هكذا ستمنع واشنطن الرياض من امتلاك قنبلة نووية.. ثمن باهظ للتطبيع
خلال عام 2023، وقبل أقل من شهر من عملية "طوفان الأقصى"، التي غيّرت كل شيء، كانت "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية تتفاوضان على اتفاق لتطبيع العلاقات.
Table of Contents (Show / Hide)
وبعد عقود من العلاقات الباردة، "كان ثمن السلام الذي طلبته الرياض باهظا"، وفق وصف مقال مشترك نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية.
وشارك في كتابة هذا المقال، مدير برنامج الدراسات الأمنية في جامعة "جورج تاون" الأميركية دانييل بايمان، والزميلة المشاركة في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، دورين هورشيغ، والباحثة في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، إليزابيث كاس.
وجاء فيه أنه "بالإضافة إلى الضمانات الأمنية الأميركية والتنازلات الإسرائيلية الرمزية على الأقل بشأن السيادة الفلسطينية، كان المفاوضون السعوديون يطالبون بالحصول على التكنولوجيا النووية المدنية".
وأضاف أنه "على الرغم من الجهود التي بذلتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أخيرا، يظل هذا الاتفاق مجرد احتمال بعيد".
ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحتى لو كان المسؤولون السعوديون مهتمين بالتحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فغالبا سيجدون أن التفاوض على سلام دائم أمر مستحيل حاليا.
ويرجع ذلك بحسب المقال إلى أن الشعوب العربية -بما في ذلك الشعب السعودي- غاضبة إزاء الأزمة الإنسانية التي خلفها العدوان الإسرائيلي على غزة.
وبدأ العدوان بعد تنفيذ حركة المقاومة الإسلامية حماس عملية طوفان الأقصى في مستوطنات غلاف غزة. وادعت تقارير عبرية وغربية أن أحد أهداف العملية كان إفشال التطبيع بين السعودية وإسرائيل.
جزرة التطبيع
ويرى أنه "بينما تفكر الولايات المتحدة في كيفية تعزيز الاستقرار بالشرق الأوسط، سواء أثناء الحرب في غزة أو بعدها، فإن قضية البرنامج النووي السعودي ستلوح في الأفق بشكل كبير".
وأضاف: "إذا كانت واشنطن تأمل في استخدام جزرة التطبيع مع السعودية لتحفيز السياسة الإسرائيلية في اتجاه معين، فستحتاج إلى النظر في مطالب الرياض المتعلقة بالتعاون في البرنامج النووي المدني، والمطالب المرتبطة بالدفاع".
"وهو تطور يمكن أن يغير الصورة الأمنية في الإقليم إلى حد بعيد، خاصة إذا كانت السعودية تريد في نهاية المطاف برنامج نووي عسكري أيضا".
وحاليا، سيشمل البرنامج النووي السعودي المقترح مفاعلات مدنية تدار بموجب اتفاقية ضمانات شاملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
"لكن الرياض أعربت عن عدم ارتياحها حتى تجاه تلك القيود القياسية. وغالبا ما تكون البرامج النووية السلمية هي الخطوة الأولى نحو الحصول على أسلحة نووية، وفق المقال.
وأضاف أنه "على الرغم من أن السعودية لا تمتلك حتى الآن بنية تحتية نووية كبيرة خاصة بها، فإنها تبني مفاعل أبحاث نوويا صغيرا على مشارف الرياض وتطوّر صواريخ باليستية بمساعدة الصين".
وتابع: "ربما تلتزم السعودية بالتطوير النووي المدني في الوقت الحالي، لكن نظرا للتهديد الذي يلوح في الأفق المتمثل في القنبلة النووية الإيرانية، فقد تميل إلى التحرك نحو التسلح النووي العسكري في المستقبل".
ويؤكد المقال أنه على الولايات المتحدة الحد من هذا الخطر. ووصف السياسة التي يدعو واشنطن لاتباعها بأنها "خط صعب عليها أن تلتزم به".
"فهي إن تعاونت مع الرياض بشكل أقل مما ينبغي، فقد تفقد الدعم السعودي للتطبيع مع إسرائيل وتتنازل عن نفوذها لصالح منافسين مثل الصين، هذا من جهة".
"ومن جهة أخرى، إذا منحت (واشنطن) دعما غير مشروط لقدرات التخصيب النووي السعودية، فيمكن أن تستغل المملكة هذه الفرصة لتطوير برنامج للأسلحة النووية في المستقبل".
ولذلك يقول الخبراء: "يجب على واشنطن أن تقبل الطموحات النووية السلمية للسعودية، ولكن تصر على اتخاذ تدابير قوية وأنظمة صارمة لاستباق الانتشار النووي السعودي، ومنع سباق التسلح الإقليمي".
وفي هذا السياق، يؤكد المقال أن "من الأهمية بمكان أن تعمل الولايات المتحدة مبكرا على تقييد قدرة المملكة على تطوير برنامج للسلاح النووية"، مضيفة أن "واشنطن لا تستطيع تحمل التأخير".
وأشار إلى ما حدث عام 2009، حين دفعت المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان الكونغرس لتأخير إبرام "اتفاقية 123" مع الإمارات، المختصة بالتعاون النووي السلمي. ومن المؤكد أن "أي اتفاق مع السعودية سيخضع لمزيد من التدقيق".
ونوه المقال إلى أن "المخاوف بشأن انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط لا بد أن تكون لها الأولوية".
بدائل مقترحة
وكبديل للتخصيب السعودي، يطرح المقال أن تعرض واشنطن ضمان إمدادات موثوقة من اليورانيوم المخصب لمفاعلات المملكة، مما يلغي حاجتها إلى منشآت التخصيب المحلية.
وأضاف: "ربما تعرض واشنطن وقفا طويل الأمد للتخصيب المحلي السعودي، أو إدارة منشآت التخصيب بواسطة أفراد أميركيين بدلا من سعوديين، مع وجود آلية إغلاق عن بعد في حالة وقوع احتمالية للاستيلاء".
ويمكن لواشنطن -بحسب المقال- أن تجعل حظر التخصيب مشروطا كجزء من اتفاق التعاون الدفاعي الثنائي بين الولايات المتحدة والسعودية.
وقد يتخذ ذلك شكل حظر رسمي توقّعه الرياض، أو وثيقة تكميلية غير ملزمة مصاحبة لاتفاقية رسمية تحتوي على بند إضافي توافق فيه السعودية على عدم إنشاء بنية تحتية لدورة الوقود.
وبموجب هذا المقترح الأخير، سيُسمح للرياض بالاحتفاظ بالحق الفني في التخصيب، لكنها ستوافق مقدما على عدم اتخاذ خطوات في هذا السياق.
ويرى كتّاب المقال أنه "نظرا لموقف إيران الإقليمي العدواني المتزايد، فإن الاتفاق الأمني المعزز بين الولايات المتحدة والسعودية سيظل أولوية سعودية قصوى، وحافزا قويا للرياض للحد من طموحاتها النووية".
وقالوا: "لا يمكن لواشنطن أن تتخلص من الطموحات النووية للسعودية". وأوضحوا أنه "إذا فشلت المملكة في الحصول على الدعم الذي تحتاجه من الولايات المتحدة، فإنها ستلجأ إلى دول أخرى لتمويل برنامجها النووي".
"ولهذا، ينبغي على صناع القرار في الولايات المتحدة الاستمرار في إقناع نظرائهم السعوديين بمزايا تكنولوجيا المفاعلات الأميركية مقارنة بالتكنولوجيا الصينية والروسية".
و"هذا مع التركيز على الفوائد التقنية الناتجة عن الالتزام بالمعايير الأميركية للبرامج النووية وتعزيز الشفافية".
وليس أقل هذه الفوائد -بحسب المقال- الوصول إلى التقنيات النووية المتقدمة ذات الشهرة العالمية التي تحوزها واشنطن. وأضاف أن ذلك سيؤكد أيضا على التزام المملكة بدعم النظام الدولي القائم على القواعد.
ويحذر المقال من أنه "إذا فشلت واشنطن في تقديم عرض مقنع للرياض، فإنها تخاطر بفقدان أي تأثير على القدرات النووية السعودية".
وشدد على أن "مخاطر السياسة الأميركية تجاه البرنامج النووي السعودي تمتد إلى ما هو أبعد من المملكة نفسها، وحتى الشرق الأوسط".
كما يلفت النظر إلى أن "إستراتيجية واشنطن ستشكل هذه المرة سابقة يمكن أن تنطبق على دول أخرى، مثل كوريا الجنوبية وألمانيا، التي قد تسعى إلى توسيع برامجها النووية المدنية".
وتابع أن قول "نعم" لحليف واحد، يجعل من الصعب قول "لا" للآخرين. وختم المقال أنه "على واشنطن أن تمضي قدما وهي تعلم أن نتائج هذه المفاوضات يمكن أن يتجاوز تأثيرها مجرد قلب توازن القوى الإقليمي، فقد تؤدي إلى تغيير الحسابات النووية عالميا.
المصدر: الاستقلال