استقالات بالمئات في مختلف الهيئات الكويتية
الكويت في الأسابيع الماضية شهدت، موجة استقالات واسعة شملت مسؤولين وقياديين في مختلف الوزارات والإدارات والهيئات الحكومية، آخرها وأكبرها كان في آخر يوم عمل من العام 2022، والذي شهد ما لا يقل عن 14 استقالة.
Table of Contents (Show / Hide)
هذه الاستقالات التي قدرت بالمئات، في مختلف الوزارات والأجهزة والمؤسسات الحكومية، تعد سابقة لم تحدث في تاريخ الحكومات الكويتية بهذا العدد، فيما كان هناك على الجانب الآخر بعض القيادات التي تم إنهاء خدماتها.
ودفعت هذه الاستقالات بالإعلام المحلي في البلاد إلى نشر تقارير عديدة، تساءلت عن الأسباب التي أدّت إلى هذا الحال.
مصادر متقاطعة أوضحت لصحيفة "الراي"، تفاصيل المشهد وخلفياته، مشيرة إلى أن قسماً كبيراً من القياديين حرص على الاستقالة قبل بداية العام 2023، للاستفادة من الميزة الاستثنائية المقررة للتقاعد والمُقدّرة بـ80% من آخر راتب شهري كان يتقاضاه القيادي.
هذا التحرك جاء في ظل معلومات شبه مؤكدة، عن توجه حكومي لإلغاء القرار الذي ينص على هذه الميزة، اعتباراً من 31 ديسمبر/كانون الأول 2022.
وهذا القرار صادر عن مجلس الخدمة المدنية في اجتماعه رقم 4 لسنة 2019 المنعقد بتاريخ 19 مايو/أيار 2019، وينص على ما يلي: "الموافقة على منح معاش استثنائي بما يصل بالمعاش التقاعدي المستحق للقيادي إلى ما نسبته 80% من آخر راتب شهري كان يتقاضاه، وذلك شريطة أن يكون قد أمضى مدة خدمة بالوظائف القيادية لا تقل عن 4 سنوات، وذلك في حالات انتهاء الخدمة بالإحالة إلى التقاعد أو بالاستقالة أو بعدم التجديد".
وأوضحت المصادر أن القياديين في السابق كانوا يحصلون على نسبة تتراوح بين 80 و95% من أساس راتبهم، بعد حذف قيمة البدلات التي يشتمل عليها إجمالي الراتب، وبالتالي فإن هناك مكسباً إضافياً كبيراً للقيادي تصل نسبته إلى ما بين 25 و30%.
وأضافت أن "المعاشات التقاعدية للقياديين تختلف من حالة إلى أخرى، ولكن في المتوسط كان يصل راتب القيادي المتقاعد إلى نحو 2500 دينار (8222 دولارا) بحد أقصى، يضاف إليها نحو 1000 دينار (3290 دولارا) للوزير الذي مكث في مدة خدمته سنتين على الأقل".
وتابعت: "أما بعد قرار 2019 بات الراتب التقاعدي يصل إلى نحو 3500 دينار (11511 دولارا)".
ووفق تقارير أخرى، فإن الأسابيع الأخيرة من 2022 ، شهدت ما يشبه بجلسات المصارحة بين قياديين انتهت فتراتهم أو آخرين يفصلهم عن انتهاء فتراتهم أشهر وبين وزارئهم، حيث كان السؤال المتكرر والمباشر: "هل سيتم التجديد لي مرة ثانية؟".
وعملياً الإجابة من الوزير المختص نادراً ما تكون "نعم"، وكثيراً "لا"، أو بما يحتمل القسمة على اثنين.
ووقتها يُسارع القيادي بسؤال الوزير عما إذا كان بإمكانه الاستقالة الآن مع إمكانية حصوله على ميزة الـ80%، وهو ما يقابله الوزير عادة بالموافقة، وهنا تبدو الاستقالة "مبررة"، وبدافع تأمين الدخل مستقبلاً بأعلى نسبة قانونية ممكنة.
ولفتت المصادر إلى أن القياديين الذين استقالوا لن يحصلوا جميعاً على معاش استثنائي بـ80% من آخر راتب تقاضوه، لأن قرار مجلس الخدمة المدنية يشترط في حالات انتهاء الخدمة بالإحالة إلى التقاعد أو الاستقالة أو بعدم التجديد، أن يكون القيادي المستفيد أمضى 4 سنوات في وظيفته القيادية.
وبجردة سريعة للأسماء المستقيلة أخيراً، يُلاحظ أن بعضها لم يمضِ سوى عامين، فيما قضى آخرون في مناصبهم أشهراً فقط، ما يعني أنهم لن يستفيدوا من هذه الميزة.
وفي هذا الصدد، قالت المصادر إن هناك أسباباً أخرى غير فائدة ميزة المعاش التقاعدي، دفعت الكثير من القياديين للاستقالة، من بينها رغبة بعض الجهات بالتجديد وإفساح المجال أمام الشباب.
من جانبها، نقلت "القبس" عن مصادر وصفتها بـ"المسؤولة"، أنّ "هذا العدد الكبير وغير المسبوق من المستقيلين يزيد المشكلات في جهات الدولة، ويعمّق حالة اللااستقرار، ما يستلزم وقفة حاسمة، ووضع خطة عاجلة لشغل المناصب القيادية الشاغرة وتعيين قياديين فيها بالأصالة".
وأشارت إلى أنّ هذه الاستقالات "تعمّق المشكلات وتعطل المشاريع القائمة"، لافتةً إلى أنّ بعضها يكشف عن "التخبط وسوء التخطيط والتراخي في تنفيذ المشاريع الحيوية".
وجهة نظر أخرى، أشار إليها الكاتب والمحلل السياسي الكويتي "حسن الموسوي"، حين كشف أن كبار المسؤولين في الحكومة وكثير من القياديين، جرى تخييرهم بين الإقالة أو الاستقالة، وخافوا وفضّل كثير منهم الاستقالة، "لأنّ العهد الجديد في القيادة السياسية حالياً يشهد موجة تغييرات شاملة في قيادات الدولة، الأمر الذي دفع بهؤلاء إلى تقديم استقالتهم بأنفسهم".
وأشار إلى أنّ "ما ساهم في هذه الظاهرة أيضاً، تقديم عرض من جانب الحكومة لهؤلاء المستقيلين، عبر منحهم حوافز للتقاعد والحصول على 80% من رواتبهم الحالية كراتب تقاعدي، بدلاً من أن يكون أقل من ذلك، لذا فضّل كثيرون منهم التقاعد حالياً للحصول على هذه الميزة والحوافز".
وأعرب "الموسوي" عن عدم اعتقاده بأنّ هذه الحركة الشاملة في تغيير قيادات الدولة سوف تحل الأزمة الحالية في البلاد، لأنّ الأزمة ليست أزمة قياديين بالدرجة الأولى، بل تضخم الأجهزة الحكومية، وكثرة البيروقراطية، والبطالة المقنّعة في الجهاز الحكومي، وتشابك الاختصاصات، الذي أوصل إلى هذه البيئة الحاضنة للفساد.
المشكلة وفق "الموسوي"، أنّ الجميع يتهرب من هذه المسؤولية أو مواجهة المشكلة الرئيسية المتمثلة في تضخم القطاع العام، لا من جانب الحكومة، ولا من مجلس الأمة، والاستعداد لمواجهة هذه الظاهرة والاعتراف بها للمواطنين.
وشدد "الموسوي" على أهمية وضرورة تقليص الحجم المتضخم للقطاع العام، الذي تحول إلى "غول" يلتهم كل ما أمامه ومحاولة تغيير نظام الدولة، من هيمنة القطاع العام على الاقتصاد، عبر إعطاء الدور الرئيسي في تحريك الاقتصاد إلى القطاع الخاص، والأعمال الحرة، وأن تعود الحكومة إلى حجمها الحقيقي الصغير، ويكون دورها فقط في تنظيم الأمور بدلاً من إدارتها.