كيف باع ابن سلمان الوهم للسعوديين.. فشل مشروع القطار السريع “هايبرلوب”
ضمن ما سُمي "رؤية 2030" طرح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان "خططا وهمية" ضخمة للتنمية في مدينة "نيوم" قبالة ساحل البحر الأحمر، على غرار مدينة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي "العاصمة الإدارية".
Table of Contents (Show / Hide)
وكان أحد أبرز هذه المشاريع في مارس/آذار 2019، ما يسمى "هايبرلوب وان" للربط بين مدينتي جدة ونيوم ومدن البحر الأحمر، عبر قطار سريع يعمل بمغناطيس تصل سرعته إلى 1220 كيلومترا في الساعة الواحدة.
فكرة السفر بهذا القطار شبه الفضائي تتم عبر حجرات أو كبسولات منفصلة تضم كل واحدة 20 راكبا فقط، وتنطلق بسرعة عالية على غرار السفر بالطائرة أو ما يشبه الانطلاق في الفضاء.
وروج الإعلام السعودية لـ"الفكرة الوهمية" التي هي محور التنقل في مدينة نيوم الساحلية ووصف المشروع بأنه "طفرة تكنولوجية كبيرة"، وتم إنفاق قرابة نصف مليار دولار، وفق وسائل إعلام غربية.
لكن بعد نحو 5 سنوات، انهار المشروع وألغت الشركة الأميركية الفكرة من أساسها وسرحت الموظفين ليظل مشروع "نيوم" بلا وسيلة نقل متطورة كما خطط ابن سلمان، ما أثار سخرية سعوديين رأوا أن المشروع لا يختلف عن مشاريع السيسي "بلاعة فلوس بلا فائدة".
هايبرلوب السريع
في مطلع يونيو/ حزيران 2014، تأسست شركة نقل أميركية تعمل على تحويل نظام الهايبرلوب (تقنية يمكنها نقل الركاب بسرعة الصاروخ) إلى حقيقة، تُسمى "هايبرلوب وان".
وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول 2017، أعيد تنظيمها وتسميتها "فيرجن هايبرلوب" (Virgin Hyperloop).
وكان مشروع الشركة عبارة عن تطوير لفكرة من الخيال العلمي قدمها الملياردير الأميركي إيلون ماسك عام 2013 باسم "مخطط هايبرلوب ألفا"، كان يتخيل تطبيقه على مسار لوس أنجلوس -سان فرانسيسكو لنقل الركاب والبضائع بسرعة الصاروخ.
وتقوم فكرة "أنظمة الهايبرلوب" على نقل الركاب أو البضائع بسرعة الطيران، لكن بجزء بسيط من تكلفة السفر الجوي، عبر استخدام محرك كهربائي لتسريع وإبطاء كبسولة الركاب من خلال أنبوب منخفض الضغط، وفق موقع " آي إف إل ساينس" العلمي في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2023.
ويفترض أن تتحرك الكبسولات داخل أنابيب تشبه مسار سكة قطار، على وسادة هوائية، عبر هواء مضغوط ورفع ديناميكي هوائي، ويتم تسريع الكبسولات عبر مسرع مغناطيسي مثبت في محطات مختلفة على أنبوب الضغط المنخفض.
وبعدها تتحرك الكبسولة المحملة بالركاب أو البضائع بسلاسة لآلاف الكيلومترات بسرعة تصل إلى 1223.1 كيلومترا/ساعة (760 ميلا في الساعة) مع اضطرابات واهتزازات طفيفة للغاية، وفق ما أعلن حينئذ.
وكانت فكرة هذا النظام الجديد "طموحة" للنقل السريع ببناء أنابيب الهايبرلوب على أعمدة أو أنفاق تحت الأرض، وقامت ببناء مسار اختبار صغير قرب مدينة لاس فيغاس لتطوير تكنولوجيا النقل الخاصة بها، ووظفت أكثر من 200 شخص عام 2022.
وكانت السعودية تخطط لأن تبني هذه الشركة مسار قطار سريع من الرياض إلى جدة يستغرق 50 دقيقة فقط، ومن جدة لمكة في 5 دقائق، عبر الأنبوب المجوف من الداخل، بنسبة "صفر" احتكاك، وبسرعة 1200 كلم في الساعة.
لكن الفكرة الرئيسة في مشروع نيوم "فشلت" رغم إنفاق نصف تريليون دولار.
وكانت شركة "فيرجن هايبرلوب" قد أعلنت عام 2019 عن دراسة لبناء أطول موقع اختبار "هايبرلوب" في العالم، بطول 35 كيلومترا في السعودية عبر صندوق الاستثمارات العامة (رسمي)، لتقليل وقت السفر، ليس فقط في جميع أنحاء المملكة، ولكن في جميع دول مجلس التعاون الخليجي.
ووقعت وزارة النقل السعودية، عقدا مع شركة "فيرجن هايبرلوب" مطلع عام 2020، لدراسة أولية حول استخدام تكنولوجيا "هايبرلوب" في مجال نقل الركاب والبضائع في المملكة.
وجمعت الشركة اعتبارا من عام 2020، أكثر من 400 مليون دولار من المستثمرين بما في ذلك "موانئ دبي العالمية"، وارتفع المبلغ لاحقا لقرابة نصف تريليون دولار (500 مليون).
فشل المشروع
كان مخططا أن تقوم الشركة ببناء نظام نقل يمكنه دفع كبسولات الركاب أو البضائع بسرعات تزيد على 1000 كيلومتر في الساعة، أو أسرع بثلاث مرات من السكك الحديدية عالية السرعة وأكثر من عشر مرات أسرع من السكك الحديدية التقليدية.
لكن شركة "فيرجن هايبرلوب" قامت فجأة في ديسمبر 2023 بغلق مكتبها في لوس أنجلوس، وتسريح معظم موظفيها، وتحاول حاليا بيع أصولها المتبقية، بما في ذلك مسار الاختبار والآلات، وفقا لما نقلته وكالة "بلومبرغ" الأميركية عن أحد المصادر المطلعة.
بينما كان العمال في "نيوم" يقومون بتجهيزات لتنفيذ واستقبال القطار السريع، كشفت وكالة "بلومبرغ" في 21 ديسمبر أنه تم إلغاء المشروع من جانب الشركة الأم التي ستنفذه ومقرها أميركا مع تسريح العمال.
وأكدت أن شركة النقل المستقبلية التي تبني خطوط القطار المغطاة بالأنابيب لنقل الركاب والبضائع من مدينة إلى أخرى بسرعات تشبه سرعة الطائرات والصاروخ، ألغت المشروع وصرفت النظر عنه.
وأوضحت أن الإلغاء تم بعدما جمعت "هايبرلوب" أكثر من 450 مليون دولار من رأس المال الاستثماري منذ تأسيسها عام 2014، وفقا لبيانات شركة المعلومات للأسهم "بيتش بووك".
ونقلت "بلومبرغ" عن أشخاص مطلعين على الأمر، أن "شركة نقل البضائع عالية السرعة ستغلق أبوابها، بعد أن فشلت في الفوز بأي عقد لبناء هايبرلوب، ورغم استمرار السعودية في الحفر لهذا المشروع"، وذلك رغم أن الشركة حصلت على رخصة تُمكنها من الاستثمار وإدارة عملياتها بالسعودية، وتم إنفاق قرابة نصف ترليون دولار على التجهيزات.
وأكدوا أن الشركة، التي يقع مقرها في لوس أنجلوس، ستقوم ببيع أصولها المتبقية، وسينتهي توظيف موظفيها المتبقين في 31 ديسمبر 2023 وتغلق أبوابها.
ولم تخسر السعودية وحدها، ولكن الإمارات أيضا، حيث دعمت مجموعة موانئ دبي العالمية، "هايبرلوب وان" منذ عام 2016 وتمتلك حصة أغلبية.
وفي 3 أكتوبر 2023، زعم الرئيس التنفيذي لموانئ دبي العالمية، سلطان أحمد بن سليم، أن "هايبرلوب"، قد تصبح حقيقة قبل عام 2030، وأول دولة ستدشن هذه التقنية ستكون السعودية أو الهند، بحسب موقع "سبق" السعودي.
وكانت شركة "فيرجن" تعمل أيضا على مشروع في دبي لصالح "موانئ دبي العالمية" وعلى نظام يربط بين مدينتي مومباي وبيون الهنديتين.
وفي يونيو 2020، دخلت فيرجن في شراكة مع جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي (MZUAI) في الإمارات للعمل على حلول الجيل القادم للمساعدة في تشغيل "الهايبرلوب".
مشاريع وهمية
وقال نشطاء إن مشروع ابن سلمان كان وهميا منذ البداية، وحذر مهندسون من استحالة تنفيذه، ومع هذا تم اعتقال كل من شكك في المشروع، وسخروا من استمرار آلات الحفر في العمل بـ"نيوم" وصرفت ملايين الدولارات لأجل مشروع وهمي.
وأكدوا أن فكرة نيوم قائمة على هذا المشروع للنقل السريع، والذي تم تهجير قبيلة الحويطات من أجله، لحفر أراضيهم لهذا القطار، ولكنه فشل والشركة أغلقت أبوابها، متسائلين: "كيف سيكون التنقل داخل مدينة ابن سلمان؟!".
وأشاروا إلى أن هذا القطار هو أساس "مشروع ذا لاين" الذي افتتحه ابن سلمان (في 24 أكتوبر 2017 أقصى شمال غربي السعودية)، وبدونه مستحيل أن يكون فيه وسيلة نقل في هذا الخط، ما يهدم فكرة المشروع التقني ككل.
ووصف المعارض السعودي، ناصر بن عوض القرني، هذا المشروع الذي تعطل بأنه جزء من سلسلة المشاريع الفاشلة لابن سلمان، محذرا من أن من يدفع الثمن هو المواطن السعودي، ولا يتم حساب أي مسؤول عن هذه النكبة.
وجاءت هذه التطورات رغم أن الرئيس التنفيذي للشركة، جوش جيجل، قال لموقع "أريبيان بزنس" في 24 أبريل/نيسان 2021 إن "هايبرلوب فيرجن" تستهدف إطلاق أول أنظمتها التجريبية التجارية في السعودية عام 2024.
وزعم جيجل أنه "سيتم إطلاق المسار الأول في السعودية، ومستقبلا سيكون من الممكن عبور الخليج بشكل أسرع من مانهاتن (نيويورك)، وبمعدل نقل 50 مليون مسافر سنويا عبر الخليج، ولدينا فكرة عن خليج متصل يخرج مثل شبكة العنكبوت من المملكة"، وفق مزاعمه، مع أن "التجارب الأولية أثبتت الفشل مبكرا".
ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، قامت الشركة بتجربة رحلتها الأولى مع الركاب في ولاية نيفادا الأميركية، فقطع راكبان، مسار اختبار بطول 500 متر في 15 ثانية، أي بسرعة 172 كيلومترا في الساعة، رغم أن هيبرلوب فيرجن تزعم تشغيل القطارات بسرعة 1000 كيلومتر في الساعة.
وكان تقرير علمي مبكر نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في 22 سبتمبر/أيلول 2022، حول "هل الهايبرلوب محكوم عليه بالفشل؟"، نقل عن خبراء أن هناك تحديات ستؤدي لفشله، وأنه حتى بعد 10 سنوات (2032) لا يمكن تحقيق النجاح للفكرة.
وذكرت الصحيفة أن "بعض مراقبي الصناعة يعتقدون أن العقبات التنظيمية والمالية (التمويل) والسياسية قد تقضي على تقنية الهايبرلوب كبديل عالي السرعة قابل للتطبيق للسفر بالقطار الجوي".
وأوضح الخبراء أن نظام الهايبرلوب يتطلب إنشاء بنية تحتية كاملة، وهذا يعني بناء أنظمة من الأنابيب والمحطات بطول أميال، والحصول على حقوق المرور، والالتزام باللوائح والمعايير الحكومية، وتجنب التغييرات في البيئة على طول طرقها.
وقالوا إن النظام القابل للتطبيق بالنسبة للركاب سيكلف أكثر بكثير من النظام الذي يركز على الشحن، بسبب تأثير منحنيات المسار على الركاب، وضمانات السلامة ذات الأهمية القصوى.
والأهم للتأكد من أن تعطل أو فشل النظام في داخل الأنبوب "لا يتسبب في فقدان كارثي للضغط أو نقص الأكسجين للمسافرين، وإلا ماتوا!".
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن أستاذ الديناميكيات الهندسية والاهتزازات في جامعة كامبريدج، هيو هانت، قوله إن "جعل نظام هايبرلوب مناسبا للناس يمثل عقبة كبيرة حقا".
وأوضح هانت أن "هبوط الناس على القمر يكلف 10 أضعاف تكلفة إرسال مركبة فضائية غير مأهولة"، في إشارة إلى سلامة الركاب قبل نجاح سير القطار.
المصدر: الاستقلال