مخاوف أخلاقية.. كيف يمكن لزرعات الدماغ التي يطورها ماسك أن تغيرك؟
غرسات الدماغ التي يعمل عليها الملياردير إيلون ماسك لا تزال، تثير الجدل، لا سيما من ناحية أخلاقية، رغم تشديد ماسك على أنها ستكون مفيدة للمرضى، وستعيد البصر للمكفوفين، وستجعل المشلولين قادرين على المشي مجددا.
Table of Contents (Show / Hide)
ونشر موقع "بيزنس إنسايدر" الأمريكي مقال رأي للكاتب إيفان ملميغران تحدث فيه عن الدراسات التي تشير إلى أن تقنية ماسك الجديدة يمكن أن تتحكم في دماغك بطرق غريبة ومثيرة للقلق.
وقال الكاتب، في تقريره الذي ترجمته "عربي21" إن شركة "نيورالينك" الناشئة التي تعود ملكيتها لإيلون ماسك تعمل على زرع شريحة دماغية مدمجة في الجمجمة في الإنسان منذ تأسيسها في سنة 2016. وبعد سنوات من الاختبارات على الحيوانات؛ أعلن ماسك في كانون الأول/ ديسمبر الماضي أن الشركة تخطط لبدء التجارب البشرية في غضون ستة أشهر؛ حيث أمضت شركة "نيورالينك" أكثر من نصف عقد في اكتشاف كيفية ترجمة إشارات الدماغ إلى مخرجات رقمية.
وذكر الكاتب أن شركة ماسك ليست الوحيدة التي تعمل على واجهات الدماغ الحاسوبية، أو الأنظمة لتسهيل الاتصال المباشر بين العقول البشرية وأجهزة الكمبيوتر الخارجية؛ حيث يجري علماء آخرون أبحاثًا لاستخدام واجهات الدماغ الحاسوبية لاستعادة الحواس المفقودة والتحكم في الأطراف الصناعية، من بين استخدامات أخرى. على الرغم من أن هذه التقنيات لا تزال في مهدها، إلا أن الباحثين تمكنوا من تكوين فكرة متزايدة عن كيفية تفاعل الغرسات العصبية مع عقولنا.
وأشار الكاتب إلى أن التدخل في العمليات الدقيقة للعقل البشري هو عمل شاق، فالتأثيرات ليست دائمًا مرغوبة أو مقصودة، ويمكن أن يشعر الأشخاص الذين يستخدمون واجهات الدماغ الحاسوبية بإحساس عميق بالاعتماد على الأجهزة، أو كما لو أن إحساسهم بأنفسهم قد تغير. وقبل أن نصل إلى النقطة التي يصطف فيها الناس للحصول على هاتف ذكي مزروع في عقولهم، من المهم معالجة المخاطر الأخلاقية الفريدة لهذه التقنية.
من الخيال العلمي إلى صناعة بمليارات الدولارات
وأردف الكاتب أن أكثر من 200 ألف شخص حول العالم يستخدمون بالفعل نوعًا من واجهات دماغ حاسوبية، ومعظمهم لأسباب طبية، ولعل أشهر حالات الاستخدام هي غرسات القوقعة الصناعية، والتي تُمكن الأشخاص فاقدي السمع من السمع إلى حد ما، وفي حالة أخرى من حالات الاستخدام المسبق هي الوقاية من نوبات الصرع؛ حيث يمكن للأجهزة الموجودة مراقبة نشاط إشارات الدماغ للتنبؤ بالنوبات وتحذير الشخص حتى يتمكن من تجنب أنشطة معينة أو تناول الأدوية الوقائية، فيما اقترح بعض الباحثين أنظمة لا تكتشف النوبات فحسب، بل تمنعها من خلال التحفيز الكهربائي. وقد أجريت عمليات الزرع للأشخاص المصابين بمرض باركنسون والاكتئاب والوسواس القهري والصرع في التجارب البشرية لسنوات.
ووفق الموقع؛ فقد أدت التحسينات الأخيرة في الذكاء الاصطناعي ومواد الفحص العصبي إلى جعل الأجهزة أقل توغلاً وأكثر قابلية للتوسع، الأمر الذي اجتذب بطبيعة الحال موجة من التمويل الخاص والعسكري. وحسب تقديرات شركة غراند في بحث لاستخبارات السوق فإن قيمة سوق غرسات الدماغ العالمية بلغت حوالي 4.9 مليارات دولار في سنة 2021، وتوقعت شركات أخرى أن الرقم يمكن أن يتضاعف بحلول سنة 2030.
وأشار الكاتب إلى أن استخدامات واجهات الدماغ الحاسوبية لا تزال محصورة في المجال الطبي، ولكن هناك اقتراحات لمجموعة واسعة من الاستخدامات غير الطبية لهذه التكنولوجيا؛ حيث وصفت الأبحاث المنشورة في 2018 المشاركين الذين يستخدمون واجهات الدماغ الحاسوبية للتفاعل مع العديد من التطبيقات على جهاز أندرويد اللوحي، بما في ذلك الكتابة والرسائل والبحث في الويب فقط من خلال تخيل الحركات ذات الصلة. قد تبدو هذه التقنية ضربًا من الخيال العلمي، ولكن في الحقيقة نحن وصلنا إلى نقطة حيث بدأت الحواجز الثقافية والأخلاقية لهذا النوع من التكنولوجيا تتفوق على الحواجز التقنية.
تغير العقل
ونوه الكاتب إلى أن هناك أدلة دامغة تشير إلى أن الأجهزة يمكن أن تسبب تغيرات معرفية تتجاوز نطاق تطبيقاتها المقصودة، وقد كانت بعض هذه التغييرات إيجابية؛ فبعد كل شيء؛ تهدف واجهات الدماغ الحاسوبية إلى تغيير أشياء معينة لدى مستخدميها. وأجرى ويكسلر، أستاذ الفلسفة في جامعة بنسلفانيا، مقابلات مع أشخاص مصابين بمرض باركنسون كانوا يخضعون لتحفيز الدماغ العميق، وهو علاج جراحي يتضمن زرع أسلاك معدنية رفيعة ترسل نبضات كهربائية إلى الدماغ للمساعدة في تخفيف الأعراض الحركية، ووجد أن العديد منهم فقدوا الشعور بالذات قبل الخضوع للعلاج.
ولاحظ عيران كلاين وسارة غورينغ، الباحثان في جامعة واشنطن، تغييرات إيجابية في الشخصية والإدراك الذاتي بين الأشخاص الذين يستخدمون واجهات الدماغ الحاسوبية. لكن ليست كل التغييرات التي وجدها الباحثون إيجابية؛ فخلال المقابلات مع الأشخاص الذين خضعوا لواجهات الدماغ الحاسوبية، لاحظ فريدريك غيلبرت، أستاذ الفلسفة في جامعة تسمانيا المتخصص في أخلاقيات الأعصاب التطبيقية، بعض التأثيرات الغريبة.
وذكر الموقع أنه عبر العديد من دراسات المقابلات؛ لاحظ غيلبرت أن المرضى أبلغوا عن مشاعر عدم التعرف على أنفسهم، أو ما يشار إليه عادة باسم "الاغتراب" بعد عمليات الزرع. وبالنسبة للأشخاص الذين يستخدمون واجهات الدماغ الحاسوبية لغرض صحي، فمن المنطقي أن يكون للعلاج تأثير نفسي إيجابي، ولكن عندما يتعلق الأمر بالتفكير في استخدام رقائق الدماغ للاستخدام الشائع، فهناك الكثير من القلق بشأن الجوانب السلبية لذلك.
هاتف ذكي في عقلك
وأفاد الكاتب بأن إدمان الهاتف أضحى ظاهرة شائعة، فكر فقط في مقدار الإدمان الذي يمكن أن تكون عليه إذا تم توصيله مباشرة إلى عقلك. وحسب ما ورد عن غيلبرت فهناك مريض أجرى مقابلة معه أصيب بنوع من شلل في عملية صنع القرار وبات غير قادر على اتخاذ قرار بشأن ما يأكله دون استشارة الجهاز الذي أظهر ما يحدث في دماغهم أولاً. في بعض الأحيان، يمكن للمريض الاعتماد كثيرًا على أجهزته بحيث يشعر أنه لا يمكنه الاستغناء عنها. واجه غيلبرت العديد من المشاركين في الدراسة الذين أصيبوا بالاكتئاب بعد فقدان الدعم لأجهزتهم وإزالتها، غالبًا بسبب انتهاء تجربة معينة.
وأكد الكاتب أن هذا النوع من الاعتماد يزداد تعقيدًا بسبب حقيقة أن واجهات الدماغ الحاسوبية يصعب دعمها ماليًا والحفاظ عليها، وغالبًا ما تتطلب جراحة دماغية لإزالتها وإعادة زرعها. ونظرًا لأن واجهات الدماغ الحاسوبية لا تزال إلى حد كبير في المرحلة التجريبية، فهناك افتقار للامتثال للمعايير العالمية أو نقص للدعم المالي المستقر، والعديد من الأجهزة معرضة لخطر فقدان التمويل بشكل مفاجئ. يمكن للمتبنين الأوائل أن يواجهوا اضطرابات نفسية بسبب مشاكل تتعلق بسلسلة التوريد أو تحديثات الأجهزة أو إفلاس الشركة.
وهناك أيضًا مخاوف تتعلق بالخصوصية تأتي مع وصول الكمبيوتر إلى موجات دماغك؛ حيث يمكن لأي شخص أن يستفيد من دراسة موجات دماغك، وإذا تمكن أحد المتطفلين من الوصول إلى بياناتك، فيمكنه قراءة عقلك، بمعنى ما، من خلال البحث عن محفزات نشاط إشارات الدماغ.
وخلص الكاتب - في نهاية مقاله - إلى القول بأنه في حين أننا ما زلنا بعيدين عن المستقبل السايبورغي للعقول المترابطة إلكترونيًا التي تنبأ بها إيلون ماسك، فإن النمو المتسارع للصناعة يزيد من إلحاح الاعتبارات الأخلاقية التي كانت مرتبطة في السابق بالخيال العلمي، فإذا كانت شريحة الدماغ قادرة على تغيير الكثير من الأمور الداخلية في شخصيتك، فينبغي للشركات ألا تتسرع في غرسها في أذهان الناس.
مخاوف أخلاقية
من جانب آخر، ذكرت وسائل إعلام غربية أنباء عن فتح وزارة النقل الأمريكية، تحقيقا في مزاعم متعلقة باستخدام شركة "نيورالينك" أساليب شحن غير صحية عند نقل غرسات الدماغ بشكل غير آمن، إلى جانب اتهامات أخلاقية أخرى بشأن التجارب على القرود.
لكن بحسب "واشنطن بوست"، فإن ماسك لا يأبه لهذه الاتهامات، ومستمر في الترويج لشركته، حيث عرض مؤخرا قردا يلعب لعبة فيديو بدون أدوات تحكم، وعبر دماغه فقط.
ووفقا للصحيفة فإن الشركة لم تعلن عن أي آثار سلبية للزرعات في الدماغ، ويصر ماسك على أنها ستحسن صحة المرضى، لا سيما مرضى الشلل النصفي.
وتقول الصحيفة إن بعض المخاوف هي بسبب سيطرة ماسك على الحيوانات عبر الزرعة، وإذا ما كان سيسيطر لاحقا على البشر والمجتمعات.
المصدر: عربي 21