جماعات الضغط أسهمت بعودة نفوذ الرياض بواشنطن
تحدث الكاتب بن فريمان عن جهود السعودية في الولايات المتحدة، لتحسين تأثيرها عبر اللوبيات، مشيرا إلى أن فشل جو بايدن في عزلها لم يكن مفاجئا.
Table of Contents (Show / Hide)
وأوضح أن السعودية عادت من هوليوود إلى المجال الأكاديمي الذي حاولت أن تبتعد عنه. وبدأ بما قاله فيل ميكلسون، المحترف في مجال الغولف عن السعوديين: "نعرف أنهم مخيفون للدخول في هذا ونعرف أنهم قتلوا خاشقجي ولديهم سجل رهيب في حقوق الإنسان".
وكان ميكلسون يتحدث في تشرين الثاني/ نوفمبر معلقا على مباريات غولف "ليف" التي دعمتها السعودية كمنافس لدوري "بي جي إي" المعروف.
وأضاف: "معرفتي بهذا، فما الذي يجعلني أفكر بهذا"، وكتب أن الفرصة جيدة جدا ولا تفوت. وبعد عشرة أشهر أصبح ميكلسون وجه الدوري الجديد. ولعب في كل مباراة من مباريات "ليف" هذا الصيف.
وعبر الغولف، أسهم السعوديون بجعل ميكلسون أكبر رياضي أجرا في العالم وبعائد سنوي يقدر بحوالي 138 مليون دولار في الـ 12 شهرا الماضية، وفي تلك الفترة لم يفز ولا بمباراة غولف واحدة. وبعمله مع السعودية رغم معرفته بتجاوزات النظام المتعددة، لم يكن ميكلسون وحيدا في موقفه، فنظيره البارز، الرئيس جو بايدن وصف السعودية بالمنبوذة في حملته الانتخابية عام 2019، ولكنه شارك هذا الصيف قبضته للسلام مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ووافق على بيع المملكة أسلحة بمليارات الدولارات.
ويرى الكاتب أنه مرت لحظة عندما بدا فيها الموقف السعودي في الولايات المتحدة والذي دعمته جماعات لوبي ممولة بشكل جيد، يواجه مأزقا. فقد أدى مقتل صحافي "واشنطن بوست" جمال خاشقجي بأمر من ولي العهد إلى تداعي التأثير السعودي في الولايات المتحدة. فقد علقت بعض الدول صفقات الأسلحة للسعودية وأصدر بعضها حظرا بالسفر ضد المشتبه بتورطهم في الجريمة.
وتعهدت بعض مراكز البحث بعدم قبول المال السعودي. وبدأت الجامعات الأمريكية التي تلقت ملايين الدولارات من العائلة السعودية الحاكمة بمراجعة علاقاتها، بل وتحدث عالم الترفيه والرياضة ضد الوحشية السعودية. وفي عالم الاحتراف الرياضي والسياسي هدأ الشجب خلال أربع سنوات من مقتل خاشقجي وأصلحت العلاقات.
ومثل بايدن وميكلسون باتت المنظمات التي نبذت السعوديين ترحب بهم وبأيد مفتوحة. وعندما علقت جماعات اللوبي وشركات العلاقات العامة علاقاتها مع السعودية في أعقاب مقتل خاشقجي، زادت السعودية من تعاملها مع الشركات التي بقيت تتلقى منها المال. وتلقت شركة العلاقات العامة "كيوأورفيس كوميونكيشن" أطول شركات العلاقات العامة خدمة للمملكة وفي الأسابيع الستة التي أعقبت قتل خاشقجي، 18 مليون دولار، وذلك بحسب البيانات المقدمة بموجب قانون تسجيل العملاء الأجانب (فارا).
وكانت "كيوأورفيس" هي نفس الشركة التي ساعدت السعوديين في إحياء سمعتهم بعدما كشف عن مشاركة 15 مهاجما سعوديا ضمن 19 مهاجما في عمليات 9/11. وتلقت كيوأورفيس 14 مليون دولارا من أجل توفير خدمات تواصل لزيادة الوعي بـ "التزام المملكة بالحرب على الإرهاب والسلام في الشرق الاوسط" حسب ملفات الشركة بموجب قانون فارا.
ومنذ ذلك الوقت، وجد معهد كوينسي الذي يحلل شؤون الحكم المسؤول أن "كيوأورفيس" تلقت أكثر من 100 مليون دولار، وبنفقات كبيرة في أثناء أو بعد هذه اللحظات الخطيرة في العلاقات الأمريكية-السعودية. وشملت دفعة كبيرة تلقتها "كيوأورفيس" عام 2003 بقيمة 11 مليون دولار، في الوقت الذي شنت فيه أمريكا غزوا ضد العراق. وفي 2015 وهو العام الذي بدأت فيه السعودية حربها في اليمن حصلت "كيوأورفيس" على 10 ملايين دولار من السفارة السعودية في واشنطن.
وبعد مقتل خاشقجي، عملت "كيوأورفيس" وغيرها من شركات العلاقات العامة التي بقيت تتلقى أموالا من السعودية لقاء خدمات، على تقديم خدمات مهمة للمملكة، وساعدت تحديدا ولي العهد في تجنب كل العقوبات المتعلقة بجريمة قتل خاشقجي. ومرر الكونغرس قرارات كانت ستنهي الدعم الأمريكي للحرب الكارثية في اليمن.
إضافة لعدة قرارات كانت كفيلة بوقف صفقات الأسلحة للسعودية. لكن ترامب الذي غازله السعوديون صوت ضد كل قرار كان سيحمل السعودية مسؤولية قتل خاشقجي. وتأكدت جماعات اللوبي في الكونغرس من عدم إلغاء أي فيتو من الرئيس. وأخذ اللوبي السعودي المعركة للتأثير في داخل أمريكا بعيدا عن "بيلت وي" (منطقة الحكومة وجماعات اللوبي والإعلام) إلى حملة دعائية زائفة وصلت في النهاية إلى نصف الولايات الأمريكية.
وقادت الحملة شركة علاقات عامة مركزها في ديز موينز- آيوا، اسمها "لارسون شانهان سليفكا غروب" وقد اتصلت بآلاف المؤسسات الإعلامية الصغيرة وجماعات النشر المحلي والجماعات غير الربحية والشركات والمنطمات الدينية وحتى طلاب المدارس الثانوية نيابة عن السفارة السعودية.
وعملت الحملة على مساعدة السفيرة السعودية لنشر رسالة مفادها أن السعودية لها علاقات عميقة مع التجارة الأمريكية، وأنها تعمل على تحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان. وبدأت الشركات التي تخلت عن المملكة بعد مقتل خاشقجي بأخذ أموالها مرة أخرى والمساعدة على إحياء التأثير السعودي في الولايات المتحدة. فقد أوقف ريتشارد هولت، المعين من ترامب واللوبي بخبرة طويلة عقده مع الحكومة السعودية بعد شهر من مقتل خاشقحي حيث أخبر مركز النزاهة العامة بأنه يقوم الآن بعملية إعادة تقييم "لتمثيلي ومساهمتي والتقاعد".
وبعد ستة أشهر كشف هولت في ملفات مقدمة بموجب فارا أنه عاد إلى العمل نيابة عن الحكومة السعودية. وبحسب ملفات أخيرة قدمت في حزيران/ يونيو فإن هولت لا يزال يقدم النصح للسفارة السعودية في واشنطن. وتلقى في الستة أشهر التي تغطيها الملفات 498,000 دولار لقاء عمله. ومثل هولت، فقد أوقفت "بي جي آر غروب" عقودها لتمثيل السفارة السعودية والمركز للدراسات والشؤون الإعلامية في الديوان الملكي- والتي كان يترأسها سعود القحطاني، الذي سمته المخابرات الأمريكية واحدا من قتلة خاشقجي، وبعد الجريمة بفترة قصيرة.
لكن في حزيران/ يونيو بدأت المجموعة بتمثيل مؤسسة تمولها الحكومة السعودية وهي رابطة العالم الإسلامي. وفي الوقت الذي تمثل فيه جماعات اللوبي وشركات العلاقات العامة عصب التأثير السعودي في أمريكا فإنها تلقى المساعدة من مراكز القوة الفكرية والتي تعمل عادة في واشنطن العاصمة، من مراكز الأبحاث والكليات الجامعية المتميزة في أنحاء البلاد.
وقررت هذه الكيانات النظر في علاقاتها مع السعودية بعد خاشقجي لكنها قررت أن المال يكفي لتهدئة شكوكها. فبعد أسبوعين على مقتل خاشقجي أخبر معهد الشرق الأوسط موقع بازفيد أن مجلس إدارة المعهد قرر عدم قبول التمويل من الحكومة السعودية ووضع التمويل تحت رقابة شديدة بانتظار نتائج التحقيق في جريمة مقتل خاشقجي.
وبحسب الملفات التي قدمها المعهد، فإنه تلقى منذ مقتل خاشجقي أكثر من 600,000 دولار من "أرامكو سيرفيسز" التي تدير الشركة الأم شركة النفط. أما مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية فقد أرجع منحة من السعودية في أعقاب مقتل خاشقجي. وفي حزيران/ يونيو هذا الصيف، وضح مدير برنامج دراسات الشرق الأوسط أنه كان واثقا من أن إعادة المنحة السعودية بعد مقتل خاشقجي كان القرار الصحيح لكنه "ليس متأكدا من أن الاستمرار في فك العلاقة هو القرار الصحيح للمضي قدما"، وأثنى على قرار الرئيس بايدن زيارة السعودية.
ومثل معهد الشرق الأوسط، تظهر ملفات مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية المقدمة بناء على قانون فارا أن شركة أرامكو قدمت مئات الآلاف من الدولارات للمنظمة منذ مقتل خاشقجي. وتلقت المؤسسات الأكاديمية ما مجموعه أكثر من 2.6 مليار دولار، وذلك بحسب سجلات وزارة التعليم التي اهتزت نتيجة الشجب العام لمقتل خاشقجي. وفي الوقت الذي أعلنت فيه معظم المؤسسات التعليمية أنها ستراجع علاقاتها مع المملكة في أعقاب الجريمة فإن أيا منها لم يقطع علاقاته معها.
وهذا يضم معهد ماساشوستس للتكنولوجيا (أم آي تي) والذي استقبل ولي العهد السعودي في آذار/ مارس 2018، وقبل ستة أشهر من أمره بقتل خاشقجي. وبعد مراجعة التمويل السعودي، قرر "أم آي تي" الحفاظ على الترتيبات. وقبلت الجامعة منذ ذلك الوقت حوالي 17 مليون دولار من السعودية، وذلك بحسب تحليل لسجلات وزارة التعليم. و"أم آي تي" ليس وحيدا في موقفه، فقد تلقت المؤسسات الأكاديمية الأمريكية 440 مليون دولار منذ مقتل خاشقجي.
وفي الوقت الذي أعادت فيه المؤسسات الأكاديمية والسياسة النظر في علاقتها مع السعودية، فقد قام فرع آخر من النخبة الأمريكية بإعادة تقييم العلاقة من جديد. ففي مقال نشر في "هوليوود ريبورتر" بتشرين الثاني/ نوفمبر 2021 بعنوان "هوليوود تتقرب مرة أخرى من المال السعودي".. وسجل المقال الجهود التي قامت بها شركات الترفيه الأمريكية بتجاهل السعودية بعد مقتل خاشقحي حتى نهاية عام 2021 حيث نظمت السعودية مهرجان البحر الأحمر الدولي للفيلم.
ولم يقدم بايدن هدية لولي العهد عندما زار السعودية لكن الزيارة لم تكن ممكنة بدون عمل شركات العلاقات العامة وجماعات الضغط ومراكز البحث والكليات ونجوم الرياضة والفن والموسيقى الذين أخذوا مال السعودية وساهموا في تحسين صورتها والتغطية على أخطائها.
المصدر: عربي 21