السعودية وإيران: ما بعد العلاقات الجيوسياسية
يتوقّف المحللون عند التدقيق في أثر الاتفاق الذي جرى التوصّل إليه أخيرًا بين السعودية وإيران بوساطة صينية على السياسة الإقليمية. ولكن ينبغي إيلاء مزيد من الاهتمام لفهم العوامل التي قد تُمكّن السعودية وإيران من تجاوز خلافاتهما السياسية والمذهبية والحفاظ على أواصر العلاقات التي أُعيد وصلها بينهما.
Table of Contents (Show / Hide)
فيما تعمل الدولتان على توليد فرص اقتصادية، يمكن أن تساهم المصالح الاقتصادية المشتركة في توطيد العلاقات المتجددة بينهما. لقد تعهّد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بإطلاق حقبة جديدة من الإصلاح الاقتصادي، ما يشكّل أولوية حيوية للمملكة. أما إيران، من جهتها، فقد شعرت على الدوام بأنها متخلّفة عن الركب نتيجة العقوبات الاقتصادية. قد تجتمع هاتان الديناميتان وتمهّدان الطريق لازدهار الدولتَين في المستقبل. من الأمثلة على ذلك زيادة التبادل التجاري، إذ تتطلع طهران إلى بلوغ حجم تجارتها مع السعودية ما لا يقل عن مليار دولار أميركي.
علاوةً على ذلك، تسعى السعودية إلى جذب مئة مليون زائر سنوي بحلول عام 2030؛ وفي هذا الصدد، من شأن استئناف الرحلات المباشرة إلى إيران أن يزيد من حركة تبادل السيّاح بما يعود بالفائدة على البلدَين معًا.
فضلًا عن ذلك، من شأن وجود شريك مخضرم للطرفَين يؤدّي دور الوسيط أن يسهّل أكثر فأكثر عمل السعودية وإيران معًا لتحقيق الأهداف المشتركة. تحافظ السعودية على علاقات سياسية واقتصادية قوية مع الصين، وبكين هي الشريك التجاري الأكبر للمملكة.
بالإضافة إلى ذلك، قدّمت الصين الدعم لإيران على الرغم من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، ووطّدت العلاقات التجارية معها، ودعمتها في المحافل الدولية. وبالنسبة إلى الصين نفسها، الوساطة الجارية أساسية لأنها ستعزز صورة بكين في موقع صانع السلام العالمي وتُرسي أجواء مواتية لاستمرار الاستثمار الصيني.
داخليًا، يشكّل الشباب شريحة كبيرة من السكان في السعودية وإيران، فنسبة 63 في المئة من سكّان المملكة و60 بالمئة من سكّان إيران هم دون سن الثلاثين. يتطلع الشباب في البلدَين إلى توافر فرص عمل، وإلى تحقيق التنمية المحلية وتوطيد الروابط مع المجتمع الدولي. من المقاربات الممكنة وضع برامج للتبادل الأكاديمي والثقافي التي من شأنها تعزيز فهم ثقافة البلد الآخر وتقديرها.
تعمل الحكومة السعودية، من جهتها، من أجل دمج الشباب من خلال تطوير القطاعات المتعددة، منها السياحة والرعاية الصحية والتعليم. كما تهدف رؤية السعودية 2030 إلى تنمية الاقتصاد غير النفطي في البلاد واستحداث فرص عمل للشباب. جدير بالذكر في هذا السياق هو أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن 97 في المئة من الشباب السعوديين يرون في ولي العهد قائدًا قويًا، ويعتبر 90 في المئة أن السعودية تسير في الاتجاه الصحيح.
أما إيران فقد شهدت موجة من التظاهرات بقيادة الشباب، تطوّرت إلى انتفاضة على المستوى الوطني رفعت لواء المطالبة بالحرية وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية أساسية.
وفقًا لاستطلاعات الرأي، قال 65 في المئة من الشباب الإيرانيين إنهم لا يثقون كثيرًا بقدرة الرئيس إبراهيم رئيسي على معالجة القضايا الأكثر أهمية بالنسبة إليهم، وقال 77 في المئة إنهم لا يتوقّعون أن يكون مستقبلهم مزدهرًا.
وهكذا فإن التباين في المواقف بين المواطنين السعوديين والإيرانيين يجعل من الصعب على القيادة في البلدَين تحديد أرضية مشتركة للتعاون في مجال التنمية المحلية.
رغم وجود أسباب كافية للشعور بالأمل، لا تزال هناك تحدّيات مهمة يجب معالجتها. لقد أسفر العداء بين إيران والسعودية عن اندلاع عدد من النزاعات، بما في ذلك الحروب بالوكالة في عدد من البلدان مثل اليمن وسوريا.
لذلك، ومن أجل أن ينعم الشرق الأوسط بالاستقرار، من الضروري أن يبقي الطرفان وكلائهما تحت السيطرة نظرًا إلى أن هذه المجموعات تمتلك القدرة على عرقلة التقدّم الديبلوماسي. وقد تشكّل تأثيرات خارجية أخرى، منها المصالح الأميركية والروسية، عائقًا أيضًا أمام تطوّر العلاقة وفاعلية الاتفاق في المدى الطويل.
في المحصّلة، ثمة مؤشّرات تجمع بين الأمل والتشكيك في ما يتعلق بتجدد العلاقات بين إيران والسعودية. في هذا السياق، من الضروري إعطاء الأولوية للدبلوماسية والتبادل الثقافيَّين، والتنمية المحلية، والتكامل الاقتصادي من أجل سلوك مسار سلمي في المرحلة المقبلة.
*لجين العتيبي باحثة، ماجستير العلوم السياسية، جامعة جورج مايسون.
المصدر: مؤسسة كارنيغي