في مقال موسع لمدير المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، نالت الأزمة في الشرق الأوسط 261 كلمة فقط من أصل 3696 كلمة، أي أقل من 10 بالمئة من المقال.
الصين وروسيا والتكنولوجيا الحديثة نالت الجزء الأكبر من المقال.
بالنسبة للكثيرين منا في المنطقة، فإن ذلك مستغرب جدا ونحن نرى الإدارة الأمريكية تنخرط في أزمة حرب غزة بشكل يومي.
دعونا نتعلم من السيد وليم بيرنز مدير الوكالة، فهو يقول إنه في "مهنة الاستخبارات، ندرس بعناية ما يقوله القادة. لكننا نولي المزيد من الاهتمام لما يفعلونه".
أجل علينا أن نولي اهتماما أكبر ما تفعله إدارة بايدن، فقد كرست معظم وقتها منذ 7 أكتوبر لحماية الكيان الصهيوني، وانشغلت وزارة الخارجية بتقديم الدعم السياسي للكيان، فيما انشغلت وزارة الدفاع بتقديم المساعدات العسكرية، وانخرط بيرنز نفسه بتقديم الدعم الأمني والاستخباري للكيان الصهيوني، أما العجوز بايدن فقد كان على اتصال دائم بنتنياهو، وقد شارك شخصيا في محادثات الهدنة الأولى.
وهذا الحجم من الانخراط لم نره حتى في حرب أوكرانيا، وهي القضية التي أولاها مقال وليم بيرنز أضعاف ما أولى قضية الحرب في غزة.
هل هناك تناقض؟
لا أعتقد ذلك، فالصين وروسيا تشكلان التحدي الرئيسي للولايات المتحدة، وهي تصرف معظم مجهودها الاستخباري والأمني والعسكري والسياسي هناك، لكن السر هنا يكمن في شيء اسمه الكيان الصهيوني، ولكن لماذا؟
درسنا أن الولايات المتحدة دولة تسعى لتحقيق مصالحها في المنطقة، ويمكن القول أن مصالحها متحققة بشكل ممتاز حتى مع استبعاد الكيان الصهيوني؛ فالنفط يتدفق بشكل سلس، والأهم أن الأنظمة في المنطقة تعتبر نفسها حليفا استراتيجيا لواشنطن وتفتخر في ذلك، ومعظم الدول النافذة في العالم العربي تدور في الفلك الغربي وتنتهج سياسته، وتملك الولايات المتحدة قواعد عسكرية في معظم دول المنطقة، ومعظم النخب العربية المؤهلة لاستلام مسؤوليات خريجة الجامعات الغربية، كما أن الدول الغنية تساهم مساهمة فعالة في الاقتصاد الأمريكي من خلال الاستثمار في السندات الأمريكية، وفوائض أموالها موجودة في البنوك الغربية. فما تريد واشنطن أكثر من ذلك؟
بالتأكيد ستكون المنطقة أكثر استقرارا مع استبعاد الكيان الصهيوني، وربما تكون مصالح الولايات المتحدة أكثر تحققا، ومع ذلك فإنها تصر على حمايته، وأكثر من ذلك على وجوده كما قال بايدن: "لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها"!!
يكمن السبب في أن هذه المنطقة عصية على الذوبان حتى مع وجود كل تلك النخبة المتماهية مع المشروع الغربي الأمريكي، وذلك بسبب توفر مخزون ديني حضاري ثقافي عميق يشكل ندا وتحديا حضاريا ويمكن أن يثور يوما، والمطلوب إبقاؤه خامدا.
*عبد الله المجالي كاتب صحفي أردني