أشارت الصحف الإسرائيلية إلى مغادرة الآلاف من الإسرائيليين من الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد اندلاع العدوان الإسرائيلي الشرس على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية وتكميم الأفواه واستمرار المقاومة الفلسطينية رغم الآلام الكبيرة، الأمر الذي دفع أكثر من (400) ألف إسرائيلي باتجاه أوروبا وأمريكا وغالبيتهم من جيل الشباب، ليضاف هذا العدد إلى (500) ألف إسرائيلي كانوا خارج الأراضي المحتلة خلال عملية طوفان الأقصى قبل ثمانية أشهر، ولم يعودوا إلى الآن، ومن غير المعروف ما إذا كان هؤلاء الفارون من إسرائيل سيعودون إليها أم لا.
وكان من بين الفئات التي سافرت للخارج ورفضت العودة شباب تم استدعاؤهم للتجنيد والمشاركة في حرب غزة، لكنهم تخلّفوا وتواجههم عقوبات، خاصة في ظل ارتفاع معدل التخلف عن التجنيد. ولولا التضييق على البعض لتركوها للجيش وقادته وهربوا، إذ تبخرت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر بعد عملية طوفان الأقصى.
إذ إن ظاهرة الهجرة العكسية لليهود خارج إسرائيل ليست بسبب الحرب على غزة اليوم وتداعيات استمرار المقاومة الفلسطينية، بل هي ملازمة للدولة اللقيطة إسرائيل كلما استجدت داخلها أزمة سياسية أو أمنية، وقد كشفت تقارير إسرائيلية أن نحو (40) في المائة من الإسرائيليين وخاصة جيل الشباب يفكرون في الهجرة إلى خارج فلسطين المحتلة.
وعلى المستوى الاستراتيجي تشكل الهجرة العكسية خطرا وجوديا على الاحتلال الذي يقوم بالأساس على سياسة الاستيطان الإحلالي التهويدي، بمعنى أنه يعمل بغرض جذب اليهود من مختلف دول العالم ويسعى في ذات الوقت إلى طرد كافة الفلسطينيين من وطنهم الوحيد، فلسطين. ولهذا كان قد أكد أول رئيس وزراء للاحتلال ديفيد بن غوريون، وحتى قبل النكبة في عام 1948، على ضرورة تكثيف سياسة الاستيطان الإحلالي عن طريق زيادة الهجرة إلى إسرائيل، حيث قال: "إن انتصار إسرائيل النهائي سيتحقق عن طريق الهجرة اليهودية الكثيفة، وإن بقاءها يتوقف فقط على توفر عامل واحد؛ هو الهجرة الواسعة إلى إسرائيل"، وهو عكس ما يحدث اليوم، لذلك لا مبالغة في القول إن ظاهرة الهجرة العكسية لها تأثيرات شديدة الخطورة على الاحتلال.
صمود وإفشال التهجير
لقد صدق من قال إن الأرض تعرف أهلها، فالبرغم من التفوق العسكري والعددي اليوم لقوات الاحتلال الإسرائيلي، نجد أن الاحتلال يتكبد الخسائر الكبيرة في ميدان المعركة وخارجه، ورغم المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي على مدار الساعة منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي والتي ذهب ضحيتها آلاف الشهداء والجرحى والمفقودين، إلا أن العدوان لم ينجح في تحقيق الهدف الإسرائيلي الأخطر في تهجير أهل غزة والضفة الغربية، بل على العكس، ارتفعت وتيرة الهجرة العكسية لليهود الإسرائيليين وخاصة الشباب؛ بعد انهيار أسطورة إسرائيل في أكتوبر المنصرم، ويدخل العدوان شهره التاسع دون أن يحقق أي هدف من أهدافه المعلنة والخفية، وتستمر المقاومة لتكتسب آثارها الكارثية والطويلة الأمد أبعادا إضافية على الداخل الإسرائيلي.
ففي ظل النقص العددي لليهود في إسرائيل، يضطر جيش الاحتلال إلى الاعتماد بنسبة (65) في المائة على جنود الاحتياط؛ ومع ذلك، يشكل هذا الاعتماد على الجيش الاحتياطي عبئا اقتصاديا كبيرا، حيث تكبد تلك التكلفة الخزانة الإسرائيلية أموالا طائلة، وتبعا لذلك تعتمد الاستراتيجية على الحروب الخاطفة والحاسمة، وقد سقطت تلك الاستراتيجية في امتحان المقاومة الفلسطينية المستمرة منذ ثمانية أشهر.
المصدر: عربي 21