لن نكابر.. السعودية تعترف رسميّا بفشلها
بات الاعتراف باستحالة الكثير من أحلام ولي العهد محمد بن سلمان ضرورة لا مفرّ منها. هذا الاعتراف بتراجع الكثير من الطموحات، وإعادة احتساب مدى جدوى وواقعية الكثير منها، لن يأتي يوماً على لسان صانع هذه الأحلام بالطبع. لكنه يأتي مراراً على لسان وزير المالية محمد الجدعان خلال منتدى الاقتصاد العالمي الذي أُقيم في “الرياض” خلال الأسبوع الحالي.
Table of Contents (Show / Hide)
وبعيداً عن المكابرة أقرّ الجدعان بتراجع طموحات بلاده بمشاريع 2030 عبر قوله “لسنا راضين عن أدائنا، ومن الواضح أن هناك تحديات كبيرة، ولن نغتر بأنفسنا وسوف نتغير بالتأكيد، ونعدل ونغير بعض المشاريع”. وهو ما يشكّل اعترافا سعوديا رسميّا بصعوبة تحقيق مشاريع لطالما نبّه مراقبون احتواءها على مبالغات معمارية وترويجية.
لم يكن الاعتراف الأول من وزير المالية الجدعان لكنه نقد يقترب أكثر من الواقع من سابقاته. فقد سلف وقال أن “الحكومة”، التي تتوقع عجز الميزانية كل عام حتى عام 2026، قررت التأجيل لتجنب الضغوط المتعلقة بالتضخم ومشاكل الإمدادات. وقال “بعض المشاريع يمكن تمديدها لمدة ثلاث سنوات – حتى عام 2033 – بينما سيتم تمديد البعض الآخر حتى عام 2035، وسيتم تمديد مشاريع أخرى حتى أبعد من ذلك”.
بعد تعثُر مدينة أحلام وليّ العهد السعودي “نيوم” ماليًا، والبالغة قيمة مشاريعها تريليونات الدولارات، بن سلمان ي، وفقًا لبيان “نيوم” وما نشرَته “رويترز”، الأحَد في الثامن والعشرين مِن أبريل الحالي.
ووفقاً لما نقلت وكالة رويترز يوم الأحد الماضي فقد وصل الحال بـ”السعودية” إلى الاقتراض من البنوك المحلية والحصول على تسهيلات تمويلية جديدة، بقيمة 2.7 مليار دولار، لدعم متطلبات التمويل قصيرة الأجل، في محاولة لإنقاذ المشاريع العملاقة.
أتى حديثه هذا في سياق سلسلة تقارير لوكالة بلومبيرغ الأميركية كشفت فيها عن مختلف أوجه الخيبات التي تطال مشاريع رؤية 2030، لعلّ تقليص مساحة وعدد سكان مدينة “ذا لاين” كان أكثر ما شكّل صدمة بالنظر لكون الخلل أصاب أحد ركائز الرؤية الأساسية التي ما برح ابن سلمان التباهي بها واعتبار تنفيذها سيكون بمثابة أيقونة البلاد.
وفي ظل اعتلاء “السعودية” سلّم حماية البيئة والعمل على التخفيف من أزمة التغيّر المناخي، قال وزير الطاقة السعودي عبدالعزيز بن سلمان في كلمته خلال المنتدى الاقتصادي العالمي، إن التحول نحو الطاقة الخضراء يجب أن يخضع لضوابط عملية وواقعية، في ظل التحديات المتعددة التي تواجهها منها عدم وضوح السياسات وغياب الحوافز ومستلزمات الإنتاج والتطوير.
وأضاف أن العالم سيحتاج إلى جميع مصادر الطاقة في الفترة المقبلة، “لا توجد وصفة جاهزة للتحول إلى الطاقة الخضراء، يجب على الجميع الانصياع لها”.
تصريحات وزير الطاقة بدورها؛ تحدّ من اندفاع “السعودية” في الحديث عن أهدافها الكبرى. وواحدة من الأمور التي تستخدمها في الترويج لمدنها على صعيد العالم، هي الاستنغناء عن مصادر الطاقة المضرة بالمناخ والتوجه للاعتماد بشكل كلّي على مصادر الطاقة المتجدّدة. مع الكثير من التقارير التي تتحدث عن تضارب هذا الهدف البيئي المعلن مع مسار بناء هذه المدن حيث استهلاك الكثير الطاقة مع ما ينتجه هكذا نوع وحجم من العمران من كمايات كبيرة من الكربون.
يُشار أن وكالة بلومبيرغ عن تراجع عدد السكان الذي كان من المقدّر أن يستوعبها “ذا لاين” -جزء نيوم الأساسي- بما نسبته 75% مقارنة مع الأرقام الأولى التي رُوّج لها. ووفقا لأشخاص مطلعين على الأمر أفادوا للوكالة أنه بعد أن “كانت الحكومة تأمل في وقت ما أن يكون هناك 1.5 مليون ساكن يعيشون في ذا لاين، لكن الآن، يتوقع المسؤولون أن يستوعب المشروع أقل من 300 ألف ساكن بحلول ذلك الوقت”.
ونتيجة ذلك هو تقلّص مساحة المشروع المُزمع، فبعد أن كان المقرر أن يغطي في النهاية مساحة صحراوية بطول 170 كيلومترًا على طول الساحل، ولكن مع الانسحاب الأخير، يتوقع المسؤولون إكمال 2.4 كيلومتر فقط من المشروع بحلول عام 2030. وتشير بلومبيرغ وفقًا لوثيقة اطلعت عليها؛ إلى بدء مقاول واحد على الأقل في فصل جزء من العمال الذين يوظفهم في الموقع تبعاً لهذه التبدّلات.
كما تناولت أزمة التمويل الأجنبي الغائب والحذر عن مشاريع الرؤية. وذكرتفي إحدى تقاريرها فكرة مفادها أنه فعلى الرغم من إدراك “الحكومة” لحقيقة أنها سوف تضطر لتمويل مشاريعها بشكل كبير من المال المحلي مقابل نسبة ضئيلة جدا من الاستثمار الأجنبي، إلا أنها تدّعي غايتها تحقيق 100 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر سنويا بحلول عام 2030، وهو مبلغ أكبر بنحو ثلاثة أضعاف مما حققته على الإطلاق، وأكثر بنحو 50% مما تحصل عليه الهند اليوم.
وبين عامي 2017 و2022، بلغ متوسط تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر السنوية إلى البلاد ما يزيد قليلاً عن 17 مليار دولار. وتظهر البيانات الأولية لعام 2023 أن الاستثمار الأجنبي المباشر أقل من المستهدف بنحو 19 مليار دولار، بحسب بيان لوزارة الاستثمار.
وفي السياق أشارت الوكالة أنه يبدو أن التوسع حتى هدف 2030 بعيد المنال في الوقت الحالي، حيث يظل المستثمرون الأجانب حذرين، ذلك وفقًا لمحادثات مع المصرفيين والمحامين الذين يقدمون المشورة للمستثمرين والأشخاص الذين لديهم معرفة بجهود جمع الأموال في السعودية. كما أدى إلى تقليص الحكومة للمشاريع العملاقة المصممة لإصلاح اقتصادها الذي تبلغ قيمته 1.1 تريليون دولار. حيث باتت تقوم بإصدار سندات بمليارات الدولارات للمساعدة في سد العجز المالي الذي لم تكن تتوقعه حتى أواخر العام الماضي.
المصدر: مرآة الجزيرة