مشروع 2025.. مخطط لتنفيذ أجندة يمينية في عهد ترامب
خلال الأشهر الأولى من عام 2023، ظهر في الولايات المتحدة لأول مرة كتاب من 922 صفحة يضمّ مجموعة من المقترحات السياسية، شكّلت ما يسمّى بـ”مشروع 2025″ الذي عاد اليوم إلى الواجهة بقوة في خضمّ حملات انتخابات الرئاسة الأمريكية.
Table of Contents (Show / Hide)
فما حقيقة هذا المشروع المثير للجدل؟ وما الهدف منه؟ ومن يقف وراءه؟ وما التغييرات التي يريد إجراءها؟ وهل سيدمّر أمريكا فعلًا كما قال الرئيس الأمريكي جو بايدن؟
ماهية المشروع
“مشروع 2025” هو عبارة عن مقترحات سياسية وضعها مئات من السياسيين والباحثين المحافظين البارزين، بينهم 140 من أعضاء إدارة الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب، لتمكين إدارة جمهورية مستقبلية، وإطلاق يد الرئيس بالشقّ التنفيذي بالحكومة، وبالتالي تنفيذها في حال فوز ترامب في الانتخابات المقبلة في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم.
الكتاب من إعداد مؤسسة التراث الفكرية الأمريكية، وهي منظمة محافِظة عمرها 51 عامًا، وإحدى أكثر المنظمات اليمينية نفوذًا في واشنطن، وصاحبة فكرة المشروع المثير للجدل بالتعاون مع أكثر من 100 منظمة محافظة، بما في ذلك العديد من المنظمات التي سيكون لها تأثير كبير في واشنطن إذا استعاد الجمهوريون البيت الأبيض، وهي نفسها المؤسسة التي اعتادت اقتراح مخططات سياسية للإدارات الجمهورية منذ انتخاب الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان عام 1980، وحقق نصف توصياتها بحلول نهاية عامه الأول في منصبه.
استمرت المؤسسة في وضع مخططات للرؤساء المحافظين المحتملين في كل انتخابات منذ ذلك الحين، بما في ذلك انتخابات عام 2016 عندما فاز ترامب بالرئاسة، وبعد مرور عامين على ولايته تفاخرت بأن البيت الأبيض في عهد ترامب قد تبنّى ما يقرب من ثلثَي (64%) مقترحاتها، بدءًا من الانسحاب من اتفاقيات باريس للمناخ، وزيادة الإنفاق العسكري، وزيادة الحفر البحري وتطوير الأراضي الفدرالية، حسبما تشير شبكة “سي بي إس نيوز” الأمريكية.
تصوِّر مؤسسة التراث التي يقودها كيفين روبرتس، أحد القوى الدافعة وراء المشروع، وحليف ترامب الذي أشاد به، ووصفه بأنه “يقوم بعمل لا يصدق” في إحدى ليالي فبراير/ شباط الماضي، المشروعَ على أنه خطة شاملة تمكّن الرئيس الجمهوري من البدء في العمل بعد الانتخابات، وتتمثل إحدى أولوياتها في وضع خارطة طريق للأيام الـ 180 الأولى للإدارة الجديدة، لإعادة توجيه كل وكالة فدرالية بسرعة حول رؤيتها المحافظة.
المشروع المدعوم بميزانية قدرها 22 مليون دولار، يهدف وفق التقارير المعلنة إلى تقديم مجموعة من المقترحات السياسية المحافظة التي قد يتبناها ترامب في حالة وصوله إلى البيت الأبيض، وتتراوح من الشؤون الخارجية إلى التعليم، لكن اقتراح مؤسسة فكرية يمينية لفت الانتباه إلى بعض الاقتراحات المثيرة للجدل، خاصة بعد أن وسّع ترامب تقدمه في استطلاعات الرأي.
مخطط ينتظر عودة ترامب
المشروع الذي يتبقى شهور على تطبيقه المحتمل، يهدف إلى تجنيد وتدريب الآلاف من الأشخاص الموالين للحركة المحافظة لشغل مناصب حكومية اتحادية، حيث تقوم إحدى المنظمات التي تقدم المشورة للمشروع، وهي مؤسسة المساءلة الأمريكية (AAF)، بوضع قائمة بأسماء الموظفين الفدراليين الحاليين الذين تشتبه في أنهم قد يعيقون خطط ترامب لفترة ولاية ثانية، وتحصل على مبلغ 100 ألف دولار من مؤسسة التراث مقابل عملها.
كما يهدف المشروع إلى إحداث ثورة أو تغيير جذري في نظام الحكم الفدرالي في الولايات المتحدة، حيث يدعو إلى تطبيق حكم محافظ يطهّر الوكالات الفدرالية من النهج الليبرالي، وإلغاء الحماية الوظيفية لآلاف الموظفين أو الحكوميين في الوزارات السيادية مثل الدفاع والخارجية والعدل، واستبدالهم بموظفين محافظين وموالين للرئيس ترامب حال فوزه في الانتخابات.
والأهم من كل ذلك أن المشروع يدعو إلى تكريس صلاحيات الرئيس وتركيز السلطات كلها في يده، بما في ذلك الوكالات المستقلة مثل وزارة العدل، وهذه الفكرة المثيرة للجدل التي تعرَف باسم “النظرية التنفيذية الوحدوية” روّعت العديد من مسؤولي إنفاذ القانون، الذين يرون أنها ستقوّض قدرة الوزارة على إجراء تحقيقات دون تدخل سياسي.
ومن الناحية العملية، سيؤدي ذلك إلى تبسيط عملية صنع القرار، ما يسمح للرئيس بتنفيذ السياسات بشكل مباشر في عدد من المجالات، لكن قد يُسقط من سيعيّنهم ترامب في وزارة العدل بعد فوزه القضايا المرفوعة ضدّه، والتي تتهمه بالتآمر لقلب نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020، بالإضافة إلى إسقاط الملاحقات القضائية ضد قادة اليمين المتطرف.
وكانت القرارات الأخيرة للمحكمة العليا في الولايات المتحدة، والتي عززت حصانة الرؤساء من الملاحقة القضائية على الإجراءات التي يتخذونها أثناء وجودهم في مناصبهم، وقلّصت سلطة الوكالات الفدرالية، سببًا في زيادة المخاوف بين بعض معارضي ترامب من أن محاولات المشروع لزيادة السلطة الرئاسية ستكون خطيرة، كما زادت من قلق الديمقراطيين بشأن ما قد يحققه ترامب إذا عاد إلى البيت الأبيض.
وفي حين تركز الوثيقة إلى حدّ كبير على تفكيك “الدولة العميقة”، يهدف المشروع فيما يتعلق بالسياسة الخارجية إلى الانفصال النهائي عن إدارة بايدن، ويؤكد على معارضة الصين التي يصفها بأنها “الخطر الأكبر على أمن الأمريكيين وحرياتهم وازدهارهم”، ويوجّه الولايات المتحدة بتقليص برامج المساعدات الدولية والانسحاب من المنظمات الدولية عندما لا تخدم مصالح الإدارة، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية ومختلف المنظمات التابعة للأمم المتحدة.
ومن بين أمور أخرى، يقترح المشروع حظر المواد الإباحية، وإغلاق شركات التكنولوجيا والاتصالات التي تسمح بالوصول إليها، وقمع البرامج الرامية إلى تعزيز التنوع والمساواة والشمول في المدارس والإدارات الحكومية، والتي يقول المشروع إنها غير قانونية على نطاق واسع.
وتنعكس مقترحات المشروع على نطاق واسع في البرنامج الجمهوري، الذي يهدف بالإضافة إلى الدعوة إلى إلغاء وزارة التعليم، وإلى تعزيز اختيار المدارس والرقابة الأبوية على التعليم، وينتقد ما يسمّيه الحزب “التلقين السياسي غير المناسب للأطفال”.
وتتضمن المقترحات أيضًا حظر تطبيق تيك توك، وإصلاح “القسم 230” الذي يحمي شركات التكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي من المقاضاة بسبب المحتوى الموجود على منصاتها، والسماح بقوانين مثل تلك التي تمّ إقرارها في ولايات مثل فلوريدا وتكساس، والتي تسعى إلى معاقبة وسائل التواصل الاجتماعي الشركات التي تحظر أو تعلق المستخدمين بناءً على وجهات نظرهم.
كما تقترح وثائق المشروع خفض الأموال المخصصة للبحث والاستثمار في الطاقة المتجددة، وإلغاء شامل لأنظمة الحفاظ على البيئة، وتدعو الرئيس القادم إلى “وقف الحرب على النفط والغاز الطبيعي” مع اعتبار التغير المناخي خدعة، والتوسع في استخراج الوقود الأحفوري واستخدامه.
وفيما يتعلق بقضية الهجرة يدعو المشروع إلى إجراءات صارمة لتقييدها، وزيادة التمويل لبناء جدار على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، وهو أحد مقترحات ترامب في حملته الانتخابية لعام 2016، كما تشمل المقترحات الأخرى إلغاء التأشيرات التي تمنح الوضع القانوني لضحايا الجرائم والإتجار بالبشر، وزيادة الرسوم على المهاجرين والسماح بتقديم طلبات سريعة للمهاجرين الذين يدفعون رسومًا أكبر.
ويقترح المشروع أيضًا تفكيك وزارة الأمن الداخلي ودمجها مع وحدات إنفاذ قوانين الهجرة الأخرى في وكالات أخرى، ما يؤدي إلى إنشاء شرطة حدودية أكبر وأكثر قوة، ولم تتكرر كل هذه التفاصيل في البرنامج الجمهوري لكن العناوين العامة متشابهة، وتتمحور حول وعود الحزب بتنفيذ “أكبر برنامج ترحيل للمهاجرين في التاريخ الأمريكي”.
وتطرح وثيقة “مشروع 2025” رؤيتين منافستين بشأن التعريفات الجمركية، حيث تنقسم الآراء حول ما إذا كان على الرئيس المقبل تعزيز التجارة الحرة أو رفع الحواجز أمام الصادرات، ومع ذلك يشير المستشارون الاقتصاديون إلى أن إدارة ترامب الثانية يجب أن تخفض الضرائب على الشركات والدخل، وتلغي الاحتياطي الفدرالي لصالح الخدمات المصرفية الحرة، وتفكّر في العودة إلى العمل بالعملة المدعومة بالذهب.
وفيما يتصل بهذا الموضوع والعديد من المواضيع الأخرى، فإن “مشروع 2025” أكثر تفصيلًا، ويذهب إلى ما هو أبعد من البرنامج الجمهوري الرسمي، الذي يتحدث عن خفض التضخم والتنقيب عن النفط لخفض تكاليف الطاقة، لكنه ضعيف فيما يتصل بمقترحات سياسية محددة.
من يقف وراء المشروع؟
ما يطرحه المشروع أصبح مادة انتخابية استغلها الرئيس جو بايدن -الذي كان يطمح بالإطاحة بترامب لتعزيز فرصة الفوز بالانتخابات المقبلة قبل تنحيه عن المنافسة في السباق لصالح نائبته كامالا هاريس- للتحذير من وصول المعسكر اليميني المتجسّد في دونالد ترامب إلى السلطة، وتخويف الناخب المستقل من خطر ترامب الذي يقول إنه تبنى هذه السياسات ومستعدّ لتطبيق الأكثر تطرفًا منها، بحيث يغيّر وجه أمريكا للأبد.
ومع احتدام السباق إلى البيت الأبيض، راحت حملة بايدن تكثّف جهودها لحشد التعبئة ضد المشروع، وعكف بايدن ومعه مجموعة من المشرعين الديمقراطيين على دراسة المشروع في الأشهر الأخيرة لرفع مستوى الوعي به وتفنيده للناخبين، وتسليط الضوء على ما يمكن أن يحدث في حال فوز ترامب في الانتخابات، وإبراز أن الولايات المتحدة ستتحول إلى اليمين المتشدد إذا ما أصبح ترامب رئيسًا.
ولمنع غريمه من الوصول إلى البيت الأبيض، ولكي لا يتحول هذا الكتاب إلى بوصلة توجّه أمريكا مستقبلًا، قال بايدن إن “مشروع 2025 سيدمر أمريكا”، وأضاف في مناسبة أخرى: “هذا أكبر هجوم على نظام حكمنا وعلى حريتنا الشخصية في تاريخ هذا البلد، إنه كابوس، لم نرَ شيئًا شبيهًا بذلك من قبل، إنها ليست مزحة، حان الوقت لنتوقف عن التعامل مع السياسة وكأنها تليفزيون واقع ترفيهي، 4 سنوات من حكم ترامب أمر خطير للغاية، إنها مقترحات خطيرة وقاتلة”.
وفي يوليو/ تموز الجاري، أعلنت اللجنة الوطنية الديمقراطية عن خطط لوضع لوحات إعلانية تشير إلى “مشروع 2025” في 10 مدن، وأنشأت موقعًا إلكترونيًا يربط ترامب بالمشروع كمحاولة لحثّ الأمريكيين على تجنّب انتخابه خوفًا من تطبيق التوصيات التي يتضمنها المشروع المقترح، والتي أصبحت نقطة جذب لمعارضي ترامب، في الوقت الذي يسعون فيه إلى تسليط الضوء على ما يقولون إنها مخاطر استعادته للبيت الأبيض.
ونظرًا إلى أن عمر بايدن أصبح موضوعًا رئيسيًا في الانتخابات بشكل متزايد، أصدرت حملته الانتخابية قبل أيام قليلة من إعلانه الانسحاب من السباق الرئاسي، بيانًا شدد فيه الديمقراطيون على ضرورة أن يخيف المشروع كل أمريكي، لأنه سيمنح ترامب سلطة لا حدود لها على حياة الأمريكيين اليومية، وحذّر أتباع المعسكر الديمقراطي من أن “المشروع يمثل منصة الظل الخاصة بترامب، ويعكس أجندة حكمه لولاية ثانية” على حد وصف الديمقراطيين المعارضين للمشروع.
أما موقف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب العلني من المشروع، فيتمثل في التنصّل من المقترحات التي تنطوي على الكثير من المخاطر وفق وسائل إعلام أمريكية، والنأي بنفسه عن المشروع وعن التخطيط لثورة كثر الحديث عنها في الداخل الأمريكي، لكن اختياره لجيمس فانس كنائب له في حملته ونائب محتمل للرئيس الأمريكي القادم، أعاد ربطه بالمشروع لعلاقته الوثيقة بمؤسسة التراث والقائمين عليها.
كما أن عددًا من أقرب مستشاريه السياسيين وقادة موظفي ترامب السابقين في البيت الأبيض وأعضاء من حكومته منضمون إلى مؤسسة “التراث”، وبالتالي هم ضالعون في صياغة مقترحات تضمنها الكتاب بما في ذلك مدير “مشروع 2025” بول دانس، الذي كان رئيسًا للموظفين في مكتب إدارة شؤون الموظفين عندما كان ترامب رئيسًا، وكان المدير المساعد للمشروع سبنسر كريتيان مساعدًا خاصًّا سابقًا لترامب، ومديرًا مساعدًا للموظفين العاملين بالرئاسة، وفقًا لموقع المشروع على الإنترنت.
ووفقًا لوكالة “رويترز“، فإن عددًا من المشاركين في “الثورة المحتملة” عملوا في البيت الأبيض خلال رئاسة ترامب، بينهم مدير السياسات في لجنة برنامج المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري لعام 2024 روس فوت الذي كتب فصلًا رئيسيًا في الوثيقة، وكان مدير مكتب الإدارة والميزانية في إدارة ترامب، وهو ما ركزت عليه حملة جو بايدن في محاولة لاتهام ترامب بتنفيذ “سياسات متطرفة”.
ويضم الفريق الرئيسي وراء “مشروع 2025” أيضًا سلسلة من الشخصيات المحافظة مثل مستشار ترامب السابق ستيفن ميلر، مع فصول كتبها حلفاء ترامب مثل وزير الإسكان السابق بن كارسون، ونائب وزير الأمن الداخلي السابق كين كوتشينيللي، ومدير الحقوق المدنية السابق في وزارة الصحة والخدمات الإنسانية روجر سيفيرينو، والمدير السابق لوزير الأمن الداخلي السابق ومستشار ترامب بيتر نافارو، الذي دخل السجن في مارس/ آذار بتهمة ازدراء الكونغرس.
ومع ذلك، تنصّل ترامب من هذه الأسماء، ونشر على منصته الاجتماعية Truth Social، فى أوائل هذا الشهر، قائلًا إنه “لا يعرف شيئًا عن المشروع، وليس لديه أي فكرة عمّن يقف وراء ذلك”، مضيفًا أنه لا يتفق مع بعض الأشياء التي يقولها مقترحو المشروع، وأن بعض الاقتراحات التي كشفوا عنها “سخيفة للغاية”.
في تسجيل صوتي جديد، اعترف قائد “مشروع 2025” كيفين روبرتس بكذب ترامب بشأن عدم مشاركته في الخطة، مشيرًا إلى “اتخاذ ترامب قرار سياسي تكتيكي” بالهروب علنًا من أهداف المشروع، وأدلى بتصريحات مماثلة أكّد فيها أن ترامب هو “حامل لواء مؤسسة التراث”، وأنه “إذا كنت تترشح للرئاسة وتحاول الفوز فمن المنطقي ألا توجد مشاعر سلبية من جانبنا في مشروع 2025”.
وعلى النقيض من تنصّل ترامب، هناك اتفاق كبير بين أجزاء كثيرة من البرنامج الرسمي للحزب الجمهوري و”مشروع 2025″، رغم أن وثيقة مؤسسة التراث أكثر تفصيلًا في بعض مجالات السياسة، وتذهب أبعد بكثير من الخط العام للحزب.
على سبيل المثال، يتضمن برنامج الحزب الجمهوري اقتراحًا بـ”رفع السرية عن السجلّات الحكومية واجتثاث المخطئين وطرد الموظفين الفاسدين”، وتعهّدات بخفض التنظيم والإنفاق الحكومي، لكنه لا يصل إلى حد اقتراح إصلاح شامل للوكالات الفدرالية على النحو المبيَّن في “مشروع 2025”.
ورغم تأييد ترامب في مواقف أخرى للعديد من المقترحات المحورية وترويجه لها في حملاته الانتخابية، مثل منح نفسه القدرة على توسيع عدد المعيَّنين السياسيين في الحكومة بشكل جذري، وإلغاء وزارة التعليم، ونشره بعض البنود على مواقع تدعمه مثل موقع “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، إلا أنه لا يتفق مع مقترحات أخرى، مثل مسألة الإجهاض التي تحث مؤسسة التراث على سياسات أكثر عدوانية لمكافحتها، بما في ذلك توجيه إدارة الغذاء والدواء لإلغاء موافقتها على عقار الإجهاض “الميفيبريستون”.
وفيما يتعلق بهذه القضية على الأقل، تختلف وثيقة المشروع بشكل كبير إلى حد ما عن برنامج الحزب الجمهوري، الذي يذكر كلمة “الإجهاض” مرة واحدة فقط، ولم يشر برنامج الحزب إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد توزيع “الميفيبريستون”.
ومن الناحية العملية، تضم حملة ترامب فريقًا سياسيًا صغيرًا داخليًا يميل إلى مناقشة السياسة بعبارات عامة فقط خلال حملته الانتخابية، لكن بعد أن اكتسب “مشروع 2025” زخمًا في وسائل الإعلام، وأدرجته حملة بايدن كمادة رئيسية على أجندتها، أصدر مسؤولو حملة ترامب بيانًا رسميًا ينأون فيه بترامب عن المشروع، مؤكدين عدم ارتباط المشروع بالبرنامج السياسي الرسمي للحملة، حتى وإن اتفق في بعض نصوصه مع مقترحات سابقة قدمها ترامب.
وبعيدًا عن بايدن وترامب، فقد أطلق الديمقراطيون بقيادة جاريد هوفمان، عضو الكونغرس في كاليفورنيا، فريق عمل أسماه “أوقفوا مشروع 2025″، حيث وصف هوفمان المشروع بأنه “مؤامرة بائسة لتفتيت مؤسسات الدولة وهدمها”، مشيرًا إلى أن المشروع سيفرض أجندة يمينية متطرفة تنتهك الحريات الأساسية والعامة، وأكد على ضرورة وجود استراتيجية منسقة لوقف ما أسماه “الانقلاب قبل فوات الأوان”.
مخاوف وتداعيات
في أوائل شهر يوليو/ تموز، أثار كيفين روبرتس الغضب حول “مشروع 2025” من خلال إثارة احتمال وقوع عنف سياسي، ووصف المشروع بأنه “الثورة الأمريكية الثانية، والتي ستبقى غير دموية إذا سمح اليسار بذلك”، مؤكدًا على ضرورة هذه التغييرات الملحّة وتمتُّع الرئيس بسلطة مطلقة على الفرع التنفيذي للحكومة الفدرالية، لتحقيق ما يعتبرونه “إصلاحًا ضروريًا في البنية الحكومية للولايات المتحدة”، وردًّا على ذلك اتهمت حملة بايدن ترامب وحلفاءه بـ”الحلم بثورة عنيفة لتدمير فكرة أمريكا ذاتها”.
وبعيدًا عمّا تضمنته وثيقة المشروع، فقد اقترح حلفاء ترامب ضرورة إجراء تجارب للأسلحة النووية الأمريكية في حال فوزه بولاية ثانية جديدة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وفق تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”.
ووفق الصحيفة الأمريكية، تلقت هذه المقترحات دعمًا من بعض الأوساط، لكنها تواجه معارضة من عدد من الخبراء النوويين، الذين يحذّرون من أن هذه الخطوة قد تلغي الوقف الاختياري للتجارب الذي تلتزم به القوى النووية الكبرى منذ عقود.
في هذا الصدد، كتب روبرت أوبراين مستشار الأمن القومي السابق لترامب، والذي من المتوقع على نطاق واسع أن يلعب دورًا قياديًا في رئاسة ترامب الثانية، مقالًا في مجلة “فورين أفيرز” أكّد فيه على ضرورة أن تقوم واشنطن باختبار أسلحة نووية جديدة للتأكد من موثوقيتها وسلامتها في العالم الحقيقي، وذلك للمرة الأولى منذ عام 1992.
ودعا أوبراين ترامب إلى تنفيذ هذه التجارب النووية، واحتمال تجديد إنتاج البلوتونيوم واليورانيوم المستخدمَين في صنع الأسلحة إذا فاز بولاية رئاسية جديدة، بهدف الحفاظ على التفوق التقني والعددي على المخزونات الصينية والروسية المشتركة على حد قوله.
في المقابل، حذّرت إدارة بايدن وديمقراطيون آخرون من أن الاختبارات النووية قد تؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل الدولية، ما قد يعيد سباق التسلح النووي العالمي ويزيد من خطر الحرب، وتؤدي إلى نتائج عكسية فيما يتعلق بأمن الولايات المتحدة، ما يمنح روسيا والصين مزايا أكبر.
كل تلك الشعارات والمقترحات المرعبة التي ارتبط ذكرها بـ”مشروع 2025″، أثارت حالة من الجدل المحتدم حتى اللحظة داخل أوساط المجتمع الأمريكي الذي بلغ عدد سكانه 333 مليون نسمة.
وربما لن يكون ترامب ملزمًا باتّباع مقترحات “مشروع 2025” إذا فاز بالرئاسة، رغم أن التاريخ يشير إلى أنه سوف يستمع إلى بعضها على الأقل، ومن المرجّح أن تواجه العديد من المقترحات تحديات قانونية فورية من معارضيه إذا تم تنفيذها.
وبعيدًا عن ترامب وبايدن، يرى مراقبون أن المشروع مؤشر جديد يكرّس الانقسام الأمريكي، ويثير المخاوف من مؤامرة تستهدف تفكيك الدولة، وإلغاء توازنات الدولة في إحدى أكبر ديمقراطيات العالم.
إذًا مع الجدلية المحتدمة والمستمرة حول وثيقة “مشروع 2025″، وكذلك مع المقترح النووي، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن أن يلجأ إليهما ترامب حقًّا حال فوزه؟ وكيف سيكون حال أمريكا حينها؟
المصدر: نون بوست