استقرار ما بعد أمريكا تهدده إسرائيل.. موزاييك القوى الكبرى في الشرق الأوسط
يتغير الوضع السياسي والاستراتيجي للشرق الأوسط، حيث تؤكد الصين نفسها كمنافس رئيسي للهيمنة الأمريكية أحادية القطب، وتسعى الدول الإقليمية، وخاصة السعودية، إلى مزيد من الاستقلال في تشكيل مستقبلها.
Table of Contents (Show / Hide)
وإلى الحد الذي يمكن التنبؤ به بالمستقبل، تبدو معظم التغييرات إيجابية، لكن هناك شكوكًا حول إيران، وفشلا مع إسرائيل.
يتناول مقال إيان دادجون في أسبي ستراتيجسيت والذي ترجمه "الخليج الجديد"تراجع نفوذ أمريكا في الشرق الأوسط بشكل عام خلال العقد الماضي، وبشكل خاص أثناء رئاسة جو بايدن.
ويرى أن هذا التراجع كان حتمياً، ويرجع ذلك إلى مزيج معقد من الظروف العالمية والإقليمية المتغيرة حيث أعادت واشنطن تقييم أولوياتها الاستراتيجية الأساسية بشكل تدريجي مثل الصين وروسيا.
يمكن القول أيضًا أن هناك المزيد من "الاستقرار" في الشرق الأوسط اليوم أكثر من أي وقت خلال العقد الماضي، مما أتاح هذا التحول في الأولويات.
وعند قراءة رياح التغيير، تستجيب دول المنطقة للفرص المتاحة لتقليل الصراع والتوترات المحلية واستكشاف التعاون السياسي والاقتصادي.
الولايات المتحدة
بالنسبة للولايات المتحدة وغيرها، كانت سياسات الصين بعد انتخاب شي جين بينج كرئيس للوزراء في عام 2013 مصدر قلق متزايد، خاصة في شمال غرب المحيط الهادئ.
ولا تزال القضايا الرئيسية تتمثل في عسكرة الصين لبحر الصين الجنوبي وطموحات تايوان، لكن الامتداد الأوسع لنظام شي وطموحاته يمثلان أيضًا مصدر قلق كبير.
ويضيف المقال أن الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، أثر بشكل حاد على المخاوف الاستراتيجية والعسكرية للولايات المتحدة.
ويشير المقال إلى أن الشرق الأوسط لم يعد يتمتع بنفس القدر من الأهمية الاستراتيجية للولايات المتحدة، بسبب تغير مصادرها من النفط.
ومنذ عام 2020، تحولت الولايات المتحدة من مستورد صاف إلى مصدر صاف للنفط.
واليوم، يأتي أكثر من ثلثي واردات الولايات المتحدة من النفط من الأمريكتين، بما في ذلك حوالي 60% من كندا و 10% من المكسيك، وحوالي 11% فقط من واردات الولايات المتحدة من النفط تأتي الآن من الشرق الأوسط، منها حوالي 7% من السعودية ومعظم الباقي من العراق.
ويرى المقال أن الولايات المتحدة عانت من تحديات الإجهاد الإقليمي والتغيير السياسي، فقد فشل غزوها عام 2003 في تحقيق عراق موحد وأكثر استقرارًا، وانتهت 20 عامًا من الحرب في أفغانستان المجاورة بفشل ذريع.
ولا يزال نظام بشار الأسد يسيطر بقوة على سوريا، ولا يزال "حزب الله" مستقرًا بقوة في لبنان، كما يفعل الحوثيون في اليمن.
وقد فشل تطبيق واشنطن المكثف لسياساتها السياسية والاقتصادية في إحداث "تغيير النظام" في إيران.
لكن من الواضح بشكل خاص أن تأثير الولايات المتحدة محدود على السياسات الإسرائيلية المتعلقة بفلسطين.
بالإضافة إلى ذلك، فإن حقيقة عدم إدانة حليف واحد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط الغزو الروسي لأوكرانيا لم تمر مرور الكرام في واشنطن.
بالرغم من ذلك، تظل الولايات المتحدة ملتزمة تجاه الشرق الأوسط سياسياً وكداعم أمني، وتواصل الاحتفاظ بنحو 30 ألف جندي وقواعد بحرية وجوية رئيسية في المنطقة.
الصين
تتمتع بكين بالفعل بعلاقات اقتصادية قوية عبر الشرق الأوسط وتتطلع إلى توسيع نفوذها السياسي والاستراتيجي.
ويشير المقال إلى أن الصين هي الشريك التجاري الرئيسي للمنطقة.
ومن بين 13 دولة في الشرق الأوسط (دول مجلس التعاون الخليجي، والمشرق العربي، وإيران، وسوريا، واليمن)، تعد الصين وجهة التصدير الرئيسية لست دول، وبين الوجهة الثانية والخامسة للصادرات لأربع دول أخرى.
وبالنسبة لجميع البلدان باستثناء 4 دول (سوريا والأردن ولبنان وإسرائيل)، فإن صادراتها الرئيسية هي النفط.
وإجمالاً، تتلقى الصين ما يقرب من 50% من نفطها من الدول المطلة على الخليج، وحوالي الربع من دولتين، المملكة العربية السعودية (18%) وإيران (7%).
وبالنسبة للمملكة العربية السعودية وإيران والكويت واليمن، تعتبر الصين الشريك التجاري الأساسي لكل من الصادرات والواردات.
ويرى المقال أن الهدف السياسي الاستراتيجي الأساسي للصين هو، ويجب أن يكون كذلك، تعزيز الاستقرار الإقليمي لحماية إمدادات النفط المهمة هذه.
وقد كان الغرض الحقيقي من "اتفاقية السلام" التي تفاوضت عليها الصين بين السعودية وإيران في مارس / آذار هو حماية الإمدادات من تلك الدول من خلال تجنب الأعمال العدائية المباشرة أو غير المباشرة بينهما والتي يمكن أن تعطل عمليات التكرير البرية أو شحنات النفط عبر مضيق هرمز.
وبالنظر إلى الوضع الاقتصادي الإقليمي للصين، فإن زيادة التواصل السياسي والاستراتيجي أمر لا مفر منه.
وقد مكنت "اتفاقية السلام" الصين في نفس الوقت من تقديم نفسها كمفاوض سلام إقليمي جديد.
هذه بداية متقبلة، ولكن بالنظر إلى علاقاتها الوثيقة مع روسيا وإيران، ستحتاج الصين إلى العمل الجاد إذا أرادت الحصول على قبول أوسع لهذا الدور في الشرق الأوسط.
ويذكر المقال أن رئيس الوزراء السعودي والحاكم الفعلي محمد بن سلمان أدرك المصالح المتباينة بين الرياض وواشنطن وسعى إلى إيجاد فرص للمبادرات المستقلة التي تقودها السعودية، على الصعيدين المحلي والإقليمي، لسد الفجوة.
وتشمل هذه العلاقات الشخصية الوثيقة مع شي، وتحدي القيادة الأمريكية داخل "أوبك" بشأن تسعير النفط وإنتاجه، وتوافق أكبر مع المنافسين الإقليميين مثل سوريا وإيران، والتواصل مع القيادة عبر المجتمعات العربية والسنية.
ويرى المقال أن طموح محمد بن سلمان لبناء مستقبل للمملكة العربية السعودية يتجاوز النفط يتكامل مع هذه المبادرات، حيث تتصور خطته لرؤية 2030 مدينة ضخمة ذات استثمارات محلية وأجنبية ضخمة تخلق صناعات جديدة ومتنوعة لتلبية الاحتياجات الصناعية والتقنية العالمية المستقبلية.
إيران
لا تزال الحكومة الإيرانية المحافظة المتشددة في السلطة.
وتتمثل السياسة الأمريكية الحالية في الاحتفاظ بـ "أقصى قدر من الضغط" من أجل تغيير النظام، ومواجهة نفوذ إيران كلما أمكن ذلك في الدول المجاورة، والسعي لردع أي نية إيرانية لتطوير أسلحة نووية أو القدرة على القيام بذلك، من خلال المفاوضات غير المباشرة بشكل أساسي.
ولكن نفوذ إيران عبر المجتمع الشيعي الإقليمي ودعمها العسكري للميليشيات في العراق ولبنان واليمن، إلى جانب الميليشيات السنية في سوريا وغزة، لا يزال قائما.
ويستمر البقاء الاقتصادي، جزئيًا من خلال الالتفاف على العقوبات.
ولا يوجد دليل على أن إيران تصنع قنبلة نووية قابلة للاختبار، لكنها ستستفيد من هذا الاحتمال لتخفيف العقوبات.
ويشير المقال أن المدة التي يمكن أن تصمد فيها الحكومة الإيرانية هي مسألة تكهنات.
وعلى الرغم من انتشار المعارضة، إلا أنها تظل مكبوتة بشكل فعال.
وقد تظهر احتمالية التغيير بعد ذلك في الانتخابات الوطنية لعام 2024 أو عند الحاجة إلى استبدال المرشد الأعلى.
إسرائيل
يعتقد المقال أن العنصر الأساسي الذي قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط هو سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين.
ويعد التصريح الأخير لوزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الذي رفض فيه مفهوم الشعب الفلسطيني، تحد - ليس فقط للولايات المتحدة - ولكن للدول العربية الموقعة على اتفاقيات أبراهام.
وبالرغم من ذلك، فإن الدلائل على مزيد من الاستقرار الإقليمي مشجعة، لكن الوقت سيثبت ذلك.