بعد سنوات من الابتزاز.. هكذا انتصر مسلمو أميركا قضائيا على “إف بي آي”
منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، يضع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي "إف بي آي" عشرات المسلمين الأميركيين على قوائم "حظر الطيران" ولا يسمح لهم بالسفر الجوي لاشتباهه في أنهم "إرهابيون محتملون".
Table of Contents (Show / Hide)
واستغل "إف بي آي" هذه المسألة لابتزاز بعض المسلمين الأميركيين للعمل مخبرين لديه للتجسس على مساجد المسلمين وأنشطتهم مقابل حذف أسمائهم من هذه القائمة.
لكن المحكمة العليا الأميركية أصدرت قرارا تاريخيا لصالح مواطن أميركي مسلم في 19 مارس/ آذار 2024 ضد ممارسات "إف بي آي" بعد سنوات من التسويف والاستئنافات أمام عدة محاكم.
ما القصة؟
تعود القضية إلى محاولة ضباط "إف بي آي" قبل 10 سنوات، ابتزاز أحد مسلمي أميركا من أصل صومالي، كان يعيش في السودان، وهو "يوناس فكري"، بمقايضة حقه في العودة لبلده للولايات المتحدة، بطلب تشغيله عميلا لصالحها، لكنه رفض.
وحين حاول السفر إلى أميركا، حذره "إف بي آي" من السفر وضايقه وسعى لتلفيق تهم ضده، ما دفع مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية "كير" لرفع قضية ضدهم، استمرت 10 سنوات حتى فاز المواطن بها.
يوناس فكري، كان قد اعترض على إدراجه في قائمة حظر الطيران، قائلا إنها تنتهك الإجراءات القانونية الواجبة وتصل إلى حد التمييز على أساس العرق والأصل القومي والدين، وحصل على حكم تاريخي، وفق "نيويورك تايمز" 19 مارس 2024.
انتقل فكري من ولاية أوريغون إلى السودان عام 2009 لبناء شركته وقال إن مكتب التحقيقات الفيدرالي وضعه على القائمة بعد أن رفض أن يصبح مخبرا للحكومة.
وعندما عاد إلى ولاية أوريغون في عام 2015، قالت الحكومة إنها أزالته من القائمة، للتحايل على الدعوى القضائية وإثبات أنه لا محل لها.
وقد أكد "فكري" أنه تعرض للتعذيب والسجن في الإمارات بناء على طلب من مسؤولين أميركيين، بسبب وضعه على قائمة حظر الطيران، ورفضه العمل مخبرا لمكتب التحقيقات الفيدرالي.
ورفع دعوى قضائية ضد مكتب التحقيقات الفيدرالي في عام 2013 خاصة أنه أصبح مشردا في السويد، وغير قادر على العودة إلى أميركا، وفق منظمة "كير" 20 مارس 2024.
وفي سابقة مهمة، انتصر قضاة المحكمة العليا التسعة كلهم، لدعوى "فكري" وسمحوا له بمقاضاة "إف بي آي" بشأن وضعه على قائمة حظر الطيران بحجة أن ذلك مخالف لحقوقه.
ورفضوا ادعاء الحكومة بأن حذفه من قائمة الحظر يجعل الدعوى باطلة، مؤكدين أن الأخيرة فشلت في إثبات أن القضية كانت موضع نقاش، ولكن جرى التحايل بادعاء إزالته من القائمة حين رفع دعوى قضائية.
قائمة الحظر
"قائمة حظر الطيران" هي جزء من قائمة مراقبة الإرهاب التي وضعتها الحكومة الأميركية والتي "تحظر على الإرهابيين المعروفين أو المشتبه بهم السفر جوا إلى الولايات المتحدة أو خارجها أو داخلها أو فوقها".
وقد جرى إدراج أكثر من 81 ألف شخص على القائمة حتى عام 2016، بحسب الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (ACLU)، وفق موقع "جورست" المتخصص في القانون 20 مارس 2024.
وبدأت القائمة تتوسع بسرعة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 التي استهدفت أبراج التجارة العالمية في نيويورك واتهم بها تنظيم القاعدة، مما أثار مخاوف بشأن التمييز.
والقائمة تختلف عن الأمر التنفيذي رقم 13769، المُسمى رسميا "حماية الأمة من دخول الإرهابيين الأجانب إلى الولايات المتحدة"، وسياسيا باسم "حظر المسلمين"، والذي أصدره الرئيس السابق دونالد ترامب في 27 يناير/كانون الثاني 2017 لمنع سفر وهجرة مسلمي 7 دول عربية.
وقد رأى مجلس "كير" أن هذه القائمة تعني "النفي الإجباري" لمسلمي أميركا عند سفرهم خارج الولايات المتحدة ثم رغبتهم في العودة إليها.
أكد في عدة بيانات على مدار السنوات العشر السابقة، أن أميركيين مسلمين عالقين في دول مختلفة منها مصر وإفريقيا والسويد، لا يمكنهم العودة لبلدهم التي يحملون جنسيتها، بسبب وجود أسمائهم على قائمة "حظر الطيران".
ونصحت "كير" مسلمي أميركا في حالة سفرهم إلى الخارج بالحصول على رقم محام يمكن الاتصال به إذا جرى منعهم من العودة، لأنها تلقت العديد من التقارير عن مسلمين أميركيين عالقين في الخارج ولا يمكنهم العودة.
وهؤلاء المسلمون الممنوعون من العودة لبلادهم يتم حرمانهم من حقوق التمثيل القانوني، ويخضعون لضغوط المباحث الفيدرالية "إف بي آي" للتخلي عن حقهم الدستوري في "التزام الصمت" ويتم مصادرة جوازات السفر الخاصة ببعضهم من السفارات الأميركية في الخارج.
وحين يحاولون العودة لبلدهم، يهددهم عملاء "إف بي آي" بعدم العودة مطلقا إلى الولايات المتحدة إذا لم يتخلوا عن حقوقهم الدستورية، ويرضخ بعضهم للتهديدات، ويقبلون الإجابة عن أسئلة المباحث الفيدرالية دون وجود محام.
وقالت مديرة مشروع الأمن القومي لاتحاد الحريات المدنية الأميركي "هينا شمسي" لصحيفة "نيويورك تايمز" 19 مارس 2024، إن الجماعات الحقوقية وثقت الظلم الذي يكتنف برنامج قائمة حظر الطيران وعواقبه المدمرة على حياة مسلمي أميركا.
وصفت برنامج "حظر الطيران" للمسلمين بأنه بمثابة "صندوق أسود"، وأن إف بي آي لا يكتفي بترك الأشخاص في حالة جهل بشأن سبب إدراجهم في القائمة، ولكنه لا يفسر لهم سبب وضعهم عليها أو إزالتهم منها، أو أي ضمان ضد إدراجهم بشكل غير قانوني فيها مستقبلا.
ووفقا لاتحاد الحريات المدنية الأميركي، فإن الأميركيين المدرجين في القائمة هم "مسلمون ومن ذوي الأصول العربية أو الشرق أوسطية أو الجنوبية الشرقية".
وقد سعت "كير" مع اتحاد الحريات المدنية لتقديم شكاوى عديدة منذ عام 2010 بسبب إدراج مئات المسلمين الأميركيين على قائمة حظر الطيران دون تقديم أسباب لذلك أو إعلام من تدرج أسماؤهم على اللائحة.
وطالبوا الرؤساء المتعاقبين، خاصة باراك أوباما وجو بايدن، بإعادة النظر في "الإجراءات المزعجة التي تنكر الحقوق الدستورية للمسلمين الأميركيين"، وفق بيانات نشرها اتحاد الحريات المدنية.
وكان الاتحاد قال إن من بين مسلمي أميركا العالقين في الخارج جندي سابق في البحرية يدعى أيمن لطيف، يعيش في مصر ولا يستطيع هو وأسرته العودة للولايات المتحدة، وآخرون منهم "يوناس فكري".
مراقبة سرية
وفي 15 يوليو/تموز 2010 نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا عن شاب أميركي مسلم يُدعي "يحيى الوحيلي"، قال إنه عالق في القاهرة، منذ مايو/أيار 2010 بعد أن منعه عملاء "إف بي آي" في مطار القاهرة من السفر خلال تغيير الطائرة في رحلة من اليمن إلى الولايات المتحدة.
وقالت الصحيفة إن "الوحيلي" عرض على عملاء "إف بي آي"، بعد ساعات من التحقيق معه في القاهرة، العودة إلى الولايات المتحدة مكبلا وتحت الحراسة إلا أنهم رفضوا أيضا.
وأضافت أن قضية الوحيلي تعكس رد الفعل العدائي لمسؤولي مكافحة الإرهاب تجاه المسلمين كلما حدث أي تهديد إرهابي لا علاقة لهم به، مثل محاولة تفجير سيارة مفخخة في ميدان "تايمز سكوير" في نيويورك عام 2010.
وكانت مشكلة "قائمة حظر الطيران" أثيرت أيضا في مايو 2023 حين جرى منع عمدة بلدية "بروسبكت بارك" بولاية نيوجيرسي، "محمد خير الله" من دخول البيت الأبيض، قبل حفل استقبال احتفالا بعيد الفطر.
خير الله قال إنه تمت دعوته لزيارة البيت الأبيض كجزء من مجموعة من المسؤولين المنتخبين الأميركيين المسلمين في جميع أنحاء البلاد للاحتفال بنهاية شهر رمضان، ولكن تم إخطاره بأنه لن يُسمح له بذلك بسبب وجود اسمه على "قائمة المراقبة السرية".
وقد رفع محمد خير الله، بالإضافة لـ 11 أميركيا مسلما، دعوى قضائية ضد إدارة جو بايدن، لوضع حد لقائمة "المراقبة السرية" التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي التي سربت عام 2019، ووقف سياسات الحكومة تجاه المسلمين.
وفي عام 2019، تمكن مخترق سويسري من الكشف عن قائمة المراقبة السرية لمكتب التحقيقات الفيدرالي، تسربت على الإنترنت على خلفية خلل تقني في خادم إنترنت خاص بإحدى شركات الطيران الأميركية.
وتضمنت القائمة التي نشرها موقع "ديلي دوت" الإخباري لأول مرة، آنذاك، مجموعة من الأسماء من قاعدة بيانات الولايات المتحدة الخاصة بمن يتم فحصهم للتأكد من عدم صلتهم بأي نشاطات إرهابية، وقائمة بالمحظورين من السفر جوا.
تداعيات الحكم
جاء قرار المحكمة الأخير لصالح يوناس فكري ليجبر "إف بي آي" ضمنا على مراجعة قائمة حظر الطيران، التي توسعت بسرعة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 وتشمل 81 ألف مسلم، ما عده مسلمون انتصارا تاريخيا.
مجلس "كير" رحب بالحكم الذي أصدرته المحكمة العليا بأغلبية 9 أصوات مقابل صفر وأكد أنه يسمح للمجلس بالطعن في قائمة حظر الطيران الفيدرالية نيابة عن يوناس فكري.
ووصف المدير التنفيذي لمجلس "كير" نهاد عوض، قرار المحكمة العليا بأنه "تاريخي"، ضد مكتب التحقيقات الفيدرالي وأنه يفتح الباب أمام محاسبة الحكومة على ممارسات غير قانونية تاريخيا، بحق المسلمين في أميركا.
وكانت المحامية الأميركية المسلمة دينا شحادة أكدت أن "إف بي آي" يعمل على تضييق الخناق على المسلمين في الولايات المتحدة وسط استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
قالت لوكالة "الأناضول" التركية 20 مارس 2024 إن الشكاوى تركزت حول سؤال مسؤولي المباحث الأميركية للمسلمين عما إذا كانوا يدعمون حركة المقاومة الإسلامية حماس.
وأضافت شحادة، وهي مديرة الحقوق المدنية في مجلس "كير" في لوس أنجلوس، أن مكتبها تلقى خلال عدة أيام قليلة العديد من الشكاوى من أفراد الجاليات الفلسطينية والعربية والمسلمة.
وقال هؤلاء إنهم "تعرضوا للتدقيق والمراقبة والاستجواب المكثف من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الذين اتصلوا بهم، إما عبر الهاتف أو بالذهاب إلى منازلهم لاستجوابهم".
وأكدت أن حكم المحكمة العليا يعد انتصارا كبيرا للمسلمين الذين ظلمهم مكتب التحقيقات الأميركي وسيخفف محاولات المكتب استغلالهم وابتزازهم للتخابر معه.
المصدر: الاستقلال