ما مشكلة النظام السعودي مع غزة.. يشيطن حماس ويعتقل المتعاطفين
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يخنق محمد بن سلمان كل الأصوات التي تدين الاحتلال وتدعم الضحايا، في موقف يبعث بتساؤلات كثيرة.
Table of Contents (Show / Hide)
ويتساءل كثيرون عن سر اتخاذ الرياض هذا الموقف الشرس ضد من يعلن تعاطفه ودعمه لغزة التي استشهد فيها أكثر من 19 ألف شخص وأصيب عشرات آلاف آخرون في عدوان مدمر لم يشهد القطاع المحاصر له مثيلا.
اعتقال واحتجاز
ومن ضمن أشكال محاربة الأصوات الداعمة لغزة، اعتقلت السلطات السعودية المواطن المصري "عبدالرحمن محمد عبدالرحيم"، المشهور على منصة التواصل الاجتماعي "تيك توك" باسم "زلزال الصعيد".
جرى الاعتقال في أكتوبر/تشرين الأول 2023 بمكة المكرمة عند تواجده لأداء مناسك العمرة برفقة والدته، وفق ما أعلن حساب "معتقلي الرأي" الخاص بتتبع المعتقلين داخل المملكة، في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2023.
وكان السبب الرئيس لاعتقاله نشره فيديوهات تتضمن محتوى يدعم القضية الفلسطينية والمدنيين في غزة.
ونشرت "وكالة الأنباء الفرنسية" تقريرا في 13 أكتوبر، بعد أيام قليلة من بداية العدوان الإسرائيلي على غزة أوردت فيه أن مراسلها شاهد عناصر من الأمن السعودي وهم يقيدون يدي مصل هتف خلال صلاة الجمعة بالمدينة المنورة متوجها إلى الإمام: "تكلم عن فلسطين.. غزة تحت القصف".
وحسب الوكالة، فإنه جرى نشر سيارات شرطة أمام مساجد أخرى في المدينة لتتبع أي محاولة لإظهار الدعم أو الخروج عن الصمت المفروض من قبل الأجهزة الأمنية.
وفي 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، رصد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، اعتقال السلطات السعودية عددا من زوار الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، على خلفية إعلانهم التضامن مع غزة بما في ذلك ارتداء الكوفية الفلسطينية.
وأشار المرصد إلى احتجاز أجهزة الأمن الممثل والمخرج البريطاني المسلم "إصلاح عبدالرحمن" بسبب ارتدائه الكوفية الفلسطينية في مكة، وجرى التحقيق معه دون سند قانوني.
أما المظهر المثير للاستغراب والاستهجان في آن واحد، هو إقدام الشرطة السعودية على احتجاز من يرفعون أكفهم بالدعاء العلني لأهل غزة.
ففي 11 نوفمبر 2023 جرى احتجاز معتمر جزائري داخل المسجد النبوي بتهمة الدعاء جهرة لغزة، وفق ما قال في مقطع فيديو على حسابه بموقع "تيك توك" بعد عودته إلى بلاده.
وأضاف: "أتشرف كامل الشرف أنني احتجزت في مدينة رسول الله لأكثر من 6 ساعات بسبب الدعاء لإخواني في فلسطين".
وأوضح أنه اغتنم فرصة أدائه مناسك العمرة في الدعاء للفلسطينيين المستضعفين في ظل المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال، مستنكرا أن تعد بلاد الحرمين هذا الأمر إجراما.
وعلقت صحيفة "الوطن" المعارضة المختصة بالشؤون الخليجية: "نؤكد أن ما تفعله السلطات السعودية من تكميم للأفواه ضد الزوار والمعتمرين، يعد انتهاكا صارخا لجميع معايير حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، ونطالبها بتوفير أجواء آمنة لزوار الحرمين الشريفين".
وصم المقاومة
السياق الثاني الذي اتبعته المملكة تحت مظلة ولي العهد محمد بن سلمان، في تعاملها مع كارثة غزة القائمة، هو التشويه المتعمد للمقاومة، خاصة حركة المقاومة الإسلامية حماس، عبر القنوات الرسمية، وبعض الأذرع الدينية المحسوبة على السلطة.
ظهر هذا عندما نشرت قناة "العربية" السعودية الرسمية تقريرا في 7 ديسمبر 2023، عن الأوضاع في غزة شمل توجيه انتقادات لاذعة لحماس وتحميلها المسؤولية عما يحدث.
وكتبت القناة عبر حسابها في موقع "إكس" على لسان أحد المواطنين: "أنا بدي (أريد) أوجه رسالتي لحكومة حماس حسبي الله عليكم.. إحنا ميه مش لاقيين يا (زعيم حركة حماس في غزة يحيى) السنوار إذا كنت تسمعنا".
وهو ما استدعى الإعلامي المصري حافظ الميرازي للرد على التقرير عبر حسابه بموقع "إكس" حيث وصفه أنه لا ينتجه إلا أمثال أفيخاي أدرعي (المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي)، وليست قناة اسمها "العربية" وأصبح مقرها عاصمة بلاد الحرمين الشريفين.
وأضاف: "أفهم ألا تكترث السعودية مع توجهها السياسي الجديد بمحنة وقضية الفلسطينيين، بوصفها من الإرث القومي العربي الماضي، شأنه شأن المذهب الوهابي الإسلامي المنصرم".
وأتبع: "كما أفهم، رغم الأحداث الدامية، مواسم الترفيه في الرياض ومهرجانات البحر الأحمر واستضافة نجمات الإغراء والإيحاءات الجنسية في السينما الأميركية حتى العجوزات منهن".
ثم استطرد: "لكن لا أفهم هذا القدر من التشفي وتلك الشماتة الإعلامية الفجة بهذا الإعلان فيما يتعرض له الشعب الفلسطيني من جرائم إسرائيلية، ويجري تحميل مسؤوليتها على حماس وتأليب الناس، في وقت فجيعتهم التي يكفرون فيها بكل شيء، ليوجهوا الانتقاد ضد حكومتهم، لأنها قررت المقاومة".
تلك الحالة المستشرية في الأجواء السعودية ضد المقاومة لم تشمل الإعلام فقط، بل وصلت إلى دعاة السلطة والمقربين من مجلس حكم الأمير محمد بن سلمان، ومنهم الشيخ "سعيد بن هليل العمر".
ووصف العمر حماس في مقطع فيديو نشر في 9 نوفمبر 2023، بأنها "الشر بعينه"، وعقب: "جلبت الدمار لإخواننا، هيجت علينا الأعداء بدعاوى تدنيس المسجد الأقصى، وهل هناك أصنام في المسجد الأقصى؟!".
لقد سئموا
وفي 13 ديسمبر 2023، نشر الكاتب الأميركي توماس فريدمان مقالة في نيويورك تايمز بعد عودته من السعودية قال فيها: "لقد سئم قادة المملكة من القول بأن عليهم تأجيل أولوياتهم وتركيز طاقتهم واهتمامهم ومواردهم على القضية الفلسطينية".
وأضاف: "في الوقت نفسه، فإنهم مرعوبون حقا من الخسائر المدنية في غزة، وهم يدركون تمام الإدراك الفساد وعدم الكفاءة العامة للسلطة الفلسطينية".
وعقب: "لكنهم يكرهون فروع جماعة الإخوان المسلمين مثل حماس ويفهمون كيف يحاول المتعاطفون معها في جميع أنحاء المنطقة، بمساعدة إيران المتهكمة، استخدام صور الأطفال القتلى في غزة على شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي لتأجيج مشاعر السكان العرب".
وشدد على أن "أشد ما أزعج حكام المملكة، أنه عندما دشن موسم الرياض، بدأ المؤثرون الإعلاميون وهم إلى حد كبير من الكويت ومصر في مهاجمة السعوديين بسبب استمتاعهم بينما كانت غزة تحترق".
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في 27 أكتوبر 2023، أن "أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، قالوا إنهم غادروا الرياض مع انطباع بأن السعوديين ما زالوا يرغبون في الاعتراف بإسرائيل عندما تأتي اللحظة المناسبة".
وأوردت الصحيفة الأميركية على لسان السيناتور ليندسي غراهام قوله إن "ابن سلمان تحدث خلال لقائه مع أعضاء مجلس الشيوخ بلهجة متشائمة وغاضبة من هجوم حماس في 7 أكتوبر" على مستوطنات غلاف غزة ردا على انتهاكات الاحتلال بحق المسجد الأقصى.
وأضاف غراهام أنه "فهم من كلام ولي العهد أنه عد ذلك عملا إرهابيا وأنه يرغب في رد مدروس لا يتحول إلى صراع أطول وأعمق، أي القضاء على حماس بهدوء".
وشدد على هذا أيضا جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في حواره مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية في 30 أكتوبر.
وقال كوشنر المقرب من ابن سلمان: "عدت للتو من السعودية، هم يؤيدون رؤية إسرائيل لتنجز المهمة للتأكد من القضاء على حماس".
وقبل "طوفان الأقصى" بأيام وتحديدا في 21 سبتمبر/أيلول 2023، خرج محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الأميركية وأدلى بأول تعليق علني له بشأن المحادثات مع إسرائيل.
وقال ولي العهد السعودي، إن المفاوضين يقتربون من التوصل إلى "اتفاق تاريخي"، وصفه بأنه "الأكبر منذ الحرب الباردة".
وكان ابن سلمان يعلل صفقة تطبيعه بأنه سينتزع حلا للفلسطينيين، ولن يتنازل عن حقوق قضيتهم. وبعد العدوان، قالت إسرائيل في رواية رددها كتاب سعوديون إن عملية حماس تهدف إلى إفشال عملية التطبيع بين الطرفين.
وجاءت عملية طوفان الأقصى لتعرقل مبدئيا الشكل الذي كانت ستنتجه صفقة تطبيع الرياض وتل أبيب، وتبرز تساؤلات عن إمكانية أن تستمر بنفس صيغتها أم تنذر بحدوث تغيير.
ولا شك أن ما أحدثته المقاومة الفلسطينية، عصف بمشروع ولي العهد، كوسيط محتمل قادر على أن يغير في معادلة الصراع، وربما تسبب ذلك في تململه ونظامه من الحالة برمتها.
المصدر: الاستقلال