"إسرائيل" والبحث الفارغ عن مركز قيادة حماس في "الشفاء"
يقول الكاتب الأميركي ديف ليندورف، إنّ الوقت المتاح لإسرائيل لتحقيق هدفه في القضاء على "حماس" بدأ ينفد، مؤكداً فشل إسرائيل في تحقيق أي نصر في اقتحامه لمجمع الشفاء الطبي.
Table of Contents (Show / Hide)
يتحدّث مقال للكاتب ديف ليندورف، في نشرة "كاونتر بنش" الأميركية (CounterPunch)، عن كيف فشل الـ"جيش" الإسرائيلي في تحقيق أي نصر من خلال اقتحامه لمجمع الشفاء الطبي في غزة.
فيما يلي نص المقال:
تراجعت الولايات المتحدة الأميركية عن دعمها للدخول الإسرائيلي إلى غزة. بعد أن تمّ تدمير النصف الشمالي بأكمله من القطاع المسور والمحاصر، والذي يسجن فيه الاحتلال نحو 2 مليون ونصف فلسطيني، وبعد أن حقّق الـ"جيش" هدفه المتمثل في السيطرة على مستشفى الشفاء، بزعم أنّه يكتنز على مركز قيادة المقاومة الفلسطينية، الذي فشلت "إسرائيل" في إيجاده، أو أن تقدّم رواية مقنعة تبرر حصارها وهجومها في نهاية المطاف على ذلك المستشفى.
أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية أكّدت لكل من "تل أبيب" وواشنطن، وجود مركز قيادة وتحكم شيدته حركة حماس تحت المستشفى، وعززته بشبكة من الأنفاق المؤدية إلى المستشفى وخارجها. لكن لم يتم إثبات أي من هذه المزاعم.
وبدلاً من ذلك، ما عرضه ما يسمى بـ"جيش الدفاع الإسرائيلي" عبارة عن قبو تم بناؤه قبل 40 عاماً تحت إشراف إسرائيلي، وقبل تأسيس حركة "حماس" بوقت طويل، وفقاً لتقرير صحيفة "نيوزويك" وآخر في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، وكان من المفترض أن يكون غرفة غسيل.
ولم يتم الإبلاغ حتى الآن عن أي أنفاق تستخدمها المقاومة الفلسطينية، فقط تمّ عرض غرفة فوق الأرض في أحد مباني المستشفى الرئيسية تحتوي على مخبأ صغير للأسلحة فيه 15 سلاحاً آلياً وقنبلة يدوية، وجهاز كمبيوتر واحد يزعم أنه يحتوي على صور لـ"رهائن" إسرائيليين على قرصه الصلب.
وفي كل حال ومستوى، لم يقدّم الجنود الصهاينة أي دليل مادي أو منطقي على أن مقاتلي حركة "حماس" كانوا يستخدمون مستشفى الشفاء، لا كمركز قيادة ولا لتخزين الأسلحة أو لاحتجاز بعض "الرهائن". وعلى وجه اليقين، أن "إسرائيل" استخدمت هذه الأكاذيب لتبرير هجومها واستيلائها على المستشفى المذكور، دون الاكتراث بمئات الجرحى والمرضى والطواقم الطبية، وحتى الأطفال الرضع في حاضنات العناية.
كل ذلك، يساهم أيضاً في التشكيك المتزايد لبعض المؤسسات الإخبارية في الولايات المتحدة وبريطانيا بشأن ادعاءات "جيش" وحكومة "تل أبيب"، الذي حرص على عدم السماح للصحافيين القلائل بدخول المستشفى مع جنوده، واكتفى بصور البحث في الصناديق التي كتب عليها "طعام الأطفال"، والتي زعموا أنّهم عثروا عليها في "المخبأ" وتمّ تقديم الأسلحة القليلة جداً كدليل على مركز قيادة "حماس" المزعوم.
وقد أدّى ذلك إلى بدء العديد من وسائل الإعلام الأميركية في استخدام توصيفات مثل "ادعى الجيش الإسرائيلي أنه عثر" على الأسلحة في المستشفى، وحتى في حالة الكمبيوتر الغامضة المنسوب للمقاومة، يقال "ادّعت إسرائيل أنّ الجهاز يتضمن صوراً لأسرى عملية "طوفان الأقصى".
بعض وسائل الإعلام الغربية وبعض المراسلين، لا زالوا منخرطين في عملية التزييف الإسرائيلية مع تعديلات في الصياغة، على أنّ جنود "تل أبيب" وجدوا "عقدة" للقيادة والسيطرة بدلاً من"مركز " للقيادة والسيطرة، ويشير المصطلح الأخير إلى أنّ مبنى المستشفى كشيء مثل" البنتاغون" تحت الأرض لحركة "حماس"، وما تمّ العثور عليه في مستشفى الشفاء يبدو حلقة في شبكة من مقرات القيادة المناطقية.
ويزعم "جيش تل أبيب" الآن، أنّ عناصر المقاومة قاموا بإفراغ القبو المذكور قبل احتلاله من قبلهم. وعليه نسجت الحكومة الإسرائيلية المزيد من التزييف بعد عدم العثور على الأنفاق، بفبركة التقارير الإخبارية "التحليلية"، عن أنّه ربما يكون مقاتلو مركز سيطرة «حماس» فروا من خلال "الاختلاط" مع الموظفين واللاجئين الذين سُمح لهم بـ "المغادرة" من مبنى المستشفى الذي تمّ حصاره بالكامل.
لا يمكن لـ"إسرائيل" نفي خططها القديمة لمجمع المستشفى، وهي تعرف القبو وموقعه تماماً، كما توقن أنّ المقاومة الفلسطينية لا تستخدم المستشفى.
فشل حكومة بنيامين نتنياهو، بإيجاد الأنفاق يضعها أكثر تحت ضغط الرأي العام العالمي الغاضب من جريمة الإبادة الجماعية في غزة، وبينهم أعداد متزايدة من المواطنين الأميركيين والعديد من الشباب اليهود، وبعض الإسرائيليين أيضاً. فالقصف الإسرائيلي الوحشي على غزة، يوصف الآن بأنّه الأضخم في هذا القرن، ويتجاوز القصف الأميركي للمدن العراقية، مع إضافة العقاب الجماعي لسكان القطاع، بمنع كل سبل الحياة أمامهم من الغذاء والمياه والكهرباء والأدوية التي لا تزال مستمرة.
من المؤكّد أنّ القتل المتعمّد للمدنيين "من أيّ طرف كان"، بحكم تعريفه جريمة حرب بموجب القوانين. وإنّ جريمة ارتكبها "أحد طرفي النزاع" لا تبرر جريمة حرب من الجانب الآخر.
ومما يزيد الطين بلّة، أنّ الغزو والحصار الإسرائيلي هما جريمتا حرب فجة بوضوحها، سواء في حجم قتل وجرح المدنيين، أو لأنّ قادتها دعوا علناً إلى "عقاب" جماعي لجميع الفلسطينيين في غزة، وعملياً يقومون بذلك على وجه التحديد. لذا، تجهد "تل أبيب" في التوصل إلى نوع من الأدلة لتبرير عنفها العشوائي.
إذا كان ما توصل إليه الـ"جيش" الإسرائيلي حتى الآن في مستشفى الشفاء هو كل ما عليه إظهاره للعنف الملحمي والموت الذي جلبه، فقد جاء قاصراً وزاد على الجريمة، جريمة أخرى.
أدّى هذا الفشل حتى الآن لـ"إسرائيل" وجيشها الهمجي المتبجح في التوصل إلى أدلة على وجود جيش تحت الأرض تابع لحركة حماس ومركز قيادة وتحكم في المستشفيات أو شبكة من "عقد" القيادة والسيطرة، إلى مشهد مثير للغضب خلف الكواليس، لمبعوثين أميركيين مثل وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع، لويد أوستن، وغيرهم من كبار المصفقين لإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لدعم حرب "إسرائيل" على غزة، ويتوسلون الآن إلى حكومة نتنياهو لإدراك ذلك، وعلى حدّ تعبير تقرير لشبكة "سي أن أن"، هناك وقت محدود لـ"إسرائيل" متبق لمحاولة تحقيق هدفها المعلن المتمثل في القضاء على "حماس"، قبل أن تصل الاحتجاجات العالمية حول المعاناة الإنسانية والخسائر في صفوف المدنيين والدعوات إلى وقف إطلاق النار إلى نقطة اللاعودة.
تتماثل "إسرائيل" مع سياسة أميركية كلاسيكية (وعادةً ما تكون فاشلة)، طوال سلسلة حروبها التي لا هوادة فيها على مدى نحو 8 عقود ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولم تنفع أساليبها بالدمار الشامل والدموي والقتلة لا فيتنام ولا في الهجمات الوحشية على قرى الفلاحين بطائرات "بي 52" الاستراتيجية لكمبوديا، حققت الفوز قبل أن تفقد دعم الشعب الأميركي.
استراتيجية الولايات المتحدة باستخدام العنف لم تنجح عملياً، وكما تعلّم الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون من خلال الحرب بفيتنام وجورج بوش من خلال هجومه "الصدمة والرعب" على العراق، على حكومة الولايات المتحدة اليوم الإنصات بعمق لهاتين التجربتين.
الأمل بالاستمرار بهذه السياسات المرعبة والشائنة بالنسبة لقادة الولايات المتحدة، يتضاءل مع الوقت، ويظهر أمام الجميع الآن حصاد الإطاحة الكارثية المدعومة من الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، بالرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي، في ليبيا في العام 2011، ومؤخراً، دعم بايدن لمحاولة أوكرانيا استعادة الأجزاء ذات الأغلبية الروسية من تلك "الدولة" السوفيتية السابقة بما في ذلك شبه جزيرة القرم.
هذه أمثلة على المغامرات العسكرية الأميركية التي سارت بشكل كبير وتحولت إلى إخفاقات مطولة انقلب عليها الأميركيون تدريجياً بمراكمة كبيرة.
وفي حالة "إسرائيل"، تختلف الحسابات الدموية، فقد يتمكن نتنياهو وائتلاف حزب "الليكود" الذي يتزعمه، من الاعتماد على الدعم المستمر من مؤيديهم الصهاينة المتشددين الذين لا يعتبرون العنف والجرائم ضد الفلسطينيين سوى طريق للتشبث بالسلطة.
ولكن في الولايات المتحدة، التي تعتمد عليها "إسرائيل" للحصول على 3.8 مليارات دولار سنوياً من الأسلحة والذخائر العسكرية المجانية، والدعم الدبلوماسي في الأمم المتحدة، إذ تمنع الولايات المتحدة بشكل موثوق أي إجراءات لمجلس الأمن تستهدف "إسرائيل"، أصبح الجمهور محبطاً بشكل متزايد من معاملة "إسرائيل" الوحشية للفلسطينيين "الخاضعين لسيطرتها"، سواء في غزة أو الضفة الغربية المحتلة، أو داخل مناطق قبل حرب العام 1967.
الرئيس بايدن، الذي وصف نفسه بأنّه "صهيوني" ومؤيّد قوي لـ"إسرائيل" يواجه حملة إعادة انتخاب تزداد صرامة في أقل من عام، بدأ يتساءل عما إذا كان دعمه لحرب إسرائيلية دموية طويلة على غزة واحتلالها، ناهيك عن الاعتداء المتزايد للضفة الغربية، والتوسع المستمر للمستوطنين، سيؤدي إلى خسارته الانتخابات وأكثر.