بلومبيرغ بالدلائل: أحلام ٢٠٣٠ تتلاشى
تناولت وكالة بلومبيرغ في تقرير حديث لها جديد ما وصلت إليه مشاريع ابن سلمان بين تلك المرتبطة برؤية 2030 وسائر المشاريع الأخرى التي وصفتها بـ”باهظة الثمن بجنون”، مع التركيز بشكل خاص على أزمة التمويل الأجنبي التي تواجهها هذه المشاريع، حتى تتوصل في نهاية التقرير إلى التشكيك قي احتمالية تحقيق العديد من المشاريع بالطموح الذي يُحكى به. كما تكشف عن وصول الحال بالسعودية حدّ “تسوّل” مليارات الدولارات من إحدى الدول الخليجية لتمويل هذه المشاريع.
Table of Contents (Show / Hide)
بداية من “أكثر رهانات ابن سلمان خطورة حتى الآن” وهي استثمار السعودية في شركة لوسيد. ففي حين أن هذا الاستثمار أتى ليُظهر للعالم كيف يمكن لـ”مملكة” مبنية على النفط أن تجتذب رأس المال الأجنبي لتصبح مركزًا عالميًا لصناعات المستقبل، إلا أن الواقع على المدى القصير أكثر تعقيدا، حيث تستهلك شركة لوسيد، ومقرها كاليفورنيا، بشكل متزايد الأموال السعودية للبقاء في مجال الأعمال،دون تحقيق مكاسب تُذكر. فخلال الأسبوع الماضي، حصلت على تمويل بقيمة مليار دولار من الحكومة، و 5.4 مليار دولار من صندوق الاستثمارات العامة السعودي.
وفي حين تُعتبر شركة لوسيد – صندوق الاستثمارات العامة أكبر مساهم فيها- مثالاً للشركات الأجنبية التي تستثمر في”رؤية 2030″، لكن حاجة لوسيد إلى الأموال السعودية هي علامة على أن المحاولة المتسرعة التي تقوم بها البلاد للابتعاد عن النفط يتم دفع ثمنها في الواقع من جيوبها، حيث تعتمد السعودية بشكل كبير على ثرواتها النفطية لجذب الشركات.
وهو ما تؤكده خبيرة الاقتصاد السياسي المهتمة بالخليج في مركز جامعة كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية، كارين يونج بقولها للوكالة أنه “كان على الحكومة أن تمنح شركة لوسيد حوافز هائلة لكي تأتي”، كما تتحدث عن الصعوبات التي تواجهها الشركات الأجنبية في السعودية، على اعتبارها دولة ذات خبرة قليلة في التصنيع المعقد أو الصناعات الثقيلة خارج قطاع النفط.
مخاوف المستثمرين الأجانب
فعلى الرغم من إدراك “الحكومة” لحقيقة أنها سوف تضطر لتمويل مشاريعها بشكل كبير من المال المحلي مقابل نسبة ضئلة جدا من الاستثمار الأجنبي، إلا أنها تدّعي غايتها تحقيق 100 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر سنويا بحلول عام 2030، وهو مبلغ أكبر بنحو ثلاثة أضعاف مما حققته على الإطلاق، وأكثر بنحو 50% مما تحصل عليه الهند اليوم. وبين عامي 2017 و2022، بلغ متوسط تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر السنوية إلى البلاد ما يزيد قليلاً عن 17 مليار دولار. وتظهر البيانات الأولية لعام 2023 أن الاستثمار الأجنبي المباشر أقل من المستهدف بنحو 19 مليار دولار، بحسب بيان لوزارة الاستثمار.
وعليه تشير بلومبيرغ إلى أنه يبدو أن التوسع حتى هدف 2030 بعيد المنال في الوقت الحالي، حيث يظل المستثمرون الأجانب حذرين، ذلك وفقًا لمحادثات مع المصرفيين والمحامين الذين يقدمون المشورة للمستثمرين والأشخاص الذين لديهم معرفة بجهود جمع الأموال في السعودية. كما أدى إلى تقليص الحكومة للمشاريع العملاقة المصممة لإصلاح اقتصادها الذي تبلغ قيمته 1.1 تريليون دولار. حيث باتت تقوم بإصدار سندات بمليارات الدولارات للمساعدة في سد العجز المالي الذي لم تكن تتوقعه حتى أواخر العام الماضي.
تنقل الوكالة عن أشخاص مطلعين على مشروع نيوم إنه على الرغم من أن نيوم أطلقت حملات ترويجية للتسويق والمستثمرين، إلا أنها لم تحقق تقدمًا جديًا في جمع رأس المال. تأتي هذه الاطلاعات في حين أن ابن سلمان يريد من المستثمرين الأجانب نقل الخبرة والمشاركة في تمويل مشروع نيوم العملاق الذي يبلغ قيمته 500 مليار دولار لتحويل المنطقة الشمالية الغربية النائية إلى مركز عالي التقنية خالٍ من الكربون ومليء بالروبوتات.
وقال ديفيد دوكينز من شركة بريكين لبيانات الاستثمار ومقرها لندن: “إذا لم يكن لدينا دليل واضح على مزيد من التمويل بحلول نهاية العام، فمن المؤكد أنه من المفيد أن نتساءل من أين ستأتي الأموال لهذه المشاريع”، ويؤكد على أن تحليل الاتجاهات السعودية يشير إلى “إنها باهظة الثمن بجنون.”
كما أن التأخير في الموافقة على لوائح مشروع نيوم ترك علامات استفهام للمستثمرين. ويقول كثيرون إن إحجامهم عن تخصيص أموال للسعودية يرجع في كثير من الأحيان إلى القوانين غير الواضحة وغير المختبرة التي تحكم العقود والاستثمار.
السعودية تتسول المال من الكويت!
تنقل بلومبيرغ عن مصادر مطلعة إن السعودية طلبت في الآونة الأخيرة هذا العام من جارتها الأصغر الكويت تمويلا يزيد عن 16 مليار دولار لمشاريع من بينها نيوم.
وتقول إنه بالنسبة لمحمد بن سلمان، هناك طموحات مرادفة لرؤية 2030 باتت على المحك. فبينما وقعت شركات مثل شركة Air Products، ومقرها الولايات المتحدة، على مشاريع مشتركة في نيوم، لا تزال السعودية في مأزق للاكتتاب بما يقرب من كامل التكلفة – أي ما يعادل تقريبًا نصف إنتاجها الاقتصادي الحالي.
وقالت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري (ش.م.ع) أن الأمر “لا يزال يبدو كنموذج تنمية يقوده واقع الحال القطاع العام. ففي الوقت الذي يستخدم السعوديون فيه كل ما لديهم من قوة لخطة التحول هذه، ولكن وفق اعتقادي فالمضي قدمًا سيظل في الغالب مجرد خطة تنمية سعودية”.
قال محمد أبو باشا، رئيس قسم البحوث في بنك الاستثمار المجموعة المالية هيرميس ومقره القاهرة، إن السياسة النفطية السعودية تهدف في الأساس إلى “جمع الأموال من جيب عام على حساب الآخر”، وأضاف أن “هذا يوضح كيف أن المملكة تبقى تعتمد على أسعار النفط المرتفعة لمواصلة خططها للتنويع”.
ولا تزال أسعار النفط أقل مما يتطلبه “سعر الملك” لتمويل طموحاته الكبرى. عند حساب الإنفاق المحلي من قبل صندوق الاستثمارات العامة، ففي حين تحتاج السعودية إلى سعر خام لا يقل عن 108 دولارات للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها، لكن وفقًا لبلومبيرغ إيكونوميكس فإن سعر برنت في الأسابيع القليلة الماضية لا يزال أقل من 90 دولارا.
وتنوّه بلومبريغ إلى حالة الضيق التي يعيشها صندوق الاستثمارات العامة. ففي حين يسيطر الصندوق على أصول تبلغ حوالي 900 مليار دولار، لكن لديه 15 مليار دولار فقط من الاحتياطيات النقدية حتى سبتمبر.
ويستهدف الصندوق اليوم، الذي خصص في السابق ما يقرب من 30% من رأسماله للاستثمارات الدولية، تخصيص 20% إلى 25%، على الرغم من ادعاء محافظه ياسر الرميان أن هذه النسبة كانت يجب أن تكون بوتير تصاعدية مع مرور الوقت.
وسبق أن أقر وزير المالية محمد الجدعان بوجود نقص في التمويل وأشار إلى إصدار المزيد من الديون. ذلك خلال لجنة ترأسها محمد بن سلمان قامت بدراسة الاحتياجات التمويلية الضخمة لرؤية 2030 ووضعها في مواجهة تدفقات الإيرادات المتوقعة للبلاد.
وقال في لقاء صحفي له أنه “كانت هناك فجوة”، “لقد أطلقنا عليها اسم دراسة الفجوة.” وأضاف أن تأجيل وإلغاء بعض المشاريع سيسد هذه الفجوة، دون الخوض في التفاصيل.
تختم تقريرها بجملة تأكد فيها أن ” أحلام رؤية 2030 سوف تتلاشى أو تتضاءل، وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر”. وكانت قد كشفت “بلومبرغ انتليجنس” أن السعودية تواجه ديونا ضخمة هذا العام، حيث يضغط نقص السيولة على أجندة التحول الاقتصادي التي يتبناها محمد بن سلمان والتي تبلغ قيمتها تريليونات الدولارات.
وقد يحتاج المقرضون إلى إصدار ما لا يقل عن 11.5 مليار دولار من السندات بالعملات المحلية والدولية، وسيكون ذلك رقما قياسيا جديدا، يتجاوز مبلغ 10 مليارات دولار الذي تم جمعه في عام 2022.
كما تشير الوكالة إلى أن الدافع للاقتراض هو الحجم الهائل للاستثمار المطلوب، مقابل تباطؤ نمو الودائع في بنوك البلاد ونقص الاستثمار الأجنبي فيها، يعني أن المقرضين سيحتاجون إلى الاعتماد بشدة على الاقتراض لتوفير الأموال للمشاريع الضخمة مثل مدينة نيوم ومدينة القدية الترفيهية.
وتواجه البنوك السعودية صعوبات في السيولة، فقد تجاوز نمو القروض الودائع لدعم الاقتصاد المحلي الذي انكمش العام الماضي. وفقًا للبيانات التي جمعتها شركة MEED Projects للتحليل ومقرها دبي، ستحتاج البلاد إلى إنفاق 640 مليار دولار على البناء على مدى السنوات الخمس المقبلة بناءً على المشاريع الحالية. ويشير ذلك إلى أن البنوك قد تحتاج إلى توفير ما يقرب من 384 مليار دولار خلال تلك الفترة إذا قامت بزيادة الودائع والديون.
هذا وكان قد اقرّ الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو أمين الناصر أنَّ استراتيجية تحوّل الطاقة فشِلت ولم تُحقّق أي نجاح.
وقال خلال مؤتمر أسبوع سيرا 2024 الذي استضافته مدينة هيوستن في ولاية تكساس بالولايات المتحدة، إنه من الواضح أنَّ استراتيجية التحوّل الحالية لم تُحقّق نجاحاً في معظم المجالات، وتابع أنَّ حصة الطاقة المتجدِّدة في العرض العالمي لا تزال ضئيلة.
المصدر: مرآة الجزيرة