طوفان الأقصى.. نهاية أبدية لعقيدة "سلام بلا دولة فلسطينية"
سلط المحلل الأمريكي، كونور إيكولز، الضوء على تداعيات الحرب الدائرة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، واصفا أحداث الأيام الأخيرة بأنها "غير مسبوقة"، إذ أن آخر مرة قاتلت فيها وحدات من الإسرائيليين والفلسطينيين، العسكريين أو شبه العسكريين، على مثل هذه الجبهة الواسعة كانت في عام 1948.
Table of Contents (Show / Hide)
وذكر إيكولز، في تحليل نشره موقع "ريسبونسبل ستيتكرافت" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الهجوم الذي شنته قوات حماس جرى في الوقت الذي بدا فيه أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على وشك إكمال نهجه في تحقيق السلام مع العالم العربي مع تجاهل تام للفلسطينيين، مذكرا العالم بأن الفلسطينيين ما زالوا هنا.
وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أسبوعين، قدم نتنياهو خريطة "الشرق الأوسط الجديد"، التي تصور دولة إسرائيل الممتدة من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط وبناء "ممر السلام والازدهار" مع حدود جيرانها في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، دون ظهور للدولة الفلسطينية، أو حتى مجموعة الجيوب المتقلصة التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية ظاهريا، على الخريطة.
ومنذ انتخابه رئيسًا للوزراء لأول مرة عام 1996، حاول نتنياهو تجنب أي مفاوضات مع القيادة الفلسطينية، وبدلاً من ذلك اختار تجاوزها ودفعها جانبًا، قائلا إن إسرائيل لا تحتاج إلى السلام مع الفلسطينيين لتزدهر، فقوتها العسكرية والاقتصادية والسياسية تكفي من دونها.
واعتبر نتنياهو أن الازدهار الاقتصادي الذي شهدته إسرائيل شهدت خلال سنوات حكمه، خاصة بين عامي 2009 و2019، وتحسن مكانتها الدولية، دليل على أنه يسير في الطريق الصحيح، وعززت اتفاقيات إبراهيم الموقعة مع البحرين والإمارات، وبعد ذلك أيضًا مع السودان والمغرب، هذا الاعتقاد بشكل قاطع.
وفي هذا الإطار، كتب نتنياهو مقالا في صحيفة "هآرتس" العبرية، جاء فيه: "على مدى السنوات الـ 25 الماضية، قيل لنا مرارا وتكرارا أن السلام مع الدول العربية الأخرى لن يأتي إلا بعد أن نحل الصراع مع الفلسطينيين، وخلافاً للموقف السائد، أعتقد أن الطريق إلى السلام لا يمر عبر رام الله، بل يتجاوزها: فبدلاً من الذيل الفلسطيني الذي يهز العالم العربي، قلت إن السلام يجب أن يبدأ بالدول العربية، التي من شأنها أن تعزل العناد الفلسطيني".
وكان من المفترض أن يكون اتفاق السلام مع السعودية بمثابة تتويج لكعكة "السلام مقابل السلام" التي أمضى نتنياهو سنوات في إعدادها.
ولم يخترع نتنياهو سياسة الفصل بين غزة والضفة الغربية، ولا استخدام حماس أداة لإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية وطموحاتها الوطنية في إقامة الدولة الفلسطينية، فقد بُنيت خطة "فك الارتباط" من غزة، التي طرحها رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، أرييل شارون، في عام 2005 على هذا المنطق.
وقال دوف فايسغلاس، مستشار شارون، لتوضيح الهدف السياسي لفك الارتباط في ذلك الوقت: "إن هذه الحزمة بأكملها، التي تسمى الدولة الفلسطينية، سقطت من جدول الأعمال لفترة غير محددة من الزمن".
ولم يكتف نتنياهو بتبني طريقة التفكير هذه، بل أضاف إليها أيضاً الحفاظ على حكم حماس في غزة كأداة لتعزيز الفصل بين القطاع والضفة الغربية.
وفي عام 2018، وافق نتنياهو على أن تقوم قطر بتحويل ملايين الدولارات سنويًا لتمويل حكومة حماس في غزة، وهو ما يجسد تصريحات أدلى بها بتسلئيل سموتريتش في عام 2015 (الذي كان آنذاك عضوًا هامشيًا في الكنيست، واليوم وزير المالية بحكم الأمر الواقع)، مفادها أن "السلطة الفلسطينية عبء وحماس ذخر".
وكتبت وزيرة الإعلام الإسرائيلية الحالية، غاليت ديستل اتباريان، في مايو/أيار 2019، أن "نتنياهو يريد أن تقف حماس على قدميها وهو مستعد لدفع ثمن لا يمكن تصوره مقابل ذلك: إصابة نصف البلاد بالشلل، وإصابة الأطفال والآباء بصدمات نفسية، وقصف المنازل، وقتل الناس".
قالت ديستل ذلك ولم تكن قد دخلت عالم السياسة بعد، لكنها كانت معروفة بأنها من المؤيدين البارزين لنتنياهو.، مضيفة: "ونتنياهو، في نوع من ضبط النفس الذي لا يمكن تصوره تقريبا، لا يفعل أسهل شيء: إقناع الجيش الإسرائيلي بالإطاحة بحماس، والسؤال هو: لماذا؟ إذا انهارت حماس، فقد يسيطر أبو مازن [محمود عباس] على غزة، وإذا سيطر عليها، فستكون هناك أصوات من اليسار ستشجع المفاوضات والحل السياسي والدولة الفلسطينية في الضفة الغربية.
واعترف نتنياهو نفسه بذلك قبل شهرين من الإدلاء بتصريحات ديستيل اتباريان، عندما أعلن في اجتماع لحزبه (الليكود) أن "كل من يريد إحباط إقامة دولة فلسطينية يحتاج إلى دعم حماس، وهذا جزء من استراتيجيتنا لعزل الفلسطينيين في غزة عن الفلسطينيين في الضفة الغربية".
وأصبح تعزيز سياج غزة جانبا آخر من استراتيجية نتنياهو، الذي أوضح، عندما أعلن مع بدء العمل فيه عام 2019، عن إضافة حاجز تحت الأرض تبلغ كلفته أكثر من 3 مليارات شيكل، "من أجل منع تسلل الإرهابيين".
وبعد ذلك بعامين، كتب الصحفي الإسرائيلي، رون بن يشاي، في موقع "واي نت" العبري، أن الهدف النهائي للسياج، الذي كان يعتبر حاجزًا لا يمكن اختراقه، هو "منع الاتصال بين حماس في غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية".
وفي صباح يوم السبت الماضي، تم هدم هذا السياج، ومعه عقيدة نتنياهو الأوسع، التي اعتمدها الأمريكيون والعديد من الدول العربية، والتي تقول إنه من الممكن تحقيق السلام في الشرق الأوسط بدون الفلسطينيين.
وبينما عبر مئات المسلحين الحدود دون عوائق في طريقهم لاحتلال مواقع الجيش والتسلل إلى العشرات من المجتمعات الإسرائيلية على بعد 18 ميلاً، أعلنت حماس بأكثر الطرق وضوحًا وإيلامًا وإجرامًا أن الصراع الذي يهدد حياة الإسرائيليين مستمر.
وهنا يقول إيكولز إن الصراع مع الفلسطينيين، وفكرة أنه يمكن تجاوزهم عبر الرياض أو أبو ظبي، أو أن المليوني فلسطيني المسجونين في غزة سيختفون إذا قامت إسرائيل ببناء سياج محكم بما فيه الكفاية، ليس سوى وهم يتبدد الآن بطريقة رهيبة في كلفتها البشرية.
وأضاف أن الاستنتاج الذي تستخلصه إسرائيل حاليًا هو أن الصراع يدور في فلسطين، وليس في السعودية، وأن الهدف هو "الإطاحة بحماس" أو "تسوية غزة بالأرض"، وهو إدراك يعني مزيد من الكلفة الباهظة للصراع.
وبما أن حماس، رغم قوتها وقدرتها على إحداث المفاجآت، لا تستطيع قتل 7 ملايين يهودي، وبما أن إسرائيل غير قادرة على تنفيذ نكبة أخرى (أو حتى استعادة غزة)، فمن الممكن أن تؤدي أحادث الأيام الماضية من الصدمة بما يعزز ضرورة حل الصراع على أساس الحرية والمساواة الوطنية والمدنية وإنهاء الحصار والاحتلال، بحسب إيكولز، مشيرا إلى أن هذا بالضبط ما جرى بعد صدمة حرب 1973 بين مصر وإسرائيل، التي يقارنها كثيرون بما يحدث اليوم.