استخبارات الاحتلال لا تملك أدنى معلومة.. كيف أصبحت أزمة الأسرى الإسرائيليين بغزة فخاً لنتنياهو؟
كان لأسر عشرات الجنود والمستوطنين الإسرائيليين على يد مقاتلي حماس تأثير صادم وغير مسبوق على نفوس الإسرائيليين، تأثير لم تحدثه أي أزمة في الذاكرة الإسرائيلية طوال عقود من الصراع، وتحول إلى أزمة حقيقية لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة.
Table of Contents (Show / Hide)
إذ أدت عمليات الأسر إلى زيادة الضغط على نتنياهو وحلفائه من اليمين المتطرف، الذين يتعرضون بالفعل لضغوط شديدة للرد على مقتل نحو 1000 إسرائيلي وإصابة 2500 آخرين في هجوم حماس والفصائل حتى الآن الذي أطلق عليه اسم "طوفان الأقصى". وأثار تعهد نتنياهو بإطلاق العنان لكامل قوة الجيش الإسرائيلي على حماس مخاوف على سلامة الأسرى الإسرائيليين المنتشرين في أماكن غير معلنة في جميع أنحاء قطاع غزة المكتظ بالسكان.
يقول مايكل ميلستين، الرئيس السابق للقسم الفلسطيني في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، عن وضع الرهائن: "هذا سيحد من الاتجاهات والمناطق التي يمكن أن ينشط فيها الجيش الإسرائيلي. سيزيد من تعقيد الأمور بدرجة كبيرة".
وتحديد موقع الرهائن الإسرائيليين في غزة -وهو ما فشلت الاستخبارات الإسرائيلية في فعله في حالة شاليط ومن بعده- يطرح صعوبات أخرى. ورغم أن غزة صغيرة، وتخضع لمراقبة جوية باستمرار ومحاطة بقوات إسرائيلية برية وبحرية، يظل القطاع الذي يبعد عن تل أبيب بأكثر من ساعة بقليل مجهولاً إلى حد كبير لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وفقاً لخبراء إسرائيليين.
وقال ياكوف أميدرور، مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو: "لا نعرف مكان الإسرائيليين، لكن قضية الأسرى برمتها لن تمنع إسرائيل من قصف غزة حتى تدمير حماس"، حسب تعبيره.
وأعلنت حماس بالفعل أنها ترغب في إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية: حوالي 7000 أسير بما يشمل المعتقلين إدارياً والنساء والأطفال والمحكومين بمؤبدات كبيرة.
وربما يكون لمصير الأسرى لدى الفلسطينيين أهمية كبيرة وأكبر مما هو لدى الإسرائيليين. فبعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية في حرب 1967، قضى معظم الفلسطينيين بعض الوقت في السجون الإسرائيلية أو يعرفون شخصاً فعل ذلك؛ حيث يعتبر الفلسطينيون أسراهم أبطالاً. كما تخصص حكومة السلطة الفلسطينية، التي تدير أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، نحو 8% من ميزانيتها لدعمهم هم وأسرهم.
وقال خليل الشقاقي، مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية: "إطلاق سراح أي سجناء سيكون صفقة كبيرة لحماس". وأضاف أن ذلك "سيعزز موقف حماس في الشارع الفلسطيني ويقلل من قوة وشرعية السلطة الفلسطينية".
"المتطرفون في هذه الحكومة لا يريدون التفاوض الآن"
لكن حكومة نتنياهو -بوزرائها اليمينيين المتطرفين، وأعضائها من مستوطني الضفة الغربية- عارضت بشدة أي مبادرات تعتبرها استسلاماً للفلسطينيين. وقالت جايل تالشير، أستاذة العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس، إنه "لا توجد أي فرصة لأن توافق الحكومة الحالية على إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين".
وقالت: "المتطرفون في هذه الحكومة يريدون تسوية غزة بالأرض". ورفض نتنياهو يوم السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول عرضاً تقدم به رئيس المعارضة يائير لابيد لتشكيل حكومة وحدة وطنية طارئة. وأضافت أن هذه إشارة واضحة إلى أن نتنياهو "لم يتخلَ عن حكومته القومية المتطرفة".
وكي يربح نتنياهو انتخابات العام الماضي أثناء محاكمته بتهم فساد، اعتمد على الشعبية المتزايدة لحلفائه اليمينيين المتطرفين الذين استغلوا التهديدات المتصورة لهوية إسرائيل اليهودية.
وطالب وزير المالية الإسرائيلي، زعيم المستوطنين، بتسلئيل سموتريتش، في اجتماع مجلس الوزراء يوم السبت بأن يضرب الجيش الإسرائيلي "حماس بلا رحمة دون أخذ مسألة الأسرى في الاعتبار".
ونُقل عنه قوله: "في الحرب لا مجال للرحمة. علينا أن نوجه ضربة لم يسبق لها مثيل منذ 50 عاماً وندمر غزة".
نتنياهو يدمر نفسه بنفسه
لكن خطر وقوع المدنيين الإسرائيليين ضحية للقصف الإسرائيلي المستمر أو البقاء لسنوات في أسر حماس وتورط إسرائيل في حملة مفتوحة قد يكون مدمراً سياسياً لنتنياهو.
وقال المعلق السياسي الإسرائيلي إيهود يعاري: "هذه معضلة خطيرة. ما نخشاه هو أنه إذا بدأت عملية برية، فستهدد حماس بإعدام الرهائن كل ساعة، وكل ساعتين، وسيصبح ذلك جدلاً محتدماً".
وتاريخ إسرائيل المضطرب يكشف عن حساسية الرأي العام الشديدة بخصوص الرهائن، وبالتالي ما قد يحدث في بلد يجنَّد فيه الأطفال في سن 18 عاماً للخدمة العسكرية، ويفتخر الجيش بأنه لم يتخلَّ أبداً عن جنوده.
وقالت تالي ليفي (58 عاماً) من مدينة أشدود الجنوبية قرب حدود غزة التي فقدت العديد من أصدقائها: "إذا تركنا مواطنينا يُختطفون بهذه الطريقة، فلن يكون لدينا دولة ولا حكومة ولا جيش".
وعقدت عائلات الإسرائيليين المفقودين بعد هجوم حماس يوم السبت مؤتمراً صحفياً مساء الأحد بُث على الهواء مباشرة. وطالب أقارب الضحايا، الذين كان بعضهم يحبسون الدموع أو البكاء، الحكومة بإعادة الأسرى إلى وطنهم.
في الماضي، خلق عجز المجتمع الإسرائيلي عن تقبل أسر مواطنيه حملات ضغط هائلة دفعت الحكومات إلى الموافقة على صفقات غير مرضية مثل صفقة شاليط عام 2011 وإفراج إسرائيل عن 1150 معتقلاً فلسطينياً مقابل ثلاثة إسرائيليين عام 1985.
ورغم أن المحللين العسكريين لا يزالون منقسمين حول ما قد يفعله نتنياهو ليخرج من أزمته، فالإجابة المؤلمة كانت واضحة للإسرائيليين الذين أخذ "أحباؤهم" أسرى.
وقالت أدفا أدار، التي صورت والدتها البالغة من العمر 85 عاماً، في مقطع فيديو على الحدود إلى غزة وهي في عربة غولف تعج بالمسلحين: "أريدهم أن يفعلوا كل ما بوسعهم، وأن يضعوا السياسة جانباً.. فهي لا تملك الكثير من الوقت وهي دون دوائها وهي تعاني بشدة".
والخيار الآخر أن تحاول تحريرهم بالقوة. ولكن هذا سيكون صعباً بل ربما مستحيلاً. فمن المؤكد أن حماس ستنشر أسراها في الكثير من الأماكن التي تبعد عن الحدود مع إسرائيل. وحتى لو تمكنت إسرائيل من تحديد مواقعهم جميعاً، فسيتعين عليها أن تنفذ غارات كثيرة على منازل آمنة شديدة الحراسة في أعماق غزة. سيتطلب ذلك توغلاً كبيراً تفكر فيه الحكومة الإسرائيلية ولكنه من شأنه أن يجلب أيضاً خطر اندلاع قتال طويل ودموي.
وتبادل إطلاق النار قد يتسبب في مقتل الرهائن. وحتى الضربات الجوية التي بدأتها إسرائيل بعد فترة وجيزة من هجوم حماس قد تتسبب في قتل مواطنيها. ويستبعد أن تقدم حماس على قتلهم، لأنهم أثمن وهم أحياء. لكن الهجوم البري المدمر يمكن أن يقود حماس إلى استنتاج أنه ليس لديها ما تخسره.
وإبرام اتفاق سيكون مثيراً للجدل، ويمكن أن تستمر المحادثات (أمضى شاليط أكثر من خمس سنوات في الأسر، وهناك 4 أسرى آخرين منذ عام 2014).
وستكون الغارات محفوفة بالمخاطر. وهذا وضع غير مسبوق، وبحسب الإيكونومست، فإن المسؤولين الإسرائيليين يشعرون بحيرة كبيرة. وأي قرار يتخذونه سيساهم بدرجة كبيرة في تشكيل استراتيجية إسرائيل العسكرية الشاملة في الأيام والأسابيع المقبلة -وتحديد مصير العشرات من الإسرائيليين المرعوبين المحتجزين الآن في غزة.