الإمارات تلملم صراعاتها رغم التوتر مع السعودية.. تحول السياسة الخارجية
الباحث بمعهد أبحاث السياسة الخارجية في واشنطن، جوشوا كراسنا سلط، الضوء على ما اعتبرها تغيرات كبيرة في السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، مشيرا إلى أن هذا التغير نابع من خيبة الأمل إزاء ردود الفعل الأمريكية على هجمات الحوثيين بطائرات مسيرة على أبو ظبي في فبراير/شباط 2022.
Table of Contents (Show / Hide)
وذكر كراسنا، في تحليل نشره بموقع المعهد وترجمه "الخليج الجديد"، أن خفض التصعيد أصبح أولوية في السياسة الخارجية لأبو ظبي، بعد عقد من السياسة التدخلية في اليمن وليبيا وسوريا، إذ ترغب القيادة الإماراتية في اتخاذ موقف غير منحاز، يعتمد في الغالب على التجارة والطاقة والتكنولوجيا.
وأضاف أن الإماراتيين يرون أنفسهم في وضع جيد يؤهلهم للعمل كوسطاء دوليين، ويمنحون الآن الدبلوماسية دورًا أكثر أهمية، ويركزون على الاحتفاظ بمكانة رائدة في الاقتصاد العالمي في حقبة ما بعد الوقود الأحفوري، كما هو حال السعودية وقطر.
وفي هذا الإطار، أقر رئيس الإمارات، محمد بن زايد، هيكلا مدمجا لصنع السياسة الخارجية، منذ مايو/أيار 2022، يضم أخويه: عبد الله، وزير الخارجية، وطحنون، مستشارا الأمن القومي ورئيس صندوق الثروة السيادية الرئيسي في أبوظبي.
ويشير كراسنا، في هذا الصدد، إلى أن أبو ظبي تهيمن على السياسة الخارجية وصنع قرارات الأمن القومي لدولة الإمارات رغم وجود حوار مع قيادة الإمارات الأخرى.
وعلى المستوى العالمي، كانت الإمارات، مثل السعودية، منزعجة، ولكنها غير متأثرة، بمحاولات الولايات المتحدة لإجبارها على دعم السياسات الأمريكية تجاه روسيا والصين، وتبذل في الوقت نفسه جهودًا لعزل علاقاتها بالدولتين وبين علاقاتها بالولايات المتحدة.
وحسبما نقل كراسنا عن دبلوماسي أجنبي في أبو ظبي ، فإن الحكومة الإماراتية تشير على جميع المستويات إلى أن العلاقات مع روسيا "ستبقى طبيعية".
لقد حققت الإمارات، ودبي على وجه الخصوص، مكاسب هائلة من الأزمة بين روسيا والغرب، حيث تدفق آلاف الروس (الذين لا يحتاجون إلى تأشيرة) والأموال الروسية على البلاد.
ووفقًا لمصدر مطلع في دبي، فإن الروس أصبحوا يملؤون المتاجر والفنادق والمطاعم الإماراتية، كما أصبحوا المشترين الأجانب الرئيسيين للعقارات في دبي، التي تمثل 10% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارات.
كما تعمل الإمارات العربية المتحدة باستمرار على تحسين العلاقات مع الهند، التي تحتفظ بنفس الموقف إلى حد كبير فيما يتعلق بروسيا.
تطبيع مع 4 دول
وعلى المستوى الإقليمي، كانت تحولات السياسة الخارجية الإماراتية هائلة في العامين الماضيين، فقد عملت على تطبيع العلاقات مع 4 دول رئيسية في المنطقة، هي: إيران وتركيا وإسرائيل وقطر.
وهنا يشير كراسنا إلى أن كثافة ونطاق التحول الدبلوماسي الإماراتي، في مثل هذا الوقت القصير، يشيران إلى محاولة استراتيجية بعيدة المدى لـ "طمس خطوط الصدع التقليدية وإعادة تشكيل المحاور في المنطقة".
وفي السياق، سرعت أبوظبي من انخراطها في إعادة العلاقات مع إيران، خاصة أن البلدين شريكان تجاريان مهمان، إذ كانت الإمارات الرابط الرئيسي لإيران بالاقتصاد العالمي تحت العقوبات، وفي عام 2020 كانت أكبر مصدر لإيران بعد الصين.
ويخطط البلدان لزيادة التجارة الثنائية من 15 مليار دولار في عام 2022 إلى 30 مليار دولار في عام 2025.
وإضافة لذلك، هناك أكثر من 400 ألف مغترب إيراني يعيشون في الإمارات، ولطالما كانت دبي أكثر توجهاً نحو التعامل مع إيران ونحو نهج القوة الناعمة بشكل عام، نظرًا لأن اقتصادها الخدمي شديد العولمة أكثر تعرضًا للعوامل الخارجية السلبية الناجمة عن العقوبات المفروضة على إيران وروسيا وقطر.
ولا يرى الإماراتيون أي تناقض بين علاقاتهم المحسنة مع إسرائيل وإيران، والتي يقودها إلى حد كبير منطق مماثل، هو الحد من التوتر مع فتح الإمكانيات الاقتصادية.
ويقدر الدبلوماسيون الغربيون الذين التقى بهم كراسنا في الإمارات أن أبو ظبي غير مهتمة بعدم الاستقرار في إيران، ما قد يؤثر سلبًا على الخليج.
كما تتقدم العلاقات بين تركيا والإمارات بسرعة، وزار محمد بن زايد أنقرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وقام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بزيارة ثانية في فبراير/شباط 2022. وأثناء زيارة بن زايد، أعلن عن إنشاء صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار في قطاعات متعددة من تركيا.
ومن المفترض أن يساعد ذلك الاقتصاد التركي، لكن حقيقة أن الأموال ستكون للاستثمارات وليس المساعدات، تعني أن الإمارات سيكون لها تأثير كبير في الاقتصاد التركي و"نفوذ سياسي أيضًا".
ومع ذلك، لم يؤد تعميق العلاقات مع تركيا إلى إضعاف الإمارات لعلاقاتها الوثيقة مع اليونان وقبرص، والتي أقامتها أقيمت خلال العقد السابق لمحاولة احتواء النفوذ التركي.
كما تطور الإمارات علاقاتها مع قطر بسرعة، رغم البداية البطيئة في أعقاب التقارب الذي قادته السعودية بقمة العلا في يناير/كانون الثاني 2021، وهو ما يمكن ملاحظته في البروز الإعلامي الذي حظيت به زيارة محمد بن زايد إلى الدوحة للمشاركة في كأس العالم بديسمبر/كانون الأول 2022، ومشاركة أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، في "القمة العربية المصغرة" بأبو ظبي في يناير/كانون الثاني 2023.
وقامت الإمارات مؤخراً بإلغاء حظر المواقع الإخبارية القطرية، وسحبت، في مارس/آذار الماضي، عرضها لاستضافة اجتماع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لعام 2026، وبدلاً من ذلك دعمت قطر كمضيف محتمل.
وعلى التوازي، تنخرط أبوظبي بقوة في تعميق للعلاقة الرسمية مع إسرائيل رغم ما خلقته سياسات الحكومة اليمينية الجديدة في إسرائيل، بقيادة بنيامين نتنياهو، وما تمثله من تحديات لجميع الدول العربية التي تحسنت علاقاتها مع إسرائيل في السنوات الأخيرة.
فالإمارت تريد الاحتفاظ بعلاقة طويلة الأمد مع إسرائيل، لكنها تتجنب أيضًا أن يُنظر إليها على أنها عامل تمكين للحكومة الإسرائيلية الحالية.
وتشير مصادر خليجية مطلعة إلى أن الحكومة الإماراتية ترى في اتفاقيات إبراهيم "اتجاهاً استراتيجياً" وأن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي "عثرة طريق" أمامه.
ولذا تتواصل الصفقات الاقتصادية مع إسرائيل، بما في ذلك مشروعات الطاقة المشتركة واتفاقيات التجارة، إذ وقعت الحكومتان، في 26 مارس/آذار، اتفاقية للتجارة الحرة.
وتستمر الاستثمارات الإماراتية في قطاع الطاقة الإسرائيلي، التي يُنظر إليها في أبو ظبي على أنها مصلحة طويلة المدى، كما يتضح من العرض الأخير من قبل شركة أدنوك لشراء نصف شركة الغاز الإسرائيلية الجديدة "ميد"، التي تمتلك 45% من حقل ليفياثان للغاز. ويملك صندوق الثروة السيادي الإماراتي "مبادلة" بالفعل 11% من حقل "تمار" الأصغر.
علاقة ثنائية أخرى طورتها الإمارات بشكل كبير مع سوريا في العامين الماضيين، إذ كانت في طليعة المساعي لإعادة نظام بشار الأسد إلى الصف العربي، بحجة ضرورة قبول حقيقة بقائه، وضرورة التواصل العربي معه لتقليص النفوذ الإيراني.
وزار وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، دمشق في نوفمبر/تشرين الثاني 2021؛ ورد الأسد بزيارة مفاجئة إلى دبي وأبو ظبي في فبراير/شباط 2022، لزيارة الجناح السوري في معرض دبي إكسبو 2020 تزامنا مع اليوم الوطني لسوريا. وكان هذا أول استقبال للأسد من قبل دولة عربية منذ بدء الحرب الأهلية السورية.
ويشير كراسنا، في هذا الصدد، إلى أن الرغبة في تحقيق نفوذ كبير ومساحة للمناورة في سوريا تعد أحد المحركات الرئيسية لسياسة الإمارات تجاه روسيا.
توتر مع السعودية
لكن العلاقات الإماراتية مع السعودية تأخذ منحى سلبيا في المقابل، وسط مؤشرات على توتر العلاقة الشخصية بين محمد بن زايد وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
فالخلافات شديدة بين البلدين فيما يتعلق باليمن، حيث رأى السعوديون أنفسهم في حالة ذهول بسبب سحب القوات الإماراتية في عام 2019، دون تشاور، كما تتنافس البلدان على الريادة الاقتصادية في المنطقة، ويتبعان سياسات متطابقة تقريبًا للتنويع الاقتصادي بعيدًا عن النفط.
وتأمل السعودية في جذب العمالة الوافدة الماهرة بسرعة لتصبح مركزًا للخدمات والنقل، بالإضافة إلى أن تصبح وجهة سياحية، وسيكون هذا على حساب الإمارات، خاصة إمارة دبي. ويختلف البلدان أيضًا حول حدود إنتاج تكتل "أوبك+"، حيث تضغط الإمارات لضخ المزيد من النفط؛ وتفكر في مغادرة التكتل.
ويشير كراسنا إلى أن أحد المؤشرات الأخيرة على التوتر المتزايد بين البلدين يتمثل في مطالبة الرياض للشركات متعددة الجنسيات التي ترغب في إبرام عقود مع الحكومة السعودية بنقل مقارها الإقليمية إلى المملكة بحلول عام 2024، وهو مطلب يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه موجه ضد دبي.
ويخلص كراسنا إلى أن الإمارات تقود تحولا كبيرا في سياستها الخارجية بعد عقد من "المغامرات" في المنطقة، ومع ذلك، يمكن النظر إلى الاتجاه الجديد على أنه دال على عدم نجاح سياسة "سبارتا الصغيرة" السابقة.
ويشير إلى أن نهج الإمارات الحالي، المتمثل في "عدم وجود مشاكل مع الجيران"، غير مضمون النجاح بالكامل، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع السعودية.