إسرائيل في نيويورك عساف زامير استقالته؛ احتجاجا على إقالة جالانت، مشددا على أنه لا يمكنه أن يخدم حكومة نتنياهو التي تواجه اتهامات بـ"تقويض الديمقراطية".
500 ألف محتج
وعلى نطاق أوسع، تأججت الاحتجاجات في إسرائيل رفضا لإقالة جالانت. وأغلقت حشود ضخمة غاضبة الطريق السريع الرئيسي في تل أبيب، وأشعلت مجموعة من المتظاهرين النار في وسطه، واخترق محتجون الحواجز الأمنية في محيط منزل نتنياهو في القدس محاولين اقتحامه، لكن الشرطة أبعدتهم باستخدام مدافع المياه.
وتجمع آلاف المحتجين حول المنزل وأشعلوا النار في إطارات مطاطية، فيما نصبت الشرطة حواجز لمنعهم من اقتحامه، وأخرجت وحدة الأمن 730 عائلة نتنياهو إلى مقر جهاز الأمن العام (الشاباك)، بحسب تقارير إسرائيلية.
إجمالا ودون تنسيق مسبق، اندفع ما لا يقل عن 500 ألف محتج إلى شوارع مدن مركزية، وأغلقوا شوارع رئيسية وجابوا المدن، للتعبير عن رفضهم لخطة نتنياهو، وفقا لتقديرات إعلامية إسرائيلية. ومنذ قرابة 12 أسبوعا، يتظاهر عشرات آلاف الإسرائيليين يوميا ضد خطة نتنياهو.
الجيش يتأهب
وبعد فقدان السيطرة داخل البلاد، أعلن الجيش الإسرائيلي مساء الأحد رفع حالة التأهب، وفقا للقناة "12". وأوضحت القناة أن إعلان الجيش حالة التأهب جاء بعد خروج مئات الآلاف للتظاهر ضد حكومة نتنياهو.
فيما ذكرت قناة "كان" الرسمية أن قائد الشرطة أمر بتعزيز القوات في جميع المستوطنات، مشددا على "اعتقال المتظاهرين فقط في حالات العنف الشديد والتخريب".
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن المتحدث السابق باسم الجيش آفي بنياهو قوله إن "هذه هي أحلك أمسية في تاريخ إسرائيل.. نتنياهو أنهى حياته السياسية الليلة".
إضرابات عن العمل والطعام
الرفض لخطة نتنياهو امتد إلى الجامعات، ففي ختام اجتماع عقده رؤساء الجامعات، تقرر "توقف الجامعات عن الدراسة" بداية من صباح الإثنين حتى موعد غير محدد"، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية.
وقال رؤساء الجامعات، في بيان: "سنوقف الدراسة في جميع الجامعات على خلفية استمرار العملية التشريعية التي تقوض أسس الديمقراطية الإسرائيلية وتعرض استمرارها للخطر".
كما قرر اتحاد نقابات العمال الإسرائيلي (الهستدروت) الانضمام إلى الحركة الاحتجاجية المتصاعدة على خطة نتنياهو، وذلك في ظل توقعات بأن يتم الإعلان عن تعطيل الاقتصاد الإسرائيلي.
وأعلن اتحاد السلطات المحلية، الذي يضم جميع البلديات والمجالس المحلية، استعداده للمشاركة في إضراب عام لوح به اتحاد نقابات العمال، وفقا لصحيفة "هآرتس" التي وصفت أحداث مساء الأحد بأنها "ليلة الفوضى".
كذلك أعلنت نقابة المحامين عن انضمامها إلى إضراب سيشمل المساعدين القانونيين للقضاة والمحامين العامين والمحامين في مختلف إدارات وزارة العدل.
فيما أعلن رئيس نقابة العمال في مطار بن جوريون بتل أبيب بينشاس إيدان عن وقف فوري للرحلات المغادرة ضمن الاحتجاج على خطة نتنياهو، بحسب هيئة البث الإسرائيلية (رسمية).
ومطالبين بوقف الخطة لمنع "الكارثة التي تسير إسرائيل نحوها"، بدأ رؤساء بلديات بينها هرتسليا وكفار سابا (وسط) وزخرون يعقوف (شمال)، صباح الإثنين، إضرابا عن الطعام أمام مكتب نتنياهو في القدس الغربية، وفقا لبيان مشترك نشرته "يديعوت أحرونوت".
انقسام "الليكود"
الرفض للخطة المثيرة للجدل لم يقتصر على المعارضة، إذ يشهد حزب الليكود (يمين) بزعامة نتنياهو، انقساما بين مؤيد ومعارض لتلك الخطة.
وإلى جانب وزير الدفاع المقال جالانت يرفض الخطة من نواب "الليكود" كل من رئيس لجنة الأمن والخارجية في الكنيست يولي إدلشتاين، ووزير الزراعة آفي ديختر وديفيد بيتان وإيلي دلال.
وتوجد أصوات أخرى داخل "الليكود" ترى أنه من الأفضل وقف خطة نتنياهو بشأن القضاء، لكنها غير مستعدة للحديث علنا للإعلام، وفقا لصحيفة "إسرائيل اليوم".
ومتمسكا بإقالة جالانت والاستمرار في مشروع القضاء، قال نتنياهو مساء الأحد إنه "يجب أن نقف جميعا ضد من يتمردون على الحكم، وعلينا التصدي بقوة لعصيان الأوامر العسكرية".
لكن صباح الأحد، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر في مكتب نتنياهو لم تسمه قوله إن "رئيس الوزراء يعتزم الإعلان عن تعليق الإصلاحات القضائية". وعقب الإقالة، اعتبر وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير أنه "الآن بدأ الإصلاح".
قلق أمريكي
الوضع المأزوم في إسرائيل أثار قلق حليفتها الولايات المتحدة، إذ حذر البيت الأبيض من أن "ما يجري في إسرائيل ستكون له انعكاسات على جاهزية الجيش الإسرائيلي".
فيما قالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أدريان واتسن، في بيان الإثنين: "نشعر بقلق بالغ إزاء التطورات في إسرائيل اليوم والتي تشدد أكثر على الحاجة الملحة إلى التسوية".
وأضافت: "وعلى غرار ما ناقشه الرئيس (الأمريكي جو) بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مؤخرا، لطالما كانت القيم الديمقراطية السمة المميزة للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية ويجب أن تبقى كذلك".
وفي رفض مبطن لخطة نتنياهو، شددت واتسن على أن "المجتمعات الديمقراطية تتعزز عبر ضوابط وتوازنات وينبغي السعي إلى إجراء التغييرات الأساسية في النظام الديمقراطي بعد تأمين أوسع قاعدة ممكنة من الدعم الشعبي"، داعية قادة الإسرائيليين إلى "التوصل إلى تسوية في أسرع وقت ممكن".
ياسين مهداوي- الخليج الجديد