“هآرتس”: الجيش أسرف في قتل المدنيين بشكل غير مسبوق.. الاحتلال تخلّى عن كل القيود في عدوانه على غزة!
تقرير لصحيفة هآرتس سلّط، الضوء على تصاعد الانتقادات بشأن حجم جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الأبرياء في غزة، بعد أن تلاشت مظاهر التضامن الدولي مع دولة الاحتلال مقارنة مع بداية الحرب.
Table of Contents (Show / Hide)
التقرير استشهد بما نشرته صحيفة نيويورك تايمز في 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لنتائج تحقيق شامل أكدت فيه أن معدل مقتل المدنيين في غزة أعلى مما كان عليه في الهجمات الأمريكية في العراق وأفغانستان وسوريا.
وقارن التحليل بين الحرب الحالية التي سمّتها إسرائيل السيوف الحديدية، والعمليات الإسرائيلية السابقة، لافتاً إلى أنه لكي يكون أساس المقارنة دقيقاً، كان التركيز على تحليل العمليات التي هاجمت فيها إسرائيل غزة جواً دون هجوم بري، ثم مقارنتها بالهجمات الجوية التي نُفذت خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من حرب عام 2023 لتحديد نسبة القتلى المدنيين "غير المقاتلين" في غزة إلى العدد الإجمالي للقتلى في غزة.
مقارنة بأربع عمليات
ويقارن التحليل عملية السيوف الحديدية بأربع عمليات واسعة النطاق اعتمدت بالكامل على الهجمات الجوية: "عامود الدفاع" (نوفمبر/تشرين الثاني 2012)، والتي استمرت نحو أسبوع؛ و"حارس الجدار" (مايو/أيار عام 2021) حوالي 10 أيام؛ وبزوغ الفجر (أغسطس/آب 2022) ثلاثة أيام؛ ودرع وسهم (مايو/أيار عام 2023) خمسة أيام.
أشار التحليل إلى أن البيانات الخاصة بكل عملية من العمليات الأربع مأخوذة من تقارير مركز معلومات الاستخبارات والإرهاب "مائير عميت"، الذي يحلل ويصنف بيانات الضحايا بشكل دوري، ويرتبط بأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
وعليه فإن الاعتماد على بياناته يقوض حجج المدافعين عن السياسات الإسرائيلية، حتى لو كانت هناك مشكلات في البيانات وفوارق بينها وبين التقارير الأخرى، كما تشير هذه الأرقام إلى من قُتلوا في الهجمات الإسرائيلية وليس جراء إطلاق فاشل للصواريخ من غزة.
وتشير البيانات إلى أنه في العمليات الثلاث الأولى، كان حوالي 40% من إجمالي قتلى غزة من غير المقاتلين، ورغم التقدم في الذخائر الدقيقة والاستخبارات بين عملية "عامود الدفاع" والعمليات اللاحقة، فتشابه معدلات الوفيات يشير إلى أن ثقة إسرائيل في الأسلحة الدقيقة أدت إلى استهداف منشآت في مناطق حضرية مكتظة بالسكان، ولم تُترجم هذه الدقة المتزايدة إلى خفض الإضرار بالمدنيين، بل إلى هجمات أكثر جرأة على أهداف كانت تعتبر منيعة في السابق.
ومع ذلك، في العملية الرابعة، درع وسهم، في مايو/أيار 2023، حدث تغيير طفيف، حيث شكل المدنيون حوالي ثلث إجمالي الوفيات (33%). وأرجع رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي هرتسي هاليفي هذا التحسن إلى التخطيط الدقيق وتحسُّن القدرة الاستخبارية، ما أدى إلى تقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين الأبرياء في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، بحسب التحليل.
معظم القتلى مدنيّون
وبدأ الهجوم الجوي في الحرب الحالية مباشرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، فيما انطلق الهجوم البري في 27 من الشهر نفسه، ومن حينها تُنفذ ضربات جوية لدعم القوات.
وفي تحليل الأرقام المتعلقة بالفترة التي سبقت انطلاق الهجوم البري، استُخدمت بيانات وزارة الصحة في غزة في الفترة من 7 إلى 26 أكتوبر/تشرين الأول.
وفي هذه الفترة في غزة، سُجل مقتل 6,747 شخصاً، ولتحليل هذه البيانات، قُسم القتلى "غير المقاتلين" إلى 3 مجموعات: القُصّر (17 عاماً أو أقل)، والرجال (60 عاماً فما فوق)، والنساء.
ورغم ادعاء البعض أن حماس تجند قاصرين، يشير التحليل إلى أن ما لا يقل عن 4,594 فرداً من هذه الفئات قتلوا، وهو ما يشكل 68% من مجموع القتلى. وإذا أخذنا في الاعتبار افتراض أن الصواريخ الخطأ تمثل 10%، تنخفض نسبة غير المقاتلين الذين قتلتهم إسرائيل إلى 61%، وهي لا تزال أعلى من نطاق الـ33-42% للهجمات الجوية في العمليات السابقة.
ومن منظور دولي أيضاً، يعد هذا رقماً مرتفعاً، بالنظر إلى أن الحروب التي اندلعت خلال القرن العشرين، وحتى التسعينيات، كان حوالي نصف قتلاها من المدنيين، وهذا يشمل الحروب التي كان القتال البري هو العنصر الأهم فيها، وليس ضربات جوية دقيقة نسبياً.
والعدد الكبير نسبياً من الهجمات ليس هو التفسير الوحيد لهذا التفاوت، نظراً لأنه لو كان الجيش قد اتبع المبادئ نفسها التي اتبعها في الماضي، ولا سيما خلال عملية درع وسهم هذا العام، لكان معدل الضحايا المدنيين أقل بكثير، لذلك لا بد أنه توجد تفسيرات أخرى.
الجيش تعمّد خفض مستوى الحذر
التفسير الأول أن شدة الهجمات أتت على حساب التخطيط الدقيق الذي يفاخر به رئيس الأركان، وتفسير آخر أدق يأتي من تحقيق أجراه يوفال أبراهام لصالح مجلة +972 Magazine، يشير فيه إلى أن جيش الاحتلال تعمّد خفض مستوى حذره، واستهداف الأبراج السكنية والمباني العامة، ما أدى إلى وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين.
ويشير التقرير إلى أن جيش الاحتلال زاد من ضرباته على المنازل الخاصة، وسمح بمعدل أعلى من الأضرار الجانبية، وأعطى تفسيراً فضفاضاً لقواعد مبدأ "التناسب". وفضلاً عن ذلك، قلل استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد الأهداف بسرعة من مستوى الحذر الذي تتسم به عملية صنع القرار البشرية.
ونستنتج من هذه التفسيرات أن هذا النمط متعمد، ولعل هذا ما قصده وزير الدفاع يوآف غالانت حين قال في الأيام الأولى للحرب: "تخلينا عن كل القيود، سنقتل كل من نحاربه، وسنستخدم كل الوسائل في سبيل ذلك".
وبالنظر إلى هذا الارتباط بين أساليب القتال ومعدلات الوفيات، فهذه الأساليب تدعم الاستنتاج بأن نسبة المدنيين الذين قتلوا في الغارات الجوية أعلى من المعتاد.
على أن الاستنتاج الأكثر شمولاً هو أن الإسراف في قتل المدنيين لا يعزز أمن إسرائيل، بل قد يؤدي إلى تقويض هذا الأمن، حيث إن سكان غزة الذين سينهضون من أنقاض منازلهم وأحزان فقدانهم لعائلاتهم؛ سيسعون لثأر لن تتمكن أية ترتيبات أمنية من التصدي له.
كما لفت التحليل إلى أنه علينا أن نتذكر أيضاً أنه منذ بداية الهجوم البري، تضاعف العدد الإجمالي للقتلى من المدنيين في غزة تقريباً، ولكن في ظل غياب أي اهتمام من جانب القيادة السياسية بصوت المستقبل، فمن الصعب أن نتوقع تعديل مسار الحرب لتبديد هذا القلق.
المصدر: العربي الجديد