الحرية الأكاديمية في مرمى النيران
كان ظهور رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق أمام الكونغرس في الشهر الماضي حلقةً مثيرةً للدهشة في تاريخ الحرية الأكاديمية وكان السؤال الرئيس “فيم كانت تفكّر؟”. لقد كان من الصادم سماعها وهي تتفاوض مع أحد أعضاء الكونغرس حول تأديب اثنين من أعضاء هيئة التدريس بالاسم بسبب ما كتبوه أو قالوه.
Table of Contents (Show / Hide)
وفي اليوم التالي، فيما بدا أنه إشارة إلى الكونغرس، تسببت نعمت شفيق في اعتقال أكثر من مائة طالب، العديد منهم من بارنارد، من قبل شرطة مدينة نيويورك وحجزهم بتهمة التعدي على ممتلكات الغير – في حرمهم الجامعي. لكن كولومبيا جعلت وجودهم غير قانوني من خلال تعليق المتظاهرين عن الدراسة بإجراءات موجزة أولًا.
إذا كنت مسؤولًا جامعيًا فلن ترغب أبدًا في وجود ضباط إنفاذ القانون في حرمك الجامعي. وأعضاء هيئة التدريس بشكل خاص لا يحبون ذلك. فهم يعتبرون الحرم الجامعي بمثابة اختصاصهم القضائي، وقد اشتكوا من أن إدارة كولومبيا لم تتشاور معهم قبل إصدار الأمر بالاعتقالات. لم ينجح استدعاء سلطات إنفاذ القانون في بيركلي في سنة 1964، وفي كولومبيا في سنة 1968، وفي هارفارد في سنة 1969، أو في ولاية كينت في سنة 1970.
إن الأمر الأكثر إثارة للقلق من الاعتقالات – بعد كل شيء، أراد الطلاب أن يتم اعتقالهم – هو مسألة إيقافهم عن الدراسة. لقد تم إبطال هوياتهم ولم يُسمح لهم بحضور الفصل الدراسي وهو تجاهل مذهل لحقيقة أنه على الرغم من أن الطلاب ربما انتهكوا سياسة الجامعة، إلا أنهم لا يزالون طلابًا وتلتزم كولومبيا وبارنارد بتعليمهم. فلا يمكنك تعليم الأشخاص الذين لا يستطيعون حضور الفصول الدراسية.
إن الحق الذي على المحك في هذه الأحداث هو الحرية الأكاديمية وهو حق مستمد من الدور الذي تلعبه الجامعة في الحياة الأمريكية. لا يعمل الأساتذة لصالح السياسيين، ولا يعملون لصالح الأمناء، ولا يعملون لصالح أنفسهم إنهم يعملون من أجل العامة. وتتمثل مهمتهم في إنتاج المعرفة والتعليمات التي تقدم الإضافة إلى مخزون المجتمع المعرفي. إنهم يلتزمون بالقيام بذلك دون أي اهتمام: أي دون النظر إلى المزايا المالية أو الحزبية أو الشخصية. في المقابل، يسمح لهم المجتمع بعزل أنفسهم – وإلى حد ما طلابهم – عن التدخل الخارجي في شؤونهم. هذا يبني لهم بُرجًا – إن صحّ التعبير.
لقد نشأ هذا المفهوم في ألمانيا – “حرية التدريس” – وتم استيراده هنا في أواخر القرن التاسع عشر إلى جانب النموذج الألماني أيضًا للجامعة البحثية، وهي مؤسّسة تعليمية تنتج فيها هيئة التدريس المعرفة والأبحاث. منذ ذلك الوقت، أصبح من المفهوم أن الحرية الأكاديمية هي السمة المميزة للجامعة البحثية الحديثة.
في ألمانيا في القرن التاسع عشر، حيث كانت الجامعات تُدار من قبل الحكومة، كانت الحريّة الأكاديمية حقًا ضد الدولة. لقد كانت ضرورية لأنه لم يكن هناك حق حرية التعبير على غرار التعديل الأول. حمت حرية التدريس ما كتبه الأساتذة وعلّموه داخل الأكاديمية (ما لم يكن خارجها). وفي الولايات المتحدة، حيث أنشِئت العديد من الجامعات البحثية بعد الحرب الأهلية بأموال خاصة – شيكاغو، وكورنيل، وهوبكنز، وستانفورد – تم تمديد هذا الحق ليشمل حماية الأساتذة من الطرد بسبب آرائهم، سواءً عبّروا عنها في الفصل الدراسي أو في الساحة العامة. وكان الحدث الرئيسي تأسيس الرابطة الأمريكية لأساتذة الجامعات في سنة 1915، التي كانت، من بين أمور أخرى، هيئة مراقبة للحرية الأكاديمية.
ترتبط الحرية الأكاديمية بحريّة التعبير بالمعنى الذي يتضمنه التعديل الأول من الدستور ولكنها ليست مثلها. وفي الساحة العامة، يمكنك أن تقول أو تنشر أشياء فظة أو مكروهة وفي كثير من الأحيان كاذبة دون أن تستطيع الدولة محاسبتك. لكن الحرية الأكاديمية لا تعمل بهذه الطريقة إذ يخضع الخطاب الأكاديمي لرقابة صارمة. وفي هذه الحالة، يصبح الأساتذة هم ضباط تنفيذ القانون.
يُقيّم أعضاء هيئة التدريس إنتاجات زملائهم، ويقرّرون من يجب توظيفه ومن يجب فصله، وما يجب تدريسه، ويضمنون مراعاة معايير البحث الأكاديمي. وهذه المعايير مستمدة من المعركة الكبرى الأولى حول الحرية الأكاديمية في القرن التاسع عشر – العلم مقابل الدِّين. إن نموذج البحث في الجامعة البحثية الحديثة علماني وعلمي. يجب اختبار جميع الآراء والفرضيات بشكل عادل، ويعتمد نجاحها بالكامل على قدرتها على الإقناع بالدليل والحجة العقلانية. ولا يجوز إصدار أحكام مسبقة ولا يمكن الاستئناف أمام سلطة أعلى.
لذلك، هناك جميع أنواع القيود المهنية على أشكال التعبير الأكاديمي. ويجب أن تتم الموافقة على العمل الذي ينشره الأكاديميون من قبل أقرانهم، ومراعاة بروتوكولات الاقتباس، وعدم التسامح مع الحجج الشخصية، ورفض الادعاءات غير المدعومة بالأدلة، وما إلى ذلك. ومع أن الأكاديميين ينظرون إلى كلمة “الأرثوذكسية” برعب، إلا أن هناك الكثير من العقيدة الضمنية في الجامعة، كما هو الحال في أي عمل تجاري. يميل الأشخاص الذين تلقّوا نفس التدريب إلى تشارك نفس التفكير لكن ما دامت الأحكام الأكاديمية تُتّخد بالإجماع، وليس بالأوامر، ومن قبل خبراء وليس هواة فمن المفترض أن آلة المعرفة تعمل بنزاهة وكفاءة. ويمكن للجمهور أن يثق بالمنتج.
تطمح كافة المهن إلى أن تتمتع بالحكم الذاتي لأن أعضاءها يعتقدون أن زملاءهم من المهنيين هم فقط الذين يتمتعون بالخبرة اللازمة لإصدار الأحكام في مجالاتهم، لكن المهنيّين يدركون أيضًا أن الفشل في التنظيم الذاتي يدعو إلى التدخل الخارجي. وفي حالة الجامعة، من مصلحة أعضاء هيئة التدريس إدارة مؤسستهم بشكل عادل وكفؤ. ويجب أن يكونوا موضع ثقة حتى يتمكنوا من العمل بشكل مستقل عن الرأي العام. إنهم بحاجة إلى الحفاظ على البرج قائمًا.
لهذا السبب، كانت الظاهرة التي يُطلق عليها اختصارًا اسم “السابع من تشرين الأول/ أكتوبر” بمثابة أزمة للتعليم العالي الأمريكي. إن الانطباع بأن بعض الجامعات لم تكن تضبط نفسها بكفاءة وأن حرمها الجامعي كان خارج نطاق السيطرة قد أتاح فرصة للأحزاب التي تتطلع إلى التأثير على نوع المعرفة التي تنتجها الجامعات، ومن يُسمح له بإنتاجها، وكيفية تدريسها – وهي قرارات تقليديًا من اختصاص أعضاء هيئة التدريس. ويعتقد الساسة الذين يريدون الحدّ من أنواع معينة من التعبير الأكاديمي أنهم قادرون على القيام بذلك من خلال التهديد بإلغاء حالة الإعفاء الضريبي التي تتمتع بها الجامعة أو فرض ضريبة على أوقافها. وفي المناخ السياسي الحالي، ليس من الصعب أن نتصور حدوث مثل هذه الأمور. وإذا فعلوا ذلك فسيكون بمثابة إلغاء مباشر للميثاق الاجتماعي.
لكن هل ستكون هذه الخطوة غير دستورية؟ ما هو نوع حق الحرية الأكاديمية؟ هل هو حقّ قانوني أم أخلاقي؟ هذا السؤال، الذي كان موضع خلاف بين العلماء لفترة طويلة، وتم التطرّق إليه في عددٍ ليس بالقليل من الكتب الجديدة، وأبرزها كتاب “لا يمكنك تعليم ذلك!” (الناشر بوليتي)، بقلم كيث إي ويتنغتون؛ “الحق في التعلم” (بيكون)، حرره فاليري سي. جونسون، وجنيفر روث، وإلين شريكر؛ و”جميع محامي الحرم الجامعي” (هوبكنز)، بقلم لويس إتش جارد وجويس بي جاكوبسن.
يمثّل مصير الحرية الأكاديمية أيضًا مصدرًا للقلق في الكتب الجديدة التي ألفها اثنان من مديري الجامعات السابقين: كتاب “مهاجمة النخب” لديريك بوك (جامعة ييل)، وكتاب نيكولاس بي ديركس “مدينة الفكر” (كامبريدج). بوك هو الرئيس السابق لجامعة هارفارد. وكان ديركس مستشارًا لجامعة كاليفورنيا في بيركلي. إن الشعور العام في هذين الكتابين أن الحرية الأكاديمية في خطر وأن الجامعات لن تستغرق الكثير قبل تخسرها.
يدافع ويتنغتون، الذي يقول إنه ينتمي إلى اليمين السياسي، بشدة عن الحرية الأكاديمية. فهو لا يرى أي سبب وراء رغبتنا في أن يملي الساسة ما يمكن وما لا يمكن دراسته وتدريسه. وسيكون الأمر أشبه بطرح المنهج الدراسي للتصويت الشعبي كل عام. ويهتم كتابه بشكل أساسي بالكليات والجامعات العامة (التي يلتحق بها حوالي سبعين بالمائة من الطلاب الأمريكيين) حيث أعضاء هيئة التدريس هم عبارة عن موظفين عموميين وتتحكم المجالس التشريعية في الولايات في ميزانياتها.
وهذا يعني أيضًا أن خطابهم محمي بموجب التعديل الأول لقانون الحرية الفردية في فلوريدا لسنة 2022، المعروف شعبيًا باسم قانون إيقاف الصحوة، الذي يحظُر تدريس الأفكار التي يعرّفها بعض المشرعين بأنها “مثيرة للانقسام” في المؤسسات التعليمية العامة، وتم إبطاله جزئيًا من قبل الدائرة الحادية عشرة لكونه ما هو عليه بوضوح: تمييز في وجهات النظر، وهو ما يحظره التعديل الأول. (ومن ناحية أخرى، إن قدرة الدول على إملاء محتوى الفصول الدراسية من الروضة وحتى الصف الثاني عشر راسخة إلى حد ما).
كان قانون فلوريدا من بين 140 أمرًا تعليميًا أقرته المجالس التشريعية للولاية في سنة 2022، ما يقارب 40 في المائة منها استهدفت الكليات والجامعات. وتعتبر ظاهرة حظر النشر أحد المواضيع التي يتناولها كتاب “الحق في التعلم”. ويرى محررو الكتاب أن مثل هذه الجهود أسوأ من المكارثية. فقد طاردت المكارثية الأفراد بسبب معتقداتهم السياسية. واليوم، الأهداف هي المناهج الدراسية والفصول الدراسية، وهي هيكل النظام التعليمي.
يرى المحررون أن الدفاع عن الحرية الأكاديمية “مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنضال الأكبر ضد أنظمة القمع العنصرية والجنسية وغيرها من أنظمة القمع التي تستمر في تشويه الحياة الأمريكية”. وبما أن عدم المبالاة تشكل عنصرًا أساسيًا في الميثاق الاجتماعي فقد لا يحظى هذا الرأي بقبول عالمي. ولكن هناك تخصصات أو مجالات فرعية ضمن التخصصات حيث يفهم الأساتذة (والطلاب) عملهم الأكاديمي كشكل من أشكال المشاركة السياسية. ويبدو أن الحرية الأكاديمية تغطي هذه الحالات (مع أن الجميع لا يتفقون مع ذلك). لكن ما لا تغطيه الحرية الأكاديمية هو التلقين وهو انتهاك للمعايير الأكاديمية.
ماذا عن الطلاب؟ تتمثل النسخة الطلابية من الحرية الأكاديمية في حرية التعلم. وهذه القاعدة أصعب قليلاً في التطبيق. فلا يحدد الطلاب عادة المنهج الدراسي، وعادة ما يكونون موضوعات سلبية لنظام تأديبي يسمى الدرجات. وفي الأصل، كانت عبارة “حرية التعلم” تشير ببساطة إلى حرية الفرد في اختيار المسار الدراسي. والآن يتم استحضارها في سياقات الخطاب في الفصول الدراسية حيث يشهد المعلمون الكثير من الرقابة الذاتية، وكذلك خطاب الحرم الجامعي، حيث يهتف الطلاب ويحملون اللافتات ويمارسون العصيان المدني.
أفاد بعض الطلاب بأنهم لا يشعرون بالحرية في التعبير عن آرائهم لأن ما يقولونه قد يتم تلقّيه على أنه جارح أو مهين من قبل الطلاب الآخرين. ويجد الأساتذة أنفسهم يعيدون النظر في النصوص التي يعيّنونها، نظرًا لأن الطلاب قد يرفضون التعامل مع الأعمال التي يجدونها مرفوضة سياسيًا. ويشعر الأساتذة بالقلق من أن يتم الإبلاغ عنهم بشكل مجهول وإخضاعهم لتحقيق مؤسسي. وإن لم يكن ذلك كافيًا فإن الأساتذة والطلاب يمكن أن يتعرّضوا للمحاكمة عبر منصات التواصل الاجتماعي. وهذه ليست ظروف عملٍ جيدة لقطاع التعليم. قد تخسر في جدال أثناء التبادل الأكاديمي، ولكن عليك أن تشعر بالحرية، في الفصل الدراسي، لتقول كلمتك دون التعرض للعقاب.
ألقى المعلقون اللوم في هذا الموقف على نظام “التدليل” حيث يُمنح الأشخاص الذين يقولون إنهم يشعرون “بعدم الأمان” لمجرد وجودهم في غرفة مع شخص يختلفون معه الموارد اللازمة للمطالبة بفعل شيء حيال ذلك. ويعتبر مكتب الحرم الجامعي للتنوع والإنصاف والشمول الرمز المؤسسي (أو كبش الفداء) لهذه الثقافة. اتخذت المجالس التشريعية في الولاية خطوات لحظر مكتب الحرم الجامعي للتنوع والإنصاف والشمول، وكان المنتقدون المحافظون للتعليم العالي في الكليات والجامعات العامة واضحين تمامًا في أن حظر مكتب الحرم الجامعي للتنوع والإنصاف والشمول هو الهدف الأساسي.
يُظهر كتاب “جميع محامي الحرم الجامعي” بشكل مفيد أن نظام “التدليل” ومكتب الحرم الجامعي للتنوع والإنصاف والشمول كان إلى حد كبير من إنشاء الحكومة الفيدرالية. ويحظر الباب السادس والسابع من قانون الحقوق المدنية لسنة 1964 معًا التمييز على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو الأصل القومي في البرامج والأنشطة التي تتلقى تمويلًا فيدراليًا، كما تفعل معظم الجامعات.
وقضت المحكمة العليا مؤخرًا (وبشكل مدهش إلى حد ما) بأن الباب السابع يغطي التوجه الجنسي والهوية الجنسية. ويحظر الباب التاسع من تعديلات التعليم لسنة 1972 التمييز على أساس الجنس، بما في ذلك التحرش الجنسي، في مثل هذه البرامج والأنشطة. وفي سنة 2016، تمت إضافة تعريف موسع لـ “الإعاقة” إلى قانون الأمريكيين ذوي الإعاقة استجابةً، جزئيًا، للدعوة نيابة عن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه وصعوبات التعلم. ويُعرّف القانون الإعاقة بأنها إعاقة جسدية أو عقلية تحد بشكل كبير من واحد أو أكثر من “أنشطة الحياة الرئيسية”، وأصبحت “الكتابة” الآن مدرجة كنشاط رئيسي في الحياة.
بالنسبة للجامعات، توفر هذه القوانين سببًا محتملاً لاتخاذ إجراء عند كل منعطف. ويحق للطلاب والموظفين الذين يشعرون بالمضايقة أو عدم الأمان أو الإهمال عمومًا بسبب هويتهم، بموجب القانون الفيدرالي، تقديم شكوى. والنتيجة هي ما يسمّيه جارد وجاكوبسن “تقنين التعليم العالي”. وفي الواقع، تعيش الجامعات في خوف دائم من المقاضاة بسبب معاملة شخص ما بشكل مختلف.
ولكن لا تتم مقاضاة الأفراد المتهمين بارتكاب سلوك تمييزي، ولا تنطبق عليهم القوانين، بل تنطبق على الجامعة بحد ذاتها. مجموعة من النساء اللواتي قلن إنهن تعرضن للتحرش الجنسي من قبل أستاذ جامعة هارفارد جون كوماروف لم يقاضين كوماروف بل رفعن دعوى قضائية ضد جامعة هارفارد بسبب انتهاك المادة التاسعة. (نفى كوماروف مزاعمهن). وعندما رفعت مجموعة من الطلاب اليهود، في كانون الثاني/ يناير، دعوى قضائية ضد جامعة هارفارد بتهمة “تمكين معاداة السامية” في الحرم الجامعي، فعلوا ذلك بموجب الباب السادس من قانون الحقوق المدنية.
إن المتظاهرين المؤيّدين للفلسطينيين الذين خلقوا الظروف التي يزعم الطلاب اليهود أنها معادية للسامية، محصنون بموجب التعديل الأول للدستور. ويعد شعار “من النهر إلى البحر” شعارا سياسيا، وخطاب كلاسيكي محمي. ولهذا السبب لا يقوم الكونغرس باستدعاء المتظاهرين بل يلاحق رؤساء الجامعات بدلاً من ذلك. ويريد أعضاء الكونغرس الذين استجوبوا شفيق أن تقوم الجامعات بمعاقبة المتظاهرين على وجه التحديد لأن الحكومة لا تستطيع ذلك.
ويرغب جميع الأساتذة تقريبًا في مناقشة مفتوحة وقوية للقضايا المثيرة للجدل في فصولهم الدراسية وفي الحرم الجامعي، لأن هذه هي الطريقة التي يعمل بها البحث الأكاديمي. ولا شك أن مديري الجامعات يريدون ذلك أيضًا. ولكن المخاطر ليست خياليّة، وهي تنشأ، على نحو لا يخلو من المفارقة، من رغبة الكونغرس في خلق فرص متكافئة للجميع. هل يمكنك تسمية قانون الحقوق المدنية، والباب التاسع، وقانون الأمريكيين ذوي الإعاقة “بالتدليل”؟ ربما لا إذا كنت أسودًا أو متحولًا جنسيًا أو مصابًا باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
في الحقيقة، كثيرا ما يشتكي الأساتذة من التضخم البيروقراطي، ولكن في الجامعة الكبيرة تحتاج إلى جهاز قانوني وإداري ضخم لضمان الالتزام بالقانون، كما تحتاج إلى بيروقراطية ضخمة في الحياة الطلابية لغرس مشاعر العدالة والشمول. وهذه هي الأهداف التي تصورها الكونغرس عندما أقر تلك القوانين. ولم تخترعها هيئة التدريس.
أما بالنسبة للتنوع، فهذا هو المفهوم الذي فرضته المحكمة العليا على التعليم العالي. في سنة 1978، في قضية حكام جامعة كاليفورنيا ضد باكي، قضت المحكمة بأنه يمكن للجامعات أن تنظر إلى عرق مقدم الطلب كعامل في القبول. قال القاضي الذي كتب الحكم، لويس باول، إن الجامعات تتمتع بهذا الحق كمسألة تتعلق بالحرية الأكاديمية، التي قال إنها مضمونة بموجب التعديل الأول – وهي المرة الأولى التي يتم فيها توسيع مفهوم الحرية الأكاديمية ليشمل مؤسسة بأكملها، وليس فقط أعضاء هيئة التدريس، من التدخل الخارجي.
مع ذلك، قال باول، إنه يجب أن يكون هناك مبرّر معقول (من الناحية القانونية “مصلحة مقنعة للدولة”) للنظر في عرق مقدم الطلب، الذي لولا ذلك لكان محظورًا بموجب ضمان التعديل الرابع عشر “للحماية المتساوية”. ورفض الحجة القائلة إن ذلك مبرر لأنه ساعد في علاج التمييز الماضي أو لأنه سيكون من المرغوب اجتماعيا زيادة عدد الأطباء والمحامين والرؤساء التنفيذيين من غير البيض. وقال إن المبرر الوحيد المقبول دستوريا للقبول لأسباب عرقية هو التنوع. وكان وجود هيئة طلابية متنوعة هدفًا تعليميًا مشروعًا، وكان للجامعات حق التعديل الأول في متابعة هذا الهدف.
تم تأكيد حكم باول في سنة 2003 في قضية غروتر ضد بولينجر، ومرة أخرى في سنة 2016 في قضية فيشر ضد جامعة تكساس. وفي المرتين، قالت المحكمة العليا إنه يمكن أخذ العرق بعين الاعتبار عند القبول ولكن فقط لغرض خلق طبقة متنوعة، مع الفهم الضمني بأن التنوع يمتد إلى ما هو أبعد من العرق. وهذا يعني أنه عندما عرضت قضية القبول بجامعة هارفارد على المحكمة العليا في سنة 2022، كانت جامعة هارفارد وغيرها من الجامعات تعمل على الترويج للقيمة التعليمية للتنوع، والتبشير بها للطلاب وأعضاء هيئة التدريس، لمدة 40 سنة. لقد كانت طريقة للحفاظ على القبول الواعي بالعرق.
في الواقع، كانت هذه هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على القبول الواعي بالعرق. وعندما ألغت المحكمة برامج القبول على أساس العرق في جامعة هارفارد وجامعة نورث كارولينا في سنة 2023، رفضت على وجه التحديد مبرر التنوع ذاته الذي وصفته في البداية ووافقت عليه مرارا وتكرارا. وقالت المحكمة حاليا إن مفهوم التنوع ليس “قابلاً للقياس وملموسًا” بالقدر الكافي. فكيف يمكن للجامعات أن تثبت أن التنوع العرقي له الفوائد التعليمية التي تدعي أنه يتمتع بها؟ أما حكم باول بأن الحرية الأكاديمية حق قانوني يرتكز دستوريا على التعديل الأول للدستور، فقد تجاهله رأي المحكمة تماما.
“التنوع” ليس سلعة تعليمية واضحة كما قد يبدو. ففي العشرينات والثلاثينات، على سبيل المثال، استخدمت جامعة هارفارد “التنوع” كوسيلة للحد من عدد اليهود الذين تقبلهم. في ذلك الوقت، كان مصطلح “التنوع” يعني التنوع الجغرافي، أي وجود هيئة طلابية بها عدد أكبر من طلاب الجنوب والغرب الأوسط وعدد أقل من الطلاب من نيويورك ونيوجيرسي. لقد كان عملاً إيجابيًا بالنسبة للأمم.
بعبارة أخرى، يمكن للتنوع أن يدعم العديد من الأجندات. واليوم، على سبيل المثال، هناك مطالب بإرغام الجامعات الخاصة على قبول طبقة متنوعة اجتماعيًا واقتصاديًا أو توظيف أعضاء هيئة تدريس متنوعين إيديولوجيا. وحقيقة أن جامعات النخبة، مثل هارفارد وكولومبيا، التي لا يلتحق بها سوى واحد بالمئة من جميع طلاب الجامعات في الولايات المتحدة، يُطلب منها إصلاح المشاكل الاجتماعية – عدم المساواة في الثروة والاستقطاب السياسي – التي يبدو أن لا أحد يستطيع حلها، هو الموضوع الرئيسي في كتاب “مهاجمة النخب” لبوك.
من الواضح أن بوك يشعر أن هذه المطالب غير معقولة، ويعرب ديركس في “مدينة الفكر” عن نفاد صبر مماثل. لكن بوك وديركس يعتقدان أنه ليس من الحكمة أن تتجاهل الجامعات مثل هذه المطالب التي يسمّيها بوك “عبء النجاح”. ويمثل التنوع تحديًا تعليميًا أيضًا. وإذا كنت تخبر الطلاب أنه تم قبولهم جزئيًا بسبب عرقهم لمصلحة تنوع وجهات النظر، فقد يشعرون أنه من المتوقع منهم أن يمثلوا أي وجهات نظر يفترض أن أعضاء مجموعتهم العرقية يتبنونها. والتفكير بهذه الطريقة يتناقض مع الهدف التقليدي للتعليم الليبرالي، وهو جعل الطلاب يفكرون خارج الصندوق الذي ولدوا فيه – أو في هذه الأيام، خارج الصناديق التي حددوها عند طلباتهم. يتمحور التعليم الليبرالي حول التشكيك في المسلمات، وليس إعادة تأكيدها.
إن الجامعة عبارة عن مجتمع، والجميع يرتادها لنفس السبب، ألا وهو التعلم. وللمجتمع كل الحق في منع الأحزاب الخارجية والإصرار على معايير الكياسة والاحترام، مع إدراك أن هذه المُثُل لا يمكن تحقيقها دائمًا على الفور. وفي معظم الجامعات، تُحظر بشكل صريح المواجهات الجسدية واستهداف الأفراد بالتهديد أو المضايقات وتعطيل أنشطة الحرم الجامعي. وعندما يتم انتهاك القواعد، فإن أفضل نهج هو أن يجد المجتمع طرقًا لمراقبة نفسه. لكن معظم أشكال التعبير يجب التسامح معها. ويعتبر التسامح الثمن الذي يدفعه الأكاديميون والطلاب مقابل الحريات التي منحها لهم المجتمع.
مع ذلك، تظل الحقيقة أن كل التركيز على التنوع والشمول لم يمنع أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر من أن تصبح برميل بارود. وتكمن المشكلة الحقيقية في أن كل هذه القضايا أصبحت حاليا أمام أعين الجمهور، والجامعات غير ماهرة في مجال العلاقات العامة. ومنذ سنة 1964، ظلت الجامعات تتكيف مع البيئة القانونية التي أنشأها إلى حد كبير الكونغرس الديمقراطي والمحكمة العليا التي لا تزال ليبرالية بشكل هامشي فيما يتعلق بالقضايا العرقية. والآن يتولى السلطة نظام سياسي مختلف، في الكونغرس وفي المحكمة، ولم يعد هناك سوى عدد قليل من الأماكن التي يمكن الاختباء فيها.
تعد الحرية الأكاديمية فهمًا وليس قانونا ولا يمكن الاستناد إليها فقط بل يجب التأكيد عليها والدفاع عنها. ولهذا السبب، من المحبط للغاية أن يبدو قادة الجامعات الكبرى مترددين في التحدث عن حقوق البحث المستقل وحريّة التعبير التي ناضل الأمريكيون من أجلها. وحتى بعد أن قدمت شفيق تضحيات أعضاء هيئة التدريس على هيكل الكونغرس واستدعت شرطة نيويورك، رد الجمهوريون بالمطالبة باستقالتها. وإذا لم ينجح الاستسلام، فلن يضيع الكثير من خلال تجربة بعض التحدي.
المصدر: نون بوست