هالوين بالسعودية.. من مناسبة ممنوعة إلى حدث منتظر
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحفية فيفيان نيريم، قالت فيه إنه قبل بضع سنوات فقط، كان الاحتفال بعيد الهالوين يعني الاعتقال في السعودية. الآن، تعني "عطلة نهاية الأسبوع المرعبة" التي ترعاها الحكومة ومتاجر الأزياء التي نفدت بالكامل والمهرجون المخيفون. "السعودية تتغير"، قال شاب كان يتخفى بزي ساحر.
Table of Contents (Show / Hide)
وقف ياسر الهزازي في أضواء غريبة، وتوقف لضبط الشاش الملفوف على رأسه ووجهه والملطخ بلون الدم. انحنى ابن عمه يحيى للمساعدة، ففك طرفا فضفاضا يتدلى على رداء قريبه الأبيض - ملطخ ببصمة يد دامية - قبل أن يتجول الاثنان وسط حشد من الناس يلبسون قرون الشيطان وآذان الأرانب.
نشأ الرجلان في السعودية، ولم يحتفل الرجلان البالغان من العمر 21 عاما بعيد الهالوين، والذي كان يُنظر إليه بشكل مختلف على أنه عيد أجنبي وثني -أو على أنه إثم وغريب وغير ضروري- في المملكة الإسلامية المحافظة. في الآونة الأخيرة في عام 2018، داهمت الشرطة حفلة عيد الهالوين واعتقلت أشخاصا، ما جعل النساء اللواتي يرتدين الأزياء التنكرية يسارعن لتغطية أنفسهن ويهربن.
لكن هذا العام، بدت أجزاء من الرياض، العاصمة السعودية، وكأنها مخلوقات من منزل مسكون هربت واستولت على المدينة. كانت الوحوش والسحرة ولصوص البنوك وحتى الخادمات الفرنسيات المثيرات في كل مكان، متكئات من نوافذ السيارات ويتسكعن في المقاهي.
كان المشهد علامة صارخة -ومخيفة بعض الشيء- على التغييرات التي مزقت السعودية منذ أن بدأ ولي العهد محمد بن سلمان، الذي أصبح الآن وريث العرش ورئيس الوزراء، في الصعود إلى السلطة في عام 2015 وبدأ في التخلص من القيود الاجتماعية واحدا تلو الآخر.
وكان أبناء العم، جنبا إلى جنب مع الآلاف من الأشخاص الآخرين في العشرين من العمر في الرياض الذين هرعوا للوصول إلى محلات الأزياء في المدينة قبل بيعها بالكامل، سعداء بفرصة تخويف بعضهم البعض.
قال يحيى الهزازي: "إذا عدنا إلى ما كنا عليه الآن، فهذا لم يكن جزءا من عاداتنا وتقاليدنا"، بينما كانت الموسيقى المخيفة تُعزف عبر مكبرات الصوت في بوليفارد الرياض، وهو مجمع مترامي الأطراف من المحلات التجارية والأروقة والمطاعم افتتح في عام 2019 كجزء من مساعي الحكومة لتوفير الترفيه. "نحن نحب اكتشاف أشياء جديدة".
هذه السعودية، حيث يسود الغموض الاستراتيجي وحيث تجتاح التغييرات الاجتماعية جميع أنحاء البلاد، لم يكن الحدث الذي ترعاه الحكومة، بالمعنى الدقيق للكلمة، مهرجانا للهالوين.
بدلا من ذلك، تم الترويج له على أنه "عطلة نهاية أسبوع مرعبة"، والتي تتزامن بشكل ملائم مع عطلة نهاية الأسبوع التي تسبق عيد الهالوين.
مثل العديد من أولئك الذين احتشدوا في المجمع الترفيهي ليلة الخميس -ما أدى إلى ازدحام الحي المجاور وسد الطريق وجعل البحث عن موقف للسيارة لا جدوى منه- أراد أبناء العم من عائلة الهزازي أزياء تجذب الانتباه.
قاما بعمل زي المومياء المؤقتة الخاصة بهم باستخدام الشاش الطبي الذي اشتروه من الصيدلية وللحصول على لون الدم صبوا عليه شراب التوت (فيمتو).
أثناء توجههم إلى الداخل، أضحت الأضواء الحمراء مزاجا غامضا وزينت الشجيرات أنسجة العنكبوت. ملأ الرجال والنساء والأطفال ساحة شبيهة بساحة تايمز سكوير، والتقطوا الصور أمام شعار ديور يلتهمون البطاطس المقلية في مطعم ماكدونالدز.
في جزء آخر من المدينة، امتد خط من الغيلان والعفاريت إلى أسفل المبنى خارج متجر للحفلات يبيع الكثير من أزياء الهالوين لدرجة أن الموظفين بالكاد يستطيعون إعادة ملء الرفوف بالسرعة الكافية. وموسيقى المتجر يمكن أن تسمع من بابه، ويحرسه حارس يرتدي حلة سوداء.
قال عبد العزيز خالد، 23 عاما، طالب التجارة، في انتظار دوره في الصف: "السعودية تتغير". وقال، وهو يتحول بسلاسة بين اللغتين العربية والإنجليزية، إنه يعتزم ارتداء ملابس ساحر هذا العام.
في انتظاره، أرادت ريما الجابر، البالغة من العمر 23 عاما، والتي لديها غرة شقراء بلون الكراميل، أن تذهب كملاك بأجنحة بيضاء للاحتفال في منزل إحدى الصديقات. وقالت: "ولكن يمكن أن أكون ملاكا أسود. علينا أن نرى ما لديهم من أزياء".
مثل معظم السعوديين، لم تحتفل الجابر مطلقا بعيد الهالوين، رغم أنها شاهدته في الأفلام. تم حظر السحر والشعوذة -مع محاكمة بعض الممارسين المتهمين وقطع رؤوسهم من قبل الدولة- وكان الاحتفال بأعياد غير إسلامية مثل عيد الحب وعيد الميلاد وعيد الهالوين من المحرمات.
كانت السعودية أثناء طفولة الجابر، تمنع النساء من القيادة، وكان يُطلب منهن ارتداء عباءات طويلة على الأرض تسمى العبايات في الأماكن العامة، وتلتجئ بها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للصراخ في وجههن لتغطية شعرهن ووجههن.
تطلب عدد لا يحصى من قرارات الحياة موافقة ولي الأمر الذكر، وتم فرض الفصل بين الجنسين في المكاتب والمقاهي والعديد من الأماكن الأخرى. كان تشغيل الموسيقى في الأماكن العامة محظورا تقريبا.
في عام 2016، أعلن الأمير محمد عن خطة تنويع اقتصادي دعت إلى تحويل المملكة إلى قوة استثمارية ومركز أعمال عالمي. فقدت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلطتها في إجراء الاعتقالات - ما جعلها في الغالب من دون أسنان - وسُمح للنساء بقيادة السيارات. تم التراجع عن العديد من قيود نظام ولاية الرجل، على الرغم من بقاء قيود أخرى.
بدأ الأمير محمد، 37 عاما، أيضا حملة لتطوير خيارات الترفيه كقطاع اقتصادي جديد بعيدا عن النفط. يقول العديد من الـ 58% من السعوديين الذين تقل أعمارهم عن الـ30 عاما إنهم كانوا يتوقون للترفيه قبل التغييرات.
فتحت دور السينما أبوابها لأول مرة منذ عقود، وسيطرت سلسلة من الاحتفالات التي ترعاها الحكومة على المملكة. أكبرها هو "موسم الرياض" المستمر، وهو سلسلة رائعة امتدت لأشهر وستتوج بدي جي خالد وبرونو مارز بأداء في حفلة صاخبة في الصحراء.
لقد تركت التغييرات بعض السعوديين في حالة من الذهول والبعض الآخر غاضبا أو مهموما، حيث لا يمكن التعرف على البلاد تقريبا للأجانب والمواطنين على حد سواء.
ترافق تخفيف بعض القيود الاجتماعية أيضا مع زيادة ملحوظة في القمع السياسي، مع حملة قمع ضد المعارضة المحلية أدت إلى سجن مئات الكتاب والنشطاء وأصحاب النفوذ على "سناب شات" إلى جانب المليارديرات ورجال الدين وأفراد العائلة المالكة.
على وسائل التواصل الاجتماعي، استخدمت الحكومة مزيجا من التلاعب والسيطرة، ما أدى إلى خطاب موحد بشكل متزايد يبجل ولي العهد وخطته "رؤية 2030".
في السر، يشكو بعض السعوديين من أن الدفع نحو الترفيه يبدو وكأنه إلهاء عن التحديات الاقتصادية، مثل ارتفاع معدل البطالة بين الشباب، والتحديات السياسية، مثل الافتقار إلى حرية التعبير.
الجو الفوضوي الشبيه بالكرنفال يُسمح له بالاندلاع لفترة وجيزة في مناسبات مثل العيد الوطني السعودي، والآن يتم تعبئة زجاجات الهالوين مرة أخرى بسرعة.
لكن أي عذر للاسترخاء أمر مرحب به لدى الكثير من الشباب.
قال رعد الكامل، 25 عاما، وهو مدير متجر في "بارتي إكسبيرتس"، حيث يكون عيد الهالوين أكثر أوقات العام ازدحاما: "نرى ما تفعله الحكومة هنا، وهو أمر رائع، ويساعد الناس حقا".
قال، وهو يرتدي شيطانا أحمر صغيرا على كتفه: "ربما يريد الناس فقط إسقاط الحياة والاحتفال فقط ونسيان كل شيء! على الأقل للحظة، حتى يعودوا إلى الحياة الحقيقية".
يبدو أن احتفالات عيد الهالوين العامة في نهاية هذا الأسبوع، وهي السنة الثانية التي تقام فيها، تجتذب عددا أكبر من البالغين أكثر من الأطفال. في محل "بارتي إكسبيرتس"، تم وضع أزياء الأطفال في قسم صغير في الخلف.
في المقدمة، نظر شبان إلى جدار من الأقنعة المطاطية متقنة ومرعبة. كانت اختيارات الملابس للنساء ساحقة. كان هناك امرأة مشاكسة والقراصنة وفتاة المدرسة الكلاسيكية، وأرنب.. وخادمة متطورة وخادمة فرنسية جميلة ومناسبة، وساحرة قطة وساحرة بحر قائظ وساحرة تسلب اللب، وزي روبين هود.
في منتصف الليل -عندما يتدفق آخر العملاء ويغلق المتجر- تستمر الموسيقى في العمل حيث يتحول المتجر إلى حفل صغير يستمتع به الموظفون بعد يوم طويل على أقدامهم، كما قال الكامل.
بدا أن بعض المحتفلين في الرياض بوليفارد سيتي لديهم فكرة غامضة عن ماهية الهالوين، وقد جاءوا ببساطة للاستمتاع بالجو.
قام عبد العزيز العتيبي، 24 عاما، بتنسيق ملابس متناسقة مع صديقين، ملفوفين بنسيج أبيض لامع من الرأس إلى أخمص القدمين، مع نظارة شمسية بإطار أرجواني.
بدا غير متأكد عندما سئل عن رأيه في الهالوين، فقال: "هل تقصدي هذه الأنشطة؟". بغض النظر، كان يقضي وقتا ممتعا مع أصدقائه، حيث كان حريصا على التقاط الصور. قال: "لقد ولدت في هذه الحياة ولم أتوقع أن تتغير أبدا. لكنها تغيرت، وهذا شيء جيد".
المصدر: القدس العربي