أبرز ملامح الصراع الاقتصادي والدبلوماسي بين الرياض وأبوظبي في السودان
سلطت صحيفة "جون أفريك" الفرنسية الضوء على الصراع الاقتصادي والسياسي بين الإمارات والسعودية في السودان، مستعرضة الأهداف الإستراتيجية لكلتا الدولتين.
Table of Contents (Show / Hide)
وأوضحت الصحيفة أن هذه المنافسة تؤثر على مستقبل البلد الإفريقي واستقرار المنطقة ككل، مبينة أن الخلافات خاصة حول الزعامة السياسية والنفوذ الاقتصادي ليست وليدة اليوم.
وتحدثت أيضا عن رغبة الدولتين في لعب دور دبلوماسي بالمنطقة خاصة بإنجاز وساطات بين الدول الإفريقية المتناحرة.
مواجهة اقتصادية
وعلى حد وصف الصحيفة الفرنسية، "تدور الحرب الأهلية في السودان -على الورق- بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الجنرال عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي)".
وتابعت: "في هذا الصراع، أصبحت الهيمنة الإقليمية على المحك أيضا بين السعودية، التي تدعم البرهان، والإمارات التي تزود حميدتي بالسلاح والمال".
وأردفت: "ترى السعودية أن السيطرة على السودان يمكن أن تعزز مكانتها كزعيم إقليمي ونفوذها في العالمين العربي والإسلامي".
وفي المقابل، يوضح مستشار الجغرافيا السياسية والاستخبارات الإستراتيجية في الشرق الأوسط طلال محمد، أن "أبوظبي ترى في هذا الصراع وسيلة لإضعاف هيمنة الرياض الإقليمية وتوسيع قوتها".
وعلى جانب آخر، تلفت الصحيفة إلى أن "العنصر الآخر في اهتمام الرياض وأبوظبي بالسودان يتمثل بالاقتصاد".
وتقول خلود خير، المحللة السودانية ومؤسسة مجموعة "كونفلوينس" الاستشارية: "الإمارات، تعطي أولوية للذهب، أما السعودية فتضع الأمن الغذائي قبل كل شيء".
وفي هذا الصدد، تبرز "جون أفريك" أن "السودان، الذي يشكل جسرا مثاليا بين الشرق الأوسط وإفريقيا، يتمتع بالفعل بموارد طبيعية جيدة، لا سيما النفط والذهب والأراضي الصالحة للزراعة".
ويتفاقم التنافس في زمن الحرب لأن الإمارات والسعودية استثمرتا بقوة في الاقتصاد السوداني خلال السنوات الأخيرة، تقول الصحيفة الفرنسية.
وتطرقت إلى التنافس الاقتصادي بالعموم بين الدولتين الخليجيتين، مبينة أنه في وقت مبكر من عام 2009، اختلفت أبوظبي والرياض حول موقع البنك المركزي الجديد الذي اقترحه مجلس التعاون الخليجي.
وبحسب طلال محمد، مستشار الجغرافيا السياسية، كان الهدف من هذه المؤسسة هو “توحيد اقتصاد الخليج وإنشاء عملة مشتركة”.
وبعد قرار مجلس التعاون الخليجي أن تستضيف دولة الإمارات البنك، انسحبت السعودية من المشروع دون تفسير في اللحظة الأخيرة.
وبحسب الصحيفة، منذ ذلك الحين، والفراغ بين الدولتين تملؤه التوترات والتنافس بينهما يزداد بمرور السنوات.
حرب دبلوماسية
وبالحديث عن رغبة الدولتين في التنافس في الشؤون الإقليمية، تشير الصحيفة الفرنسية إلى “المبادرة السعودية للوساطة بين إثيوبيا وإريتريا عام 2018”.
كما تطرقت إلى "جهود الإمارات لخدمة الوسيط في منطقة الفشقة الحدودية بين السودان مع إثيوبيا".
ومن جانب الرياض، يوضح طلال محمد أنها "تحاول القيام بدور دبلوماسي محترم وخلق مكانة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع زيادة تجارتها مع القارة بشكل عام".
فعلى سبيل المثال، نظمت المملكة أول قمة سعودية إفريقية لها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 لتقديم رؤيتها الكبرى للقارة.
وفي المقابل، وبغض النظر عن الجهود الدبلوماسية، تعد الإمارات رابع أكبر مستثمر في إفريقيا -بعد الاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة-.
إذ تقدم الإمارات 16.6 مليار دولار لتمويل ما لا يقل عن 66 مشروعا في 28 دولة إفريقية، وفق الصحيفة الفرنسية.
وبالعودة إلى الخرطوم، يقول أحمد سليمان، الباحث في برنامج القرن الإفريقي في معهد تشاتام هاوس البريطاني، إن "الحرب في السودان جامدة إلى حد كبير ولا يستطيع أي من الطرفين تحقيق نصر عسكري".
ولفت إلى أن "أي دولة خليجية لم تنجح في إحلال السلام". وعلى العكس من ذلك، تضيف خلود خير أن "الجميع أظهروا أنهم ماهرون في إثارة الصراعات".
وفي أفضل السيناريوهات، قد تكون هناك "هدنة غير مريحة"، حيث يتقاسم الجنرالان السلطة مرة أخرى، لكن ذلك لن يكون كافيا لإنهاء الحرب، من وجهة نظر المحللة السودانية.
انقسام وتشرذم
وعلى جانب آخر، يتوقع سليمان "تشكل نظامين عسكريين غير شرعيين"، كما حدث في ليبيا.
ويتفق مع هذا الرأي طلال محمد، الذي يقول إن "السودان منقسم بالفعل بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، وهو معرض لخطر المزيد من التشرذم -كما هو الحال في ليبيا والصومال- على أسس عرقية وقبلية".
وكسيناريو آخر، يذكر طلال محمد أن "الجيش المصري يمكنه التدخل لإنهاء القتال على حدوده مع السودان، كما هو متصور في عام 2023".
لكنه يستدرك قائلا: إن "هشاشة اقتصاده جعلته أكثر اعتمادا على المساعدات من الإمارات، بل وأكثر من ذلك منذ ضخ 35 مليار دولار أخيرا إلى البلاد لتطوير شبه جزيرة رأس الحكمة".
وفي هذا الصدد، تعتقد خلود خير أنه "من الصعب جدا إبعاد الإمارات عن مصر".
وتستدل على ذلك بأن "القاهرة أجرت أخيرا مناقشات سرية مع الإمارات من أجل التوصل إلى اتفاق بين البرهان وحميدتي من شأنه أن يشهد عودة بعض القوة العسكرية إلى السودان ووقف الأعمال العدائية".
في نهاية التقرير، تخلص "جون أفريك" إلى أن "مثل هذا التشرذم يعني أن الدولتين الخليجيتين يمكنهما ممارسة تأثير أكبر على الموارد والطاقة ونقاط الوصول اللوجستية السودانية على المدى القصير".
ولكن من وجهة نظرها، "قد تكون السعودية مقيدة بوضعها المالي بسبب رؤية (ولي العهد) محمد بن سلمان للعام 2030، والتي تجبرها على اللجوء إلى المجتمع الدولي للاستثمار الأجنبي المباشر".
وتختتم بقولها إن "الحرب الأهلية في السودان تسببت في نزوح أكبر عدد من السكان على مستوى العالم، وهو الوضع الذي ينبغي أن يؤدي إلى تدخل دولي أكبر".
لكن الغزو الروسي لأوكرانيا والحرب الإسرائيلية على غزة تستحوذان على كل الاهتمام، وفق ما تراه الصحيفة.
ولفتت إلى أنه “بالتالي، يمكن للخصمين الخليجيين الاستمرار في انتزاع ما يريدانه من هذا الصراع المميت على أمل أن يصبحا -عندما يحين الوقت- القوة المهيمنة في السودان ما بعد الحرب”.
المصدر: الجزيرة