هل تضمنها الصين.. 4 عوامل تحدد مستقبل الاتفاق السعودي الإيراني
بينما تقوم الولايات المتحدة بتحويل مصالحها الاستراتيجية ومواردها الدفاعية نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة التهديدات الصينية المتزايدة، بما في ذلك تلك المرتبطة بتايوان، تعمل الصين على زيادة نفوذها السياسي ووجودها في الشرق الأوسط.
Table of Contents (Show / Hide)
فالاتفاق الذي توسطت فيه الصين بين السعودية وإيران يتحدث عن نفسه، ورغم أن الدوافع المميزة لكل طرف بالاتفاقية يمكن الدفاع عنها أو ضدها، تظل الصين نقطة الاهتمام المحورية به.
ويرى الباحث، محمد الدوح، في تحليل نشره موقع "أوراسيا ريفيو" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الاتفاق يمكن أن يعكس بوضوح طموحات الصين للعب دور مهم في ديناميكيات القوة الإقليمية في الشرق الأوسط.
فلعقود من الزمان، كانت دول مجلس التعاون الخليجي متحالفة إلى حد كبير مع الولايات المتحدة، لكن مع انخراط الصين في اتفاق السعودية وإيران فإنها تظهر قدرتها على تحدي نفوذ واشنطن بالمنطقة.
إيران.. مصدر قلق
ورغم مجادلة البعض بأن نفوذ الصين يتعاظم، إلا أن إيران لا تزال مصدر قلق، وفي هذا الصدد، ليس مؤكدا ما إذا كانت إيران ستعمل وفقًا لرؤية بكين على المدى الطويل أو حتى على المدى المتوسط، حسبما يرى الدوح، مشيرا إلى أن الحوثيين، المدعومين من طهران في اليمن، شنوا هجومًا على كبار مسؤولي الدفاع اليمنيين وحاولوا اغتيال وزير الدفاع اليمني بعد أيام فقط من إعلان الاتفاق السعودي الإيراني.
ويعود ذلك إلى أن الحافز الصيني لإيران باتجاه تنفيذ الاتفاقية مع السعودية لايزال غير واضح، وسواء كان هذا الحافز هو زيادة التجارة والعلاقات الاقتصادية والاستثمارات الصينية في الأوقات التي تواجه فيها طهران عزلة وعقوبات عالمية، أو زيادة الدعم العسكري، فإن موازنة بكين بين تحفيز إيران وبين الحفاظ على المصالح الأمنية الاستراتيجية للسعودية قد ينتج عنه تحديات غير متوقعة.
فقدرة الصين على ممارسة الضغط باستمرار على إيران لصالح السعودية ستكون دائمًا اختبارًا لعلاقة بكين مع الجانبين.
ومع ذلك، يمكن القول إن نفوذ الصين في المنطقة قد يمهد الطريق لمقاربة أكثر براجماتية تجاه إيران، والتي يمكن أن تقوض بشكل عام المصالح الاستراتيجية لمجلس التعاون الخليجي على المدى الطويل، بحسب الدوح، لافتا إلى أن طموحات طهران النووية لاتزال غير واضحة، ومن المستبعد تماما أن تتخلى عن تلك الطموحات، التي لا تزال وستظل دائمًا تهديدًا جماعيًا لدول الخليج ككل.
ويمكن أن يشكل ذلك تحديًا حقيقيًا لنفوذ الصين في المنطقة التي لا يوجد فيها مسار واضح للمضي قدمًا بشأن برنامج إيران النووي وزيادة مستويات تخصيب اليورانيوم.
وتشكل هذه القضية أيضًا تهديدًا خطيرًا لإسرائيل التي كانت ولا تزال تسعى إلى تعميق علاقاتها الاستراتيجية مع معظم دول مجلس التعاون، خاصة السعودية والإمارات، لمواجهة التهديد النووي الإيراني.
وهنا يشير الدوح إلى أن السؤال عن كيفية رد فعل إسرائيل والولايات تجاه الملف النووي الإيراني في ضوء الاتفاق السعودي الإيراني الذي توسطت فيه الصين هو جانب حاسم يجب مراعاته، فضلاً عن الدور الذي قد تلعبه الصين في مثل هذا التحدي.
وبالتالي، قد يفضي الأمر في النهاية إلى سعي إيران لتقويض محاولات الغرب لمنع الانتشار النووي من خلال الاستفادة من نفوذ الصين الإقليمي.
كما أن العلاقة بين الحكومة الإيرانية والحرس الثوري، الذي تأسس في عام 1979 بهدف رئيسي هو حماية قيادة طهران ما بعد الثورة والدفاع ضد التهديدات الخارجية والداخلية لإيران، تمثل عاملا حيويا في تحديد مدى قدرة النفوذ الصيني على ضمان بقاء الاتفاق السعودي الإيراني صامدا، إذ للحرس تأثير قوي على الجماعات المسلحة في دول المنطقة، بما في ذلك في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
لكن الدوح يلفت، في هذا الصدد، إلى أن الجيش الإيراني يوازي الحرس الثوري، ويُظهر التاريخ أنه كان هناك تنافس بين التنظيمين العسكريين نظرًا لتداخل المسؤوليات المشتركة بينهما، إضافة إلى وجود توترات بينهما تتعلق بالسياسة الخارجية والقضايا الاجتماعية الداخلية.
وفي ضوء الاتفاق السعودي الإيراني، قد يكون من الصعب على القيادة الإيرانية ضمان التماسك السلمي بين الهيئتين العسكريتين تجاه السعودية.
ولذلك، فإن وجود الفصائل "المتشددة" داخل الحكومة الإيرانية، بما في ذلك الحرس الثوري، قد يدفع هذه الأخيرة إلى تبني وجهة نظر معارضة للاتفاق مع السعودية في وقت لاحق.
كما يمكن لهذه الفصائل خلق معارضة سياسية كبيرة في حالة وجود توترات داخل الحكومة الإيرانية، ما يجعل من الصعب على الحكومة الإيرانية تنفيذ الشروط بالكامل.
اضطرابات داخلية
الاضطرابات العامة في إيران تمثل عاملا ثالثا في التأثير على كيفية التزام إيران باتفاقها مع السعودية، بحسب الدوح، مشيرا إلى أنها تمثل أيضا مهمة صعبة على الصين للحفاظ على استقرار القيادة الإيرانية.
فقد اندلعت احتجاجات حاشدة في جميع أنحاء إيران منذ سبتمبر/أيلول 2022 إلى جانب مقتل أكثر من 500 متظاهر واعتقال عشرات الآلاف حتى الآن، ويمكن لاستمرارها أن ينعكس ذلك على سياسة إيران الخارجية تجاه الصين ودول مجلس التعاون الخليجي.
بالإضافة إلى ذلك، ثمة عامل رابع يؤثر في مستقبل الاتفاق السعودي الإيراني، إذ لا يزال المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط شديد التقلب، مع وجود العديد من الصراعات والتوترات المستمرة في جميع أنحاء سوريا والعراق واليمن ولبنان، وكلها تشارك فيها إيران كلاعب رئيسي.
وبالتالي، فمن المحتمل أن الأحداث غير المتوقعة، مثل التصعيد الكبير في أي صراع بالوكالة في بلدان المنطقة أو جولة جديدة من العقوبات من الولايات المتحدة، يمكن أن تغير نوايا إيران وتعرقل اتفاقها مع السعودية.
ويخلص الدوح إلى أن تاريخ التوترات والصراعات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي عميق، وأسفر عن انعدام الثقة بين الجانبين منذ عقود، خاص بعد سنوات من الحروب بالوكالة والمناورات الجيوسياسية، التي أثارت أجواء متوترة يصعب التغلب عليها بسرعة.
سيستغرق الأمر وقتًا وجهودًا من كلا الجانبين لإعادة بناء الثقة وإقامة علاقة تعاونية مبنية على المصالح الاستراتيجية المتبادلة والأمن المضمون لدول مجلس التعاون الخليجي، وكل ذلك يمثل تحديا خطيرا للصين، التي سيتعين عليها التدخل لمواجهته إذا كانت تريد أن يكون لها دور وتأثير أكبر في الشرق الأوسط؛ نظرًا لأنها "توسطت" في الصفقة بين السعودية وإيران.
المصدر: الخليج الجديد